بأسلوب ومنهج تتساوى فيه الرؤية والإدراك في عملية البحث الذهني طرح الفنان أحمد عبد الكريم مجموعة من المشاهدات والأبعاد والظواهر والأشياء في بيئته، والتي يتعين على المصور مراقبتها بدقة ليقدمها للمتلقي بصياغة تتوافق فيها الأفكار وحالات الروح كفن معاصر تميل عناصره إلى أن تتجمع  لتكون كلاً يحاكي صيغ 
شكلية سائدة في فنون حضارة وادي النيل وعشق الإنسان المصري.

أبجدية دهشور خطوة مكملة لحكايات هدهد عبد الكريم، ولكنه أحياها هذه المرة بافتراضات جديدة تحمل بعدها التعبيري الشاعري جدا، من خلال الرموز التي تكشف عن المعاني التي ترتبط بحياة وطبيعة الإنسان الدهشوري والذي أغنى الموضوع المشاعري للموضوع.. أفصح الهدهد هذه المرة عن أسراره، ولم يبق متكتما كما في السابق، أدلى بعمق عن الحالة المزاجية التي أثرت الموضوع .

أبجدية دهشور لعبة منظمة لها أشكالها وألوانها المتولدة عن خطوط غير مقيدة ومساحات لونية أحادية متجانسة تحمل شفافيتها، عززت آليات الارتباط بين اللون والحركة جماليًا وبنائيًا كفن بصري معاصر، توافقت فيه درجة اللون داخل العمل الفني مع خفوت ذلك اللون في مساحة ما مع مساحة معتمة أخرى، وانعكاس صور بعضها على مياه النيل وانبثاق زهرة اللوتس من قرار النهر. نفذت بأسلوب غير مألوف لدى المتلقي لأعمال الفنان السابقة، صاغها بتقنية امتزجت فيها عناصر العمل الفني بمشاعره وعواطفه، تفاعلت مع أفكار ورؤى فلسفة الفنان عبد الكريم ونظرته العامة للحياة من حوله وتفاعله مع مفردات الطبيعة في دهشور وحتى جمهوره. حيث أتاح 
لهذه اللعبة أن تنتظم بلا نظام في تراكيب خلقت حوارات لموضوع مركب غير جامد، دخل عناصره الخيالية والفكرية لتتميز به على الشكل الحقيقي نفسه، نظم تلك الأشكال - الهدهد، الحمار، المرأة ،المركب، النقوش المصرية القديمة والأشكال الفرعونية، زهرة اللوتس والنيل – والتي تعتبر المحور الأساسي في العمل الفني، بألفة 
تقرب المشاهد من العمل الفني بسهولة وبنضج من خلال اتحاد الرؤية مع الإحساس ليشكل الرؤية الجمالية (الحدسية)، وهذا ما أحسست به حين رأيت الأعمال لأول مرة وعلى عجل، فعدت لقراءتها بروية، أكثر ما أدهشني الانتقال الجميل بإظهار الإحساسات الدينمية في جميع أعمال المعرض بل نجح في تمثيل عامل الحركة وسكونها داخل الأشكال والإيقاع اللوني، مما جعلني أعيد مشاهدتها ثلاث مرات لعذوبتها .

    ان الإسقاطات المائلة للخطوط وتعامد بعضها ثم تضاءل الحجم  وتقدم اللون وتراجعه منح الأشكال جمالها وأضاف إلى شعور المتلقي خفة بعضها وبثقل وقوة حدة البعض الآخر وهذا سوف يمنحها تعبيرها لديه. استطاع من خلال استعماله الألوان المائية هذه الخامة الساحرة أن تتهادى أشكاله بيسر لتعكس شفافيتها بقليل 
من ضربات الفرشاة، وبعدد من الدرجات للون الواحد تمكن أن يخلق عالم جديد بعفوية وتحكم أعطاها الطزاجة والقدرة على الارتجال ..انه انتهز الفرصة في وضع بقع اللون لترتطم بسطح اللوحة والتي لا يمكن التكهن تماما بالشكل الذي ستأخذه وستستقر عليه مما يدل على المقدرة على استخدامها وتطويعها لخدمة العمل الفني 
بالإضافة والحذف، أنها عملية تحتاج إلى يقظة.. وهذا ما تميز به الفنان في الفن الفرعوني فان جذور هذا الفن ضاربة في فن الرسم عند المصريين .

عايدة الربيعي- 2014