مقالات -
صفحة الدكتور/ محمد فتحي راشد الحريري
|
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS
|
الخميس, 17 مارس 2016 05:41 |
بين (ومـــأ) و (وبــــأ) قد يبدو قولنا (أومأت إليه) مرادفا لقولنا(أوبأت إليه)، وقد يقول آخرون أنهم لم يسمعوا أبدا بالمفردة( أوبأ// وبــأ)، وإليكم فصلا من فصولنا الجذورية يحكي دقّــة اللغة العربية، وأنها في تعابيرها أدق من موازين الذهب. قال صاحب اللسان في الجذر (و م أ): ومَأَ إليه يَمَأُ وَمْأً: أَشارَ مِثل أَوْمَأَ. أَنشد القَنانيُّ: فقُلْت السَّلامُ، فاتَّقَتْ مِنْ أَمِيرها، * فَما كان إِلاّ وَمْؤُها بالحَواجِبِ وَأَوْمَأَ كَوَمَأَ، ولا تقل أَوْمَيْتُ. وقال الليث: الإِيماءُ أَن تُومئَ برَأْسِكَ أَوْ بيَدِك كما يُومِئُ الـمَرِيضُ برأْسه للرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وقد تَقُولُ العرب: أَوْمَأَ برأْسِه أَي قال لا. قال ذوالرمة: قِياماً تَذُبُّ البَقَّ، عن نُخَراتِها، * بِنَهْزٍ، كإِيماءِ الرُّؤُوسِ الـمَوانِع وقوله، أَنشده الأخفش في كِتابه الـمَوْسُوم بالقوافي: إِذا قَلَّ مالُ الـمَرْءِ قَلَّ صَديقُه، * وأَوْمَتْ إِليه بالعُيُوبِ الأَصابِعُ
أراد بـ(أومت) أي أومأت. وقال ابن فارس في المقاييس : الواو والميم والهمزة: كلمةٌ واحدة. يقال: ومَأت إليه وَمْئاً، وأومَأت إيماءً أُومئ، إذا أشرتَ. وإذا تركت الهمزة فالوامِيَة، وهي الداهية. أما الجذر (و ب أ): فقال فيه ابن فارس: الواو والباء والهمزة كلمةٌ واحدة. هي الوَبَاء. وأرضٌ وَبِئَةٌ على فَعِلة وقد وَبِئَت، وموبوءةٌ وقد وُبِئَتْ. وقولهم: وَبأْتُ إليه وأوبَأْتُ، أي أشرتُ، من باب الإبدال، والأصل الميم. أي الأصل ( ومأ// و م أ). وقد أنشدوا بالباء: تَرَى النَّاسَ ما سِرنا يَسيرون خلْفَنا وإنْ نحنُ أوْبأْنا إلى النَّاس وقَّفُوا أي إذا نحن أشرنا بالتوقف فيقف الناس بسبب إشارتنا. وقال الفيروزابادي: وبأ إليه: أشارَ، كَأَوْبَأَ، أو الإِيبَاءُ: الإِشارَةُ بالأصابعِ من أمامِكَ ليُقْبِلَ، والإِيماءُ من خَلْفِكَ لِيَتَأَخَّرَ. وبذلك نصل الى رائعة من جماليات العربية، وسمة جذورية لا نظير لها في سائر اللغات على الإطلاق: الإيماء أن تشير إلى من هو أمامك، والإيباء أن تشير إلى من هو خلفك. وقيل: الإيمــــــاءُ ، من ( أومــأ) أن تشير بالمطلق إلى أي شخص، وعلى أي وجهٍ كان، إشارة بالعموم. والإيبــــاءُ من ( أوبــــــأ) إشــارة إلى الخلف خاصة، أي إشـارة إلى من هو خلفك . فلو كنت سائرا في طريقك وقدّامك زيد، ووراءك عمرو وأشرتَ إليهما فيقال: أومأتَ إليهما ، وهدا تعبير سليم، وإن شئت قلت: أومأت إلى زيد، وأوبأت إلى عمرو ... وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. =================حاشية: • ولكمال الفائدة أنقل ما قاله ابن منظور، صاحب لسان العرب: وقيل: الإِيماءُ أَن يكونَ أَمامَك فتُشِيرَ إليه بيدكَ، وتُقْبِلَ بأَصابِعك نحو راحَتِكَ تَأْمُرُه بالإِقْبالِ إِلَيْكَ، وهو أَوْمَأْتُ إليه. والإِيبَاءُ: أَن يكون خَلْفَك فَتَفْتَح أَصابِعَك إِلى ظهر يدك تأْمره بالتأَخُّر عنك، وهو أَوْبَأْتُ. قال الفرزدق، رحمه اللّه تعالى: تَرَى الناسَ إِنْ سِرْنا يَسِيرُونَ خَلْفَنا، * وإِنْ نَحْنُ وَبَّأْنا إِلى النَّاسِ وقَّفُوا ويروى: أَوْبَأَنا. قال: وأَرى ثعلباً حكى وبَأْتُ بالتخفيف. قال: ولست منه على ثقة. وقال ابن بُزُرْجَ: أَوْمَأْتُ بالحاجبين والعينين ووَبَأْتُ باليَدَيْنِ والثَّوْبِ والرأْس. قال: ووَبَأْتُ الـمَتاعَ وعَبَأْتُه بمعنى واحد. وقال الكسائي: وَبَأْتُ إليه مِثل أَوْمَأْتُ. والله أعلم.
|