الجنوب أولا طباعة
مقالات - صفحة /عبده النقيب
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
السبت, 12 أغسطس 2006 17:40
عبده النقيب
عضو اللجنة التنفيذية للتجمع الديمقراطي الجنوبي ( تاج ) سكرتير دائرة الإعلام.

انطلقت المشاريع والتصورات وما أكثرها التي تجمع على أن النظام العسكري الطائفي القبلي في الجمهورية العربية اليمنية قد أوصل البلاد والعباد إلى طريق مسدود, وحتى الأسرة التي تحكم وتتحكم بمصائر هؤلاء العباد
وثرواتهم صارت تتخبط خبط عشواء فمن وراء الكواليس تجري الاتصالات مع الجنوبيين في محاولة منها لتدارك الأوضاع المهترئة والتي صارت تعرف عنها وتخشاها ولا تعترف بها فقد جرت الاتصالات بعدد من الشخصيات الجنوبية لتشكيل حكومية بدلا عن حكومة باجمال التي انتهت صلاحيتها وحاولوا دعوة البعض للمشاركة في ما يسمى بعيد الوحدة في محاولة لإيهام العالم أن أبناء الجنوب مشاركون وراضون عن هذه الوحدة المزعومة ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.

لسنا هنا بصدد تقييم الوضع المنهار على كل المستويات والأصعدة فوضع كهذا لا يحتاج إلى تقييم أو شرح فقد بات واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار ومقنعا قناعة ليس بها شك أن المؤسسة القبلية العسكرية تقود البلاد كلها نحو التمزق والصوملة لتنطلق معها المشاريع الفردية والحزبية والمقترحات من كل حد وصوب كرد فعل طبيعي للخوف الذي يتملك الجميع من هذا الوضع المأزوم الذي أصاب كل مفاصل الحياة ووضع مستقبل البلد في مهب الريح حتى أن تلك المؤسسة العتيقة والمهترئة التي يمتد عمرها وثقافتها المتخلفة لأكثر من ألف عام صارت مشدوهة عاجزة عن النطق وهي تعاني من سكرات الموت قد أخرست ولم ترد ولم تعلق على تلك المشاريع التي تناثرت هنا وهناك رغم أهميتها واتهامها الصريح لتلك المؤسسة بأنها قد فقدت قدرتها على الفعل وصارت تجوب خارج المساحة الزمنية المحددة لها.

ما نود التطرق له هنا هو بحثنا للأسباب الرئيسة لتلك الأزمة وكذلك الحلول والمعالجات التي تقود للخروج منها.

إن عدد من المشاريع قد ظهرت إلى السطح نتيجة للحراك السياسي التائه الذي يتخبط بين دهاليز الوهم فلا المؤسسة المتنفذة تستطيع الخروج من مأزقها ووقف التدهور المتسارع ولا المعارضة المفرغة من محتواها قادرة أيضا على تقديم رؤية واقعية تستطيع من خلالها تجميع قوة كافية لفرض أو لوضع تلك الرؤية موضع التنفيذ بل إنها مشاريع فردية تفتقر للإجابات على الأسئلة الملحة وأهمها من سيقوم بتنفيذ مثل تلك المشاريع وهل هي قابلة للتنفيذ حتى نطرحها أصلا ! فيكفينا ما شاهدناه ولمسناة في وثيقة العهد والاتفاق التي تحولت إلى وثيقة حرب عند آل الأحمر والموالين لهم.

إننا في التجمع الديمقراطي الجنوبي ( تاج ) ونحن نقدم رؤية متكاملة لكيفية الخروج من هذه المحنة   فإننا نؤكد على أن المشاريع التي لا ترى الأسباب الحقيقية لوجود مثل هذه الأزمة لا تستطيع تقديم الحلول الواقعية لها وفي نفس الوقت فإن هذه الحلول الغير قابلة للتطبيق تطيل من عمر مؤسسة الفساد التي تسمى بالدولة وتسمح لها بالمناورة أكثر وفي نفس الوقت تزيد من مشاعر الإحباط والفشل لدى السواد الأعظم من عامة الناس وتزيد من فرص نمو المخاطر المحدقة بالبلد. وفي تقديري أن الوضع الحالي بأزمته وإشكالاته هو نتاج جملة من الأسباب تتمثل بما يلي:

·    تمتد جذور هذه الأزمة المستفحلة إلى وقت متأخر من ستينيات القرن الماضي عندما نال الجنوب استقلاله وعند قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية التي جاءت على أنقاض إتحاد الجنوب العربي. كان الخطاء الفادح هو مركزة الدولة وإلغاء التعددية التي كانت قائمة على المشاركة في السلطة من خلال تمثيل الإمارات والسلطنات التي تشكل منها إتحاد الجنوب العربي وهو شكل ديمقراطي  لو تم الحفاظ عليه لجنب الجنوب خطر التسلط والديكتاتورية التي أدت إلى الحروب والنزاعات الداخلية المدمرة ولنا في إتحاد الإمارات العربية نموذج حيا.

·    بروز الرؤية المتطرفة لدى البعض من قيادات التنظيم السياسي للجبهة القومية فيما بعد الحزب الاشتراكي اليمني من ذوي الأصول الشمالية الذين كانوا يرون في الوحدة كمشروع يمكنهم من الانتقام من القوى الطائفية القبلية الزيدية في الجمهورية العربية اليمنية التي وأدت المشروع الوطني للضباط الأحرار في مهده وقامت بتصفية القيادات والعناصر المشاركة في ثورة 26 سبتمبر وداخل المؤسسات العسكرية ممن ينتمون للمذهب الشافعي في اليمن الأسفل وبالذات من مناطق تعز وإب فكان الثأر هو الهاجس الذي تمحورت حوله فكرة الوحدة مستعينين بالجنوب كي ينفذوا فكرة تصفية القوى الرجعية في الجمهورية اليمنية وقيام اليمن الديمقراطي الموحد ولأجل ذلك المشروع تم تكريس المفاهيم والشعارات المغلوطة التي ترى أن مستقبل الجنوب مرهون بتحقيق قيام اليمن الديمقراطي الموحد عن طريق تصدير الثورة من الجنوب ودعمها وتغيير السلطة في الجمهورية العربية اليمنية وهكذا سخرت كل أموال الجنوب ومجهوده في سبيل ذلك المشروع الغير عقلاني المتطرف والذي باء بالفشل .

·    رغم انه كانت هناك رؤية ناضجة لدى عدد من قادة الثورة في الجنوب ومؤسسي الجبهة القومية الذين رأوا في خصوصيات الجنوب وخبّروا الأوضاع في الجمهورية العربية اليمنية فكانوا قد أدركوا عدم إمكانية تحقيق مثل هذه المشاريع لكن عقلانيتهم هذه كانت قد اصطدمت بذوي الأفكار المتطرفة الذين رأوا في الجنوب كفرع لابد من إلحاقه بالجمهورية العربية اليمنية ليبدأ مسلسل التآمر والتصفيات لهم تحت شعارات ومبررات مختلفة فتم نعتهم بالتيار اليميني في الجبهة القومية ليتم إزاحتهم عن السلطة ومن ثم تصفيتهم وقتلهم بأساليب تآمرية دنيئة قادتها ودبرتها المجاميع المتطرفة ذوي الأصول الشمالية في التنظيم السياسي للجبهة القومية ورفعت الشعارات المتطرفة التي حولت الجنوب إلى واد غير ذي زرع من خلال تهجير رؤوس الأموال لتبني بدورها مشاريعها في الجمهورية العربية اليمنية وتحرم الجنوب من أي فرص للتنمية تمكنه من بناء دولة قوية تحمي استقلاله وكيانه السياسي وفي سبيل ذلك بدأ مسلسل تزوير التاريخ والحقائق ولم تعد الثورة وبناء الدولة في الجنوب هي همهم بل صار إنهائها واستخدامها كمطية يستولون من خلالها على السلطة في الجمهورية العربية اليمنية فظهرت أطروحة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي لا تستند إلى أي حقائق مبررة بذلك مشاريع الضم والإلحاق ومعززة فكرة عودة الفرع للأصل.

·    دخلت الجنوب في عدد من الصراعات المسلحة التي أضرت بمكانة الدولة وقدراتها وقضت على معظم كوادرها المجربة التي بدأت تدرك حقيقة تلك المؤامرات وكانت الصحوة التي ظهرت في وقت متأخر من ثمانينيات القرن الماضي من خلا ل تقديم برنامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي الشامل والذي يكاد أن يلتقي مع ما كانت تطرحه القيادات الرئيسية للجبهة القومية في وقت مبكر بعد الاستقلال أو ما سمي بالتيار اليميني ولكن كان الوقت متأخرا فقد خسرت الثورة في الجنوب خيرة كوادرها وبقي الحزب الاشتراكي بعد أحداث يناير 1986 تحت قبضة العناصر الشمالية المسيطرة على قيادته من خلال المشاركة المزدوجة لمن هم أصلا في سدة القيادة العليا للحزب الاشتراكي ومعهم ممثلي فرع الحزب في الشمال (حزب الوحدة الشعبية ) ومقاعدهم التي خصصت لهم داخل هيئات الحزب العليا ليقوموا بإلغاء كل منجزات الثورة في الجنوب وتسليم الدولة بكامل مؤسساتها وثرواتها إلى يد عصابة قبلية أسرية لا تعرف عن الوحدة والديمقراطية غير النهب والسلب والفيد.وهكذا اتضحت الرؤية وانجلى الأمر فبنظر هذه الشلة كان أبناء الجنوب وقادتهم أمثال فيصل عبد اللطيف منظر ثورة الرابع عشر من أكتوبر ومفكرها الفذ وقحطان الشعبي الأب الروحي للثورة وغيرهم من العمالقة الثوار كسيف الضالعي ومحمد صالح عولقي وسالمين ومطيع كل هؤلاء تم تصنيفهم كأعداء للثورة والنظام التقدمي والأفكار اليسارية التي كانوا يرددونها هؤلاء المتطرفين فأعدوا لهم ملفات تتهمهم بالرجعية وحكموا عليهم بالموت ونراهم فيما بعد يسلمون السلطة لأسرة أل الأحمر ضاربين بعرض الحائط بكل تلك الشعارات التي كانوا يرفعونها والمبادئ التي كانوا يلوكونها بل أنهم صاروا اليوم يدافعون عن الوضع القائم الذي يعيشه الجنوب من ضم وإلحاق وتهجير لأبنائه وتزوير لتاريخة وهويته ويقفون ضد كل من يرفض هذا الوضع ويعتبرونه انفصالي وخائن.

·    كانت الشعارات الوحدوية المشبعة بالقومية والتقدمية التي انتشرت بفعل ثورة 23 يوليو والزخم الناصري الذي أجتاح المنطقة العربية بأكملها قد أوجد فكرة قيام الوحدة اليمنية في وقت مبكر وكانت العواطف هي المحرك الأساس لهذه الشعارات لتي رفعها الوطنيين في الجنوب فأكدت عليها معظم الأحزاب السياسية القومية التي شكل بعضها فيما بعد ما يسمى بالجبهة القومية والتي تسلمت مقاليد السلطة عشية الاستقلال مباشرة وانعكست تلك الشعارات في مجمل أدبيات الجبهة القومية ووثائق الدولة أيضا وعلى الصعيد نفسه افتقرت جميع وثائق وأدبيات الحركات السياسية التي عرفتها المملكة المتوكلية وفيما بعد الجمهورية العربية اليمنية لأي إشارات تتضمن الوحدة اليمنية رغم كل المزايدات التي نسمعها عن الوحدة اليوم فإن تلك هي الحقيقة بعينها.

·    نتيجة للمفاهيم الخاطئة التي كرست في الجنوب حول الوحدة والتاريخ فقد مهدت تلك المفاهيم الطريق أمام قيام شكل إتحادي بني بطريقة غوغائية بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يفتقر إلى أي أسس واقعية حيث لم تراعى أي اتفاقيات وحدوية سابقة ولم يراعى دستور دولة الوحدة وتم تجاهل الأسس القانونية والشرعية لذلك العمل الذي سمي بالوحدة ولم تراعى الفوارق والخصوصيات لكل من الدولتين وتم استبعاد الشعب بشكل كامل من المشاركة في قيام تلك الوحدة التي أعلن عن قيامها فجأة وهو ما أدى إلى انتكاستها وفشل ذلك الإعلان من الوهلة الأولى وللأسف توجت تلك الانتكاسة بحرب طاحنة كان من نتائجها إلغاء كل الاتفاقيات الوحدوية واحتلال الجنوب عسكريا وتدميره ونهبه وتهجير كوادره ومحو تاريخة بل و تغيير الديموغرافيا والتنكر لحقوق المواطنة للجنوبيين ومعاملتهم كأجانب يحرم عليهم التوظيف في الأماكن المهمة والسيادية.

·    كانت الكذبة الأخرى والمشروع الذي جعل البعض يحلق في الهواء هو ما سمي بالديمقراطية فقد أعتقد البعض أنه بمجرد إقرار الديمقراطية كرديف للوحدة أننا سنتحول بين عشية وضحاها إلى مجتمع ديمقراطي يحسم كل إشكالاته ومعضلاته بالطريقة الديمقراطية وهو الفخ الذي أستدرج إلية الجنوبيين حتى تم إقصائهم من كل المؤسسات ولم يشفع لهم تواجدهم في مجلس النواب ومجلس الرئاسة والوزارات حتى بدأت النيران تلتهمهم واحدا واحدا وما أن بدأوا يحتجون على ذلك حتى شنت عليهم الحرب الشاملة فلم توقفها الاتفاقيات الوحدوية ولا الدستور ولا الوحدات العسكرية المفككة فآل ذلك الهجوم العسكري الشامل إلى احتلال زيدي أستدعى معه الماضي القديم بما يحمله من ثأر وأحقاد تمتد لألف عام. وهكذا أنقضت السلطة الحاكمة على الأحزاب وكبلتها بل ورسمت لها المجالات التي يجب أن تتحرك فيها بما يخدم السلطة ولا يشكل عليها أي تهديد أو خطر لذا نجد أن السلطة تتمرغ في الوحل وتعتصرها الأزمة الشاملة والمستفحلة ولا نجد من يستطيع أن يلتقط الأنفاس ليقدم حلا أو مخرجا قابل للتحقيق عدى مشاريع على الورق لا تستطيع أن تحرك حتى مظاهرة أو تدعو لاعتصام حتى هذا صار من باب المخاطرة التي قد لا يحمد عقبى من يدعو إليها. وهكذا أخليت الساحة من كل المعارضين ومن يراوده شك في ذلك فليراجع تاريخ إحدى عشرة سنة عجاف من التدهور والقمع وليسأل أين كنا وكم تقدمنا وماهي أسباب هذا العجز الكلي رغم وجود المعارضة الشعبية الشاملة لهذا الوضع وهو ما يؤهل أي معارضة حقيقية للوقوف بوجه النظام بل وتغييره لكن الساحة تخلو من ذلك الحزب القادر على توجيه وتنظيم وقيادة هذا الغضب الشعبي العارم.

·    إني لا أرى في الأفق شيئا غير الانهيار المدوي للمؤسسة القائمة الآن وانهيارها في ظل وجود الفراغ الحالي سيشكل خطرا جديا علينا جميعا وما أعنيه هنا هي الحرب الأهلية التي نتمنى أن يجنبنا الله شرها وأصبح تشكيل لجان إنقاذ في الجنوب حاجة ملحة وهو ما ندعو له في التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج).

·    أثبتت كل المفاهيم التي كانت تطرح بشأن الوحدة أنها خاطئة ويخطئ أيضا من يعتقد أن الرئيس على عبدالله كرئيس لمؤسسة الفساد وحليف للعسكر والقبيلة المتنفذة هو المسئول عن فشل الوحدة التي لم تتحقق وأكتفينا بالإعلان عنها, فكل من ينظر إلى الأزمة بهذا المستوى ويقدم الحلول إما لإصلاح هذا الوضع المتأزم دون تغييره أو لتغيير شكل وأسلوب الحكم عن طريق القضاء على المركزية وتوسيع مجال المشاركة عن طريق الحكم المحلي واسع الصلاحيات كما نصت عليه وثيقة العهد والاتفاق كل هذا في تقديرنا رغم ما يمثل من أهمية كونه يؤكد على وجود الأزمة وفشل ما يسمى بالوحدة إلا أنه لا يعالج المشكلة الحقيقية ولا يطرح الكيفية التي يمكن بها تحقيق تلك المشاريع ويفتقر للحلقة الأهم في واقعية أي مشروع  وهي إمكانية تحقيقه. هل يمكن لمؤسسة الفساد أن تقوم بالقضاء على نفسها عن طريق تقليص وإلغاء نفوذها ! أم أن الديمقراطية قد ترسخت ونستطيع التغيير من خلال المؤسسات وعبر صناديق الاقتراع ! في الحقيقة أنه مجرد وهم فالسلطة القائمة هي سلطة مطلقة تحكم عبر مراكز قوى متنفذة تدير الفساد وتؤسس له ولن تقوم مطلقا بالتخلي عن سلطة بمحض إرادتها كما إن الديمقراطية في بلد لا تحكمه مؤسسات هو ضرب من الوهم فمن يدّعون بوجود الديمقراطية في اليمن إما وأنهم من أنصار السلطة لإضفاء الشرعية على سلطاتهم أو أنهم ممن يلبسون الشعارات كما يلبس الإنسان القميص, فبقرار يمكن أن يصبح ماركسي وبقرار أيضا يتحول إلى ديمقراطي وهلم جرا. قد تكون هذه الديمقراطية المزعومة بذور لتأسيس وعي ديمقراطي لكنها حتى اللحضة عبارة عن طفل لازال في مهده ليست فاعلة ولايمكن الركون لها في حل مشكلة السلطة وما يليها من إصلاحات اقتصادية وسياسية ضرورية على المدى المنظور.فالديمقراطية مشروع لازال بعيد المنال ولن يتحقق بهذه السرعة  لأنها عبارة عن منظومة متكاملة مترابطة من العلاقات السياسية تنعكس وتعبر عن نفسها في بنية المجتمع  وبنائه الفوقي لكنها وثيقة الارتباط بالتغييرات الجوهرية والهامة في البنية التحتية للمجتمع وعلاقاته الاقتصادية وهذا مالم يحدث فلا أستطيع أن أتصور وجود وإنتشارالممارسات الديمقراطية في مجتمع تسود فيه العلاقات العشائرية والقبلية؛ مجتمع يعاني من انعدام  وجود بنية تحية وإن وجدت فهي  هشة  والأدهى من ذلك وجود مؤسسات تشريعية وقضائية مهمشة. إنه مجرد زعيق وخداع للمساكين الذين يعتقدون أنه بمجرد كتابة مقال في صحيفة يشتمون فيه الرئيس أنهم قد بلغوا المنى وأن الديمقراطية قد تحققت مع أن المؤسسة الحاكمة لايهمها في الأمر شئ فهم يرفعون ويمارسون شعار(قل ما تشاء ونفعل ما نريد) نعم هذا هو حصاد الخمسة عشر سنة ماضية ونحن نكذب على أنفسنا بأننا نملك صحف وأحزاب ولكننا نملكها ولا نمتلك القدرة على التغيير أو إيقاف هذا التراجع والتدهور الخطير والشامل ولم نستطع حتى القبض على القتلة الذين يمارسون الإرهاب والقتل في وضح النهار كما حصل للشهيد جار الله عمر ولم يفلح الزعيق في إخراج عبدا لكريم الخيواني من السجن الذي دخله لمجرد أنه كتب مقال عن توريث السلطة أين القضاء المستقل أين المؤسسات أين مجلس النواب الذي عجز عن إيقاف المجازر وحملة الإبادة الجماعية الذي تعرض له مواطني صعده.

·    إن المشكلة القائمة تنتظر حلول جذرية ولن تفلح الحلول إلا من خلال تصحيح الأخطاء التي وقعت بالفعل دون الدوران حولها بل لابد من ملامسة العلل المزمنة لأن أي مشاريع لاتسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية في تقديرنا لن تقود إلى حلول ونتائج إيجابية فاعلة فما يجري اليوم في الجمهورية العربية اليمنية يعتبر وضع طبيعي وهو استمرار لحالة يمتد عمرها أكثر من ألف عام وهو انعكاس للتركيبة العشائرية القبلية وهو خليط من العلاقات الإقطاعية السائدة والبرجوازية الطفيلية المتوحشة ومن يراهن بالقضاء على الفساد بطريقة ديمقراطية فهو واهم بل أن التغيير في ظل وجود هذه العلاقات الاجتماعية والاقتصادية المعقدة هو مهمة صعبة تحتاج إلى وقت طويل حتى تترسخ علاقات اقتصادية جديدة تسمح بوجود مؤسسات مرتبطة بها وتحميها أما هذه المرحلة فهي مرحلة البرجوازية المتوحشة مرحلة النهب الشامل أو مايمكن تسميته بالفساد الشرعي لذا فلا عجب أن يكون الرئيس هو من يدير هذا الفساد ويحميه.

·    أما الجنوب فإنه يعاني من مشكلة مزدوجة أو فلنقل مركبة فهو ضحية للفساد الشرعي الذي حول حياة مواطنيه إلى جحيم يفتك بهم الفقر والبطالة والظلم الجائر وفي نفس الوقت يعانون من ويلات الاحتلال العسكري المباشرة حيث تحول كل جنوبي إلى مواطن منقوص ومجرد من حقوق المواطنة وتحول القادمون من الشمال حتى الباحثون منهم عن الرزق كفاتحين وأسياد وأصبح كل جنوبي خائن وانفصالي يتعرض للإقصاء والقمع فلذا فإن المشاريع التي تتجاهل حقيقة هذا الوضع المأساوي وتتحدث عن وحدة قائمة فإنها تتعمد الإجحاف بحق الجنوب والنكران لحقوق مواطنيه وهذه جريمة لا تبررها أي شعارات أو مشاريع فالوحدة ليست وحدة أرض بل وحدة وطن عمودها المواطن والمواطنة أولا وأخيرا. 

·    إن الخلل الرئيس هو في الطريقة التي أعلنت بها الوحدة ولا نقول قامت بها الوحدة لأنها لم تقم أصلا فالدولة في الجنوب كانت قد قطعت شوطا كبيرا في بناء المؤسسات وفي ترسيخ الوعي الاجتماعي الحضاري المؤمن بالممارسات الديمقراطية وسيادة القانون فكان التفريط بهذا الإنجاز الكبير مؤامرة دنيئة بكل المقاييس رغم كل المبررات لذا لابد من تصحيح هذا الخلل أولا من خلال إلغاء الاحتلال العسكري للجنوب وإعادة الاعتبار للجنوب وأهل الجنوب وفك الارتباط القائم على القوة ورفض الاحتلال المتستر بالوحدة والسماح بعودة الدولة ومؤسساتها كي تنطلق في عملية بناء تستغل وجود الثروات الطبيعية في البر والبحر وتستغل وجود الموقع الجغرافي المتميز لعدن كي تسير بعجلة التنمية وتنقذ البلاد من براثن الفقر والتخلف والتمزق.

·    لسنا ضد الوحدة ولسنا من دعاة الانفصال والتمزق لكننا نرفض أن نستعمر ونستعبد باسم الوحدة وهي من ذلك براء فالوحدة ليست قائمة أصلا فكيف سنقوم بإصلاحها وليس هناك ما يلوح في الأفق ينذر بالتغيير فقد أثبتت الخمس عشر سنة الماضية إن الأوضاع تسير إلى الوراء وأن الجهود الوحدوية التي بذلها الوطنيين خلال الفترة التي سبقت إعلان الوحدة قد ذهبت أدراج الرياح بل أننا عدنا إلى الخلف عقود من الزمان فلو تخيلنا أن الدولة في الجنوب ظلت قائمة لكانت الأوضاع في الجمهورية العربية اليمنية أفضل من اليوم بكثير فكان الجنوب سندا للقوى الوطنية في الجمهورية العربية اليمنية في نضالهم ضد القوى القبلية المتخلفة ولكانت فرص التغيير واردة اليوم لكن الجنوب صار غنيمة وقوة بيد القبلية في حربها ضد المجتمع والتقدم فتم احتلال الجنوب وتدميره وفي نفس الوقت ضربت القوى الوطنية في الجمهورية العربية اليمنية وتعزز وضع المؤسسة القبلية العسكرية التي صارت تملك القدرة أكثر من أي وقت مضى على ضرب المقاومين والمعارضين في الجمهورية العربية اليمنية ورغم كل ذلك فقد وصلت إلى طريق مسدود بفعل عوامل داخلية وخارجية عديدة.

·     إن استعادة دولة الجنوب بقدر ما تبدو للعيان أنها انفصال عن الوحدة فإنها بالفعل ليست كذلك فما تسمى اليوم بالوحدة هي احتلال عسكري مزق كل العرى الوحدوية فبمجرد تفكك القوة العسكرية لأي سبب يصبح التمزق مصيرا لابد منه وللأسف لن يكون الجنوب موحدا بل سيتمزق وستقوم دول كانت قائمة بالفعل لذا فإن استعادة الدولة في الجنوب هو مشروع إنقاذ سيجنبنا هذا التمزق وهذا التفكك وعلى العكس يدفع بمشروع التغيير إلى الأمام في الجمهورية العربية اليمنية وهذا بدوره سيهيئ الضروف والأرضية لقيام وحدة حقيقية تضمن من خلالها المشاركة الواسعة وتضمن الحقوق المتكافئة لمواطني الوحدة الذين بدورهم سيدافعون عنها لأنهم يدافعون عن مصالحهم ووجودهم وكرامتهم ومن يعتقد أن الوحدة التي تسلب المواطن قوته وكرامته وأمنه أن ذلك المواطن سيدافع عنها فهو واهم.

·    إن علينا أن نعيد الاعتبار للجنوب ومواطنية فقد صودرت حقوقهم وسيقوا كما يساق القطيع إلى المسلخ رغم قناعتنا أن الجنوبيين كانوا لن يقفوا ضد الوحدة ولا أحد يقول ذلك رغم ردود الفعل التلقائية التي يعبر بها المواطن الجنوبي اليوم لكنه كان سيقول كلمته في الطريقة التي يجب أن تتم بها الوحدة وعن الضمانات التي تؤمن حقه كمواطن ومستقبلنا كشعب له تاريخه وخصوصياتة فمابني على باطل فهو باطل لذا لابد من إلغاء هذا الاحتلال وعودة الوضع إلى سابق عهده والبدء بالحوار والتفاوض وفقا لقرارات المؤسسات الدولية ووفقا للاتفاقيات الوحدوية السابقة فالحق لاينته بالتقادم وهنا لابد للشعب أن يقول كلمته في مستقبل بلده ويقررمصيره بشكل حر وديمقراطي ولابد أن ننظر للوحدة كمشروع وطني له ظروفه ومقوماته بعيدا عن المزايدات والمصالح الشخصية الضيقة التي قادت البلد نحو الهاوية دون أي وازع أو مسؤولية.
آخر تحديث السبت, 12 أغسطس 2006 17:40