المقاومة والشرعية - بقلم - عبده النقيب* طباعة
مقالات - صفحة /عبده النقيب
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الجمعة, 30 أكتوبر 2015 04:14

كثيرا ما يتردد على مسامعنا مصطلح الشرعية في اكثر من مناسبة وتبرز اهمية فهم هذا المصطلح عندما يتعلق الامر بمصير شعب. الشرعية " legitimacy" في تعريف

قاموس اكسفورد هي ان يكون قانونيا ومبررا. مفهوم الشرعية في قاموس كامبردج ايضا خاصية مبرّرة ومقبولة. واتفق فقهاء القانون على نفس الاسس تقريبا وهي المشروعية والقبول.. أي ان

تكون الشرعية قائمة على القانون والقانون قائم على قبول الناس له. وحدد الفقهاء وعلماء الاجتماع الشرعية السياسية بمنظومة السلطة التي تخضع للقانون المتفق عليه شعبيا.. هذا يعني ان الشرعية

هي سلطة قائمة كنتاج للإرادة السياسية للشعب تمارس صلاحياتها المقيدة قانونا بعقد اجتماعي بينها وبين الشعب.

 

بكل تأكيد هذا تعريف نظري لكن الواقع مختلف ولا يعني ان الشرعيات السياسية الحديثة هي سلطات تخضع للقانون ونتاج لإرادة الناس. وهناك مسألة ذات اهمية وهي متعلقة بمفهوم القانون..

أي مجموعة الاحكام والقواعد التي تنظم العلاقة بين الناس في مجتمع معين فهو نتاج لهذه العلاقة وليس العكس, ولهذا فإن القوانين التي تصاغ بعيدة عن واقع العلاقات الاجتماعية تقابل بالرفض لها.

فاليمن هي النموذج الاوضح لهذا حيث تمت صياغة الكثير من القوانين التي تستند إلى فهم بعض المشرعين لما درسوه في فرنسا او غيرها بعيدا عن استيعاب ومراعاة واقع العلاقات الاجتماعية

والقبلية المتخلفة فيها ولذا لم تجد القوانين من ينفذ ها من قبل السلطة التي شرعتها ولا تلق قبول من الشعب التي لا تعبر عن ارادته.
الواقع يخالف الفهم النظري لمصطلح الشرعية بنسب متفاوتة تخضع لمستوى تطور او تخلف هذا المجتمع او ذاك. فالشرعية الدولية المعروفة هي ارادة القوة للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية

لا تعبر عن القوانين الدولية التي صيغت من منطلق حقوقي بحت روعي فيها حقوق الافراد والمجتمعات. هذه القوانين تصطدم بالشرعية الدولية الممثلة بمجلس الامن القائم على القوة فيتم منح

اعضاء هذا المجلس حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار دولي, في احيانا كثيرة هذا الحق يتعارض مع القانون الدولي والشرعية الدولية مثلما تفعل امريكا في اعتراضها الدائم لأي قرارات تدين

إسرائيل. ليس هذا فحسب بل ان القوة نفسها تمنح هذه الدول القبول الفعلي باستخدام القوة خارج اطار شرعية مجلس الامن نفسه مثلما فعلت امريكا في احتلالها العراق او روسيا مؤخرا في تدخلها

في اوكرانيا ولا احد يجرؤ او يستطيع محاكمة امريكا على ما فعلته في العراق خارج اطار القانون الدولي بل وحتى خارج شرعية مجلس الامن الدولي. هنا نصل الى استنتاج واحد لا غيره وهي

ان الشرعية في الواقع هي القوة والقوة هي الحق.

وعند اسقاطنا لهذا الفهم على واقع المقاومة الجنوبية والسلطة التي تدعي الشرعية فإن هذه السلطة لا تمثل أي شرعية بالنسبة للجنوب فالمقاومة الجنوبية قاتلت قوات الاحتلال اليمني بكل مظاهره

وتجلياته, والطرف الذي يدعي الشرعية هو احد ركائز الاحتلال اليمني الأساسية, بينما الشرعية الحالية هي قاتلت في اطار صراعها على السلطة بين قبائل اليمن المتمثلة بالكتل السياسية ( الاصلاح

– المؤتمر الحوثيين). السلطة القائمة التي تدعي الشرعية هي الإرادة السياسية لحزب الاصلاح اليمني المعبر عن المصالح الاقتصادية لبعض القبائل والمتنفذين منها والحلفاء المنتفعين من هذه

كالرئيس وشلته وهؤلاء جميعا هم شق اساسي من منظومة الاحتلال اليمني والوقوف الى جانب هذه الشرعية لا تعني سوى احلال الاصلاح بدلا من الحوثيين والمؤتمر.
لماذا غابت السلطة الشرعية في الجنوب, واعني بها سلطة المقاومة, بل نتساءل لماذا قاتلت المقاومة الجنوبية وقدمت كل هذه التضحيات وحققت الانتصار التاريخي؟! أ لتنصيب حزب الاصلاح

بدلا من الحوثين وصالح ام لاسترداد الحق الجنوبي المغتصب؟!.

ما نلمسه اليوم في الواقع بكل اسف يشير الى ان المقاومة قاتلت من اجل تنصيب حزب الاصلاح ومنحه الجنوب كقاعدة للتفاوض مع خصمة في السلطة في الشمال والتي ستؤول الى التقاسم

بينهما بشكل او بآخر. لا استطيع ان اجد أي مبرر لإحجام المقاومة عن فرض وجودها السياسي في الجنوب وليس بالضرورة الصدام العسكري في هذه المرحلة, وليس منطقيا ان تتحجج قوى

التحالف بالشرعية لإعاقة المقاومة الجنوبية من تمكين اراداتها وفي نفس الوقت تسعى لفرض الارادة السياسية التي لا يرتضيها شعب الجنوب لان هذا اساسا ضد الشرعية الجنوبية في الواقع

وستكون مآلاته كارثية لافتقاره لأي قبول شعبي جنوبي.

تقوم شراكتنا مع قوى التحالف العربي على اساس الوقوف في وجه المد الفارسي وبناء منظومة عربية في الجزيرة تدافع عن المصالح القومية للأمة وتصد أي عدون وهذا امر لا جدل فيها, ومن

اجل المصلحة القومية لشعوب المنطقة هبت قوى التحالف العربية لنجدة شعب الجنوب واعادته الى حاضنته العربية على ان لا يتم استغلال الوضع الكارثي وحالة الضعف التي تعتري شعب الجنوب

في مصادرة ارادته السياسية لان ذلك سيحول النجدة الى احتلال.
ما من شك ان الرئيس اليمني كواجهة لحزب الاصلاح وانصار الشريعة والقاعدة لا يمتلكون أي قاعدة شعبية في الجنوب ولذا فليس لديهم أي مشروعية وقد اكدت المليونيات العديدة وآخرها مليونيه

14 اكتوبر مشروعية المقاومة ومشروعية مطالب شعب الجنوب ورفضه للاحتلال اليمني بمختلف اشكاله ولهذا لجأ الرئيس اليمني الى استقدام القوات السودانية للقيام بمهام امنية في عدن لحماية

الإرادة السياسية لحزب الإصلاح الذي لا يمتلك أي مشروعية بل ويفتقد للحاضنة الشعبية وادوات القوة التي تمكنه من فرض سيطرته على الجنوب.
من المخجل ان ينتظر المقامون الجنوبيون الداعون الى الاستقلال لمرتباتهم وتموينهم من ادارة عبدربه ووزراء حزب الاصلاح الارهابي فذلك كمن يسلم عنقه لخصمه, ولا عجب ايضا ان تحاول

قوات التحالف العربي في تهميش المقاومة التي ترفع شعار الحرية فوق كل اعتبار, لان قوى التحالف في نهاية المطاف تبحث عن شريك يخضع لإراداتها السياسية. هنا نسجل خطآن استراتيجيان

ترتكبهما المقاومة الجنوبية وقوات التحالف العربي في آن واحد.
اولا ان المقاومة قاتلت وحققت النصر العسكري ولم تبسط هيمنتها على عدن مثلما فعلت في الضالع وتضع يدها على الموارد السيادية كالمصافي والميناء والجمارك والبنك المركزي لتمويل المقاتلين

حتى يتم فرض استصدرا مبادرة سياسية جديدة تتعاطي مع واقع ما بعد التحرير والنصر وتجبر قوى الشرعية اليمنية على الدخول في حوار برعاية خليجية حول المستقبل بكل تفاصيله, واذا لم

تفعل المقاومة ذلك فإن الحديث عن مستقبل الجنوب سيكون مجرد هذيان وهراء.. والخطأ الاستراتيجي الثاني هو عدم تعاطي قوى التحالف مع الواقع والشرعية الفعلية في الجنوب الممثلة في

المقاومة وسحب الصراعات القائمة في اليمن على الجنوب فإن ذلك سيؤدي الى خسارة فادحة لها, فالمقاومة الجنوبية هي المكسب الاهم على الاطلاق التي حققته قوى التحالف في معركتها التي

مازالت في بدايتها. سيبدأ الحوار في جينيف حول كعكه الجنوب بين طرفي عصابة اليمن وسيجلب كل طرف ممثلين لشعب الجنوب القاصر سياسيا دون خوف او وجل طالما وان المقاومة تنتظر

الوظيفة والمرتب من مندوب شركاتهم لدى الجنوب المسمى تجاوزا بالرئيس اليمني.
من سخريات القدر ان يسعى العالم الى اقناع مليشيات لا تمثل سوى مجموعة فئوية من الناس تقبع في اقصى رقعة في شمال اليمن تعادل ما مقداره واحد بالمائة من المساحة والسكان للدخول في

الحوار كطرف رئيس ويتم تجاهل واقصاء المقاومة العسكرية والشعبية الجنوبية القوة الوحيدة التي تكسرت على اسوارها مشاريع فارس واستطاعت بدعم قوى التحالف العربي تحقيق النصر على

القوات اليمنية وتمثل شعب الجنوب العربي الذي يعادل ضعفي مساحة اليمن و85 % من الثروة .. هل ادركنا اين يكمن الخلل كمقاومة جنوبية؟! ربما ان قوى التحالف العربية تدرك جيدا ان

شعب الجنوب العربي سيكون كله جنودا في خط الدفاع الاول عن امن الجزيرة والخليج ضد العدوان الفارسي بمختلف اشكاله لكنهم كما يبدو لا يدركون ان الجنوبيين ايضا على استعداد بالتضحية

بكل الاشياء مهما عظمت في سبيل الحفاظ على إرادتهم الحرة والمستقلة.
رئيس البعثة الجنوبية لدى البرلمان الاوربي*
سكرتير العلاقات الخارجية للتجمع الديمقراطي الجنوبي "تاج"
الجنوب العربي