الناشر
ماينشر
يعبر عن وجهة نظر الكاتب أو المصدر ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارةمنبرحر
النَّـــــــــــوازِلُ - بقلم : د\محمد فتحي راشد الحريري |
مقالات - صفحة الدكتور/ محمد فتحي راشد الحريري |
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS |
الثلاثاء, 05 مايو 2015 06:28 |
النوازل في لغة العرب جمع مفرده ( نازلة) ، وتجمع نازلة أيضا على (نازلات) وهو اسم فاعل من الجذر الثلاثـي ( ن ز ل ) وضدُّهُ صعد . ومعجميّـاً : النُّزول بالضَّمّ : الحُلول وهو في الأصلِ انحِطاطٌ من عُلوّ ، وقد نَزَلَهم ونَزَلَ بهم ونَزَلَ عليهم يَنْزِلُ كَـ(يَضْرِب) نُزولاً بالضَّمّ ومَنْزِلاً كَمَقْعَدٍ ومَجْلِسٍ ،وهذه شاذّةٌ( أي بكسر الزاي) أنشدَ ثعلبٌ : : أَإنْ ذكَّرَتْكَ الدارُ مَنْزَلَهــا جُـمْـلُ *** بَكَيْتَ فَدَمْعُ العَينِ مُنحَدِرٌ سَجْـلُ
أرادَ أَإن ذكَّرَتْكَ نزول جُمْلٍ إيّاها الرفعُ في قولِه مَنْزَلُها صحيحٌ وأنّثَ النزولَ حين أضافَه إلى مُؤنَّثٍ قال ابنُ بَرِّي : تقديرُه أَإِنْ ذكَّرَتْكَ الدارُ نُزولَها جُمْلُ فجُمْل : فاعِلٌ بالنُّزول والنُّزول : مَفْعُولٌ ثانٍ بذَكَّرَتْكَ . وأورد صاحب اللسان :التنزيلُ: الترتيب. ونَزالِ، مثل قطامِ ، بمعنى انزِلْ ( لو قلت لشخصٍ : نَزال أي انزلْ ، وأصب شيئاً من الضيافة). وهو معدولٌ عن المُنازَلة، ولهذا أنّثه الشاعر بقوله: ولِنعْمَ حَشْوِ الدِرع أنـتَ إذا دُعِيَتْ نزالِ ولُجَّ في الذُعْرِ والنزالُ في الحرب: أن يتَنازل الفريقان. والتنَزُّلُ: النُزول في مُهلة. والنازِلة: الشديدة من شدائد الدَهر تنزِلُ بالناسِ. والنُزالةُ بالضم: ماءُ الرجل. وقد أنزلَ. ونزل القوم، إذا أتَوْا مِنًى. قال ابن أحمر: وافَيْتُ لمَّا أتاني أنَّها نزَلـتْ إنَّ المَنازِل مما تجمَعُ العَجَبا أي أتَت مِنًى. والنزلةُ، كالزكام، يقال به نَزلة، وقد نُزلَ. وقوله تعالى: "ولَقَد رآهُ نَزْلَةً أخرى" قالوا: مَرَّةً أخرى. والنَزيلُ: الضَيفُ. وقال الشاعر: نزيلُ القومِ أعظُمُهم حقوقاً وحقُّ الله في حقِّ النزيلِ وقوله تعالى: "جَنَّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلاً" قال الأخفش: هو من نزول الناسِ بعضهم على بعض. يقال: ما وجدنا عندَكُم نزلا أي ضيافة ، وهو المفهوم من قوله تعالى : (( نُزُلاً من غفورٍ رحيم )) سورة فصِّلت \ 32 ، وسُمِّي النزل بهذا الاسم : إما لأنه ينزل إلى الضيف أو ينزل الضيف إليه ، وينزل كل ضيفٍ بالعادة إلى منزلته لدى المضيف ... ويقصد أهل الفقه بمصطلح "النوازل" المعاصر ، الطوارئ والأمور المستجدّة التي يلزمهم الإجتهاد لمعرفة حكمها ، فهي مُسْتَجدّة وقد لا يكون حكمهـا معلومـاً ! فكما أن اللغة تعني أن النوازل من شدائد الدهر ونكباته ومصائبه ، فكذلك المعنى الاصطلاحي لا يبتعد كثيرا عن دلالة اللغة ‘ فالوقائع الجديدة أمور تحتاج إلى بين الحكم ، وهي مصيبة للمتورِّع إذا لم يعرف حكمها ، وفي فقه النوازل أو الطوارئ نجد أنَّ الفقهاء بحثوا ونشطوا واجتهدوا فأبانوا الحلول الشرعية لأن الاجتهاد فرض كفائـي بحق جماعة المسلمين . نقول : النوازل ومعرفة الحكم الشرعي من العلوم المعتبرة والمعروفة عند العرب منذُ أقدم العصور ، وذلك لِعِـدَّة أدلَّــة : أولها أن كل أمر معلوم وقديم – الآن – كان جديـداً في زمن من الأزمان . ثانيهــا أنه بُعيد وفاة النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وسلم) بدأت الحاجة للاجتهاد واجتهد علماء الصحابة ، وكان النبيُّ قد أذِنَ لهم بالاجتهاد إبَّـان حياته . وهذا الإجتهاد هو من فقه النوازل في حينه ! "ثالثهـا وجود مؤلفات فقهية في فقه الطوارئ ، أبرزها من الكتب المعاصرة كتابان لأبي عيسى سيدي المهدي الوزاني (1266 هـ - 1850م، / 1342 هـ 1923م)هما " النوازل الصغرى" و"النوازل الكبرى "،الأول في أربع مجلدات والثاني ثمانية ، وأشار صاحبهما إلى من سبقه ، ومن الجدير بالذكر أن مؤلفات الأئمة الأربعة ( أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ) كلها تعتبر من فقه النوازل في زمنـهــا ، وخاصة مسائل الفقه الإفتراضي التي برع فيها فقهاء الحنفية ونحى مسلكهم سائر الفقهاء .وبتجريد العامل الزمني فإنَّ الموطّـأ لمالك وفقه أبي حنيفة وكتاب الأم للشافعي والمبسوط للسرخسي والمجموع للنووي والمغني و .... كلهــا كتب موضوعـهــا " فقه النوازل "في عصرها . وتبرز أهمية فقه النوازل عند العرب من أهمية الاجتهاد نفسه ، لتأكيد كمال الشريعة ومرونتها وإنــارة سبيل الناس بالأحكام الفقهية وتبليغ أمانة الدعوة . بل ونؤكد أن الأحكام الشرعية سُمِّيت بالشرعية أي منسوبة للشريعة ، باعتبار الشريعة في لغة الجذور تعني مورد الماء ، أو النهر ، فكما أن الماء فيه حياة الأبدان فإنَّ الشريعة فيها حياة الأفهام والعقول والأفكار والأرواح . ولئن افتخر المجتهدون المعاصرون ببحث مسائل مستجدة أفرزتها الحضارة المعاصرة مثل تدوير المياه العادمة( مياه الصرف الصحي ) والبحث في مشروعية تصنيع مواد التجميل التي يدخل فيها شيء من الأجنّـة ( كالمشيمة مثلاً) ومدى صحة استعمال الحسابات الفلكية لتحديد مواعيد الحج والصيام والصلاة ، وكيفية الصلاة والصيام في البلدان القريبة من القطب و و و ....غيرها ، فإننا نؤكد أن هناك مسائل طارئة أهم وآكد مما ذكرنا وهي من النوازل في عصرهــا ، ونسوق أمثلة جذورية عليهــا : الاستحالة هل تطهِّر المائعات ، فالخمر هل يتحول إلى مادة طاهرة إذا تحول إلى خَـلّ ، وكذلك المواد الدسمة إذا تنجست أو خالطها شيء نجس ، هل تطهر بالتصبّن ( تحولها إلى صابون) ؟! وبحثوا أيضاً في الحسابات الفلكية واستعمال الدواء لرفع الحيض ، وجواز استعمال المياه العادمة في ريّ المزروعات . كما أسهبوا في البحث لإيجاد آلية يصوم بها أهل البلاد القطبية وكيف يؤدون صلاتهم ، من خلال حديث الدجال الذي أخبر النبيُّ الأعظم أنه يعيش أربعين ، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وباقي أيـامـه كسائر الأيام وانبرى يومها أحد الصحابة سائلا عن الأيام التي كسنة أو كشهر كيف نصوم ونصلي فيها. فقال لهم النبيّ الأعظم :( اقدروا له ) أي احسبوا . وهكذا فتح لهم باب اجتهاد وعصف ذهني عريض ! ومثل هذا يبرز اليوم في المناطق القطبية ، وهي التي يكون يومها سنةً وسنتها يومـاً . ففي القطبين تتناوب عليهما ستة أشهر من النهار وستة أشهر من الليل كما هو معلوم . كما بحثوا منذ القديم في تحضير أدوية ترفع الحيض أو تؤجِّله وهو ما يهمُّ النساءَ خلال الحج . إذن فَزَعْـمُ من ادَّعـى تفرّده في بحث فقه النوازل إنما هو زعم متعسف وليس له برهان ، ففقه النوازل قديم في حضارتنا قِدَم الفقهِ والتشريعِ نفسِه . ويطيب لي أن أطرح بعض النوازل المعاصرة مشاريعَ اجتهادية وبحثية للمجتهدين الجدد : حكم دخول الكحول كضرورة صيدلانية في الدواء ( مذيب عضوي ) ، وقديما عرفوا البحث في مدى جواز استعمال شحم الخنزير كمذيب عضوي فرضه الواقع الطبي ! مسائل التنظيف الجاف . جواز شرب المياه العادمة والوضوء منها إذا ما تمَّت معالجتها الثلاثية . تطبيقات معاصرة للقواعد الفقهية : " إذا زال الموجب زال الموجب " . " المغلوب المستهلك كالمعدوم " . " حرمة الميت كحرمته حيَّــاً " , والحي أهم من الميت , و........ غير ذلك من قواعد ، مع ملاحظة وجوب أن تضم المجامع الفقهية أطباء وصيادلة وعلماء في الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الذرة وسائر الفروع العلمية التجريبية ، فهؤلاء من أهل الذكر المشمولين بالآيــة الكريمة : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) سورة النحل \ 43 .ولقد مرَّ بي متفيقه كفَّـر جميع من يتوضّؤون بمرشِّ الماء وحجّتُهُ أن المتوضِّئ لا يفرك عقبيه ولا يتعهّدهما ، فهم في عداد الحديث ( ويل للأعقاب ....) رواه في المسند\ الحديث رقم 24252، وفات صاحبنا أن الماء المضغوط بالرش يغني عن الفرك والدلك للقدمين ! قلت له : والله ما أرى بحاجةٍ إلى تدليك إلا مخك كي يتنشط ويصحو من غفلته !!! قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) سورة النحل \ 43 - 44: |