طبز وزبط وما حولهما - بقلم - د- محمد فتحي راشد الحريري طباعة
مقالات - صفحة الدكتور/ محمد فتحي راشد الحريري
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الجمعة, 03 فبراير 2017 05:36
من عائلة ( الطاء والباء والزاي)
 
-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-
 
جاء في لسان العرب والقاموس المحيط في مادة (ط ب ز) :
 

الطِّبْزُ، بالكسر: رُكْنُ الجَبَلِ، والجَمَلُ ذُو السَّنامَيْنِ. وأضاف اللسان أنه الهائج.
 وطَبَزَ جاريته أو زوجته : جامَعَها.
 والطَّبْزُ: المَلْءُ لِكُلِّ شيءٍ.
 
والعامّة تقول : طوبز الرجل إذا أدار عجيزته للمتابع أو المشاهد له ، وانحنى على هيئة الركوع . وطوبزت المرأة إذا فعلت ذلك لِتُمَكِّن زوجهــا من معاشرتهــا من الخلف (في موضع الولد

طبعاً) ، أما  في الدُّبًـــر فهو حرام قطعــاً ، إلا عند بعض سفهــــاء الطوائف الإسلامية الشَّاّذّة . ولنلاحظ قصر الطبز على البعير ذي السنامين ، وهذا يشي بالمشاكلة بين السنامين والأليتين إذا

برزتــا للعيان أثناء الطوبزة ، ويشير وصف اللسان بأنّه الهائج إلى قولهم (طَبَزَ جاريته أو زوجته : جامَعَها ) ، وكأنني ألحظ أنَّ الاستعمال العربي للفعل طبز عريق جذوريّا.
 
 
 
وفي العائلة نفسها ، نجد الجذر الثلاثي الصحيح (ز ب ط) :
 
قال عنه في العباب الزاخر :
قال ابنُ الأعرابيّ: الزّبْطُ: صيلحُ البطةّ البطّة.( صيلح ؟؟؟).
 
ولم أتمكن من حلِّ لغز الصيلح هنا ، وأرجّح أنه خطأ كتابي حديث.
 وقال الفرّاءُ: هو الزّبيطُ، يقالُ: زَبطَ: البَّط يزْبِطُ زَبْطاً وزَبيِطْاً: إذا صَاحَ.
 والزّبطانةُ والسبطاَنةُ -بالتحرْيك-: مجرىّ طويلَّ مثقوبّ يرْمى فيه بالبنُدُقٍ وبالُحسْبانِ نفخاً.
 وقال الليْث: قناة جوفاْءُ مضرُوبةَ بالعقبِ يرْمى فيها بِسهامٍ صغارٍ تنفْخُ نفخاً فلا تكادُ تخْطى.
 
وفي القاموس المحيط : زبط البطّ صاح ، والزبطانة لغة في السبطانة ، وهي من مفردات الأسلحة الفردية أو الأكبر ، تجدها في المسدس والبارودة والمدفع على الوصف الذي ذكره الليث

.
 
وقول الليث : أنَّ السبطانة إذا رُمي فيها السهم لا تكاد تخطئ ، أدخل توظيفا جديدا في لغتنا الجميلـــة للجذر (ز ب ط) ، فالعامّة يقولون تعبيراً عن الإتقان الكامل للصنعة (زابطة) والصانع

زبّطهـــــا .
 
والرجل إذا ألان آخـر للحقّ والمصالحة مع خصمه يُقال : زبَّطوه بمعنى أخضعوه أدبيّــاً وليس قهـــراً للطريق الصحيح البعيد عن الخطـــأ .
 
وبالتالي فهو استعمال سليم وفصيح ولا لَـبْسَ فيه على الإطلاق .
 
والعائلة الجذورية (ز ب ط) عائلة ثنائية الجذور ، فلا تحتوي إلا على جذرين اثنين هما : ( ط ب ز) و (ز ب ط) .
 
والزبط يغري بالبحث في الجذر الثلاثي العربي الفصيح (ض ب ط) فهل بينهما علاقة جذورية ما ؟
 
الضَّبْطُ: لزوم الشيء وحَبْسُه، ضَبَطَ عليه وضَبَطَه يَضْبُط ضَبْطاً وضَباطةً، وقال الليث: الضّبْطُ لزومُ شيء لا يفارقه في كل شيء، وضَبْطُ الشيء حِفْظُه بالحزم، والرجل ضابِطٌ أَي حازِمٌ.

ومنه اخذوا اسم الضابط كرتبةٍ عسكرية في الجيش .
 ورجل ضابِطٌ وضَبَنْطى: قويٌّ شديدٌ، وفي التهذيب: شديد البطش والقُوَّةِ والجسم.
 ورجل أَضْبَطُ: يعمل بيديه جميعاً.
 وأَسَدٌ أَضْبَطُ: يعمل بيَساره كعمله بيمينه؛ والضّابطُ والأضْبطُ: الأسدُ، وإنما وصفَ بذلك لأنهُ يأخذَ الفريسْةَ أخذَاً شديداً ويضْبطها فلا تكادُ تفلتُ منه.
 وقال الكمَيتْ :

هو الأضْبطُ الهواسُ فينا شجاَعةً  *** وفيمنْ يعادْيهِ الهجفَ المثقـلُ
 
واللبؤةَ: ضبْطاءُ، قال الجميحُ- واسمهُ منقدّ- يصفَ امرأتهَ :

أما اذا حردَتْ حرْدي فمـجـرية *** ضبْطاءُ تمنعُ غيلاً غيرَ مقروْبِ
 
وكذلك ناقةّ ضبْطاء، قال:

عذُافرةَ ضَبْطاء تخْدي كأنهــا  *** فَنيْقّ غدا السوّامَ السوّارحــا
 
وسُلَ النبّي (صلّى الله عليه وسلّم )عن الأضَبطَ فقال: الذي يعملُ بيسارهِ كما يعْملُ بيمينهِ. أي يجيد استعمال يديه اليسرى واليمنى معا ، أما الذي يستعمل يسراه فقط فهو الأعسر ، وهي صفة

سلبية عند العرب ، يُذَمُّ صاحبهــا .
 وقال ابن دريد: رَجلُ أضبطَ؛ ولا أعلمُ له فعْلاً يتصرفُ منه؛ وهو الذي يعْملُ بيدِيهَ جميعاً . وضَبْطُ الكلمة بالشكل أي بيان حركات الأحرف بدقّة ، فيُحملُ القارئ على النطق السليم

والإعراب الصحيح ، كما الفرق مثلا بين ( السنَة) و(السنَّة) لا يظهر إلا بالضبط بالشكل:
 
(السّـنَةُ : الحول عند العرب أو العام إذا اتّصف بالقحط وندرة المطر ).
 
و( السُّـنَّةُ : جميع ما أُثــِر عن النبي الأعظم من قول وفعل وصفة وتقرير، وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن العظيم) . ولاحظْ أنّا قد استعنا بضبط الكلمتين بالشكل لنحمل أنفسنا على

النطق الصحيح بدون خطـــأ .
 
وهكذا نلاحظ أنَّ هناك عموما وخصوصـــاً بين (ز ب ط) و (ض ب ط):
 
فالزبط ما ذكرنا ، هو الحَمْل على الحق فلا يخطئ فيه والحمْل هنا أدبيّ ليس فيه قوة ولا حزم ولا إجبار ، أما الضبط فهو حِفْظُه بالحزم والقوّة،
 
وهكذا فلنلاحظ دقّــة لغتنا العربية الفصحى ، لغة القرآن الكريم الخالد المعجز ، لغة أدق من ميزان الذهب ، وهو أحد أسباب اختيار الحق سبحانه وتعالى لهــا وعاءً للقرآن الكريم .
 
هذا واللـــــه أعلم ، والحمدُ لله ربِّ العالمين .