مؤتمر نيويورك :الغايات والحصاد والقضية الجنوبية - بقلم:الدكتور فارس سالم الشقاع طباعة
مقالات - مقالات عامة
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الاثنين, 27 سبتمبر 2010 20:12

 كشف مؤتمر نيويورك لـ "أصدقاء اليمن " المنعقد بتاريخ 24 سبتمبر 2010، عن فشل ذريع منيت به الدبلوماسية اليمنية، ولم يكن ذلك بالأمرغيرالمتوقع

فما كل هذه المؤتمرات الدولية المتتالية عن اليمن بدءا من مؤتمر لندن في ينايرالمنصرم، إلا  تعبير واضح عن إعلان فشل لا الدبلوماسية اليمنية فحسب بل كامل سياسات نظام صنعاء.

 

ولكي لا يأخذ الحديث طابع العمومية والإنشاء اللفظي دعونا نرى ماذا كان يريد نظام صنعاء من مؤتمر نيويورك وماذا كان يتوخّى من "أصدقاء اليمن" وماهو الحصاد الذي خرج به.

 

ماذا كانت الحكومة  اليمنية تتوخـّى من مؤتمر نيويورك وماهو الحصاد

ثمة نقطتان رئيسيتان كانتا تشغلان بال السلطة في صنعاء في ظل الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها النظام، أولاهما فتح الدول الخليجية أبوابها أمام العمالة اليمنية وثانيتهما إنشاء صندوق دولي لدعم التنمية في اليمن. 

 

أما النقطة الأولى أي فتح أبواب دول الخليج للعمالة اليمنية فالحديث فيها طال كثيرا ومن عدة شخصيات بدءا من الرئيس الى مستشاره الدكتورعبدالكريم الإرياني فوزير خارجيته الدكتور أبوبكر القربي الى غيرهم من المسئولين. ولمعرفة المستهدف على وجه التحديد من هذه النقطة نقرأ في صحيفة "الحياة" (30 أغسطس 2010) عن الأمين العام لمجلس الوزراء اليمني عبد الحافظ السمة أن الحكومة اليمنية تخطط لتأمين فرص عمل في دول مجلس التعاون الخليجي لنحو أربعة ملايين عامل يمني وبما يدرّ على البلد مبلغ 12 الى 23 مليار دولار.    

 

إذا ً هذا هو هدف الحكومة اليمنية: ترحيل أربعة ملايين شاقي يمني الى دول الخليج من أجل تأمين مليارات الدولارات للحكومة تخارج بها نفسها وتفك بها ضيقتها. ولاشك أن السلطات اليمنية بذلت جهودا شاقة وعلقت آمالا عريضة على تجاوب أصدقاء اليمن معها، فماذا كان رد ّمؤتمر نيويورك؟

 

نصّ بيان مؤتمر نيويورك في النقطة (هـ) ردا على هذا الطلب بقوله:

" يتعين على أصدقاء اليمن تعزيز المساعدات المقدمة لقطاع التدريب المهني والفني ودعم برنامج لزيادة مشاركة العاملين اليمنيين من ذوي المهارات في أسواق العمل المحلية وغيرها".

 

يالها من إهانة قاسية للنظام! ياله من إحباط للقيادة! ياله من فشل ذريع لسياسات الحكومة!  تدريب وتأهيل للعمالة اليمنية ولكن من أجل العمل في أسواق العمل المحلية وليس الخليجية! هذه النقطة الأولى.

 

أما النقطة الثانية التي كان يراهن عليها نظام صنعاء فهي إنشاء صندوق (مليان زلط) تغرف منه القيادة على محاربة الخصوم والإفساد وشراء الذمم ماتشاء بحجة دعم التنمية. وقد حظيت فكرة (الصندوق) باهتمام شخصي من جانب الرئيس حيث اجتمع في 15 سبتمبر الجاري بالوفد اليمني المتوجه لمؤتمر نيويورك ليؤكد لهم أهمية الخروج من  المؤتمر بالصندوق كما أورد الموقع الرسمي للحزب الحاكم " المؤتمر نت ". فماذا كان رد ّ أصدقاء اليمن؟

 

  نصّ بيان مؤتمر نيويورك في النقطة (ج) ردا على هذا الطلب بقوله:

" سيكون للإصلاحات الاقتصادية الضرورية تأثير كبير على الفقراء. ويلتزم أصدقاء اليمن بتقديم دعم إضافي لتوفير الحماية الاجتماعية، وبالاستمرار في تدارس آليات جديدة طويلة الأجل للتمويل لتدعيم الخطة التنموية لليمن، بما في ذلك فكرة تأسيس صندوق تنموي لليمن".

 

تبخرت الآمال! لقد رجع الوفد من نيويورك ولكن بدون صندوق! فالصندوق لمّا يزل فكرة ستتحول بعد التدارس الى نطفة ٍ ثم علقةٍ  ثم مضغةٍ .. اللهم طوّلك ياروح!     

 

هل هذا كاف ٍ لنعرف أن مؤتمر نيويورك كان إعلانا كبيرا مدويا عن فشل سياسات النظام اليمني وعدم تمتع قيادته بالحد الأدنى من الإحترام والمصداقية لدى "الأصدقاء".

 

مؤتمر نيويورك يعلن الوصاية السافرة على النظام اليمني 

ليس من الحق القول إن مؤتمر نيويورك قد أعلن الوصاية على النظام اليمني فهذه الوصاية قائمة منذ عهد طويل لكن مؤتمر نيويورك أماط اللثام عن هذه الوصاية وجعلها تظهر سافرة. ومنذ انطلق قطار "أصدقاء اليمن" من محطة لندن في يناير المنصرم مرورا بالرياض وأبوظبي فبرلين وأخيرا نيويورك، كان المؤتمرالأخير هو الأكثر قسوة والأشد وطأة على النظام.

 

وقد برزت الوصاية الدولية علي النظام اليمني من خلال قرارين اتخذهما مؤتمر نيويورك وردا في بيانه كما يلي:

1. " أيـّد أصدقاء اليمن تأسيس مكتب لدول مجلس التعاون الخليجي في صنعاء ليساعد كافة المانحين على تخطيط وتنسيق وتقديم المساعدات لليمن بشكل أكثر فعالية ".

إذا ً هذه أول مرة يؤسس فيها مكتب لدول مجلس التعاون الخليجي في صنعاء ليمثل ليس فقط الدول الخليجية بل كافة الدول المانحة. وستكون مهمة هذا المكتب تخطيط المشاريع التي تمولها الدول المانحة وإدارتها ومراقبتها والإشراف على تنفيذها بمعزل عن وزارة التخطيط اليمنية، أي أنها ستكون دولة داخل الدولة.

2. " يتعين على رؤساء البعثات في اليمن التواصل مع الحكومة اليمنية لمتابعة نتائج اجتماع نيويورك والإعداد لاجتماع الرياض".

هذا يعني أن سفراء " أصدقاء اليمن " سيتولون الإشراف على الحكومة اليمنية ومراقبتها وتوجيهها في أدائها بشأن تنفيذ مقررات مؤتمر نيويورك. فهل هذا هو التجسيد العملي لماورد في البيان عن مصادقة "أصدقاء اليمن" على مبدأ عدم التدخل بشئون اليمن الداخلية؟ وهل ثمة تدخل ٌ أكبر من هذا؟

 

مؤتمر نيويورك والصراع السياسي في اليمن

كي تكتمل الصورة لابد لنا من الوقوف على مقررات المؤتمر التي لم يكن نظام صنعاء يرغب في سماعها من أصدقائه لأنها مبعث قلق شديد لديه. ومن أخطر تلك المقررات على النظام إعلان " أصدقاء اليمن" عن تشجيعهم ودعمهم لما يسمى بالحوار الوطني باعتباره في نظرهم "أفضل أساس لتنمية الأمن والاستقرار الدائمين". واتفق "الأصدقاء" على " ضرورة تطور الحوار على وجه السرعة الى مناقشات جادة مابين الأطراف السياسيين الرئيسيين وغيرهم ".

 

هذا كلام لايريد النظام أن يسمعه. أن يتطور الحوار وعلى وجه السرعة الى مناقشات جادة، هذا كلام خطير وتدخل مباشر في سير الحوار. ونستطيع أن نقيس درجة الضغط الشديد على النظام من قبل "أصدقاء اليمن" من خلال إعلان السلطات عن وعد صالح بحل اللجنة العليا للإنتخابات عقب لقائه السيد ليس كامبل نائب مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي لشئون الشرق الأوسط وشمال افريقيا ليفتح ذلك الوعد أمام الحوار أفقا جديدا طالما تمنته أحزاب اللقاء المشترك.

 

القضية الجنوبية المحـرك الرئيسي في الصـراع وعقبتـه الكأداء

ولكن ماذا عن قضية شعبنا الجنوبي؟ أين موقعها من كل هذا الصراع الدائر والمؤتمرات الدولية؟ في تحليل لنا نشرناه بشأن مؤتمر لندن (يناير 2010) قبل انعقاده ذكرنا أن أسباب تصاعد الاهتمام الدولي ارتبط بصورة مباشرة بما يجري في جنوبنا الحبيب من انتفاضة شعبية عارمة على نظام صنعاء ومطالبته بفك الارتباط واستعادة الدولة الوطنية. وفي خلاصة ذلك التحليل أشرنا الى أن الجهود الدولية تنصب للبحث "عن شروط لحل المشكلة اليمنية تضع في المقام الأول المصالح الإقليمية والدولية، وضمن هذا الإطار يتمّ النظر الى قضيتنا الجنوبية كجزء من قضية اليمن الموحد". كما اختتمنا بالقول إن "مؤتمر لندن لا يظهر من ملامحه أنه سيذهب الى ماهو أبعد من ذلك في تعامله مع قضية شعبنا في الجنوب، فالحرية كما يعلمنا التاريخ لاتـُوهب والاستقلال  لايُمنح ولا يـُقدّم على طبق من ذهب".

 

خلال الأشهر العشرة المنصرمة جرت مياه كثيرة وحصلت تطورات كبيرة واشتد فيها نضال شعبنا الجنوبي وتراصّت صفوفه وتآزرت جموعه وتوطد صموده ماانعكس سلبا على الخصوم والأعداء  فاشتد الضغط عليهم وتنافروا فيما بينهم وازدادت فرقتهم وانكشفت خلافاتهم فأخذوا يتآمرون على بعضهم البعض ففي الوقت الذي يعمل الشيخ حميد الأحمر دون كلل أو ملل على استمالة قيادات جنوبية للاشتراك فيما يسمى بالحوار الوطني، تذهب قيادة حزبه "الإصلاح" الى خيانته وبيع جهوده للنظام بتوقيعها اتفاق 17 يوليو سيئ السمعة.

 

وإذا كان صمود شعبنا الجنوبي قد جعل النظام يتخبط في سلوكه السياسي والأمني ويلعب بكل أوراقه على المكشوف بما فيها ورقة " القاعدة " مستنفدا كل حيله، فإنه قد أثر كثيرا على وضع المعارضة وجعلها تعيش في حالة من الحرج والتناقض في المواقف.

 

" اللقاء المشترك " يسعى بكل ماأوتي من قوة لجذب قياداتنا الجنوبية في الخارج للسير في ركب مايسميه حواره الوطني ولكن بشرط أن يكون ذلك تحت السقف الذي يريده "المشترك". أما إذا تجاوزت تلك القيادات سقف " اللقاء المشترك" فالويل لها. حين عقدت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني اجتماعها التأسيسي ألحت على الرئيس حيدر العطاس أن يشارك معها بورقة سياسية توضح موقف القيادة الجنوبية في الخارج، فكتب الرجل ورقة سجل فيها أن وطنه الجنوب واقع تحت الإحتلال فما كان من اللجنة التحضيرية إلا أن استلت سلاحها "الديمقراطي" الصرف فكممت فم الرئيس العطاس وخبأت ورقته وأخفتها عن الأعين ورمتها في سلة المهملات. هذه عينة بارزة على الأسلوب "الديمقراطي" الذي تمارس به اللجنة التحضيرية والمشترك عملهم وهم لازالوا في المعارضة.

 

وإذا كان قادة "المشترك " يتعاملون بهذه الطريقة مع قادة شعبنا الجنوبي فكيف ينظرون ياترى لتلك الآلاف المؤلفة من أبناء شعبنا الذين يخرجون للتعبير بصورة سلمية حضارية عن مطالبهم باستعادة وطنهم واعادة بناء دولتهم. الرئيس الدوري للمشترك الدكتور محمد عبدالملك المتوكل يصف جماهير شعبنا المطالبة بالحرية والاستقلال في مقابلة نشرها "المصدرأونلاين" الأسبوع المنصرم  بـ "القوى المتطرفة ". وبهذا فإن "المشترك" يتماهى في موقفه من القضية الجنوبية ومن مطالب شعبنا مع موقف نظامه.

 

لكن المشترك يعيش حالة من التناقض الفاضح القاتل. يقول محمد عبدالملك في نفس المقابلة الصحفية: نحن نريد أن نكسب علي ناصر وحيدر العطاس ومحمد علي احمد و "هم كاسبين مواطنيهم في الجنوب، فإذا جعلتهم يخسرون مواطنيهم في الجنوب فما عاد لهم من قيمة".  ويضيف: " يجب أن نراعي أنهم ( أي ناصر والعطاس ومحمد علي) يظلوا كاسبين الآخرين في الجنوب وإلا ليس لهم قيمة".

 

إذا ً هذا هو التناقض المدمر الذي يجد المشترك نفسه واقعا فيه بفضل تضحيات شعبنا الجنوبي وصموده الأسطوري ونضاله المجيد.  فالمشترك يوجه بلسان المتوكل رسالة للقادة الجنوبيين: لاتأتوا الينا بدون أن تكونوا مفوضين من شعبكم وإلا فلا نريدكم وليس لكم قيمة. ولكن مصيبة المشترك تكمن في أن القيادة الجنوبية ليس بوسعها أن تكون كاسبة لجماهير شعبها ومفوضة من طرفها مالم تتبن ّ مطالب الشارع الجنوبي بالاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية الوطنية وهذا ما لايريده المشترك ولا ترغب فيه لجنته التحضيرية.          

 

رسالة المتوكل للقيادات الجنوبية واقعية جدا فالقائد لايستمد قوته ولايكتسب قيمته الا من جماهير شعبه، والتفاف الجماهير من حول القيادة لايتأتى الا في حالة أن يكون برنامجها ملبيا لطموحات وآمال شعبنا، وهذا مايدركه كل قادتنا الجنوبيين ومايشكل في الواقع عاملا موضوعيا لتوحدهم على طريق الإنتصار لحق شعبنا المغدور وأرضنا السليبة، والله الموفق .  

 

 

الدكتور فارس سالم الشقاع

الإمارات العربية المتحدة

26 سبتمبر 2010