اليمن.. عندما تتحول الوحدة إلى احتلال احمد عمر بن فريد 26/6/2009م طباعة
مقالات - صفحة/أحمد بن فريد
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الأحد, 28 يونيو 2009 09:57
صوت الجنوب/2009-06-28

أيهما شر أكثر، وحدة ظالمة أم انفصال «مريح»؟ سلطة مركزية واحدة غير ديموقراطية، أم لا مركزية ضعيفة وهشة؟ اليمن عاش تجربة الانفصال الدامي، والوحدة القانية... هل من سبيل آخر لصيانة الوحدة تتأسس على الانتماء من جهة والديموقراطية من جهة أخرى... أم بات المطلوب تدخل «التحالف الدولي» الاحتلالي «لإنقاذ» الجنوب؟


وجهة نظر لسياسي جنوبي، تستدعي جواباً من مفكرين وسياسيين يمنيين وعرب.

تبدو حقيقة ما يحدث في الجنوب لدى العالم العربي على وجه التحديد غير واضحة, بل أكاد أجزم بأن هناك صورة مغلوطة ترسخت لدى المجموع العربي على المستوى الشعبي وحتى على مستوى النخب السياسية والمثقفة, وذلك بفعل تغاضي وسائل الإعلام العربية لأسباب سياسية وغير سياسية, عن تغطية ما يحدث في الجنوب بشكل مهني, ونقل الصورة الحقيقة كما هي دون مواربة أو تجن على طرف من طرفي النزاع.
كما أن استماتة وسائل الإعلام الرسمية في صنعاء جهة تزييف الحقيقة تبدو مؤثرة هي الأخرى, نظرا للإمكانيات الإعلامية الهائلة التي تحرف الحقيقة عن مسارها من قبل إعلام السلطة, في مقابل إمكانيات إعلامية متواضعة جدا يملكها الحراك الشعبي في الجنوب الساعي بإرادة جماعية صلبة متماسكة وغير مسبوقة على مستوى الجنوب ككل, نحو تحقيق الاستقلال وفك الارتباط من عرى وحدة هشة تحولت الى احتلال داخلي صريح جثم على كاهل الجنوب (الأرض والإنسان) منذ تاريخ 7/7/1994م حتى يومنا هذا .
إن إجراء عملية مقارنة موضوعية بين ما حدث للكويت يوم 2 أغسطس آب 1990م وما حدث للجنوب يوم 7/7/1994م, سوف يقود أي محلل سياسي منصف للوصول إلى النتيجة نفسها من حيث الجوهر والمعنى والدلالة. فإذا كانت الكويت قد تعرضت في جنح الظلام إلى انتهاك واضح وفاضح لسيادتها كدولة مستقلة من قبل نظام دولة شقيقة انتهى باحتلال صريح مع مغيب شمس ذلك اليوم الأسود, فإن الوضع في الحالة الثانية تمثل في احتلال وطن عربي مستقل تقدم الى وطن عربي آخر بكل روح وحدوية وقومية سمحة, بهدف تحقيق وحدة متماسكة تحقق للشعبين أفضل النتائج الممكنة على صعد الرفاهية والاستقرار والتقدم والنماء. إلا أن الشريك الآخر نكث باتفاقية الوحدة وانقلب على بنودها وأفرغها من مضمونها ومحتواها وقيمتها الحقيقة, حينما جسد على أرض الواقع، ومنذ اليوم الأول لها فكرة، تاريخية عقيمة مستوطنة في ذهنية قبلية متخلفة, تقول بحتمية عودة (الفرع إلى الأصل) وهي ذات الفكرة القاتلة التي حاول نظام البعث في العراق ترويجها منذ اليوم الأول لغزوه دولة الكويت الشقيقة.
[[[
وفي هذا الإطار فإنه من الأهمية بمكان الإشارة الى أن الجنوب قد عاش خلال الفترة الانتقالية للوحدة ما يمكن أن نطلق عليه (الفترة الانتقامية)، وهي مرحلة تمهيدية كانت ضرورة لازمة لتهيئة الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية لتنفيذ خطة الحرب التي أعلنها الرئيس صالح يوم 27 ابريل 1994م في خطابه الشهير من ميدان السبعين في صنعاء, حيث استغلت القوى المتنفذة في الشمال (السلطة ـ المعارضة) تلك الفترة, فوزّعت الأدوار في ما بينها, وأتقنت اللعب على جميع التناقضات السياسية (الجنوبية ـ الجنوبية) فدبرت المكائد والجرائم والاغتيالات السياسية, ما أسفر عن مصرع ما لا يقل عن 150 شخصية سياسية واجتماعية جنوبية.
وإذا كانت تلك الفترة قد مهدت الطريق لخوض حرب انقلابية على الوحدة السليمة, فإن المرحلة التي تلت الحرب قد جاءت لتقصي كامل مؤسسات دولة الجنوب (العسكرية ـ الأمنية ـ الإدارية) بعد إقصاء الإرادة السياسية الجنوبية صاحبة الفضل الرئيسي في تحقيق الوحدة, وتشريدها في المنافي القريبة والبعيدة, وذلك كعقاب جماعي فرضه منطق (الوحدة المعمدة بالدم) وحتمية (عودة الفرع إلى الأصل)!! .. ثم أعقب ذلك كمرحلة ثالثة، تبني السلطة الحاكمة لنهج استعماري داخلي, تمثل في نهب الثروات والبسط على الأراضي التجارية والزراعية الخاصة، من قبل أمراء الحرب، واستضعاف المواطنين في الجنوب وإذلالهم مطلع كل شهر بمرتبات التقاعد الشحيحة، وممارسة القوة المفرطة إزاء أي متذمر أو معارض أو رافض لهذا الوضع ونتائجه.
[[[
وفي هذه المرحلة الأخيرة تحديدا, ثبت لأبناء الجنوب, في داخل الوطن وخارجه، أن ما يحدث على الأرض, هو فعل لا علاقة له بالوحدة, وهو نهج احتلالي صرف يهدف في الأساس الى ترويض الإرادة الجماعية الجنوبية وتدجينها وكسر شوكتها، حتى تقبل بما قبلت به قبائل (الزرانيق) في الشمال أثناء صراعهم ومقاومتهم لغطرسة النظام الإمامي .
لكن الجنوب لم يقبل فانتظمت نخبه السياسية والاجتماعية والعسكرية في نسق (سياسي ـ نضالي) واحد, اختار أن تكون قيم (التسامح والتصالح) في ما بين الكل الجنوبي، قاعدة أساسية للانطلاق الرافض لذلك الواقع المؤلم, وشرطا ضروريا سابقا لمرحلة النضال السلمي ضد نهج الاستعمار الداخلي المتلحف برداء الوحدة الكاذبة, فانتفض الجنوب من أقصاه إلى أقصاه في حراك سلمي حضاري, انخرطت فيه كل القوى السياسية الجنوبية بلا استثناء, وقدمت وما زالت تقدم ملاحم نضالية منقطعة النظير, وما زالت صنعاء تواجه هذا المد الشعبي الجنوبي بقوة السلاح وبالبطش والقتل والاعتقالات حينا وبالكذب والتزوير الإعلامي والدبلوماسي حينا آخر, وقد يستغرب القارئ اذا ما قلنا إن شهداء الحراك السلمي فقط قد تجاوز السبعين شهيدا, وان جميع هؤلاء الشهداء قد سقطوا في مسيرات سلمية برصاص حي مباشر جاءت أغلب إصاباته القاتلة في الرأس مباشرة, بفعل قناصة محترفين كانوا يعتلون أسطح المنازل ويصوبون رصاص الغدر تجاه المواطنين العزل من أبناء الجنوب أثناء مسيراتهم الحاشدة, في حين أن عدد الجرحى قد تجاوز الثلاثمئة جريح, إصابات البعض منهم خطيرة أو معيقة للحركة .. كما أن المئات الآخرين لا يزالون يقبعون في سجون نظام صنعاء ويقدمون صبيحة كل يوم إلى المحاكم الجائرة, وهي محاكمات دائما ما يكون فيها أعضاء النيابة والقضاة من الشمال.
إن المواجهات مابين نضال أبناء الجنوب السلمي وقوات نظام صنعاء تحدث كل يوم بصورة غير متكافئة, وهي مواجهات تبلغ فيها درجة القمع منتهاها وتعمل على تشكيل حقد وكراهية تترسخ قواعدها مع كل حدث مؤلم ما بين الطرفين, ويهمنا هنا أن ننبه الإخوة العرب جميعا إلى خطورة ما يحدث, مؤكدين أن الوحدة انتهت. وأملنا أن القيم الأخلاقية والسياسية ذاتها التي انتصرت للكويت من عنجهية احتلال نظام البعث الغاشم سوف تدرك هذه الحقيقة وتقف إلى جانب الحق في الجنوب . 
كاتب وسياسي يمني جنوبي



نقلا عن السفير اللبنانية


آخر تحديث الأحد, 28 يونيو 2009 09:57