الهوية الجنوبية وسياسية الاحتلال- بقلم :أحمد سالم ابو سلطان طباعة
عام - دراسات وبحوث
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
السبت, 31 يوليو 2010 06:47

الهوية :
الهوية أُشتقت من الضمير " هو " الوارد فى السؤال : من هو ؟ او ما هو ؟ الذى يُستفهم به عن اصل وحقيقة الشئ او الامر الذى يميزه عن غيره ، اى الاستفهام عن الصفة او الصفات المميزة لهذا الشئ عن غيره او بالنسبة لغيره . ونطلق على هذه الصفة او الصفات الهوية ( من هو ) او الماهية ( ما هو ) .


على سبيل المثال اذا اخذنا الانسان ، فالانسان من حيث صفة الحياة هو كائن حى ، ومن حيث صفة الحركة والاحساس حيوان ، ومن حيث صفة الانجاب والارضاع حيوان ثديى ، ومن حيث صفة التفكير هو انسان . صفة التفكير حددته واعطته هويته المميزة ، او بكلام اخر صفة التفكير جعلتنا نعرف من ( هو) الانسان .


من هو الشعب الجنوبى :

هو مجموع السكان الذين عاشوا فى ارضهم وارتبطوا بها عبر التاريخ والمعروفة من باب المندب الى حوف منذ مئات والاف السنين ولهم تاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم ولهجاتهم المحلية المتميزة و شكلوا دولة واحدة من العام 1967 الى العام 1990 م تم الاعتراف بها عالميا ، تجمعهم اليوم ارادة واحدة نابعهم من حقهم الطبيعى المطلق فى الحرية و فى الانتماء الى مركز سياسى مستقل يمثلهم حق تمثيل ويحفظ حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والثقافية .

الصفات المميزة التى تشكل الهوية الجنوبية :


1- مجموع السكان او المجتمع الجنوبى 2- الجغرافيا والتاريخ 3- العادات والتقاليد 4- الشخصية الجنوبية 5- الصفة المدنية .. 6- اللهجة .( سوف نشير لها فى نهاية المقال ) .

تـمهيــــد :

هل الهوية الجنوبية نسيج ذو لون واحد ؟
الجواب بالطبع لا ، ولن تجد ذلك فى اى شعب من الشعوب .
ليست العبرة فى الهوية الجنوبية بالاختلاف ولكن بالتكامل ، الهوية الجنوبية تكاد تكون طيفا متقاربا من الالوان والدرجات بدون تناقض . مثل الصورة التى يرسمها متفرجون فى ملعب من قطع مختلفة يراها المشاهد البعيد قطعة واحدة متكاملة الاجزاء . اريد لهذا النسيج الجنوبى ان يضم الى نسيج اخر مختلف فى خامته والوانه ولم يكن النتاج الا عملية ترقيع مهترئة . وحتى لا يبقى النسيج الجنوبى متميزا يجب تلطيخة بالوان خاصة لا تتوافق مع الوانه الاساسية وتمزيقه بحيث لا يكوّن مشهدا واحدا متكاملا .
عندما نتحدث مثلا عن اللهجة فليست هناك لهجة واحدة بل فى كل منطقة هناك اختلاف فى اللهجات فمثلا فى وادى حضرموت تختلف لهجة تريم عن لهجة الخشعة والعبر ولهجة العوامر تختلف عن لهجة سيبان والوادى عن الساحل ، لكن كلها تشكل لهجة او لهجات حضرموت ، هذا الامر ينطبق على الجنوب بكامله . لكنها تختلف عن لهجات اليمن ، اختلاف اللسان واضح جدا بين الجنوب العربى واليمن . المشكلة ليست فى الاختلاف بل ان يتحول الاختلاف الى عداء . والاحتلا اليمنى يعاملنا بهذا المنطق " انت مختلف عنى انت عدوى " . " لونك يختلف عن لونى انت صومالى وهندى " . هنا المشكلة عندما يتحول الاختلاف فى الصفات المميزة الى عداء والسعى من قبل الغالب والمنتصر الى محو هذه الصفات اى الى محو الهوية . فما بالك اذا وصل الاختلاف الى حد التناقض فى بعض القيم وسنأتى على ذكر هذا التناقض فى مكانه ، بحيث بات الصراع فى جوهره صراع هوية .ان الاحتلال يريد ان يمحو كل صفة جنوبية مميزة حتى يعطى لاحتلاله الشريعة تحت ذريعة اننا غير مختلفين . هل يفهم هؤلاء معنى وحده ؟ لا . والسبب ياتى من جوهر الهوية اليمنية والشخصية اليمنية التى انبعتث من مبدأ الزلط . الزلط القيمة الاولى فى الوجود بالنسبة اليها . وهذا ما يفسر عجزهم التام عن فهم كلمة " وحدة " ، ان الوحدة غنيمة فى مفهومهم ، ولا يتعاملون ولا يتفاعلون مع احد الا بمنطق الغنيمة او الفيد .
الغنيمة تختلف عن المصلحة ، فى المصلحة هناك طرفان ، لكن فى مبدا الغنيمة لا يوجد الا طرف واحد وعلى حساب طرف اخر يتمثل فى نهب حقه ومنها وجوده نفسه .


1- الانسان المرتبط بارضه ( الوجود ) :

وجود السكان وارضهم التى لم يطأها غريب و ارض ابائهم واجدادهم وليست ارض الدخلاء ، الارض التى عاشوا عليها .
ان وجود سكان فى ارضهم هو مكون اساسى من مكون اى هوية لاى شعب ، فلا يمكن ان تكون هوية مصرية بدون مجموع السكان فى ارض مصر ووجودهم فى ارضهم . ان الوجود فى ارض خاصةٍ من اهم صفات الهوية .
بالنسبة للشعب الجنوبى هذه الصفة متحققة منذ مئات العقود ولا يستطيع احد أن ينكر هذا الامر سوى نظام الاحتلال ، وهذا شئ مفهوم ، ينكر ذلك عندما يصف الجنوبيين بانهم مجرد هنود وصومال ، الانكار هذا يثبت بشكل معاكس على غير ما يريد النظام حقيقة الهوية الجنوبية المتمثلة فى صفة الوجود وجود انسان اصيل فى ارضه ولم يزاحمه فيها احد الا الاحتلال وشعبه منذ فترة قصيرة تثبت هى الاخرى وبشكل قاطع الهوية الجنوبية من حيث ان مستوطنى الاحتلال غرباء طارئين ولم يكن ثمة ارض مشتركة بين الشعب الجنوبى وبينهم وان لكل ارضه ووطنه وما زالوا محتفظين بارضهم ولا يستطيع احد ان يزاحهم فيها ، والشعب الجنوبى كذلك يرفض ان يزاحمه الغرباء فى ارضه ناهيك ان يكون للغريب القرار فيها .
ان الذى جعل الشعب الجنوبى يكره ما سمى بالوحده ليس فقط التهميش والاقصاء بل هذا الوجود الغريب الطارئ على ارضهم والسعى الدؤوب حتى يكون وجودا اصيلا بتزوير البطاقات والاسماء وغيرها من سياسات الاحتلال .
لو اختفى السكان الجنوبيون لن تكون هناك هوية جنوبية وهذا ما يعمل عليه النظام باعدام المجتمع الجنوبى عبر سياستين تكمل احداهما الاخرى الاولى تمزيق النسيج الاجتماعى والقضاء على لحمة المجتمع وتحويله الى مجرد افراد متناثرين وبالتالى ضرب الشعور بالانتماء ، وثانيهما عبر سياسة تغيير التركيبة السكانية ، وخلاصة هاتين السياستبن القضاء المبرم على وجود شعب جنوبى او سكان لهم ارضهم الخاصة من الاف السنيين ..
متى كان لليمنيين حق فى ارض الجنوب ؟ متى عاشوا بين اضهرنا ؟ انه فرض وجود لانهاء وجود اخر ليس الا ..


2- الجغرافيا والتاريخ :

أ- الجغرافيا ( التفاعل والتأثُّر ) :

الارض بموقعها ، بكل خصائصا وصفاتها وتضاريسها ومناخها ، الارض التى اثرت فيهم بمختلف اشكال التاثير من لون وماكل وملبس وادوات وطرائق وطُرز بناء وفنون زراعة وصيد وتجاره وما فرضته عليهم من هجرة واحتكاك واختلاط بالعالم .
ان الجغرافيا طبعت الانسان الجنوبى عبر عقود طويلة بطابعها الخاص والجغرافيا والارض لها تاثيرها الذى لا ينكر على كثير من نواح الحياة البشرية لسكان تلك البقعة الجغرافية وسكان تلك المنطقة .


ب- التاريخ :

التاريخ المستقل لهذه الشعب والذى يؤكد انه لم يكن ملحقا فى يوم من ايامه الى ارض اخرى ولا الى عاصمة لا تقع على ترابه . صحيح انه لم يتحد فى دولة واحدة لكنه اتحد فى الارض واتحد فى صفة الاستقلال وعدم التبعية ، فكان شعبا حرا لا يعرف الخضوع والذل لحاكم او اماما او ملكا ، والسلاطين الذين حكموا لم يستطيعوا اذلاله بل لم يفكروا فى ذلك ، وكان فى ضل غياب الوحدة السياسية هناك تواصل اجتماعى بين السكان وتقارب وثقافة مشتركة وعادات متقاربه وهذا ما سوغ اتحادهم فى نظام سياسى واحد واتخذت الامم المتحدة قرارا بذلك فى العام 1960 عندما اقرت بحق تقرير المصير للشعب الجنوبى وفى دولة واحدة وقد سلمت بريطانيا الجنوب دولة واحدة بموجب قرار الامم المتحدة ..
لو كان الجنوب جزء من اليمن لاعطت الامم المتحدة الحق لليمن فى الجنوب ولتفاوضت بريطانيا مع اليمن ولسلمت بريطانيا الجنوب لليمن ، سيقولون هذه سياسة استعمارية ، ونقول هل قرارات الامم المتحدة بخصوص الجنوب سياسة استعمارية وهى التى تاسست على ارادة الشعب الجنوبى وممثليه انذاك ؟
هل سيرضى الشعب الجنوبى بان يسلم وتسلم ارضه وبلاده الى اليمن الملكى او الجمهورى ؟ لو فعل به ذلك فانه سيقاتل ويستميت فى استقالاله وعدم الحاقه باليمن مهما كان الامر ، وهذا الامر شئ واضح ، ولذلك عدل حزب الشعب الاشتراكى مطالبه التى تتمثل فى الحاق الجنوب باليمن واعتبار قيام دولة فى الجنوب خيانة ، والذى حصل ان غدر الشعب الجنوبى تحت اسم وحده بعد تزوير هويته ولم يكن ثمة الا الحاق وتبعية وليت الامر توقف على ذلك بك تحول الالحاق الا خطر وجود وجرف كل شئ جنوبى انسانا وتراثا وقيم و اخلاق .
ومع اختلافنا فى حقيقة ثورة 14 اكتوبر واطماع من دعموها ، هل يمكن ان تقوم ثورتين فى بلد واحد ؟ الا يدل ذلك على حقيقة وجود شعبين وان لكل شعب ارضه .
ان ثورة 14 اكتوبر التى قامت بها جماعة منظمة جيدا من الشعب الجنوبى وان كانت عباءة للاطماع اليمنية والمشروع المصرى فى الجنوب لا تدل الا على حقيقة ان هناك شعبين وارضين ومصيرين اذ لو كان الجنوب جزء من اليمن فى منظور الشعب الجنوبى والعالم لساقت اليمن ثوارا من سكانها الى الجنوب ولوجدوا ترحابا من السكان الجنوبيين سواء قبل الجمهورية فى اليمن او بعدها ، ولكنها لم تفعل ذلك لا لان بريطانيا لا تريد ذلك (هذا شئ طبيعى ) بل لان السكان فى الجنوب لا يقبلون بذلك وسيعتبرونه ببساطة غزوا لارضهم وهم هم السكان الذين حاربوا الاطماع الزيدية قبل مجئ الاحتلال البريطانى الى عدن .
هل هناك دولة فى العالم قامت فيها ثورتين ؟
يزيف الاحتلال اليمنى التاريخ الجنوبى ويعتمد فى تزييف التاريخ على تزييف الهوية الجنوبية التى فرضت على الجنوب .. ويتعلق الان بالفاض واهية من مثل " اعادة تحقيق الوحدة اليمنية " ليقول ان هناك وحدة كانت موجودة فى السابق وان اليمن والجنوب كان تحت دولة مركزية واحدة ، والسؤال متى كانت هناك دولة مركزية حكمت المنطقة ؟ انه سوف يعتمد على هذه المقولة الزائفة فى اخراج برامج عبارة عن بروباجندا تزيف التاريخ الجنوبى .. وولو كانت الشعارات المزيفة تثبت حقا لاحد لرفعت عمان شعار " اعادة وحدة عمان " لتشرع لضم الامارات وقطر التى تعتبر جزء لا يتجزأ من عمان تاريخيا ، وكذلك تستطيع ان تفعل سوريا وترفع شعار " اعادة وحدة الشام " ، هذا اذا سلمنا جدلا ان حضرموت ( من حدود شبوة الى المهرة ) هى جزء مم يُسمى باليمن . على الرغم من ان رفع شعار " جنوب اليمن المحتل " اطلقه امام اليمن بعد خروج الاتراك على لحج ويافع ولم يدر بخلده حضرموت اطلاقا والا لما اطلق على المنطقة " جنوب اليمن " لان حضرموت لا تقع الى الجنوب من اليمن .
واستكمالا لتزييف اجتهد وما زال يجتهد الاحتلال اليمنى فى طمس ما يستطيع طمسه من المعالم الاثرية والتاريخية وفى نفس الوقت يعمد الى إحلال طُرُز عمرانية يمنية .


3- العادات والتقاليد :

مجموع عادات السكان وتقاليدهم وقيمهم و تاريخهم ولهجاتهم و موروثهم الشعبى المتنوع والمتيمز فى نفس الوقت .
يجتهد الاحتلال ايضا فى ضرب العادات الجنوبية واحلال قيم الانتهازية وتشجيع الرشوة وثقافة الزلط واسوا عادة وفدت مع الاحتلال خصوصا الى حضرموت هى عادة تعاطى القات ومجالسه .

 

4- الشخصية الجنوبية :

الخصائص والصفات النفسية المميزة التى تشكلت من النقطتين السابقتين ( الجغرافيا والتاريخ ، والعادات والتقاليد ) وابرز هذه الصفات التسمك بمواقف مبدئية فالانسان الجنوبى رجل مبدأ ، ثم استشعار الحرية والكرامة ، و الامانة فى الاعم الاغلب ، والحياء ، .. الخ كل هذه الصفات كونت الشخصية الجنوبية وبهذا تعتبر الشخصية الجنوبية صفة رئيسية من صفات الهوية الجنوبية .
تتجلى سياسة الاحتلال فى اقتلاع هذه الصفة عبر افقار الشعب الجنوبى وعزله واقصاءه وتهميشه وتحويله الى اقلية مسلوبة الحقوق فى ارضه حتى يستطيع اذلاله وتحطيم روح العزة والكرامة والاباء التى يفتقر اليها الاحتلال وشعبه والتى تجعل الشعب الجنوبى يتميز عنه بكل جداره .
يقول نجيب الريس فى كتابه رياح الجنوب : ( الحرب فى اليمن عامة هى حرب القادر على الدفع وتوزيع النقود والغنائم على القبائل فمن يدفع اكثر ربما يربح على اعتبار ان صناعة الحرب بالنسبة الى القبلى حرفة ومهنة مثل سائر الحرف والمهن الا انها فى الجنوب اليمنى حرب مواقف تحتاج الى النقود والى السلاح والتاييد اكثر مم تحتاج الى العطايا )
هذا ما قاله نجيب الريس وهو الرجل الذى استمات فى الدفاع عن حرب 1994 وتشجيع النظام اليمنى .. قد ادرك الفارق الهائل - رغم تشجيعه للوحدة فى 1994 وما بعدها - بمجرد زيارة قام بها فى الستينات الى اليمن والجنوب واعاد اثبات ما كتبه فى تلك المرحلة فى كتابه هذا .
هذا الفارق ، ثقافة الزلط واللامبدأ ، وثقافة المبادئ والمواقف ، ليس فقط فارق هائل بل تناقض تام ..
ثم يصف نجيب الريس المجتمع اليمنى وهو وصف ، اذا اجتمع مع انعدام المبدأ ،يشكل وصفا للشخصية والهوية اليمنية ، فيقول :
( ولعل اشئ الجديد الذى يلفت الانتباه ان اليمنى العادى صار يحمل بندقية ورشاشا عوضا عن يندقية واحدة ، الى جانب مسدس وعشر قنابل يدوية وايضا ما لايقل عن 500 او الف رصاصة فى امشاط تحيط بصدره كله .
ومجتمع اليمن لايزال قبليا شكلا ومضمونا الرجل هناك ينتمى الى قبيلة ما ويقاس وزنه السياسى بالقبيلة التى ينتمى اليها او التى تناصره وهذه القبائل يهمها البندق والزلط اى المال واذا توافر هذان الشيئان توافرت القبيلة ، والقتال يُسوى دائما بالمال اذا ارضيت به القبائل وبالسلاح اذا اخضعت له او اغريت به )
ملاحظة : الكتاب عن اليمن معتبرا الجنوب منها ، لكن الوصف السابق هو لليمن اليمن وليس للجنوب وكتب هذا الوصف تحت عنوان " البندق والزلط صنعاء 30 تشرين الثانى 1967 " .. والسياق كله يدل على وصف الشعب اليمنى الوصف الذى كتبه فى صنعاء .. اما عندما يزور حضرموت فالوصف مختلف تماما ولا يتحدث عن مظاهر مسلحة وما الى ذلك بل يتحدث عن سقف الجزيرة العربية وموظف الجوازات اللبق ويصف دخوله الى سيئون وكانه حلم سينمائى اجترحته هوليود ويتحدث عن واحة النخيل ( تريم ) ومساجدها الثلاثمائة والستين ويتحدث عن النافذة المفتوحة على العالم المكلا .. انه حديث ووصف جد مختلف ..
ولكنه احسن صنعا عندما وصف الشخصية اليمنية شخصية الزلط واللامبدأ وعقد مقارنة سريعة كالبرق مع الشخصية الجنوبية ، لان التناقض فرض نفسه تلقائيا ، والمقارنة جاءت نتيجة للربط التعسفى وفرض الهوية اليمنية على الجنوب ولو كان الجنوب جنوب عربى ولم تفرض عليه الهوية لما احتاج الكاتب ان يعقد المقارنة او بكلام اخر لما داهمته فكرة المقارنة وفرضت نفسها .
هذه الحقيقة يلسمها كل من يزور الجنوب واليمن واول ما يخطر على بالهم ذلك الاختلاف الى حد التناقض بين الشعبين والشخصيتن اليمنية والجنوبية ، وكانهم يقولون بلسان حالهم كيف اجتمع الزيت والماء ، كيف يكون هذا شعب واحد ..
نحن لسنا فى صدد اتهام او استنقاص للشعب اليمنى ولكن فى تقرير حقيقة مهمة ووصف واقع دفاعا عن هويتنا وكرامتنا ووجودنا وحقنا فى ان نعيش احرارا . واذا كان كلامنا سوءا فى نظر البعض فنحن مجبورين للجهر بهذا السوء ، يقول تعالى : ( لا يحب الله الجهر بالقول من السوء الا من ظلم ) ..

بين الصفة الاجتماعية الاصيلة والظاهرة والصفة الفردية

يجب هنا ان ننتبه عندما نصف شعب من الشعوب بوصف ما ، فالوصف يكون لسمة تطبع شخصية الاعم الاغلب من الافراد وتصير محل قبول عام وتشجيع بل مديح احيانا واستهجان الصفة المضادة ، ومن ثم تصبح صفة للشعب وليس مجرد ظاهرة فهى اكبر من ظاهرة ناهيك ان تكون صفة فردية ،و تصير الصفة فى النهاية من منظومة القيم والعادات فى المجتمع . فى مجتمع ثقافة الزلط يحترم الانسان الذى يكسب اكبر قدرا من المال باى طريقة بينما يعتبر غبيا وفاشلا ذلك الانسان المتعفف الذى لا يمد يده لمال لا يستحقه ناهيك ان ينصب ويحتال او يشحت ، هل يلام الشحات فى هذه المجتمعات ام تعتبر الشحاته شيئا طبيعيا ؟ لا يلام الشحات فى هذه المجتمعات لان كسب المال فى ذاته قيمه ، وتصبح الشحاته ان لم تتحول الى صفة اصيلة تتحول الى ظاهرة غالبة واستعداد عام ، وهى درجات فشحتة الشيخ تختلف عن شحتة الانسان العادى والمثقف عن العامى .
كما ان من خصائص ثقافة الزلط انها لا تفرق بين الحق الخاص والحق العام وتعتبركل ما وقع تحت يدك فهو ملكك.
عندما نصف مجتمع الجزيرة العربية قديما فان الصفات التى تتجلى فيه كثيرة ومنها الكرم ، فالكرم صفة اصيلة فى المجتمع وتطال اغلب افراده يمدح ويمجد الكريم ويلام ويذم البخيل وهنا الكرم يكون قيمة من منظومة القيم ، ولايعنى وجود بخلاء ان هذا المجتمع مثله مثل المجتمعات الحضرية فى بلاد فارس التى لاتُعرف بالكرم ، كما ان وجود اناس كرماء فى بلاد فارس لاتجعلنا نصف المجتمع الفارسى بالكرم . ولذلك يمكن القول ان العربى كريم وتصبح هذه صفة مميزة او مكون من مكونات هويته ولايسقطها ان يوجد افراد بخلاء ، كما لا يسوغ ان نصف المجتمع الفارسى بالكريم لوجود اقلية كريمة فى المجتمع الفارسى .
كذلك تتصف المجتمعات العربية فى التمسك بالشرف والمحافظة فى العلاقات ولذلك يمكن وصفها بانها مجتمعات محافظة ، لكن وجود نسبة من العرب تهاونت فى هذه الناحية لا يسوغ ان نجعلها مثل المجتمع الفرنسى الاباحى ونقول ان المجتمعات العربية اباحية . كما لايمكن ان نصف المجتمع الفرنسى بانه محافظ لوجود نسبة محافظة من السكان . ولذلك لايمكن ان تسوى بين مجتمع عربى والمجتمع الفرنسى فى ناحية الاباحية لان هناك نسبة فى ذلك المجتمع العربى غير محافظة وحتى لو ازدادت النسبة الى حد ان اصبحت ظاهرة فلا يمكن المقارنة اطلاقا بين الشعبين فى هذه الصفة . الا اذا اصبحت الاباحية صفة اصيلة وذلك بتقبلها وجعلها جزءا طبيعيا من الثقافة والقيم والعادات بحيث ان من يخالف هذه القيم والعادات يتهم بانه متخلف ورجعى وربما شاذ و لا تكون المرأة التى لم تقدم على علاقة اباحية محل رغبة وتتهم بانها معقدة نفسيا .
العبرة بتحول الصفة الى مكون اصيل فى الشخصية والفكر والثقافة .
المحافظة صفة اصيلة فى المجتمعات العربية وليست مجرد ظاهرة ، كما ان الاباحية صفة اصيلة فى المجتمعات الغربية وليست مجرد ظاهرة ايضا .
ولذلك تتم المقارنة بين المجتمعات والشعوب فى الصفة الغالبة الاصيلة فى تلك المجتمعات ، ولا يمكن ان تسوى بين مجتمعين فى صفة مالم تتحقق للصفة الشروط ذاتها فى كلا المجتمعين التى تجعلها صفة اصيلة فيهما . فالمجتمع الفرنسى اباحى مثله مثل المجتمع الالمانى ، ولكن لايوجد مجتمع عربى يمكن وصفه بانه اباحى مثل المجتمع الفرنسى لان فيه نسبة كبيرة او قليلة من السكان غير محافظين ، ان الاباحية ليست سلوكا عاما مقبولا وليست جزء اصيلا من القيم والعادات ، ولذلك هناك تناقض وليس تساو اطلاقا .
تاسيسا على هذه الحقيقة يصل الاختلاف والتناقض الى مفهوم الكرامة ذاته بين الشعب الجنوبى والشعب اليمنى ، ونضرب مثلا بسيطا ، عندما حدثت حرب الخليج واغتر اليمنيون بالوحدة انتفخت اوداجهم وسبوا وشتموا السعوديين ومن يعملون عندهم ثم رحلوا وعندما لم تسعفهم يمنهم اتصلوا على من كان يشغلهم فى السعودية للحصول على تاشيرات عمل ، اتصلوا على من سبوهم يستجدونهم تاشيرات . كيف تستطيع ان تتصل برجل اشبعته سبا وشتما لتستجديه فى اعانتك ؟ الجنوبى سوف يرضى بقطع راسه ولن يقدم على هذا الفعل ..اقل ما يقال فى هذا الموقف ان مفهوم الكرامة مختلف ، او يمكن ان نقول انه فى السلم الادنى من سلم القيم اذ يتربع على السلم الكسب المادى باى طريقة كانت او يمكن تسمتها بقيمة الزلط .
هذا هو التناقض التام الى حد التنافر .


5- الصفة المدنية :

الصفة الاخيرة هى الصفة المدنية للشعب الجنوبى تتجلى فى حب العلم و النظام والقانون و ضعف النزعة القبلية .. الخ كما تتجلى فى الادراك لمعنى الدولة ، هذه الصفة المدنية هى مكون مهم من مكونات الهوية الجنوبية .
هذه الصفة مشتركة فى كثير من المجتمعات ولكننا اتينا بها لان هناك صفة مناقضة فى المجتمع اليمنى وهى صفة المجتمع القبلى والايمان بالقبلية ايمانا عميقا وتمثل القبيلة قيمة من القيم ومفخرة من المفاخر فى اليمن بينما فى الجنوب يتم نقد القبلية ( فرق بين القبلية والقبيْلة ) والتذمر من عودتها وان كانت عودة ضعيفة والايمان بالدولة والنظام والقانون بديلا عنها وهذه هى الصفة الجوهرية ( الايمان والاعتقاد ) التى تفرق بين القبلية فى الجنوب وفى اليمن ، ففى الجنوب لم تعد القبلية قيمة بل النظام والقانون والمساواة . ومن هنا ياتى اهمية اثبات الصفة المدنية كمكون من مكونات الهوية الجنوبية التى تجعلها تختلف جذريا عن الهوية اليمنية .
يجتهد الاحتلال فى ضرب الصفة المدنية عبر عسكرة الجنوب وحكمه بقادة الالوية والامن السياسى ومرتزقة المشايخ وتشجيع النعرات القبلية لا لايحاء القبيلة وتقويتها بل لضرب القبيلة والفرد معا لانهاء الانسان والمجتمع الجنوبى .

الـوعـــى :


ان المسألة الجوهرية فى القضية الجنوبية هى مسألة وعى ، واثبتت خمسة عشر عاما من الاحتلال للشعب الجنوبى مدى التناقض بينه وبين الشعب اليمنى فى كثير من الجوانب ، وعى بثه الواقع الملموس وليس مجرد تنظير ، الوعى الذى يستند على الواقع هو اقوى انواع الوعى . هذا الوعى هو عنوان الارادة الجنوبية ولذلك لا خوف على الارادة الجنوبية اطلاقا من الاضعاف او التضليل او ان تقع فى الخديعة مرة اخرى .
إن الشعب الجنوبى اليوم انطلاقا من وعيه وادراكه لهويته المحلية المتميزة والمستقلة ضمن الهوية العربية العامة متحد حول الحفاظ على هذه الهوية والحفاظ على وجوده كانسان جنوبى و كشعب جنوبى عبر حق تقرير المصير الذى يضع وجوده ومستقبله بين يديه لا بيد غيره .

الهوية العربية :

ماهى الهوية العربية ؟ او ما هى الصفة التى تجعلنا نقول ان هناك هوية عربية ؟
هى ببساطة اللغة العربية والثقافة العربية .
1- اللغة العربية :
تتكون من عدة لهجات عربية قديما وحديثا اى فصيحة وعامية . فاليوم توجد لهجات عربية وان لم تكن غير فصيحة فان اصلها فصيح ، وكل لهجة متميزة عن الاخرى وكل من تحدث بلهجة عربية يسمى عربى . اى ان اللغة العربية تضم لهجات مختلفة ، من مجموع هذه اللهجات يعرف ما يسمى لغة عربية اما فصيحة اذا كانت لهجات فصيحة او لغة عربية عامية اذا كانت لهجات عامية .
2- الثقافة العربية : تنقسم الى قسمين :
أ- المشترك العام فى الثقافة :
يتكون من مجموع التاريخ العربى والادب والشعر العربى والفلسفة العربية والمذاهب الاسلامية والطرائق الصوفية ومختلف الانتماءات الدينية .. الخ اى تتكون الثقافة العربية العامة من المشترك العام ، فاذا جئنا للتاريخ من الجاهلية مرورا بعهد النبوة والخلافة الراشدة والدولة الاموية والعباسية هو من المشترك التاريخى العام كما ان شخصيات هذا التاريخ وقادته هم عرب ولا يمكن حسابهم على بلد عربى بعينه او ثقافة عربية جزئية ، واذا جئنا للادب والشعر والادباء والشعراء القدماء هم عرب ولا يمكن ان نحسبهم على بلد معين ، من هو المتنبى ؟ هل هو عراقى او سورى ؟ انه شاعر عربى . وكذلك فى المذاهب ؟ من هو الشافعى . وفى العلم والفقه والفلسفة : من هو ابن رشد الحفيد وابن حزم الظاهرى اللذان عاشا فى الاندلس ؟ حتى انه يدخل ضمن الثقافة العربية انتاج اناس ليسوا عربا ولكنهم يتحدثون العربية ويالفون بها .
ب- مجموع الثقافات الجزئية المحلية :
الثقافات الجزئية مثلها مثل اللغة العربية التى تتكون من عدة لهجات فصيحة قديما وعامية حديثا ، ولذلك فالثقافات الجزئية المكونه للثقافة العربية هى تشبه بوجه من الوجوه اللهجات التى تكون اللغة العربية . فالقاسم المشترك بين اللهجات انها عربية كما ان القاسم المشترك بين الثقافات الجزيئة العربية انها ثقافات اناس يتحدثون العربية .
من هو حسين ابوبكر المحضار ؟ من هو الشاعر حمد بن راشد ال مكتوم ؟ من هو احمد شوقى ؟ ذاك جنوبى والاخر اماراتى وهذا مصرى ، من مجموعهم تتكون ثقافة عربية .
بكلام اخر يمكن القول انه يوجد ضمن هذه الهوية العربية هويات وانتماءات محلية ، فهناك فرق بين السودانى والسورى وفرق بين المغربى والليبى وفرق بين الجنوبى والمصرى لكن كلهم تجمعهم هوية واحدة وهى الهوية العربية التى تتكون من الصفة المميزة وهى اللغة العربية والثقافة العربية .
من المشترك العام تتكون الثقافة العربية كما تتكون من مجموع الثقافت الجزئية المحلية .. .
وليس بالضرورة ان يكون المشترك العام تاريخا فما زال اليوم بعض الانتاج الثقافى يحسب على الثقافة العربية العامة مباشرة ، اى على المشترك العربى ، اكثر مم يحسب على الثقافة الجزئية ، مثل احمد شوقى وعلى احمد باكثير ، وبعض الافلام السنمائية . والمؤلفات الفقهية والعلمية ... الخ .
الهويات والانتماءات الجزئية هى لبنات للعروبة والوجود العربى ، ولايمكن القبول بعد تجربتنا المرة ان نلغى هوية جزئية عربية اصيلة لحساب هوية جزئية اخرى تحت اى ذريعة او حجة ... فلا يمكن الغاء الهوية السودانية لصالح مصر والحاق السودان بمصر تحت ذريعة خطوة فى سبيل الوحدة العربية او ان هذا ما يدعوا اليه الاسلام . الاسلام لا يدعو لالغاء الذات والهوية ولا يدعو الى الضم والالحاق ولا يبارك الاحتلال ، فالاحتلال احتلال مهما كان لونه وجنسه ولا فرق بين محتل واخر بل يكون المحتل باسم الدين و الاسلام والعروبة اشد وانكى من الاستعمار الغربى . لا يمكن القبول بهذا الا اذا قبلنا بالغاء لهجة لصالح لهجة وقد عملت فرنسا على الغاء اللهجة الجزائرية لصالح اللغة الفرنسية لاهداف استعمارية ، فليس من الوحدة الغاء وطمس الهويات المحلية ولن يكون ذلك الا مثل طمس اللهجات المحلية ، وتشكل اللهجة الجنوبية السلاح القاتل و العقبة الكأداء التى لم يتجاوزها الاحتلال اليمنى اطلاقا .
ولذلك يمكن اعتبار اللهجات الجنوبية مثل العدنية والحضرمية هى من مكونات الهوية الجنوبية مثل ما تكون اللهجة الاسكندرانية والصعيدية الهوية المصرية .. وكل هذه اللهجات تشكل مجتمعة الهوية العربية مقابل الهوية الفرنسية او غيرها من الهويات .
اى الغاء لاى خاصية او صفة لسكان ما هو جريمة فى ذاته ولايدل الا على نوايا عدوانية خبيثة مبيتة ، وهذا العدوان هو ما يتعرض له الشعب الجنوبى اليوم .

أحمد سالم ابو سلطان
هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته