ماذا نحافظ على الأمثال منذ عقود ؟ - بقلم - فاطمة المزروعي طباعة
مقالات - صفحة الكاتبة/ فاطمة المزروعي
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الأربعاء, 25 فبراير 2015 07:20

لا يعرف تحديداً كيف بدأ ما يعرف بالأمثال، كما لم يتم الاتفاق على كيفية انتشارها وأين ظهرت، ويرجع العلماء عدم الاتفاق على تاريخ تقريبي أو من أي الشعوب والحضارات بدأت لقدمها وعمق استخدام الإنسان لها، ويعتقد أن الأمثال بدأت ببداية الإنسان، بمعنى منذ أن بدأ الإنسان في تعلم اللغة ومن ثم الكتابة، فالأمثال كانت نتاجاً طبيعياً لأحداث ومواقف، وبالتالي فهي قديمة قدم اللغة نفسها.

تعرف الأمثال الشعبية بأنها ذاكرة الأمم والشعوب، وهي بمثابة سجل لوقائع وأحداث جسام تم اختزالها في كلمات قصيرة تحمل معاني كبيرة، لذا فإن البعض يعتبر اختراع الأمثال – إذا صحت التسمية – جاء لحاجة الإنسان، والدكتور سمير عبده في كتابه: "التحليل النفسي للأقوال المأثورة"، حاول أن يوضح وظيفة الأمثال فقال:" الأقوال المأثورة هي عبارة عن مجموعة من الملاحظات كونها أشخاص نتيجة خبراتهم في المجالات الحياتية المختلفة، فمنها ما يتضمن النصائح والحكم، ومنها ما يتضمن الأسباب أو التفسيرات لسلوك معين، ومنها ما يضع شروطا مسبقة للحصول على نتائج سلوكية معينة، فاستعمال الأقوال المأثورة في الظرف المناسب يدل أولاً على تفهم صحيح لها، ويدل على استيعاب غير مباشر للأقوال المأثورة التي ينشأ فيها الفرد، كما يدل على استعمال القول على التزام الفرد باتجاه ما، إن الأقوال المأثورة تتألف من عدة كلمات تؤلف في مجموعها جملة قصيرة تشير إلى نوع من السلوك له معنى أوسع في الخبرة أو الموقف المعين الذي تشير إليه الألفاظ".

وفي ظني إذا حاولنا تعريف الأمثال، فإن ما سبق وقدمته الدكتورة موزة غباش عن الأمثال الشعبية هو الأكثر عمقاً وإحاطة، ولعل هذا يعود للسنوات الطويلة التي قضتها في مجال الأبحاث والدراسات الثقافية، وأيضا لاهتمامها بالتراث والموروث الشعبي بصفة عامة، حيث قالت في تعريفها:" الأمثال الشعبية هي التعبير اللفظي والمتداول بغير تبديل أو تغيير في لفظه الحرفي، والتي تمثل بما تنطوي عليه نصوصها وألفاظها من استخلاص للتجربة، واستقراء للواقع، وتراكم للخبرة والمعاناة التاريخية، وهي قد تشبه القواعد والخطوط النظرية للسلوك العلمي". وهذا التعريف يقودنا إلى الجزم بمثالية الأمثال وبما وصلنا من الآباء والأجداد، من أقوال اختصرت الكثير من الكلمات في جملة موجزة.

يبقى تساؤل كبير لماذا وحدها الأمثال هي التي كانت تنتقل بسلاسة وسهولة من جيل إلى آخر على امتداد العصور والعقود، من دون عقبات أو تمحيص أو رفض وإنكار؟

هناك عدة إجابات اهتم العلماء بتحليلها ومحاولة الوصول للحقيقة المطلقة حولها، لكن تبقى تخمينات وفي أفضل الأحوال اجتهادات لدارسي العلوم الاجتماعية، لكنني أعتقد أن ملاصقة تلك الأمثال لحياة الناس اليومية وخروجها من بوتقة هذه الحياة ومن عمق التجربة الإنسانية اليومية والتي قد يكتنفها بعض الألم والحزن، تكون مثل هذه الأمثال مقبولة بل مفيدة للآخرين الذين لم يخوضوا تجارب قاسية أو تجارب حياتية صادمة، فيأتي المثل فيختصر عليك هذه التجربة، ويكون واضحاً وقاطعاً، هذا المثل لم يصدر عبثاً أو أنه جاء عفوياً، بل كان نتيجة لحياة، لذا اجتهد الإنسان في المحافظة عليه، بل إن ذاكرته اختزنته وقدمته للأجيال التالية التي قامت بنفس المهمة في نقله للجيل التالي.