المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليمن الجنوبي : سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً ـ في كتاب


الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:13 AM
هذا الكتاب صدر باللغة الإنجليزية قُبيل استقلال اليمن الجنوبي و هو يمثل وثيقة تاريخية هامة للغاية ، و على الرغم من مضي عقود على تلك الأحداث التي يستعرضها الكتاب ، إلا أننا نرى مشاهدها تتكرر اليوم في عدة أجزاء من الوطن العربي ...! لذلك انشر لكم هنا أجزاء من ذلك الكتاب ، و بالتحديد ( المُلحق ) الذي يستعرض الأحداث التي سبقت استقلال اليمن الجنوبي ، عسى أن ينال اهتمامكم بالنقد و النقاش الجاد و الهادف . أخوكم / أبو ملاك


الكتاب بعنوان :

(( اليمن الجنوبي ))

سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً

المؤلف : الدكتور / محمد عمر الحبشي

ترجمة :
الدكتور الياس فرح
الدكتور خليل احمد خليل


كلمة الناشر :

هذا الكتاب ( اليمن الجنوبي : سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً ) هو الأول من نوعه ، و هو يلقي أضواء كاشفة على جميع نواحي الحياة في هذه الجمهورية الجديدة التي قامت حديثاً . و لا يمتاز هذا الكتاب بوفرة معلوماته فحسب ، بل يمتاز أيضا بدقة المعلومات و شمولها . إنه كتاب هام عن منطقة عربية بدأت تحتل دوراً هاماً في الحياة السياسية العربية .

دار الطليعة للطباعة و النشر
بيروت
آذار ( مارس ) 1968م

.......................


( مُلحق )

الأحداث السياسية في فترة 1965 ـ 1967 م



إن ميزة هذه الفترة الأكثر بروزاً هي بدون شك الاتساع الذي أخذته الحركة الوطنية للتحرر مُعرِضة بذلك سياسة المملكة المتحدة في اليمن الجنوبي للفشل و مُبعدة قادة الاتحاد التقليديين . و قد آل النظام القائم إلى الزوال دون أدنى أسف .

1 ـ مؤتمر لندن في شهر ( أغسطس ) 1965 م .


في محاولة أخيرة لإنقاذ البناء الذي شُيد سنة 1959 من قبل المحافظين ، دعا العماليون في شهر أغسطس 1965 إلى عقد مؤتمر جديد في لندن ، اشترك فيه بالإضافة إلى البريطانيين و الزعماء التقليديين ، ممثلون عن حكومة عدن و سلطنات حضرموت و قادة حزب الشعب الاشتراكي و رابطة الجنوب العربي .

و كان الاجتماع يرمي إلى البحث عن الوسائل التي يمكن بواسطتها التقريب بين مواقف الأحزاب و الفئات المتنازعة محلياً بقصد تشكيل ( حكومة اتحاد وطني ) كانت المملكة المتحدة تنوي تسليمها السلطة في وقت لاحق . و كان قد ظهر على الفور أن الخلافات كانت بالغة العمق و أن المواقف متباعدة جداً حتى يكون ثمة أمل بالتوصل إلى حل تقبله كل الأطراف . كان العماليون و أصدقائهم يريدون في الحقيقة أن يبقى النظام الاتحادي كما هو بينما كان ممثلو المعارضة يطالبون بإصلاحات دستورية تتعارض مع مصالح الطرف الأول . و نظراً لعدم التمكن من إيجاد مجال للتفاهم لم يكن على الحكومة البريطانية إلا أن تتقبل مرة أخرى فشل مجهودها .

و في عدن ، دخلت الأزمة التي تعيش منذ عدة سنوات ، في مرحلة جديدة من التوتر ؛ فالحكومة العدنية التي كان يرأسها في تلك الفترة عبد القوي مكاوي ، عرفت تحولاً وطنياً واضحاً و رفضت مراعاة الاغتياظات البريطانية التي سببها الإرهاب . و بالرغم من شكوى علنية تقدم بها المندوب السامي ، أمتنع المكاوي عن إدانة الهجمات و الاعتداءات المرتكبة ضد الرعايا البريطانيين و بالأخص اغتيال رئيس المجلس التشريعي .

منذ ذلك الحين كانت أيام وزارة مكاوي معدودة . فبالاتفاق الضمني مع لندن أتخذ المندوب السامي في شهر سبتمبر 1965 القرار الخطير القاضي بتعليق دستور عدن ، و بتنحية حكومة مكاوي .

كان ذلك الأمر نهاية حقبة و بداية عهد جديد ستكون ميزته الأساسية التقدم المظفر للقوى الوطنية .



2 ـ نشأة جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل Flosy :

بالرغم من المقدرة على المقاومة بالقوة ، كان عبد القوي مكاوي و قادة حزب الشعب الاشتراكي لا يزالون يتحاشون اللجوء إلى القوة . في الحقيقة كانوا يحتفظون بأمل جر لندن إلى التعقل و الحكمة عن طريق الضغط و العمل السياسيين بالضبط . و لهذه الغاية ، جزئياً ، تم إنشاء منظمة التحرير سنة 1965 . و أما السبب الخفي الذي أدى إلى إنشاء هذه المنظمة ثم إلى إنشاء ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) فقد كان ، مع ذلك ، رغبة قادة حزب الشعب الاشتراكي في إنقاذ الجامعة النقابية ( المؤتمر العمالي العدني ) التي قوضتها جدياً ( الجبهة القومية للتحرير ) التي توصلت سنة 1965 إلى كسب ست نقابات من أقوى نقابات المنطقة إلى جانبها .

كانت منظمة التحرير تطمح منذ البدء إلى تجميع كل أحزاب المعارضة في داخلها . و قد نجحت في ذلك نجاحاً واسعاً في الظاهر على الأقل ، لان هذه الأحزاب ، باستثناء رابطة الجنوب العربي ، قد أُعجبت بضرورة التجمع و الانضواء ، حتى بضرورة الانصهار في منظمة واحدة تدعى من الآن فصاعداً ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) . كذلك وافقت رابطة الجنوب العربي على مبدأ الاتحاد لكنها رفضت أن تنحل في جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل .
إلا أن الحدث الأكثر أهمية و بروزاً كان دخول ( الجبهة القومية للتحرير ) في المنظمة الجديدة . و حسب أقوال بعض المراقبين ، يمكن أن يكون الدخول قد فرضه عليها مع ذلك بعض زعمائها الذين كانوا قرروا ، بمبادرتهم الخاصة ، إلزام ( الجبهة القومية للتحرير ) بدون استشارة قيادتها العليا . كذلك لم يكن هذا السراب من التعليل مقبولاً تماماً . فلم تلبث المنازعات أن ظهرت بجلاء .
كان قادة منظمة التحرير السابقة المتمرسين في العمليات السياسية و الميالين قليلاً إلى النضال المسلح الذي كانت ( الجبهة القومية للتحرير ) تقوده منذ اكتوبر1965 ، يريدون أن يكونوا رجال سياسة قبل كل شيء ، بينما كان قادة ( الجبهة القومية للتحرير ) يعتبرون أنفسهم كرجال فعل و عمل . هكذا كان مفهوم العمل الثوري الذي ينبغي الشروع به لتحرير البلد من النير الاستعماري يختلف كلياً من جماعة لأخرى .

في البداية كان القادة الوطنيون يبذلون جهودهم للهيمنة على الخلافات نظراً لما تقتضيه الأحوال . غير أن اختيارات و أمزجة مختلف الأطراف المعنية كانت متعارضة لدرجة أن التحالف العدني كان يعاني بشدة يقول زعماء ( الجبهة القومية للتحرير ) أنهم كانوا ينوون ليس فقط تحرير البلد و إنما تصفية الماضي أيضاً ، بينما كان زعماء ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) يعطون الأولوية ، على ما يبدو ، للتحرير السياسي . بعبارة أخرى ، كانت الخلافات تدور حول السياسة التي ينبغي نهجها ، بعد طرد الاستعمار و الرجعية أكثر مما كانت تدور حول نضال التحرير بمعناه الحقيقي . و تبدو هذه الخلافات كأنها تعبر دوماً عن الفرق الذي يفصل زعماء المنظمتين الوطنيتين المتنازعتين .
لكل هذه الأسباب فسخ التحالف الذي جرى في 13 يناير 1966 في ديسمبر من السنة ذاتها . استعادت ( الجبهة القومية للتحرير ) حرية عملها و كثفت نشاطها العسكري في مناطق البلد الداخلية و الأعمال الإرهابية في المراكز الحضرية . و في نفس الوقت قوت و وطدت أوضاعها في الجيش و الشرطة و النقابات و في صفوف المثقفين الشبان ، و ازداد تأصلها في الأرياف . و مع تبني هذا الخط القاسي عرفت الحركة الثورية تحولاً حاسماً .
أما ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) فقد أناطت نفسها بقيادة عسكرية مستقلة ( المنظمة الشعبية ) عهد اليها برعاية النضال المسلح ، و بمكتب سياسي يقع العمل السياسي على عاتقه . و قد ضاعفت مجهودها على الصعيد الداخلي و بذلت نشاطاً دبلوماسياً واسع النطاق في الخارج و بالأخص في هيئة الأمم المتحدة .



3 ـ بعثة هيئة الأمم المتحدة

كانت مشكلة اليمن الجنوبي ، منذ عدة سنوات ، تطرح بانتظام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة . و قد بحثتها الجمعية العامة مرة أخرى في دورتها السنوية لعام 1966 . و في نهاية تلك المناقشات ، صوتت الجمعية العامة على قرار يطلب من الأمانة العامة إرسال بعثة خاصة إلى عدن لدرس رغبات السكان و للتشاور حول إجراءات حصول البلد على الاستقلال . و وعدت المملكة المتحدة بالتعاون مع البعثة .
و في شهر مارس 1967 ، توقف أعضاء البعثة الثلاثة ، و هم في طريقهم إلى عدن ، في لندن و القاهرة و جدة للاتصال بالسلطات الرسمية و بممثلي المعارضة . استقبلتهم القاهرة استقبالاً بارداً . و كانت ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) و ( الجبهة القومية ) تتهمان البعثة علناً بأنها تلعب لعبة الاستعمار و الرجعية و قررتا تجاهل وجودها في عدن . و لدى وصولها إلى منطقة عدن قامت الجبهتان بموجة اضرابات و مظاهرات و صعّدتا الأعمال الإرهابية ضد الجيوش الإنجليزية حتى تظهر للبعثة عداء السكان لها و تبرهنا لها على قوتهما .

من جهة أخرى كانت ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) تطالب ، قبل البدء بأية محادثات ، باعتراف البعثة بها كممثل وحيد لشعب اليمن الجنوبي . و أما ( الجبهة القومية ) التي لم تكن تنعت نفسها بتفرد كهذا ، فقد قاطعت البعثة و رفضت كل مزاعم ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) . و خلال الإقامة القصيرة لممثلي هيئة الأمم المتحدة في عدن ، كان خط قيادتها فطناً حقاً و لكنه صارم .
أخيرا لم تكن رابطة الجنوب العربي ، التي كان موقفها مشبوهاً و ضعيفاً منذ تفجير القنابل في حضرموت ، في وضع يسمح لها بمجابهة التيار المعادي للبعثة و حتى بالإعراب عن وجهات نظرها لأعضاء البعثة . و بكل وضوح ، تجاوزتها الأحداث تجاوزاً كاملاً .

من الجانب البريطاني بذلت سلطات عدن كل ما في وسعها لعزل ممثلي هيئة الأمم المتحدة ، بقصد إفشال مهمتهم . و كان التكتيك المتبع يقوم على جعل المنظمة الدولية تعترف بعدم مقدرتها على حل المشكلة و على جرها للاعتراف بشرعية النظام الاتحادي . و مع ذلك لم تخف نوايا هذا التكتيك على أعضاء البعثة و لا على الوطنيين . فأماط أعضاء البعثة و الوطنيون اللثام ، بنجاح ، عن مؤامرة السلطات الاستعمارية .

و بالتالي ، تنبهت البعثة بسرعة إلى أن وعود حكومة لندن و نواياها الحسنة كانت كاذبة . و أعطي لها الدليل على ذلك عندما قامت السلطات الاتحادية ، الخاضعة مع ذلك للمندوب السامي ، بمنع رئيس البعثة من الظهور على شاشة التلفزيون ليتحدث إلى السكان و إلى ممثليهم الفعليين ، و منع قراره و بيانه بحجة أنه تجاهل الحكومة الاتحادية . عندئذ قام بمسعى آخر لدى المندوب السامي للأذن للبعثة بذلك ، غير أن هذا الأخير رفض أن يتدخل . فأنذرته البعثة بنتائج رفضه غير أن الإنذار لم يؤخذ بعين الاعتبار . و لم يكن أمامها آنذاك إلا أن تغادر عدن . و قد أثار سفرها المفاجئ ضجة كبيرة في العالم . و قد ضايقت الفضيحة حكومة ويلسون التي وجدت في شخص المندوب السامي المسؤول كبش محرقة ممتازاً . و مع ذلك فهو لم يقم إلا بتنفيذ الأوامر التي تلقاها . و هكذا تمكنت الوزارة من إنقاذ ماء وجهها .

كان يظن في البداية أن لندن تتظاهر بالرد لتغرر بالرأي العام البريطاني و العالمي فقط ، في الحقيقة كانت عازمة فعلاً على وضع حد نهائي لمشكلة اليمن الجنوبي .



..... يتبع .....

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:16 AM
4 ـ سياسة لندن منذ سفر البعثة المفاجئ .


في شهر أبريل سنة 1967 ، قامت لندن بتعيين اللورد شاكلتون ليتفحص الوضع عن كثب ، و في شهر مايو تم تعيين مندوب سامي جديد ليقوم بتنفيذ التوجيهات المعطاة له . و المندوب السامي السير هامفري تريفليان هو دبلوماسي محترف يعرف العالم العربي معرفة جيدة .

مشاهداً فشل سياسة حكومته ، أوصى المبعوث الخاص بتزايد و اضطراد المسار الاستقلالي ، نظراً لان قاعدة عدن لم تعد لها أهمية بالنسبة لإنجلترا منذ أن تقرر الجلاء عنها في شهر فبراير 1967 . و أسرعت لندن في تبني توصيات الوزير المكلف و أعطيت الأوامر للسير هامفري تريفليان لوضع حد ، في أسرع وقت ممكن و بكل الوسائل ، للوجود البريطاني في اليمن الجنوبي . و أول قرار جرى اتخاذه كان تحديد تاريخ استقلال البلد . و قد تم اختيار التاسع من يناير 1967 كيوم حصول اليمن الجنوبي على السيادة الدولية .
من الآن فصاعداً ، ستمضي الأحداث السياسية في الاضطراد على وتيرة غير معتادة . فقد تفكك النظام الاتحادي على أثر تمرد 20 يونيو 1967 . و كمحاولة أولى ، أشار المندوب السامي على المجلس الاتحادي الأعلى أن يعين حسين بيومي ، وزير الإعلام ، لتشكيل حكومة جديدة ينبغي عليها أن تظم عناصر يتقبلها الوطنيون . و كانت مهمة كذلك معرضة للفشل مسبقاً لأنه لم يكن من الوارد أن يؤيد الوطنيون حكومة تترأسها شخصية من النظام الاتحادي . و من جهة أخرى ، عندما قدم بيومي لائحته ، رفضها المجلس الأعلى دونما تردد لأنها كانت تظم شخصيات جامحة لا يوافق عليها حتى الزعماء التقليديين دون أن نتحدث عن موافقة المنظمات الوطنية عليها .

و للنطق بالحقيقة ، لم يكن رفض التشكيلة في الواقع سوى السبب الظاهري لفشل مهمة بيومي ، كان السبب الحقيقي هو الاقتراح الذي قدمه بيومي مع موافقة البريطانيين إلى سلاطين لحج و الفضلي و الدول و الإمارات الأكثر اقتراباً من عدن . لقد اقترح عليهم ، في الحقيقة ، إنشاء دولة موحدة تضم بالإضافة إلى عدن ، سلطنتي العوذلي و الفضلي . و ليجعل مشروعه جذاباً أكثر ، أعلمهم أن الحكومة البريطانية كانت مستعدة للاعتراف بالدولة الجديدة و لإناطتها بمساعدة مالية و عسكرية . بعبارات أخرى ، طلب منهم أن يعلنوا انسحاب إماراتهم من الاتحاد ، و ضمن لهم دعم المملكة المتحدة سياسياً و مالياً . و عندما أطلع القادة الآخرون في الاتحاد على هذه المؤامرة الموجهة ضدهم ألغوا تكليف بيومي و شهّروا به علناً . إلا أن إجهاض هذا المشروع ذي الإيحاء البريطاني ورطهم .

و أتاح وصول بعثة الأمم المتحدة إلى جنيف في شهر أغسطس فرصة ممتازة أمام المندوب السامي ليتخلص بصورة نهائية من الزعماء التقليديين المضايقين . و بناء على طلبه سافرت أكثريتهم إلى سويسرا لمقابلة أعضاء البعثة . و بعد أن استمعت البعثة إليهم سافرت إلى بيروت و القاهرة على أمل التمكن من رؤية ممثلي ( الجبهة القومية للتحرير ) و ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) . و وافقت الأخيرة التي بدأت تظهر دلائل ضعفها ، على مقابلة البعثة بينما أنكرت ( الجبهة القومية ) حق البعثة في مناقشة مشكلة اليمن الجنوبي . عندئذ توجب على البعثة أن تعود إلى نيويورك لتقدم تقريرها إلى الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة .

و في البلد ، سلكت الأحداث منحى دراماتيكياً . ففي عدن تدهور الوضع بسرعة و بدأت ( الجبهة القومية ) في داخل البلد بزحفها على الإمارات . و في آخر لحظة أستنفر المجلس الأعلى الجيش لإنقاذ الاتحاد من الفوضى ، فرفض الجيش أن يتدخل و رد بجفاء طلب رئيس المجلس الأعلى الذي طلب منه ، أن يتسلم السلطة بلا شرط و لا استثناء . و لم يلبث النظام الاتحادي أن سقط تاركاً وراءه فراغاً كاملاً و مطبقاً .

و علمت الحكومة البريطانية بهزيمة السلطة الاتحادية فتوجب عليها أن تعترف رسمياً في بيان مهم ، بالقوى الوطنية كالممثل الوحيد لشعب اليمن الجنوبي . و في نفس الوقت دعا المندوب السامي الزعماء الوطنيين إلى التباحث حول شروط تسلم السلطة . و حسب مصادر مطلعة بوجه عام ، نبههم إلى أنهم إذا لم يعزموا على إجراء المباحثات المطلوبة خلال شهرين من 3 سبتمبر إلى 3 نوفمبر 1967 ، فان حكومته ستتخذ الإجراءات اللازمة . إلا أنهم منحوا مهلة أسبوع للتفكير قبل أن تتخذ تلك الإجراءات .

و تعني لندن ، على ما يبدو ، بالقوى الوطنية الجبهة القومية للتحرير و جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل . و أما نداء المندوب السامي فقد اعتبر بوجه عام موجهاً لزعماء المنظمتين . و في كل حال ستحاول كل منظمة من الآن فصاعداً أن تقوي وضعها محلياً على حساب المنظمة الأخرى في اغلب الأحيان ، بقصد التباحث انطلاقاً من وضع قوي . و في هذا السباق مع الزمن ، توصلت ( الجبهة القومية للتحرير ) التي سبقت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل منذ شهر يوليو في وقت قياسي إلى نشر نفوذها على معظم دول الإمارات في الاتحاد و كذلك على حضرموت .

و استجابة لرضا السلطات الاستعمارية و العسكرية البريطانية ، أدى هذا التسابق إلى اصطدامات دموية بالأخص في لحج و دار سعد و الشيخ عثمان التي صارت أخيرا تحت إشراف الجيش العربي .

نُصّب الجيش بادئ ذي بدء حكماً بالرغم عنه ، ثم ظهر كقوة ثالثة . و هكذا تم دخوله إلى المسرح السياسي ، الأمر الذي يعرضه لمخاطر الانقسام و يجعل منه هدفاً سهل المنال من قبل هجومات و انتقادات الفئات الأولى و الفئات الأخرى .

كانوا يقولون أنه كان من الأفضل أن يظل الجيش بعيدا عن المشاحنات السياسية و الصراعات التحيزية . و لكن هل كان للجيش أن يختار في الواقع ؟ و في اختلاطها ، سارعت السلطات البريطانية في إخلاء المدن و القرى التي جلت عنها جيوشها ، أمام الجيش الوطني . و كان على الجيش عندئذ أن يعمل على استتباب الأمن في هذه المراكز المعرضة كثيرا للإرهاب و الرعب . و كيف كان يمكنه رفض القيام بهذه المسؤولية الأولية . فبانتظار عقد المصالحة الوطنية ، كان الجيش وحدة ، في الحقيقة ، في وضع يسمح له بمواجهة المشاكل التي كان يطرحها استتباب الأمن . و كان الوطنيون ، مع وعيهم لخطورة وضعهم ، لا يبحثون من جهة أخرى عن التعارض معه حتى يتجنبوا إراقة الدماء و يوفروا على المواطنين آلاما إضافية لا تجدي .



..... يتبع .....

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:17 AM
--------------------------------------------------------------------------------

5 ـ صعود الجبهة القومية للتحرير Nlf

تأسست الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل في 14 أكتوبر 1963 ، و كانت المحرك الحقيقي للتمرد المسلح في قبائل ردفان و لإحداث الثورة بوجه عام .

و حتى نشأة ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) كانت ( الجبهة القومية للتحرير ) تتمتع بدعم الجمهورية العربية المتحدة التي كانت تقدم لها مساعدة مادية لا تُقدّر . و منذ ذلك الحين سيتجه تأييد الجمهورية العربية المتحدة إلى جانب ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) وحدها . و أخذت ( الجبهة القومية للتحرير ) تبتعد قليلاً عن القاهرة غير أنها حرصت على عدم قطع علاقتها مع مصر و على عدم مهاجمتها .

و أدى تبدل التحالفات إلى إضعاف وضعية ( الجبهة القومية للتحرير ) بالأخص في الخارج حيث يتمتع خصمها بشهرة واسعة . مع ذلك ، عرفت ( الجبهة القومية للتحرير ) أن تعوض عن هذه الخسارة بتقوية وضعها في الداخل . و منذ عام 1965 ، نجحت في التغلغل في الحركة النقابية و في الجيش . و يعود صعودها إلى هذه السنة بالضبط . و حتى عام 1966 كان تقدمها بطيئاً و لكنه متواصل . غير أن عام 1967 كان حاسماً . فتمرد الجنود و الشرطة الذي حدث في 20 يونيو 1967 و الذي جعل ( الجبهة القومية للتحرير ) و جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل تسيطران على مدينة كريتر طيلة أسبوعين تقريباً ، قوى مجدداً نفوذ ( الجبهة القومية للتحرير ) . غير أن إخلاء العائلات المسيطرة ، فجأة عن اقطاعاتها منذ شهر أغسطس هو الذي فرض ( الجبهة القومية للتحرير ) بصفة نهائية و جعل منها المتباحث الأكثر قوة مع الحكومة البريطانية .

كما كان ينتظر ، أثار صعود ( الجبهة القومية للتحرير ) المفاجئ الصاعق تعليقات و توقعات مغرضة لا تعد . فقد اشتبه أولاً بالجبهة القومية للتحرير ، ثم اتهمت علناً بالتعاون و بالتآمر مع السلطات الاستعمارية . و كانت هذه الحملة ترمي إلى التشكيك بالجبهة القومية للتحرير أمام السكان و العالم العربي و إلى إذكاء الحرب الأهلية ؛ و هكذا ألقت زيتاً على النار .

و في الحقيقة يمكن تفسير سقوط الأنظمة الإقطاعية و اعتباراً من ذلك التقدم المظفر الذي أحرزته ( الجبهة القومية للتحرير ) في داخل البلد بالأمور التالية :

( أ ) ـ عندما قرر البريطانيون سحب جيوشهم من داخل البلد في بداية عام 1967 ، حكموا بالموت الأكيد على أنظمة الأمراء . فقد تخلى عن الأمراء أصدقاؤهم الإنكليز كما تخلت عنهم قبائلهم الخاصة بهم . هكذا سقطت إماراتهم كأوراق الخريف بلا قتال تقريباً .

( ب ) و أما رفض الجيش الاتحادي إغاثة الأنظمة الأميرية المهلهلة ، فلم يكن أمرا مفاجئاً لان وضع الأمراء و الشيوخ كان قد أصبح غير مقبول و لان قسماً كبيراً من الضباط كان يعطف على الحركة الوطنية .

( ج ) ـ أخيراً ، ثمة حدث مهم يستحق الذكر هنا . و المقصود بذلك هو التنظيم المرموق في ( الجبهة القومية للتحرير ) و تأصلها الصلد في الأرياف . إن فعالية و نفاذ جهازها هي التي كونت و لا تزال تكون قوة الجبهة .

و هكذا ، فمن جلي الأمور هو أننا لا نستطيع أن نتجاهل هنا الإشراف شبه الفعلي الذي تمارسه ( الجبهة القومية للتحرير ) على القسم الأعظم من اليمن الجنوبي . بفضل هذا الإشراف ، خضع البلد ، لأول مرة في التاريخ ، لسلطة واحدة .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:18 AM
6 ـ تأثير النكسة العربية في حزيران 1967 على تطور الوضع في اليمن الجنوبي .

إن مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الخرطوم في شهر أغسطس 1967 قد كرس انتصار الاعتدال العربي ؛ و كان المؤتمر أحدى النتائج لنكسة حزيران التي ضربت الحركة التقدمية في الشرق الأوسط .
و قد تضررت الجمهورية العربية المتحدة تضرراً خطيراً من العدوان الإسرائيلي فأصبحت مجبرة على التعاون مع الأنظمة المعتدلة ، و مقابل المساعدة المالية من العربية السعودية و الكويت و ليبيا توجب عليها أن تنسحب من جهات متعددة . و من بين الدلائل الكبرى لهذا الانسحاب ، لن نذكر هنا سوى بالدلائل المتعلقة مباشرة بالجنوب العربي . فمن جهة انسحاب القوات المصرية اللا مشروط تقريباً من اليمن ( اتفاق جمال عبد الناصر ـ و فيصل ) و من جهة أخرى المجهود الذي تبذله جامعة الدول العربية في سبيل المصالحة الوطنية في اليمن الجنوبي . إن نهاية الوجود العسكري المصري و محاولة التنظيم العربية كان لهما نتائج تتعارض مع أوضاع القوى الوطنية في الجنوب اليمني .


( أ ) المجهود الذي بذلته الجامعة العربية في سبيل المصالحة :

تحت ضغوطات مجتمعة من جانب الجمهورية العربية المتحدة و العربية السعودية ،عينت الجامعة العربية في سبتمبر 1967 ، لجنة خاصة مؤلفة من خمسة أعضاء مهمتها درس الوسائل لتحقيق الوحدة الوطنية في اليمن الجنوبي . و أخذت اللجنة الوطنية على عاتقها الاستماع لكل الأحزاب و الفئات بما في ذلك الأمراء المخلوعين ، و العمل بغية تشكيل حكومة اتحاد وطني .

و بالطبع كانت العناصر المعتدلة و التقليدية التي تحميها العربية السعودية و التي كانت تقدم لها الجامعة العربية آخر خط في البقاء ، هي أول من سافر إلى القاهرة . و اتخذت ( جبهة تحرير جنوب اليمن ) موقفاً تصالحياُ و وافقت على الاشتراك في محادثات اللجنة الخاصة . و أما الجبهة القومية للتحرير فقد رفضت بتاتاً توسط الجامعة العربية الذي اعتبرته ، بحق ، مؤامرة موجهة لحرمانها من النصر . بالإضافة إلى ذلك فقد كانت مستعدة كحد أقصى لمقابلة زعماء جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ، و لهذا السبب لم تحقق أعمال اللجنة الخاصة أدنى تقدم . ومن جهة أخرى أدى فتح باب المحادثات بين جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل و بين الجبهة القومية للتحرير إلى وقف تلك الأعمال .


( ب ) أفول نجم جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل :

كانت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل قد بدأت تفقد سرعتها و تطورها منذ يونيو 1967 ؛ فضعف الجمهورية العربية المتحدة الناجم عن الحرب العربية الإسرائيلية و التقدم الهام الذي حققته الجبهة القومية للتحرير في داخل البلد ، وجها لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ضربة قاسية ، و عبثاً حاولت جبهة التحرير أن تستعيد توازنها لأن الأوان قد فات .

في الحقيقة كانت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل تبحث عن الاستيلاء على الدول الأميرية غير المتحررة بعد . فاصطدمت بالجبهة القومية للتحرير في إمارات الضالع و لحج و توصلت فقط إلى نشر نفوذها على بعض القبائل العوذلية . و في سلطنتي الواحدي و الكثيري أعلنت العناصر التقليدية حتى تكون في مأمن من هجمات الجبهة القومية للتحرير ، انتمائها إلى جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل دون أن تكون مع ذلك من الأنصار المقتنعين بهذه الأخيرة . و حصلت الاصطدامات الخطيرة في عدن و بالأخص في القرى و الضواحي . سقطت عدن الصغرى في أيدي الجبهة القومية و المنصورة تحت إشراف جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل بينما كان الشيخ عثمان عرضة لتقسيم حقيقي بين المنظمتين .

سببت هذه الاصطدامات الحزن المبرح العام و استاءت منها كل قطاعات السكان بالإجماع . و شرع رجال الدين و العسكريون بمساعي عديدة لدى الزعماء الوطنيين و الرئيس جمال عبد الناصر لوقف التصادم الأخوي القاتل . و في هذه الظروف المأساوية
وافقت المنظمتان على إجراء محادثات فيما بينهما .


7 ـ محادثات القاهرة :

بعد أن فشلت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ( جبهة التحرير ) في تصحيح الوضع لصالحها ، توجب عليها أن تلين مواقفها السابقة . فقد انقطعت عن اعتبار نفسها الممثل الوحيد لشعب اليمن الجنوبي و تخلت عن مشروعها الرامي إلى تشكيل حكومة في المنفى . و عدا عن ذلك ، ظهرت موافقة على بعثة هيئة الأمم المتحدة و على اللجنة الخاصة الموفدة من قبل الجامعة العربية . باختصار ، أعطت عدة دلائل على ضعفها . إلا انه ظل بيدها عدد لا ينكر من المقومات أهمها : جهازها العسكري و نفوذها في عدن و تأييد الجمهورية العربية المتحدة و العطف الدولي من جهة أخرى .

و هكذا كانت أوضاع الجبهتين غير متعادلة عشية بدء المحادثات في القاهرة . كان ميزان القوى يميل بكل وضوح لصالح الجبهة القومية للتحرير . أن حالة الدونية هذه التي كانت فيها جبهة التحرير ستضغط بثقل على المحادثات .


( أ ) ـ بدء المباحثات .

بدأت المباحثات في أول أكتوبر بحضور عبد القوي مكاوي و قحطان الشعبي الأول رئيس وفد جبهة التحرير و الثاني رئيس وفد الجبهة القومية . و كانت النقاط التي ينبغي على الموفدين مناقشتها تدور حول :

ـ تشكيل حكومة مؤقتة ،

ـ وضع دستور مؤقت أيضاً ،

ـ و وضع برنامج عمل .

منذ البداية ، أحيطت المحادثات بتكتم شديد . و كان يظن أنها ستكون قصيرة جداً و حاسمة بسبب استمرار التوتر المحلي . و خاب أمل الجميع ، لأنهم ظلوا يتباحثون طيلة أسبوعين تقريباً بدون أية نتيجة مجدية .

و خلال ذلك الوقت استولت الجبهة القومية على حضرموت و هددت إمارتي العولقي و الواحدي اللتين كانتا قد أعلنتا ، مع ذلك ، ولاءهما لجبهة التحرير . غير أن الجبهة القومية قررت تحرير هذه الدول لأنها كانت تعتبرها كآخر بؤر مقاومة لدى الإقطاعيين .

و في هذا الجو المتوتر أذاع الضباط المنتمون إلى جبهة التحرير بياناً شهيراً في 20 أكتوبر يتهمون فيه السلطات البريطانية و بعض رفاقهم في الجيش بمعاونة الجبهة القومية لخنق مقاومة أنصار جبهة التحرير . و بهذا التغير المفاجئ حصل ما لا يمكن إصلاحه . فالجيش الذي تعرض بذلك لتناقضات السياسة انقسم إلى كتلتين متخاصمتين . و شبت حرب بيانات تتهم الجبهة القومية و جبهة التحرير بعضهما البعض بهجومات و استثارات مقصودة ، بينما كان زعماء الجبهتين في القاهرة يظهرون سكوتاً مدهشاً . و استمرت الوضعية الداخلية في التدهور . و كان من الضروري فرض قرار طارئ لتخفيف التوتر و للإجابة على المندوب السامي الذي يكاد إنذاره أن ينتهي .

أعلنت لندن ، لإخضاع الزعماء الوطنيين ، أنها ستذيع بياناً هاماً جداً في 2 نوفمبر . و كانت ردة فعل الزعماء الوطنيين سريعة للغاية ؛ فقد أعلنوا في 1 نوفمبر اتفاق أولي و لكنهم لم يعطوا أي توضيح بشأن محتواه . غير أن المحادثات دخلت في طورها الأخير ؛ و قد استقبل الاتفاق في عدن بسرور عظيم .

و في 2 نوفمبر أعلن وزير الخارجية في مجلس العموم ان حكومته قد قررت تقديم تاريخ استقلال اليمن الجنوبي هذا ، إلى نهاية نوفمبر 1967 بدلاً من 9 يناير 1968 . و أدى إعلان رحيل البريطانيين القريب إلى تصعيد التوتر من جديد .


( ب ) ـ تدهور الوضعية .

في ليلة الثاني من نوفمبر عادت المنازعات بعنف في عدة أماكن من عدن و أدت إلى سقوط بضع عشرات من الضحايا . و هيمن الخوف و اليأس على العائلات في الشيخ عثمان ، و بسرعة دب الهلع في باقي عدن حيث دارت معارك ضارية . و تدخل الجيش ، دونما نجاح ، للتوصل إلى توقف المعارك و أخيرا اضطر للأمر بوقف إطلاق النار على الفور و فرض منع التجول في المناطق المضطربة .

و في 4 نوفمبر وجه زعماء الجبهة القومية و جبهة التحرير نداء مؤثراً من القاهرة إلى أنصارهم يدعونهم فيه إلى وقف الاقتتال . و بعد هدنة دامت بضع ساعات ، عادت الصدامات إلى الظهور برعب ، و كانت نتيجتها تسميم الجو أكثر مما كان عليه . و اتهمت الجبهة القومية جبهة التحرير بانتهاك وقف إطلاق النار و طلبت من وفدها في القاهرة أن يوقف المباحثات و أن يعود إلى البلاد .

على اثر هذه الأحداث الدامية ، حمل الجيش جبهة التحرير مسؤولية الرجوع إلى المخاصمات . بناء على ذلك ، قرر المندوب السامي في 6 نوفمبر الاعتراف بالجبهة القومية كممثل شرعي وحيد للشعب اليمني الجنوبي بينما كان يعتبر ، قبل أسبوع فقط ، الجبهة القومية و جبهة التحرير هما الممثلان للشعب . و في ذات الوقت طلب الجيش من الجبهة القومية و من الحكومة البريطانية أن تبدءا المحادثات في اقصر فترة . إن موقف الجيش قد حل الصراع بشكل نهائي لصالح الجبهة القومية و تسبب هكذا في إفشال مباحثات القاهرة التي أصبحت غير مجدية و متجاوزة . و بادرت جبهة التحرير إلى اتهام الجبهة القومية بالتآمر مع المملكة المتحدة و مع الجيش .

خلف كل هذه الأحداث و الاصطدامات نجد بكل تأكيد الصراع من اجل السلطة في عدن و الرغبة في التباحث مع لندن بوضع قوي . و بالتالي ، كان من الجلي أن المنظمتين كانتا تعتمدان قليلاً على مباحثات القاهرة و تعطيان أهمية رئيسية للاستيلاء على عدن .

هيمنت الجبهة القومية على كل البلد تقريباً و وجدت أنه من غير الطبيعي أن تفلت عدن من نفوذها . و أما جبة التحرير فقد كانت عدن بالنسبة إليها ذات أهمية حياتية . فالإشراف على منطقة عدن كان أهم بكثير من السيطرة على مناطق البلد الداخلية . و هكذا كان الاستيلاء على عدن مسألة حياة أو موت بالنسبة لجبهة التحرير .

و بعد عدة أيام من المعارك الطاحنة خسرت جبهة التحرير معركة عدن ؛ و على الفور بدأت مطاردة أتباعها و مناضليها . و تبع ذلك تطهير الجيش و الشرطة و الإدارة .


8 ـ سقوط النظام الاستعماري :

إذن خرجت الجبهة القومية منتصرة من التصارع الدموي الذي دام من 1 إلى 6 نوفمبر ؛ و بسقوط عدن صار البلد كله تقريباً تحت إشرافها ؛ و سقط النظام الاستعماري كقلعة من الورق . إن وجود المندوب السامي و توقف الجيوش هما ظواهر السلطة الاستعمارية الوحيدة و الأخيرة . و أما الإدارة البريطانية فقد تلاشت بسرعة .

بحثت الجبهة القومية ، بسرعة ، عن سد الفراغ و ذلك بحلولها محل السلطة الاتحادية في عدن و في داخل البلد .

و لأول مرة في التاريخ الاستعماري تتخلى المملكة المتحدة عن القيام بمسؤولياتها . و في فلسطين بالذات كان ينبغي عليها أن تبقي سلطتها حتى يوم الرحيل النهائي . إن حلول سلطة الجبهة القومية مكان النظام الاستعماري تستحق أن يشار إليها بشدة . فلم تقبل السلطة الاستعمارية في أي مكان من العالم ، بأن تقوم بتلاش و اختفاء مماثل قبل تسليم السلطة و إعلان الاستقلال . و مع ذلك هذا هو ما حدث في اليمن الجنوبي . و في هذه الظروف إذا كان للمباحثات بين الحكومة البريطانية من جهة و بين الجبهة القومية من جهة أخرى ، المقررة في 20 نوفمبر في جنيف ، لها معنى ما ، فهو إناطة الدولة اليمنية الجنوبية بصلاحيات السيادة الخارجية و تحديد مقدار المساعدة المالية البريطانية للدولة المستقلة الجديدة .

و كل شيء يبدو مشيراً إلى أن البلد سيحصل في 30 نوفمبر على الاستقلال في الصفاء و الوحدة . مع ذلك ، سيطرح الحصول على الاستقلال مشاكل بالغة التعقيد تستلزم وقتاً طويلاً لحلها . و لا يمكن لتغير و لو جزئي في البنى الموروثة من الماضي و لإنشاء بنى جديدة أن يتم دفعة واحدة نظراً لأن ظروف الانطلاق ستكون غير مواتية بصفة خاصة .


عدن ـ في تشرين الثاني ، ( نوفمبر ) 1967

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:20 AM
--------------------------------------------------------------------------------

( الفصل الخامس )

حركة التحرر الوطني


إن النضال المعادي للاستعمار ، لم يأخذ شكله المنظم في اليمن الجنوبي إلا بعد الحرب العالمية الثانية . فقد اشتعلت الحركة الوطنية بعد الحرب في أنحاء مختلفة ما تزال تحت السيطرة الاستعمارية .

و هذه الفترة تقابل الفترة التي قامت فيها جامعة الدول العربية و ظهرت فيها ملامح اليقظة القومية في الوطن العربي ، و
أصبحت فيها قوى المعسكر الاشتراكي في ازدياد .

فعلى الصعيد المحلي ، رافق نهضة عدن من الناحية الاقتصادية ، اشتداد النشاط السياسي و الثقافي . و بدأت الأفكار الجديدة تغزو البلاد بسرعة كبيرة .

و قد كان لهذه العوامل المختلفة أثر هائل على الوضع الاجتماعي و السياسي في اليمن الجنوبي و في اليمن . و قد كانت محاولة الانقلاب ضد الحكم المطلق الذي يتصدره الإمام يحيى في اليمن عام 1948 أول صدى لانعكاس الحوادث الخارجية على الوضع الداخلي في المنطقة . و على الرغم من فشل هذه المحاولة ، فإنها اعتبرت أول مواجهة جدية بين الرجعية المسيطرة و بين النزعة القومية ، و كان من نتائجها المباشرة تنبه الطليعة المثقفة في المستعمرة و شعورها بانتمائها إلى العائلة اليمنية الكبرى و إلى القومية العربية . و قد أكد هذا الشعور استقرار المحرض الأول على الانقلاب الفاشل ( حزب اليمن الحرة ) في عدن .

و قد كانت السلطات البريطانية تأمل في أن تتخذ من هذه الحركة وسيلة لمحاربة الإمام الجديد و الضغط عليه . إلا أن هذه المنظمة خيبت أملها و لعبت على العكس دوراً رائداً في حركة تحرير اليمن الجنوبي ، و ساهمت في تشكيل الخميرة الأولى للنزعة الوطنية المعادية للاستعمار .

نشأة الحركة الوطنية :

كانت ثورة الأمير الكثيري المسلحة ابن عبدات (1) ضد السلطات المحلية و البريطانية أثناء الحرب العالمية إعلانا عن ولادة حركة وطنية في حضرموت .

إلا انه على الرغم من كونه قد نجح في إثارة قسم من القبائل عام 1945 ، فقد أخذت حركته منذ البدء شكل تيار معزول و محدود النطاق . فقد كان للتكوين العشائري للمجتمع و لتخلف السكان أثرهما في خنق آثار هذه الحركة و عدم شمول تأثيرها باقي أنحاء البلاد . يضاف إلى ذلك عدم وجود وسائل مواصلات و اتصال في ذلك الحين من شأنها أن تشجع انتشار الشعور الوطني بدلاً من العزلة و التقوقع و التجزئة . لذلك لم يحتاج الإنجليز في مثل هذه الشروط إلى بذل عناء كبير في سبيل خنق هذه الاندفاعات الوطنية في مهدها .

و كان لا بد أن يأتي عام 1948 حتى تشتعل جذوة الوطنية من جديد في عدن هذه المرة . و الحقيقة أنه ما من شيء قبل ثورة اليمن ، كان يدعو إلى التنبؤ بأن عدن سوف تصبح مركز الاندفاعات الوطنية . فمنذ تلك الحادثة الرئيسية التي هزت الجزيرة العربية ، بدأت عدن تلعب دور قيادة الصراع المعادي للاستعمار و المعادي للإقطاع . و عندئذ ولدت حركة وطنية بكل ما في الكلمة من معنى في المنطقة . و استفادت من الانحسار الخجول للنظام الاستعماري بدءاً من عام 1947 و إنشاء المجلس التشريعي و سن القانون الذي اعترف بحرية التجمع و لعدة أسباب ، منها سياسية و منها اقتصادية ، انقسمت الحركة الوطنية منذ البدء إلى عدة اتجاهات تنتمي جميعها إلى القومية العربية .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:21 AM
و قد لعب المثقفون دور المحرك الرئيسي للحركة الوطنية ، و كانوا من وراء ذلك يهدفون إلى غايتين أساسيتين :

1 ـ تربية المواطنين العرب تربية سياسية و اجتماعية .

2 ـ تحرير البلاد .

و كانوا في غالبيتهم صحفيين و أساتذة و خريجي جامعات ، تلقوا تعليمهم في الخارج ، و كانت الصحافة و النوادي و الجمعيات و الرابطات بمثابة منابر لهم . و عنها انبثقت الأحزاب و النقابات العمالية فيما بعد .

و لقد ركزت الصحافة المحلية على العامل الاقتصادي بسبب النهضة التجارية في المنطقة . و قد مارست الصحف المتطرفة أمثال صحيفة النهضة و صحيفة الفضول ، عملية تربية اجتماعية عن طريق نشر الموضوعات الخاصة بالعمال و بأرباب العمل . و ما لبثت الصحف المعتدلة الموالية للإنجليز أن سلكت نفس المسلك أمثال صحف فتاة الجزيرة ، و القلم ، و العدني . و قد استخدمت السلطات هذه الزمرة الأخيرة من الصحافة من اجل إجهاض الحركة والحيلولة دونها و دون التزام خط تقدمي . إلا أن خط الحركة الوطنية الصاعد لم يكن يقبل التراجع أو النكوص . و بفضل هذه الحركة الوطنية بدأ الوعي الاجتماعي و السياسي و الحس المدني و الحضاري ينمو بين سكان المدن . و قد بدأت حملة التوعية بقسم من المثقفين لتشكيل طليعة تتولى هي نفسها نشر الأفكار و الشعارات بين جماهير العمال الأميين بوجه عام . أما ما يتعلق بالعمل العمالي الصرف فقد كانت نوادي المثقفين و المغتربين العائدين إلى البلاد هي مراكز الانطلاق الرئيسية (2) .

إن ظهور النوادي و الجمعيات و ازدهارها ، قد أعطى للحياة السياسية طعماً جديداً . فالطبقة المثقفة كانت تلتقي داخل المنظمات الرياضية و الثقافية و الفنية و في العديد من جمعيات الإحسان ، لتناقش قضايا المنطقة و مصيرها في المستقبل . و كانت هذه المراكز تجمع بين أشخاص أتوا من شتى آفاق المعمورة و من مختلف الأوساط ، تشغلهم جميعاً دراسة القضايا القومية و المسألة الوطنية . و أهم هذه المؤسسات في المستعمرة كانت :

ـ النادي العدني ، الجمعية الإسلامية ، الجمعية العدنية ، الاتحاد اليمني .

أما في المحمية ، فقد كانت :

ـ جمعية الإحسان الحضرمية ، النادي الشعبي في لحج .. الخ .

و كان المغتربون يترددون بدورهم على هذه النوادي و الجمعيات و كانوا يتحدثون عن الأحداث التي عاشوها خلال اغترابهم ، و كان بعضهم ممن أتوا من الشرق الأقصى قد شاركوا في الحركات الوطنية و الحركات الثورية في اندونيسيا و ماليزيا . و على سبيل المثال لعب المغتربون الحضرميون في جاوا دوراً سياسياً ذا طابع إصلاحي وحدوي (3) .

و قد كان ثمة مركزان من مراكز الاغتراب قد لعبا دوراً هاماً في تكوين الحركة الوطنية في اليمن الجنوبي هما : اندونيسيا و انجلترا .

ففي اندونيسيا كانت الجالية الحضرمية على احتكاك بالحزب الوطني الاندونيسي كما كانت على اتصال بالأحزاب اليسارية و بمختلف الأحزاب ذات الطابع الإسلامي . و كانت هذه الجالية تملك أفكاراً نيّرة متقدمة . إلا أنها ما لبثت أن كانت أول ضحايا الحركة الوطنية في اندونيسيا . فأضطر قسم كبير منهم إلى العودة إلى اليمن الجنوبي حيث شكلوا مجموعة نشيطة لها تأثير في الحركة الوطنية . ثم انضم إليهم المثقفون الذين تلقوا علومهم في جامعات البلاد العربية .

أما في إنجلترا ، فالمهاجرون كانوا يتمركزون بأعداد وفيرة في منطقة كارديف حيث كانوا يعملون بحارة أو عمالاً . و تبعاً لذلك نشأ احتكاك بينهم و بين الأوساط العمالية الإنجليزية أي مع حزب العمال و مع أفكاره السياسية ذات الطابع المعتدل و الليبرالي ، و مع الحركة النقابية . و قد ساهم العائدون من هذه المراكز مع العائدين من الشاطئ الفرنسي للصومال ( جيبوتي ) ، في تكوين الحركة النقابية في اليمن الجنوبي التي بدأت تتبلور منذ عام 1946 . و قد استمر تطورها على الصعيدين الاجتماعي و السياسي دون أن تصطدم بعقبة جديدة حتى عام 1952 . فقد مرت بالوطن العربي حادثة رئيسية ، هي قيام الثورة المصرية .

و قد ترك نجاح هذه الثورة و انتشار تأثيرها في الخارج أثراً كبيراً على مجرى الأمور . فكان من النتائج المباشرة لهذا كله أن دخلت الحركة النقابية في منعطف حاد . فقد أخذ الوضع السياسي شكله الواضح في اليمن الجنوبي ، و شهدت الموجة الوطنية تصدعاً حاسماً بين المحافظين و بين التقدميين . و منذ ذلك الحين أخذ كل تيار طريقه المعاكس للآخر .

فعلى النقيض مما حصل في عدد كبير من المستعمرات في القديم حيث كانت وحدة القوى الوطنية مسيطرة طيلة مرحلة التحرير ، نجد أن اختلاف الاتجاهات حال دون شعور التيارات المختلفة بالرابطة التي تجمعها على صعيد واحد و هي : وحدة الصراع ضد الاستعمار .

لذلك اتصفت الحركة الوطنية في اليمن الجنوبي بالانقسام و التشتت في الزمان و المكان . و كان ذلك سبباً من أسباب ضعفها . و يبدو في الظاهر إن تفسير هذه الظاهرة يمكن أن يتم بالرجوع إلى نقص الوعي السياسي لدى الجماهير و لدى القادة ، أو بالخصومات الشخصية . إلا أن المسألة في الحقيقة هي أعقد من ذلك . فاختلاف الأصول الاجتماعية لرواد الحركة الوطنية و عناصرها هو العامل الرئيسي . فالاختلافات من جهة ، كانت تدور حول مفهوم الصراع و وسائله . و من جهة أخرى كانت تدور حول الأهداف النهائية التي يسعى إليها كل فريق .

فالبعض كانوا يقبلون بالتعاون مع السلطة الاستعمارية ، و البعض الآخر يلتزم موقف الرفض الحاسم للتعاون و موقف النضال الدائم من أجل تحرير البلاد في أقصر فترة ممكنة . و بقي هذان الاتجاهان المتعارضان متلازمين في عدن ، أما بالنسبة للمحمية ، فقد بقي التياران بعيدين عنها بحكم عدم وجود ارتباط بين المستعمرة و المحمية يسهل عملية الانتشار تلك .

و هكذا يبدو انه من المنطق أن نتكلم عن تيارات بدلاً من الكلام عن حركة واحدة منسجمة . و منذ عام 1952 – 1953 ، يمكن أن نميز من خلال ما كان يطرح من تعليقات في الصحافة العدنية ، وجود تيارين للرأي العام : أحدهما يطالب بالحكم الذاتي ، و الآخر يطالب بالتحرر الكامل .

إن التيار الأول ، أي التيار المعتدل الذي يعمل من أجل الحصول على الاستقلال الذاتي ، هو في الواقع تيار الأقلية ، لأنه يتشكل من الأجانب مواليد عدن ، أي خليط من الأجناس ، يشكل العنصر العربي الغالبية فيه ، و تدعمه الجاليتان الهندية و الصومالية التي تتألف من حوالي عشرين ألف شخص .

و كانت الرابطة العدنية التي أنشئت عام 1950 هي الوجه السياسي لهذا التيار . و كانت مطاليبها تقتصر على الإصلاحات الاجتماعية ، و على إنشاء مجلس تشريعي منتخب . و كانت تعتبر الاستقلال الذاتي مطلباً يجب أن يتم تحقيقه في عدن على مراحل و ضمن إطار الكومنولث . أما فيما يتعلق بالإطار العام للبلاد ، فقد كانت تنادي بتعزيز الأواصر بين عدن و المحمية ، إلا
أنها كانت ترى بأن المحمية يجب أن تحتفظ بنظام الحماية .

أن وجهات النظر الانفصالية التي كانت تبشر بها الرابطة العدنية ، كانت تأتلف تماماً مع نظر الإدارة البريطانية خلال أعوام 1950 -1954 . لذلك كانت تلقى منها تأييداً و مساعدة مالية .

إلا أن هذا المفهوم الممالئ للإنجليز كان يشجب و يقاوم مقاومة عنيفة من قبل التيار المعاكس الذي كان يرفض مبدأ التطور البطيء لأنه يعتبره منطلقاً رجعياً و وسيلة لتثبيت النظام الاستعماري . كما كان يرى فيه عاملاً يهدد استمرار حركة التحرر الوطني و حيويتها .

إن التيار الوطني التقدمي كان هو التيار المهيمن في أوساط الشعب العربي الذي يمثل ثلثي سكان المستعمرة . و كانت مطاليبه عام 1952 تلخص فيما يلي :

1- إلغاء الوضع الخاص بعدن كمستعمرة تابعة للعرش ، و جعلها عاصمة للمحمية .
2ـ توحيد دول الأمراء .
3- إنشاء مجالس محلية منتخبة و مجلس اتحادي في عدن .
4 ـ الاستقلال الذاتي و دستور جديد للدولة الاتحادية الجديدة .
5 ـ الإصلاحات الاجتماعية .

و عناصر هذا التيار تتألف من أعضاء الروابط و المنظمات القومية . و كان له صحيفتان تعبران عن مواقفه هما : النهضة و الفضول . و كان أنصار هذا التيار يُتهمون من قبل الإنجليز بالمشاغبين و المتطرفين . و كانت هذه الاتهامات مبرراً لملاحقتهم . و كان اعتقالهم يُبرر رسمياً بصيغة تقليدية : الإخلال بالأمن الداخلي للمحمية عن طريق نشر مقالات تمس الأمراء المناهضين لفكرة الاتحاد التي يطرحها الوطنيون . و الحقيقة هي أن السلطات الاستعمارية كانت تحاول أن تمنع فكرة دمج عدن بالمحمية من الانتشار ، و تقوم باعتقال كل من يبشر بها في تلك الفترة . فحتى عام 1953 لم تكن سلطة الحماية تفكر بأكثر من توحيد الأمارات في ظل اتحاد فدرالي يستبعد عدن و يبقي عليها كمستعمرة . و كانت تأمل بطرح فكرة الاتحاد الفدرالي بالنسبة للأمارات ، أن تستميل بعض العناصر الوطنية من جهة و أن تؤمن مستقبل الزعماء المحليين ثانية .

و مع ذلك فقد فشل مخطط التجميع الذي رسمته لندن لأنه لم يكن يلبي شروط التيار التقدمي . و عندئذ أخذت السياسة الإنجليزية منحىً مكشوفاً في تأييد التيار المعتدل مع تصميم على تحطيم مقاومة خصومه . و منذ عام 1954 تأسست صحيفة جديدة سميت ( صحيفة الفجر ) و بدأت المرحلة الأولى من مخطط التيار التقدمي في مقاومة الاستعمار .

.......................................

(1) البكري ( حضرموت و المدن ) ص 168 .

(2) مجلة أفريقيا و آسيا ، العدد 44 ، باريس 1958 .

(3) فانسان مونتيل ( العرب ) ، باريس ، 1959 ، ص 18 .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:22 AM
الصراع المعادي للاستعمار :

لقد اشتد الصراع المعادي للاستعمار مع ظهور طبقات اجتماعية جديدة تتطلع إلى المزيد من الحرية و من المكتسبات الاجتماعية و الاقتصادية . فمقابل البرجوازية التجارية ، قامت فئة من المثقفين المطبوعة بالأفكار التقدمية . و على الرغم من قلة عددهم فقد أرسوا دعائم التنظيمات السياسية في البلاد . و قد تلقوا دعم الطبقة العاملة الناشئة التي بدأت نواتها تتكون خلال الفترة ما بين عامي 1952 ـ 1954 ، مع إنشاء شركة مصفاة البترول البريطانية في عدن الصغرى .

إن هذه الطبقة الجديدة التي كان عددها ما يزال محدوداً ، استطاعت أن تفرض نفسها بسرعة ، و أن تغدو خلال بضع سنوات قوة سياسية طليعية . و كانت تعرف سياسياً باسم ( مؤتمر نقابات عمال عدن ) . و بفضل هذه المساندة التي لعبت دوراً حاسماً في السنوات التالية تعززت قوى التيار الوطني و تحول إلى حركة تحرير وطني بكل معنى الكلمة . و قد انضافت إلى قوة التيار الوطنية قوة أخرى تتمثل في القومية العربية التي تحرك بعمق كل طبقات الشعب . أن الفترة 1952 ـ 1954 ، تشكل مرحلة الانطلاق في هذا الصراع لسببين رئيسيين :

1 ـ فهي الفترة التي شهدت نشوء طلائع التنظيمات السياسية و النقابية .

2 ـ و هي الفترة التي تتفق و قيام حوادث الاصطدامات الكبرى بين الحركة الوطنية و بين الاستعمار البريطاني و حلفائه .

و الواقع أن عدة تجمعات سياسية و أيدلوجية ولدت خلال هذه الفترة . و قد بقيت مشتتة مبعثرة طيلة مرحلة الانتقال من الإدارة المباشرة إلى الاستقلال الذاتي الداخلي .

و قد عرفت السلطات الاستعمارية كيف تبقي على الانقسام بين القوى ، و كيف توسع رقعة الخلاف و الشقة فيما بينها . و بتأثير تدخلها من جهة و تضافر الحوادث في الشرق الأوسط عام 1956 ( السويس ) و عام 1958 ( اتحاد سورية و مصر ، و ثورة العراق ) فقد عرف التياران على السواء تطورات عميقة في داخلهما . فكلاهما اخذ يعمل على التكيف مع الظروف الجديدة حتى يكسب الشعب إلى جانبه . إلا أن هذا السباق الذي كان مصحوباً بالمزايدات و بالديماغوجية ، قد عرّض التيار المعتدل لنكسات قاسية ، رغم دعم السلطات له .

و فد اندفع قسم من القادة الشبان إلى الانفصال عن الرابطة الإسلامية بعدما لاحظوه من جمودها و عدم فعاليتها ، و أنشأوا عام 1950 رابطة أبناء الجنوب العربي (1) ، التي أصبحت تشكل مع الرابطة العدنية المنظمة الكبيرة الثانية في عدن . و أصبحت الرابطة على رأس الحركة الوطنية المعادية للاستعمار . و كانت تحظى بتأييد حزب اليمن الحرة ، و عدة منظمات اجتماعية و ثقافية . و تحت إلحاحها و تحريضها ، تشكلت عام 1953 أولى النقابات العمالية و نقابات المستخدمين . و لهذا السبب أخذت الحركة النقابية منذ البدء طابعاً سياسياً .

و كلما ازدادت وطأت المطاليب الوطنية وضوحاً و دقة ، كلما أدرك الإنجليز أن اهتمامهم بتنفيذ مطاليب التيار المعتدل يضع بين أيديهم كفة معادلة في وجه المتطرفين . و على هذا الأساس أيدوا ( الاتحاد العدني ) ، و كانوا يطمحون من وراء ذلك إلى إنشاء قاعدة ثابتة للتيار المعتدل و تحويل أنظار الشبيبة العدنية عن التيار التقدمي الذي أصبح قوة ذات شأن و خطر .

أما القوى الوطنية فقد كانت تجمع النوادي و الروابط و النقابات . و هي عبارة عن مجموعات منظمة نشيطة تضيق ذرعاً بالنظام الاستعماري و تقف كتلة واحدة في وجهه . وتجدر الإشارة إلى أن برنامجها قد خضع لتبدلات عميقة ، كما يبدو من خلال الصحف التقدمية ( الفجر ، البعث ، الجنوب ، العربي ) و يتلخص هذا البرنامج على الشكل التالي :

1 ـ الدعوة الملحة إلى وحدة النوادي و التجمعات الوطنية .

2 ـ الدعاية لاتحاد اليمن الجنوبي كما تتصوره الحركة الوطنية ، لدى زعماء القبائل .

3 ـ الدعوة إلى الوطنية و إلى القومية العربية و إلى التخلي عن الروح العشائرية .

4 ـ خلق حركات تعبئ الرأي العام للضغط على الإدارة البريطانية من أجل تطوير تعليم العربية و من اجل فرضها كلغة رسمية محل اللغة الإنجليزية ( على سبيل المثال : في عام 1955 هدد سائقو التاكس بالإضراب إذا لم يصبح استعمال الحروف و الأرقام العربية إلزامياً على لوحات السيارات ) .

5 ـ تمجيد القومية العربية في جميع أشكالها و خاصة مصر رائدة القومية العربية .

إن إحدى المظاهر البارزة لهذه الدعاية التي لفتت نظر ( ت . برنيي ) (2) هي عدم وجود مكان بارز للدين فيها . و أنها تحمل اسم القومية العربية . إن التطور الذي حصل على الصعيد الفكري بين هذا البرنامج و بين برنامج عام 1952 ، تطور واضح و كبير . فقد أصبح التركيز على الوحدة ، و على القومية العربية و على النزعة الوطنية المعادية للقبيلة و للاستعمار . و تجاوزت الحركة الوطنية الصراعات الحزبية و المحلية ، و ارتفعت الأصوات المطالبة بالقضايا السياسية و الاجتماعية . و أصبحت الإدارة الاستعمارية تصطدم بضغط الجماهير و تجد نفسها أمام ( جبهة وطنية موحدة ) تجمع القوى الوطنية ، لا أمام حزب معارض واحد . و قد كان تحالف تلك القوى و عدم توحيدها ، عاملاً في ازدياد قوتها و بأسها . إلا انه في الوقت نفسه كان يشكل عامل ضعف بالنسبة إليها .


الجبهة الوطنية الموحدة :


لقد قامت هذه الجبهة في نوفمبر 1955 قُبيل الانتخابات التشريعية التي جرت في 15 يناير , و قد نجحت هذه الجبهة في كسب التأييد المعنوي لقسم من التجار العرب في عدن ، بالإضافة إلى الدعم المادي للتجمعات التقليدية . إلا أن العنصر الجديد حقاً هو دخول بعض الأمراء بشكل جزئي و خجول . و ذلك بفضل مشاركة بعض قادة ( رابطة أبناء الجنوب العربي ) التي كانت تتمتع بسمعة عالية في الجبهة الوطنية الموحدة .

و قد وضع هذا التحالف بين القوى الوطنية لنفسه برنامجاً مؤلفاً من النقاط الثلاث التالية :

1 ـ تفشيل انتخابات 1955 و مشروع الاتحادات .

2 ـ تشجيع المطالب العمالية .

3 ـ انتهاج خط سياسي موحد .

و الواقع أن الجبهة وقفت حائلاً دون نجاح سياسة ( السير نحو الحكم الذاتي ) و ذلك عن طريق تنظيم حملة لمقاطعة الانتخابات . و لم يبق في المعركة الانتخابية سوى الإدارة البريطانية و المرشحين الذين ينتسبون إلى الاتحاد العدني . و هكذا باءت الانتخابات بفشل ذريع .

أما المشروع الاتحادي الذي طُرح من جديد عام 1956 ، فلم يكن حظه في النجاح أوفر من حظ مشروع 1954 ، و ذلك بسبب وعي و يقظة القوى الوطنية .

و على صعيد المطاليب العمالية ، كانت النقابات تطالب بحق الإضراب و بضمان العمل و بصندوق للبطالة ، و بالتقاعد و برفع الأجور ، و تحديد حد أدنى مكفول للأجور . و كانوا يحتجون ضد التشريع الذي يشجع الهجرة إلى عدن في البلدان التابعة للكومنولث . و كانت السلطات البريطانية تدّعي من جهتها بأن تدفق الشغيلة اليمنيين يشكل تهديداً للعدنيين الذين يسعون وراء العمل ، ناسية باقي الفئات من المهاجرين المتدفقين على عدن من بلاد تحت إشراف الإدارة البريطانية . و قد دعمت الجبهة النقابات دعماً كلياً ضد إدخال الأيدي العاملة الأجنبية . و قد نظمت الجبهة بالاشتراك مع النقابات سلسلة من الاضرابات ذات طابع مهني و سياسي عام 1956 ، كانت الأولى من نوعها في تاريخ اليمن الجنوبي . و قد وجدت السلطات البريطانية نفسها تجاه شمول حركة الاحتجاجات مدفوعة إلى معالجة شكوى الطبقة العاملة بتفهم . و هكذا حصل عمال و مستخدمو الطيران المدني على زيادة في مرتباتهم . و اتخذت تدابير لحماية العمال العرب من تدفق العمال المهاجرين . و منع استيراد اليد العاملة الأجنبية . و سويت أجور المؤسسات الخاصة . و على وجه الأجمال فقد كانت حصيلة تجربة القوة جيدة و خصبة .

و قد وضعت الجبهة الوطنية الموحدة لنفسها هدفاً نهائياً إنشاء جمهورية للساحل اليمني ذات طابع مركزي تتألف من المحميتين و من اليمن . و تكون عدن هي العاصمة مؤقتاً بانتظار سقوط الحكم الملكي في صنعاء .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:22 AM
و كانت الجبهة تعتبر الطريق الموصلة لهذا الهدف تمر بمراحل ثلاث :

1 ـ توحيد السلطنات في دولة واحدة تحكم من عدن من قبل مجلس منتخب بواسطة الاقتراع العام .
2 ـ تخلي الإنجليز عن المستعمرة .
3 ـ ضم اليمن فيما بعد و إعلان الجمهورية .

غير أن الجبهة ما لبثت مع الأسف أن تصدعت بتأثير التنافس الشخصي و الخصومات قبل أن تحقق برنامجها . و الحقيقة هي أن الجبهة لم تتمكن من امتصاص التجمعات التي وحدتها في وقت ما . و مع ذلك استطاعت رغم كيانها المهدد أن تحقق انتصارات هامة جداً لمجرد كونها تحالفاً للقوى التقدمية . فقد كانت منظمة كفاح ، و قد وصل تأثيرها حتى للمعتدلين الذين وجدوا أنفسهم مرغمين على إعادة النظر في مواقفهم حتى لا يتهموا بالتخاذل و بالتخلي عن الشعب . كما كان من نتائج عملها اضطرار الإنجليز و إجبارهم على إعادة النظر في سياستهم .


القوى المحافظة :

يمكن اعتبار ( الرابطة العدنية ) و ( الاتحاد العدني ) لسان حال القوى المحافظة . و بقدر ما كانت الجبهة الوطنية المتحدة تجمعاً هجومياً غير متبلور التنظيم و الكيان ، كانت الرابطة العدنية تجمعاً دفاعياً يمثل :

1 ـ البورجوازية العدنية و الطبقة التجارية الهامة المؤلفة بالدرجة الأولى من الآسيويين و الأوروبيين و بعض التجار العرب .

2 ـ قسماً كبيراً من جهاز موظفي الدولة ، و من الموظفين في المؤسسات الأجنبية .

و دعم هاتين الفئتين للرابطة يعود إلى دوافع سياسية و اقتصادية . فعلى الصعيد السياسي لم يكن العدنيون غير العرب بوجه خاص ، بمستعدين لوضع شؤون المستعمرة بين أيدي رجال الحركة الوطنية . و كانوا يتطلعون إلى نوع من الاستقلال الذاتي الداخلي داخل إطار العائلة البريطانية .

أما على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي ، و هو العامل الأشد تأثيراً ، فقد كانت الطبقة التجارية مذعورة من اتساع نطاق المطالب العمالية و الاضرابات . فقد شل الإضراب العام الذي قادة اتحاد نقابات عمال عدن عام 1956 الحياة الاقتصادية في عدن خلال ستة اشهر . و كان عبئاً تحملت نتائجه البيوتات التجارية الكبرى . و أكثر من ذلك كانت أوساط الأعمال تربط مصير الاقتصاد بالوجود البريطاني . و بالتالي كانت ترغب في بقائه أطول مدة ممكنة لأن ذلك يتفق مع مصالحهم .

و من جهة ثانية ، كان الموظفون و المستخدمون في البيوتات الهندية و الأوروبية ، و معظمهم من الأجانب ، يخشون من فقدان وظائفهم إذا ما انتقلت السلطة إلى أيدي العناصر العربية .

إن هذه المواقف النابعة من المصلحة الخاصة الأنانية التي لا تحسب حساباً لشيء آخر ، كانت تخص الأوساط التي تهتم برفاهها لا بتطور البلاد و تقدمها . و كان لا بد بطبيعة الأمر أن ينشأ تقارب بين الإدارة البريطانية و بين هؤلاء المعتدلين . و عندما شعر هؤلاء بأن الأحداث قد تجاوزتهم ، حاولوا أن يُدخلوا في برنامجهم الإصلاحات الاجتماعية ، و مشروع الاتحاد مع الاستقلال الذاتي الداخلي الذي ينادي به خصومهم . و لكن في حين أن خصومهم كانوا يعتبرون الاستقلال الذاتي خطوة أولى نحو الاستقلال الكامل ، كانوا هم يعتبرونه الغاية النهائية . كما كان المحافظون يطالبون بالأمور التالية بصورة مستقلة بعضها عن بعض :

ـ الحكم الذاتي بالنسبة إلى عدن ،

ـ وحدة المحمية ،

ـ جمع المستعمرة المستقلة ذاتياً مع المحميات داخل اتحاد ،

ـ إدخال الاتحاد ضمن الكومنولث .

تلك هي الوحدة الممكنة في نظر هؤلاء . و بتعبير آخر ، يمكن أن نقول بأن التقدميين كانوا يريدون وحدة مركزية ، أما المعتدلون فكانوا يرغبون باتحاد فدرالي فقط . و كانت انجلترا تشاطر المعتدلين وجهة نظرهم . فقد تأثرت بما للجبهة الوطنية المتحدة من جماهيرية أي من صوت مسموع لدى الجماهير ، لذلك لم تتردد في تبني البرنامج الإصلاحي و الفدرالي للرابطة العدنية .

على أن ثمة خلافاً هاماً كان يقوم بين السلطات الإنجليزية و بين المحافظين المعتدلين ، يتعلق بالأسباب العسكرية . فالسلطات البريطانية كانت تتمسك بالاحتفاظ بعدن نهائياً خارج الدولة الجديدة . الأمر الذي ما كان في وسع المحافظين الموافقة عليه خوفاً من الاتهام بالتخلي عن جزء من أرض الوطن .

و قد استمر الإنجليز في التمسك بوجهة نظرهم ، رغم أنها تضعف من جانب حلفائهم . و قد عوّض الإنجليز على هؤلاء الحلفاء بالمزيد من الدعم المعنوي و الدعم المالي . و قد دفع اضطراب الأمور بسبب هذا التعنت إلى مجموعة من التدابير القمعية : كإعلان حالة الطوارئ و إصدار مجموعة من القوانين .


..............................
(1) محمد الجفري ( حقائق عن جنوب الجزيرة العربية ) القاهرة 1956 ص 52
(2) مجلة افريقيا و آسيا ، العدد 44 .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:23 AM
و كان إعلان حالة الطوارئ بمثابة إعلان عن عزم السلطات الاستعمارية على القضاء على الجبهة الوطنية . و قد عبّرت السياسة التي طبقتها عن هذا الإصرار ، أي سياسة إبعاد العناصر الوطنية و تعزيز جهاز المراقبة في سلطات البوليس .

أما القوانين التي تم إصدارها نتيجة لإعلان حالة الطوارئ فتتعلق بمراقبة الصحافة و بتخويل السلطة صلاحية مصادرة و توقيف كل صحيفة . كما يتعلق بعضها الآخر بحرمان الجالية اليمنية من حق التصويت ، بالإضافة إلى قوانين تحرّم تقديم أية مساعدة للجبهة الوطنية .

و إلى جانب هذه السياسة العنيفة ، عملت السلطات على دعم الرابطة العدنية دعماً متزايداً ، كما أنها ضغطت على أرباب العمل لدفعهم إلى تلبية مطالب العمل قدر الإمكان . إلا أن النقطة الأهم في هذه المواجهة ، هو طرح السلطات البريطانية لاحتمال انضمام اليمن إلى الدولة الاتحادية التي سيكون على رأسها ملك اليمن . و قد كانت السلطات البريطانية تهدف من وارء ذلك إلى إحداث انقسام داخل الجبهة الوطنية ، لأن القسم الأعظم من الجبهة كان ضد هذا الاحتمال و يرفض أن تكون أسرة حميد الدين و السلالة الزيدية و لو على رأس دولة اتحادية تضم اليمن . هذا علماً بأن السلطات الإنجليزية لم تكن بشكل من الأشكال تقف موقفاً مشجعاً لمثل هذه الاحتمالات .

و الخلاصة ، فإن الأمر انتهى بحدوث انقسام داخل الجبهة بين الجناح اليساري الذي تدعمه النقابات و الذي استولى على قيادة الجبهة ، و بين الجناح اليميني الذي أصبح ممثلاً برابطة أبناء الجنوب العربي و الذي انسحب من الجبهة .
بهذا الانقسام دخلت الحركة الوطنية في أخطر أزمة عرفتها . و إذا كانت الحركة الوطنية قد احتفظت رغم ذلك بحيويتها و نشاطها ، إلا أنها أخفقت في إعادة الالتحام إلى صفوفها . و كان ذلك طبعاً مبعث سرور لخصومها .


أزمة الحركة الوطنية :

لم يعمّر تحالف الجهات المعادية للاستعمار سوى أقل من ستة أشهر ، أي تماماً الوقت اللازم لمجابهة الاستفتاء الذي نظمته السلطات الاستعمارية . فمنذ شهر مارس 1956 ، بدأت انقسامات خطيرة تظهر داخل الجبهة الوطنية الموحدة . فقد اتهمت النقابات ذات التابعية اليمنية ، رابطة أبناء الجنوب العربي ، بأنها تعمل على وضع النقابات تحت إشرافها المباشر و المطلق . كما اتهمت من قبل تجمعات يمنية أخرى بالعمل من أجل فصل عدن و محميتها و محميتها عن الوطن الأم في الشمال ، و إنشاء جمهورية انفصالية في اليمن الجنوبي .

و اتهمت الرابطة بدورها هؤلاء و أولائك بأنهم يريدون أن يقسموا الحركة الوطنية و أن يدفعوا بها ضمن اتجاه موال لليمن .
و قد كانت لهذه الاختلافات نتائج ثقيلة الوطأة . و أخذ الخلاف طابعاً سياسياً عندما شكلت النقابات بتاريخ 3 مارس 1956 اتحاد نقابات العمال العدني ، و أعطت لهذا الاتحاد النقابي الكبير طابعاً اجتماعياً و سياسياً و عندما صدر بتاريخ 22 مارس 1956 عن رابطة أبناء الجنوب العربي تصريح مطول يشدد على شخصية الجنوب و على حقه في الاستقلال .

و كان ذلك بمثابة الطلاق بين القوتين الوطنيتين ، هذا الطلاق الذي انتهى فيما بعد إلى حل الرابطة بينهما بعد أن يئس كل فريق من امتصاص الفريق الآخر .

و قد استطاع اتحاد النقابات بفضل تنظيمه و تماسكه أن يسيطر بسرعة على المسرح السياسي في المستعمرة . و أن تجتمع من حوله معظم القوى الوطنية عدا رابطة أبناء الجنوب العربي . و قد كان للاضطراب العام الذي بدأ في مارس و انتهى في نوفمبر من عام 1956 و للنجاح الكبير الذي انتهى إليه ، فضل في اتساع شهرته و ازديادها . و كان من الطبيعي نظراً لفشل التشكيلات السياسية التقليدية و إفلاسها ، أن تصبح الحركة النقابية محور النضال السياسي ضد الاستعمار .

لقد كان انغمار الطبقة العاملة في العمل السياسي شيئاً نابعاً من طبيعة الأمور ، و ليس فيه ما يدعو للدهشة . فالنقابات العمالية في كثير من البلاد المتخلفة تبدو و كأنها القوى الوحيدة التي تتمتع بسند شعبي ملحوظ و بتنظيم قوي فعال . و هذا الواقع ينطبق على عدن أكثر من أي بلد آخر . فالحركة العمالية كان لها النصيب الأكبر في الكفاح ضد الاستعمار .

و في نفس الوقت الذي كان فيه اتحاد النقابات يشق طريق الصعود ، كانت رابطة أبناء الجنوب العربي تعاني من أزمتها الحادة بسبب انسحاب قسم من إطاراتها العليا و تفكك قيادتها . و هكذا بعد أن كانت رابطة أبناء الجنوب العربي المحرك الرئيسي للحركة الوطنية و العنصر البارز في الجبهة الوطنية المتحدة ، غرقت في تعقيدات ظروف التجزئة الإقليمية . و دفعتها شكوكها بشأن اليمن إلى تبني مواقف أعطيت صفة الانفصالية من قبل عدد كبير من قادتها أنفسهم . و بعض هؤلاء القادة استنكروا علناً ذلك و لجأوا إلى المنظمة المقابلة . و في عام 1958 لجأ رئيسها و أمينها العام إلى القاهرة تاركين ورائهما في عدن منظمة هزيلة إلى درجة لم يعد الإنجليز يحسبون لها أي حساب . أما في الخارج فقد تحولت ( رابطة أبناء الجنوب العربي ) إلى مجرد ( رابطة الجنوب العربي ) . و عند إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة ، ثم ( الدول العربية المتحدة ) ، حاولت الرابطة أن تعدل ميثاقها و أن تدخل فيه فقرات خاصة بالوحدة العربية و بالعلاقة بين جنوب و شمال الساحل اليمني ، و أن ترفض القومية اليمنية .

و عندما تقرر ضم عدن إلى الاتحاد ، حاول الإنجليز جس نبض قادة الرابطة في المنفى للعودة و تشكيل الحكومة الاتحادية . إلا إنهم رفضوا هذا العرض و فضلوا الالتحاق بالمعارضة مع الإبقاء على مسافة ما بينها و بينهم .

و بعد ثورة اليمن الجمهورية ، حاولوا أيضاً تعديل برنامجهم و موقفهم الغامض إلا أن المحاولة جاءت متأخرة . فالرابطة على الرغم من أنها استعادت بعض نشاطها ، إلا انه كان يلزمها وقت طويل و بذل جهد أكبر حتى تنهض من كبوتها و تحول الوضع إلى مصلحتها .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:24 AM
الحركة النقابية :


لقد قام اتحاد نقابات عمال عدن عام 1956 بعمل مزدوج : فمن جهة اهتم بالمسائل الاجتماعية التي تشغل العمال ، و نجح في الحصول على اعتراف شرعي بالنقابات و بحقوقها . و من جهة ثانية أخذ الاتحاد اتجاهاً سياسياً مرناً و أصبحت الجبهة الوطنية الموحدة قاعدته الناطقة باسمه . و بعد فشل العدوان الثلاثي على السويس شددا مواقفهما و كسبا الجو على حساب الرابطة العدنية التي تواطأت مع الإنجليز .

و منذ عام 1957 أصبح الاتحاد اكبر منظمة شعبية في عدن . و أصبح له صحيفة ناطقة باسمه ( العامل ) كانت تنشر أسبوعياً مقالات مطولة حول الوضع الداخلي في الجنوب و الشمال . و قام الاتحاد بحملة عنيفة ضد الهجرة و ضد غلاء المعيشة عام 1958 . و عندما قررت السلطات في أغسطس 1960 أن تسن تشريعاً جديداً يمنع الإضراب و يفرض التحكيم في خصومات العمل ، شجبت صحيفة العامل بجرأة الترتيبات الجديدة . و على أثر الاصطدامات الدامية بين المضربين المتظاهرين و بين الشرطة ، أُغلقت الصحيفة و لوحق جهاز التحرير المؤلف في غالبيته من النقابيين ، بتهمة التحريض على مخالفة النظام . و بفضل انتساب المنظمة إلى اتحاد نقابات العمال العرب و الاتحاد الدولي ، استفادت من تضامن المنظمات العمالية في آسيا و أفريقيا و أمريكا . و علقت الصحيفة الأسبوعية الفرنسية ( النوفيل أوبسر فاتور ) على تلك الحوادث في عددها بتاريخ 7 سبتمبر 1960 بقولها :

( في عدن ، ينظم العمال اضراباً عاماً للاحتجاج على التعديات على الحرية النقابية ، مطالبين إنهاء الإدارة البريطانية و تنظيم استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة ) .

و على الصعيد السياسي ، ركز الاتحاد مع الجبهة جهودهما على إزالة الاستعمار في عدن و على تحرير اليمن من النظام الملكي . و كانت دعايتهم تطالب بدمج الجنوب مع الشمال . و بقدر ما كانت تلك الدعاية تحقر الإنجليز بقدر ما كانت تسبب القلق للسلالة الزيدية التي كانت تريد أن تجنب البلاد موجة الاضطرابات التي أثارها الوطنيون في المستعمرة .

مع نهاية المعركة الانتخابية عام 1959، تصدع التحالف الواهي الذي كان يجمع القوى التقدمية . و أخذت الجبهة موقفاً يختلف عن موقف الاتحاد الذي انعطف انعطافاً واضحاً نحو اليسار عام 1960 . و أصبح الاتحاد المركزي للنقابات في نظر الكثيرين من أبناء الجنوب المجسد الحقيقي ( للقومية اليمنية ) . و من هذه الزاوية بدأ يتعرض للنقد الشديد .

إلا أن الذي يجب أن يقال ، هو أن الاتحاد حاول عدة مرات أن يذيب مختلف الأحزاب الوطنية في بوتقة واحدة تحت رعايته ، إلا انه لم يصادف إلا نجاحاً جزئياً و خاصة لدى الروابط التي تهيمن عليها العناصر ذات الأصل اليمني . و ضمن هذا الاتجاه قاد عملية تشكيل الاتحاد الشعبي عام 1958 و الاتحاد الوطني اليمني عام 1959 و التجمع الوطني عام 1960 و تجمع المنظمات الوطنية و الشعبية عام 1961 . و ساهم مساهمة فعالة في مؤتمر القاهرة الذي اجتمع عام 1961 و 1962 و ضم ممثلين عن (3):

ـ النقابات العدنية ،

ـ حركة القوميين العرب ،

ـ الاتحاد اليمني ،

ـ حزب البعث العربي الاشتراكي ( فرع اليمن الجنوبي ) .

و قد حاول المؤتمرون أن يخلقوا جبهة وطنية جديدة إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك . لذلك قرر الاتحاد المركزي للنقابات عشية مؤتمر لندن في يوليو 1962 تأسيس حزب جماهيري . و هكذا تم نشوء ( حزب الشعب الاشتراكي ) . و خلال ذلك كانت الجبهة الوطنية الموحدة قد زالت و لم يبق لها وجود . و قد قام ( حزب الشعب الاشتراكي ) بحملة عنيفة ضد المشروع الاتحادي الذي طرحته السلطات . و على الرغم من التدابير القمعية ، نجح في تعبئة الرأي العام الداخلي و الخارجي ضد السياسة الإنجليزية . إلا أنه فشل في تجميع قوى المعارضة من حوله ، بل و زاد في خصومتها له .


الاتجاهات الراهنة :

الخلاصة إننا نستطيع أن نميز على ضوء الاختلافات التي رافقت الكفاح الخصب الذي امتد على عشر سنوات ، الاتجاهات الخمسة التالية :

1 ـ الإقليمية الضيقة : التي يحرص عليها العدنيون المحافظون و غالبية الأمراء . و هي تقوم على المحافظة على التجزئة المحلية . و قد كانت السلطات الاستعمارية في البدء تشاطرهم وجهة نظرهم . إلا أن هذه السلطات بدأت تدرك مع تطور الوضع العربي خطر النزعة الانفصالية و التشتت . فأعادت النظر في سياستها و بدأت بتشجيع تجميع الإمارات داخل اتحاد فدرالي ، ثم بتشجيع ضم عدن إلى الاتحاد من أجل إجهاض الاتجاهات الفكرية و تزوير الاندفاعات الوطنية .


2 ـ الإقليمية الواسعة : و قد كانت خلال فترة من العمل الوطني تتمتع بتأييد جميع القوى التقدمية . و هذه الإقليمية الواسعة تتجاوز حدود عدن و محميتها لتضم الساحل العربي بما في ذلك اليمن . و هي تعتمد في نظرتها على منطلقات جغرافية و تاريخية و بشرية عرقية .


3 ـ النزعة الوطنية اليمنية : التي كانت تجعل من اليمن محور العمل الوطني و تعترف له بالأولوية و بالقيادة . و كانت هذه النزعة تلقى تأييدا من قسم من العمال و من صغار التجار و من الطليعة المثقفة الذين ينحدرون من أصول يمنية . كما كان ( حزب الشعب الاشتراكي ) رائد هذه النزعة . الأمر الذي أثار شكوك العناصر الجنوبية التي كانت تمثلها رابطة الجنوب العربي ، و التي كانت ترفض رفضاً قاطعاً إلحاق الجنوب باليمن ، و تقول بالتقارب بينهما شرط رفع فكرة الإلحاق . و قد أعطت هذه العناصر المجال لنشوء حركة وطنية خاصة بالجنوب .


4 ـ النزعة الوطنية الجنوبية : و هي تعمل على جعل عدن و محميتها كياناً مستقلاً ذا سيادة . و قد كانت هذه النزعة تجد في رابطة الجنوب العربي حليفاً لها ، كما كانت تعتمد على تأييد البرجوازية الوطنية الناشئة و على قسم من المثقفين و على السلاطنة . و كانت انجلترا تدعم هذه النزعة سراً ، و كانت تستعد لوضع السلطة في يدها يوماً ما ، لأنها كانت تتخذ منها وسيلة لمقاومة القومية اليمنية و القومية العربية .


5 ـ القومية العربية : إن شعب اليمن الجنوبي شديد الحساسية للقومية العربية . و باستثناء أصحاب النظرة الإقليمية الضيقة ، تشكل القاسم المشترك لجميع الاتجاهات الأخرى بدرجات و نسب متفاوتة تتراوح بين رفع الشعار و بين الالتحام الكلي بحركة القومية العربية .


إن لكل اتجاه من الاتجاهات السابقة أشياعه و جهاز دعايته الذي تتولاه الأحزاب السياسية . و هذه الأحزاب السياسية تنتشر بين الجماهير دون أن تعلن عن برامج محددة ، و تطغى عليها اللفظية أي لغة الشعارات ، و هي حسب التعبير الماركسي ( أحزاب البرجوازية الصغيرة ) .


..............................
(3) قحطان الشعبي ( الاستعمار البريطاني و معركتنا في الجنوب اليمني المحتل ) القاهرة 1962
.............................


.................... يتبع .......................

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:25 AM
الفصل السادس


الأحزاب السياسية



إن الأحزاب السياسية في الغرب تقوم بوجه عام بشكل رئيسي على المصالح المحددة تحديداً واضحاً للزمر الاجتماعية . و في معظم بلدان العالم الثالث ، و في العالم العربي بوجه خاص ، توجد مثل هذه الأحزاب ، إلا أنها تبدو دونها تبلوراً . فالسياق التاريخي لهذه البلاد يجعل مفهوم الحزب القائم على أساس الطبقات الاجتماعية المتميزة شيئاً لا يتفق مع الواقع الداخلي لهذه البلاد ، لا سيما في اليمن الجنوبي .

فقد لاحظنا من خلال الفصول السابقة أن الرأي العام في اليمن الجنوبي ينقسم إلى اتجاهات و زمر غير مستقرة و غير ثابتة . لأن الشعب في غالبيته ما يزال يعيش ضمن وسط عشائري تتشكل على هامشه الطبقات الاجتماعية الجديدة التي لم تأخذ بعد طابعاً محدداً . بالإضافة إلى ذلك ، فان الشعب تنقصه التربية السياسية و المدنية . فالفئات الهامشية المتمركزة في المدن و خاصة في مستعمرة عدن وحدها تملك ثقافة أولية من هذا النوع بفضل تعميم التعليم و بفضل الصحافة و المذياع و الدعاية الوطنية

فلا مجال إذن إلى القول بأن هناك وعياً طبقياً أو حساً سياسياً متطوراً لدى الشعب و خاصة في المحمية . صحيح أننا نعثر في عدن على منظمة عمالية نشيطة كانت مصدر نشوء تنظيم سياسي عل صورة قاعدته الاجتماعية التي لا شك في أنها بروليتارية و فلاحية ، إلا أنها دوماً ذات أصول قبلية عشائرية . كما كان لظروف الكفاح المعادي للاستعمار أكثر مما كان لوجود وعي طبقي حقيقي الفضل في حدوث تلك التغيرات المفاجئة .

و هذه الملاحظة تصح أيضاً على باقي التنظيمات التي تهيمن على المسرح السياسي . فداخل الأحزاب السياسية لا نعثر على عنصر اجتماعي خاص ، بل نجد أنفسنا أمام عدة فئات اجتماعية داخل الحزب الواحد . فالنضال من اجل الاستقلال لا يمكن أن يكون من صنع طبقة اجتماعية واحدة . بل هو من صنع شعب بأكمله .

و هكذا يمكن أن نتساءل فيما إذا كانت توجد أحزاب بالمعنى الصحيح في اليمن الجنوبي ؟

إذا أخذنا بعين الاعتبار المقياس الأوروبي ، أي الصيغة التقليدية للأحزاب في البلاد الديمقراطية الرأسمالية ، وجدنا أن اليمن الجنوبي يعيش مرحلة ما قبل نشوء الأحزاب . أما إذا نظرنا إلى الوسط الاجتماعي الخاص باليمن الجنوبي و نظرنا نظرة اشمل إلى الواقع العربي بشكل عام ، كان جوابنا إيجابياً . و هذا لا يمنع من القول بأن عدن و محميتها ما تزال في المرحلة الأولى من مراحل التطور ، و أن الخط الفاصل بين المجموعات المنظمة و الأحزاب السياسية بالمعنى الدقيق للكلمة ، ما يزال فيها سابقاً لأوانه . فالمعيار الرئيسي الذي يميز بينهما هو وجود ( المنظمة ) . فالحقيقة أن أي تشكيل مزود بجهاز سياسي منظم و ببرنامج ، يستطيع أن يعتبر نفسه قائماً كحزب . و في اليمن الجنوبي توجد عدة تجمعات تطالب بهذا الحق . و هي تطلق على نفسها صفة الحزبية و تعمل على أساس أنها أحزاب .

و سنقف من هذه الأحزاب على أربعة تعتبر أهمها . لأن ما تبقى هي في الحقيقة تجمعات صغيرة ، أما فيما يتعلق بالبرنامج ، فهناك خطوط عامة و ليس هناك برامج محددة و متناسقة . أما فيما يتعلق بالتركيبات الاجتماعية ، فهناك إلى جانب البرجوازية الوطنية و الأجنبية ، الموظفون الوطنيون ، و المثقفون ، و العمال و القبائل .

حزب المؤتمر الشعبي :

لقد نشأ هذا الحزب عن الرابطة العدنية ، و هو يعتبر نفسه الوريث الطبيعي لها . و هو يتميز بطابعه ( العائلي ) بحكم سيطرة عائلة ( لقمان ) عليه . و هذه الأسرة ( التي تعتبر مؤسسة لهذا الحزب ) تملك صحفاً ثلاثاً : ( فتاة الجزيرة ) ، ( القلم العدني ) ، و ( يوميات عدنية ) . و قد حمل هذا الحزب لواء الدفاع عن ( الكيان العدني ) . أما برنامجه ، فقد عرض عرضاً غامضاً في نشرة للدعاية تحت عنوان : ( أهذا كتاب أبيض ) . و كاتب هذه النشرة (1) ، و هو احد قادة الحزب ، يعتبر نفسه ناطقاً باسم شعب عدن . و يتحدث عن التقدم الذي حصل في المستعمرة و عن تأخر محميتها ، و عن التمييز السياسي بين شطري البلاد ، و عن عدم التكافؤ في التطور الاقتصادي فيما بينهما . ثم يشجب باسم الوحدة الإقليمية لعدن ، عملية انتزاع جزر البريم و كوريا موريا . و ينتقد الطريقة التحكمية التي تمت بواسطتها عملية إدخال عدن في اتحاد الجنوب العربي . و لا يمنعه ذلك من استخلاص نتيجة تؤكد على ضرورة مساعدة عدن الفنية لمحميتها الفقيرة .

و هكذا فإن برنامج حزب المؤتمر الشعبي يعارض الحل الفدرالي لأنه في زعمه ينتزع من العدنيين حقوقهم و يعيق سيرهم نحو الديمقراطية ، و لأنه يخشى أن يعطل الحل الفدرالي فرص حصول عدن على استقلالها . لذلك فإن حزب المؤتمر الشعبي يطالب بما يلي :

1 ـ بانتخابات تشريعية عامة تقتصر على المستعمرة .

2 ـ تشكيل حكومة وطنية عدنية مسؤولة أمام المجلس التشريعي المنتخب .

3 ـ بحصر مهمة هذه الحكومة في نقطتين رئيسيتين : تطبيق حق تقرير المصير و إعلان الاستقلال .

و بكلمة أخرى ، يطالب الحزب بدولة عدنية تتمتع بالسيادة الكاملة تصبح عضواً في الكومنولث . و شعاره المألوف ( عدن للعدنيين ) أما موضوع الاتحاد فلا يأتي إلا بعد أن يتحقق هذا الهدف ، و عندئذ تفاوض عدن المستقلة الاتحاد الذي يكون بدوره قد استكمل سيادته من اجل الاندماج ضمن صيغة مرنة كونفدرالية . أن حزب المؤتمر الشعبي ينطلق من إطار التجزئة ، لذلك فهو يلقى دعماً من عناصر الأقلية العدنية ذات الأصول الأجنبية التي تخشى من طغيان العناصر العربية ، و التي تتجمع في عدة منظمات و جمعيات لتأمين حماية مصالحها . و هي مدعومة من البيوتات التجارية الأوروبية و الهندية التي تمول نشاطها من أجل إعاقة نشاط البرجوازية الوطنية التي تحاول استبعاد الرأسمال الأجنبي .

و قد بقيت السلطات الإنجليزية تساند نشاط الأقلية حتى عام 1961 ، حيث تبين لها أن التجزئة التي تعمل الأقلية على تثبيتها ، لم تعد شعاراً واقعياً . ثم جاءت الضرورات الستراتيجية و مقتضيات السياسة العليا الخارجية ، لتحدث تحولاً في موقف هذه السلطات . و كان الحزب الوطني الاتحادي الوليد الثاني للرابطة العدنية و المستفيد الأكبر من هذا التحول .


الحزب الوطني الاتحادي :

أمام اللغط الذي كان يصدر عن العناصر العدنية المعادية لدمج عدن ، لم تتردد السلطات البريطانية في خلق حزب جديد مؤيد للسياسة البريطانية . و قد كانت ولادة الحزب الوطني الاتحادي في الحقيقة تعبيراً عن رغبة الإنجليز في إسباغ مظهر شرعي على الدمج . و قد كان زعماء هذا الحزب هم الذين وقعوا اتفاقيات لندن ، و شكلوا أول حكومة مستقلة في دولة عدن .

كان برنامج الحزب الوطني الاتحادي يتطابق تماماً مع برنامج وزارة المستعمرات . فقد نادى بتعاون وثيق مع الأمراء و بالمحافظة على المصالح الاقتصادية و الحربية لبريطانيا العظمى . إلا أنه كان خلال المفاوضات مركز على التفاوت الاقتصادي بين عدن و المحمية ، و يعتبر التفاوت نتيجة لتمايز التطور الدستوري بينهما . و هكذا استطاع أن يحمل الأمراء على قبول مبدأ اعتبار عدن كياناً خاصاً داخل إطار اليمن الجنوبي السياسي و الاقتصادي الذي يشكل مجالاً حيوياً أكثر اتساعاً . كما انه طالب بتطمين العدنيين الأجانب بحيث أن يكون الدمج مصحوباً بشروط تضمن لهم حقوقهم . و حصل لعدن على تمثيل قوي داخل المؤسسات الفدرالية . و على عكس حزب المؤتمر ، رفض الحزب الوطني الاتحادي ان يتبنى فكرة حصول المستعمرة على الاستقلال . و كان يرد على أصحاب هذه الفكرة بأن عدن ما تزال دون مستوى القدرة على تشكيل دولة ذات سيادة . و يضيف إلى ذلك بأن هذه الدولة لن تصمد طويلاً أمام هجمات القوى الوطنية ، و أن اتحاد الجنوب العربي بدون عدن ، لا بد أن يتفكك سريعاً . فلإنقاذ عدن و الاتحاد معاً من الوطنية المتطرفة لا بد من دمجهما . و هنا تظهر المطابقة بين دعوى الحزب و بين المخطط البريطاني .

إن الحزب الوطني الاتحادي منظمة ممالئة للإدارة الاستعمارية ، و هو إلى جانب الدعم المالي الضخم الذي يأتيه من قبل السلطات يحظى بدعم رجال الأعمال الطامحين إلى الحصول على عقود تجارية مع الحكومة الاتحادية و مع الزعماء المحليين . و كذلك بتأييد قسم من جهاز الموظفين الرسميين و قسم من العدنيين العرب .

و بصورة عامة ، يمكن تصنيف الحزب الوطني الاتحادي مع حزب المؤتمر الشعبي ، كممثلين للقطاع المؤيد للملكة المتحدة رغم اختلاف موقفهما نسبياً . فالحقيقة أن تخلي السلطة عن حزب المؤتمر ليس إلا ظاهرياً . فالعالم كله يعرف بأن السلطة تدعمه بصورة خفية ، و بأن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم له مساعدة كبيرة . فالانجلو ساكسون يريدون أن يجعلوا من هذا الحزب أداة للضغط على الوطنيين لإرغامهم على التسليم بموضوع القواعد .

ربما أن الأحزاب التقدمية لا مقاعد لها في المجلس ، فإن حزبي المؤتمر و الوطني الاتحادي ، كانا يمنيان النفس بأن يلعبا دور حزب السلطة و حزب المعارضة . و كان البريطانيون يغتبطون و يعتزون برؤية صورة مصغرة لمجلس العموم تتجسد في المجلس التشريعي ، و يعتبرون ذلك دليلاً على نجاح سياستهم في إنهاء الاستعمار . و الغريب في الأمر ، أن قسماً كبيراً من الرأي العام الإنجليزي كان يعتقد على ما يبدو بهذه الأسطورة ـ المهزلة ـ و أقل ما يمكن أن يقال بهذا الشأن هو أن هذا الجانب من الرأي العام كان ضحية دعاية فارغة موغلة في الادعاء . و يكفي للدلالة على ذلك التذكير بأن المجلس التشريعي قد تم انتخابه من قبل 26 في المئة فقط من مجموع الناخبين . و أنه ليس من المنطق في شيئ أن يُعترف له بأي صفة تمثيلية ، طالما أن 74 في المئة من الناخبين قد امتنعوا عن التصويت من اجل شجب هذه الصفة التمثيلية . و هنا تكمن قوة الأحزاب الوطنية ( رابطة الجنوب العربي و حزب الشعب الاشتراكي ) التي حاول الإنجليز أن يكتموا أصواتها بواسطة التدابير القمعية البوليسية القاسية . و لكن على الرغم من ذلك ، نجحت الأحزاب الوطنية في أن تشل القوى الممالئة للإنجليز . و هذا هو السر الذي جعل بريطانيا تعتمد على الأمراء المحليين الرجعيين الذين جعلتهم يشكلون جبهة في محاولتها تحطيم المقاومة الوطنية أكثر من اعتمادها على منظمات قيد التلاشي السريع كحزب المؤتمر و الحزب الوطني الاتحادي .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:26 AM
رابطة الجنوب العربي :

لقد عارضت رابطة الجنوب العربي المشروع الاتحادي البريطاني و الكيان العدني منذ البدء ، و حرضت عام 1957 ـ 1958 سلطان لحج و نقيب يافع السفلى ، على رفض المخطط الذي رسمته وزارة المستعمرات لتجميع الإمارات . و كان من نتائج ذلك إبعاد قيادة الرابطة و إزاحة الأمراء المتصلبين في موقفهم عن مناصبهم . و قد حاولت الرابطة في نوفمبر 1958 أن تنشئ حكومة في المنفى بمساعدة البلاد الشقيقة . إلا أن المحاولة باءت بالفشل نظراً لمعارضة اليمن (2) .

لقد أخذت رابطة الجنوب العربي على اتحاد الجنوب العربي طابعه المعادي للقومية العربية و كونه لم يأت نتيجة استشارات . فهو في نظر الرابطة مناورة هدفها الإبقاء على السيطرة البريطانية و على حالة التجزئة المصطنعة في البلاد و هي تعتبر مؤسسي الدولة الاتحادية مجرد موظفين مأجورين للسلطات البريطانية و بالتالي فإنها لا تعترف لهم بأي أهلية حقوقية تخولهم صلاحية عقد معاهدات تحدد مصير البلاد .

و الخلاصة ، فإن اتفاقيات 1959 و 1962 ليست لها صفة شرعية في نظر الرابطة ، لأن المفاوضين لم يكونوا ممثلين ، و لأن تكافؤ القوى كان مفقوداً .

أما برنامج الرابطة فينص على اعتبار عدن و محميتها تشكلان كياناً واحداً غير قابل للقسمة . كما ينص مقابل الدولة الاتحادية التي لا تقوم على أسس صحيحة ، على إنشاء دولة مركزية موحدة . و قد أوضحت وجهة نظرها في مذكرة قدمها إلى هيئة الأمم المتحدة في نهاية عام 1962 ، حيث تقترح :

1 ـ بوضع اليمن الجنوبي لمدة سنتين تحت وصاية لجنة دولية مؤلفة من ممثلين عن البلاد غير المنحازة .

2 ـ بتحويل الإدارة إلى الوطنيين تحت إشراف لجنة دولية .

3 ـ بالاعتراف بحق شعب اليمن الجنوبي في تقرير مصيره و بضمان تطبيقة على كل أنحاء البلاد .

4 ـ و أخيرا بإنشاء مجلس تأسيسي منتخب بالاقتراع العام المباشر تكون مهمته الأساسية وضع دستور للبلاد و إعلان استقلالها .

إلا أن هذا الحل لم يكن يملك أسباب النجاح . فالهيئة الدولية نظراً للصعوبات التي تواجهها في مناطق أخرى حساسة أيضاً ، لم تكن تميل إلى تحمل مثل هذا العبء الجديد . و من جهة أخرى ، فإن الحكومة البريطانية و الحكومة اليمنية و حزب الشعب الاشتراكي ، و هي الهيئات التي لا يمكن حل المشكلة بدون اتفاقها ، لم تكن موافقة على التدخل الدولي .


و كانت رابطة الجنوب العربي ترفض كل مطلب و كل مسعى لإلحاق اليمن الجنوبي باليمن . إلا أنها لم تكن ترفض فكرة التقارب مع اليمن عندما يحصل اليمن الجنوبي على سيادته كاملة . و كانت تتطلع إلى اتحاد حر بين الدولتين يتم نتيجة مفاوضات متبادلة . أما المهمة العاجلة فهي في رأيها التحرر من السيطرة البريطانية ، و عندما يتم الحصول على الاستقلال ، يمكن توثيق الارتباط ما بين الشمال و الجنوب على ثلاث مراحل :

1 ـ تدعيم الدولة الوطنية في اليمن الجنوبي .

2 ـ توحيد الساحل العربي ضمن إطار واسع .

3 ـ تشجيع دمج و توحيد الشمال و الجنوب ضمن مجموع أكبر على غرار الجمهورية العربية المتحدة .

و في حالة استمرار اليمن في معارضة انبثاق دولة متحررة في الجنوب ، فإن رابطة الجنوب العربي تطالب باستفتاء الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة .

ثمة ملاحظتان تجدر الإشارة اليهما بصدد موقف رابطة الجنوب العربي ، سواء بالنسبة إلى الاستعمار أو بالنسبة للحركة الوطنية في اليمن . الملاحظة الأولى ، تتلخص في أن برنامج الرابطة يتفق في عدة نقاط مع مخطط وزارة المستعمرات . فقد تبين لنا أن المملكة المتحدة قد سبق أن باشرت عملية تجميع دول الأمراء و عدن من اجل إنشاء دولة اتحادية تمنحها الاستقلال . فالفرق بين وجهة نظر الرابطة و وجهة النظر البريطانية يتلخص في أن بريطانيا ترفض :

1 ـ فكرة انتخابات مسبقة ،

2 ـ الاعتراف بحق تقرير المصير ،

3 ـ المعاهدات و الاتفاقيات التي تؤدي إلى إزالة القواعد و جلاء القوات البريطانية .

ما عدا ذلك فإن وجهتي نظر الرابطة و السلطة الاستعمارية تتفقان في الهدف النهائي الذي هو حصول البلاد على سيادتها الدولية .

أما الملاحظة الثانية ، فتتعلق بموقف الرابطة من اليمن ، ذاك الموقف الذي يعتمد على التمنيات . فهي لا تتصور وحدة الجنوب و الشمال إلا بعد الاستقلال . و تعتبر كل محاولة قبل ذلك أمرا لا يجوز التفكير به . فهناك مرحلة انتقالية طويلة الأمد لا بد منها في رأيها ، تتم خلالها عملية القضاء على عقبات الوحدة قبل الوصول إليها .

إن هذا الموقف قد جعل رابطة الجنوب العربي تتعرض لتهجمات عنيفة من قبل الحكومة اليمنية و خاصة من قبل حزب الشعب الاشتراكي . و اتهمت بأنها تلعب لعبة الاستعمار و التجزئة .

إن رابطة الجنوب العربي هي أقدم منظمة في عدن و محميتها . و قد شهدت في البدء ازدهارا كبيراً . إلا أنها تعرضت منذ عام 1956 إلى هزات و أزمات متلاحقة أدت إلى عدة انقسامات ذات طابع يساري في قيادتها . و قد نالت الانسحابات التي شملت قسماً من جهاز الرابطة القيادي ، من قوة الرابطة . و قد انضاف إلى هذا الخلل الذي لحق بتكوين الرابطة ، تهديم السلطات لما تبقى من جهازها ، و مصادرة صحيفتها الناطقة باسمها بعد إبعاد قادتها الرئيسيين .

و على الرغم من هذه النكسة ، فإن الرابطة ما تزال تتمتع بشعبية لدى الأوساط الوطنية التقليدية ، و لدى بعض القبائل ، و كذلك لدى سكان الريف في المحمية ، و خاصة لدى البرجوازية الوطنية الناشئة . فقد اقتربت هذه الطبقة من الرابطة لأنها وجدت الأفكار الاشتراكية لدى حزب الشعب الاشتراكي فعالية في الثورية ، و تثير القلق .


حزب الشعب الاشتراكي :

إن حزب الشعب الاشتراكي هو دون شك أهم المنظمات ، لا في عدن فحسب ، بل في الجزيرة العربية بوجه عام . فهو الوريث الشرعي للجبهة الوطنية الموحدة . و قد تأسس عام 1962 من اجل مقاومة المشاريع البريطانية . أما مؤسس هذا الحزب فهو اتحاد نقابات عمال عدن ، الذي حاول أن يتجنب أخطاء الحركات الأخرى بشكل جعله مركزاً حزبياً لجميع الذين انشقوا عن المنظمات المتنافسة .

إن حزب الشعب الاشتراكي يدين الوجود البريطاني في اليمن الجنوبي ، و يدين الاتحاد الذي يجد فيه محاولة موجهة لفصل الجنوب نهائياً عن الشمال . و يطالب بإرجاعه إلى الوطن الأم . و كل حركة تحاول بشكل أو بآخر أن تقف عقبة في وجه هذه العودة ، تعتبر حركة انفصالية . و هذا ما حصل بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي و للحزب الوطني الاتحادي ، و إلى حد ما لرابطة الجنوب العربي . إلا أن هذه الأحزاب ترد التهمة و خاصة الرابطة التي تحمّل حزب الشعب الاشتراكي مسؤولية شطر الحركة الوطنية .

أما برنامج الحزب فيدعو إلى أفكار وحدوية متقدمة كثيراً ، إلا انه مطبوعة بطابع يمني واضح و صريح يتهمه خصومه بأنه طابع توسعي . و يتضمن برنامج الحزب النقاط الأساسية الثلاث التالية :

1 ـ زوال الاستعمار بشكل كلّي و فوري ، و كذلك القواعد المرتكزة على المعاهدات غير المتكافئة .

2 ـ رفض تكوين كيان خاص باليمن الجنوبي .

3 ـ التعجيل في إعادة ربط الجنوب المحتل بالشمال المتحرر .

إن هذا البرنامج يقلل من أهمية الصفة الوطنية لليمن الجنوبي ، و يصطدم تحقيقه من جهة أخرى بعدة عقبات أهمها :

1 ـ عداء الأمراء ، و الأحزاب العدنية المدعومة من السلطة الاستعمارية .

2 ـ معارضة رابطة الجنوب العربي .

3 ـ تأرجح الموقف الشعبي .

و الحقيقة انه ، لا الأمراء ، و لا حلفائهم الإنجليز ، عازمون على تقديم عدن و محميتها إلى اليمن على طبق . أما العدنيون ، فعواطفهم الانفصالية معروفة منذ زمن طويل . كذلك فإن رابطة الجنوب العربي ترتاب في موقف حزب الشعب الاشتراكي و تخشى أن يجعل من القومية اليمنية شعاراً للمزايدة يفرضه على شعب اليمن الجنوبي رغم أنفه ، و أن يتجاهل التطلعات الحقيقية لهذا الشعب .

كما أنها تعتبر تصلب حزب الشعب الاشتراكي عاملاً في تقوية النزعات الانفصالية على حساب الوحدة الوطنية .

و هذه الحجج صحيحة إلى حد بعيد . ذلك لأن الإقليمية هي دوماً مغروسة في أذهان الناس و لأن الناس ما يزالون غير مالكين لصورة المستقبل بشكل محدد ، لسبب بسيط و هو أنهم لم يُسألوا عن رأيهم بعد حول مستقبل البلاد . لذلك كان مجال عمل الحركة المؤيدة للدمج العضوي مع اليمن التي يبعثها حزب الشعب الاشتراكي ، مقتصراً على عدن . فلا يكفي أن يقال بأن شعب اليمن الجنوبي في أكثريته الساحقة يرغب الدمج . بل يجب أن تعطى له الفرصة ليعبر بوضوح عن رأيه و عندئذ يُعرف رأيه . و ليس غير اللجوء إلى الاستفتاء يمكن أن يقرر شيئاً حاسماً بالنسبة إلى المستقبل .




.............. يتبع ................

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:28 AM
إلى جانب الحركة المؤيدة لليمن ، توجد في حضرموت حركة موالية لوحدة المنطقة الشرقية و استقلالها ، و مناهضة لمبدأ الالتحاق باليمن .

و الحقيقة انه منذ اكتشاف البترول في المنطقة الشرقية ، أصبحت فكرة المناداة بحضرموت دولة مستقلة ، ذات إغراء كبير بالنسبة إلى السلاطين ، يؤيدهم في ذلك معظم سكان المنطقة ، كما يلقون تشجيعاً على هذه الفكرة من الإنجليز بشكل خفي . و يكفي أن تأتيهم الفرصة السانحة حتى يعلنوا استقلالهم .

و هكذا فإن خصوم حزب الشعب الاشتراكي و معارضيه يملكون أسلحة متعددة لمحاربة مشروعاته ، و يطمحون إلى قلب الوضع لمصلحة اليمن الجنوبي . و عندئذ ينتصر المخطط البريطاني الذي يسعى قبل أن تنسحب انجلترا من المنطقة ، إلى تكريس الانفصال النهائي بين الشمال و الجنوب .

و يبدو أن حزب الشعب الاشتراكي قد أدرك ذلك ، لذلك تحول عن موقفه الأول ، و أعلن استعداده للموافقة على استقلال عدن و المحمية . و يطالب بحق تقرير المصير . و يبدو من خلال ما كتبته صحيفة أسبوعية في الكويت ( 2 ) ، إن الحزب قد عقد اتفاقاً مبدئياً مع حزب العمال البريطاني بموجبه يلتزم هذا الأخير بحق شعب اليمن الجنوبي بتقرير مصيره بنفسه عندما يصبح في السلطة . و بالمقابل يقبل حزب الشعب الاشتراكي بمبدأ تأجير قاعدة عدن للبريطانيين لمدة محددة .

و يعتبر ذلك تراجعاً هاماً بالنسبة لمواقف الحزب السابقة . إلا أن حزب الشعب الاشتراكي لا يتوقف رغم ذلك عن متابعة حملته من أجل الرجوع إلى الوطن الأم . و هو يعتمد من أجل كسب الرأي العام في الداخل بوجهة نظره ، على جهاز دعايته الذي نجح في كسب الرأي العام في عدن . و هو يظهر واقعية سياسية كانت أول نتائجها الطبيعية ، التقارب بينه و بين رابطة الجنوب العربي . فقد قرر الطرفان (3) إنشاء جبهة موحدة ضد السلطتين الاستعمارية و الاتحادية . و عندما تقوى هذه الجبهة لا بد أن يكون لها تأثير ايجابي على ازدهار الحركة الوطنية .

إن حزب الشعب الاشتراكي يملك في عدن قاعدة شعبية ضخمة . و تتألف جماهير الحزب من طبقة العمال و من فئات المستخدمين و صغار الموظفين و التجار و الشبيبة المثقفة . إلا أن دعامته الأساسية دوماً في اتحاد نقابات عدن . كما أن لحزب الشعب الاشتراكي تأثيراً كبيراً في أوساط المهاجرين اليمنيين الذين يعيشون في عدن . و هو يشكل مع رابطة الجنوب العربي المعارضة الوطنية التي عبرت عن نفسها من خلال الانفجارات الشعبية و من خلال الثورة المسلحة . و في عدن نفسها عمت الاضطرابات و المظاهرات الجماهيرية و العصيان المدني ، و أعلن اتحاد العمال عن عزمه على مقاومة السياسة البريطانية لحكومة المحافظين بكل الوسائل الممكنة ، بما فيها الاغتيالات التي تعددت و اشتدت . و قد تسربت الاضطرابات إلى الداخل بسرعة حيث نجحت جبهة التحرير القومية (4) في إثارة القبائل ضد الإنجليز و الأمراء في ( ردفان ) ( إمارة الضالع ) و في يافع . و قد تصدت السلطات بعنف لموجة الهجوم هذه ، و بذلت جهداً كبيراً من أجل القضاء على المعارضة و تحطيم أداتها . و اشتركت القوات الاتحادية و الإنجليزية في إخماد ثورة القبائل . و أصبح استخدام الطائرات المطاردة و قاذفات القنابل شيئاً مألوفاً . و قد جرى قذف و تدمير عدد كبير من القرى . و كان الطيران الملكي يطارد الثوار اللاجئين إلى الجبال أو في المناطق المتاخمة لليمن . و بحجة تدخل اليمن في الشؤون الداخلية للاتحاد ، قامت وحدات الطيران بغارات على الجبهة اليمنية في حريب ، و توجهت تعزيزات من انجلترا و ألمانيا إلى إمارة الضالع لدعم الجيش الاتحادي . و رغم ذلك فإنها لم تتمكن من القضاء على الثورة .

و على وجه الاجمال ، فإن العمل المركز الذي قام به الوطنيون الذين حققوا فيما بينهم مصالحة جزئية في المستعمرة ، و الثورة في الداخل ، قد هزت بعنف ركائز الدولة الاتحادية و أزعجت الإنجليز كثيراً . و أصبح موضوع تعميم العمل المسلح على جميع أنحاء البلاد هو مركز الاهتمام . إلا أن جدوى هذه الخطوة الشاملة بدت رهناً باتفاق المنظمتين الرئيسيتين سلفاً من أجل تنظيم و دعم مشترك لهذه الحملة . لأنه على الرغم من أن حزب الشعب الاشتراكي و رابطة الجنوب العربي هما هيئتان معاديتان للاستعمار و وطنيتان ، إلا أنهما تصدران على صعيد المبادئ عن وجهتي نظر متقابلتين و متباعدتين . علماً بأنهما على صعيد الموقف العملي يجمعهما هدف توحيد الشمال و الجنوب . و بكلمة واحدة فإن خلافاتهما سطحية و تتناول الوسائل لا الغايات .

و على الرغم من اختلاف مواقف الأحزاب ، فهي بوجه عام تتفق على إدانة الاستعمار و في هدف تحرير البلاد . فالاحزاب الليبرالية ( حزب المؤتمر الشعبي و الحزب الوطني الموحد ) كانت تفهم الاستقلال من خلال مفهوم التعاون المتبادل مع الإنجليز ، و لا ترى ضرورة لأن يكون الاستقلال مصحوباً بقطيعة مع بريطانيا . فهو يمكن أن يكون المحطة الأخيرة في مراحل انحسار الاستعمار . و قد كان الأمراء يؤيدون وجهة النظر هذه . أما الاحزاب الوطنية فقد كانت تتطلع حسب تعبيرها إلى تخليص المنطقة من النفوذ الانجليزي مرة واحدة بواسطة العنف .

إن مفهوم التحرير بالنسبة ( للجنوبيين ) يعني تحرراً كاملاً يؤكد شخصية الجنوب دون أن يؤدي ذلك إلى استبعاد إقامة علاقة وثيقة مع اليمن بعد الحصول على الاستقلال . و هم يعتبرون مفهومهم هذا نموذجاً صالحاً للتطبيق في نطاق الوحدة العربية . فالوحدة تتوقف على حصول كل بلد عربي على استقلاله السياسي و الاقتصادي .

أما ( الشماليون ) فيعتبرون التحرير مرحلة ضرورية و كافية لتحقيق الوحدة غير المشروطة مع اليمن . و يعتبر حزب الشعب الاشتراكي لسانهم الناطق باسمهم .

و هكذا فإن نشاط الاحزاب السياسية لا ينصرف إلى الكفاح ضد الاستعمار فحسب ، بل إن قسماً هاماً من هذا الكفاح يتركز على الهدف المباشر بعد الاستقلال . لذلك فإن نهاية مرحلة النضال ضد الاستعمار ترافق بداية مرحلة الصراع الأيدلوجي بين الاحزاب السياسية .




الخصائص الرئيسية للأحزاب




يتميز الوضع الحزبي في اليمن الجنوبي بالملامح الأساسية الثلاثة الآتية :

1 ـ التمركز في المدينة .

2 ـ عدم وجود حزب يجسّد الصفة الوطنية .

3 ـ غياب الأيدلوجية .

هناك خصائص أخرى دون شك إلا أنها ذات قيمة ثانوية ، و أبرزها كون قيادات الاحزاب تمثل قيادة النخبة المحدودة العدد ، فالقيادات هي بالفعل أشبه بعصبة من القادة . حتى حزب الشعب الاشتراكي الذي هو منظمة جماهيرية ، لم تأخذ القيادة فيه طابعاً آخر مختلفاً عن هذا الطابع العصبوي ( الأولغاركي ) .


التمركز في المدينة :

ما يزال الانتظام داخل الاحزاب محدوداً في المكان . فالاحزاب الوطنية ليس لها وجود خارج مراكز المدن في عدن و في الداخل . و التجمعات السياسية الموالية للإنجليز يقتصر وجودها على المستعمرة . و جميع الاحزاب تتخذ من عدن مركزاً لقيادتها . و فيها يتجمع القسم الأكبر من مؤيديها . و قلما يساهم سكان الريف و رجال البدو في النشاط الحزبي . لذلك لا يوجد حزب يجسد الصفة الوطنية . و سبب ذلك يرجع إلى زمرتين من الصعوبات :

1 ـ الأولى تتعلق بالتكوين الاجتماعي : ففي المحمية ، تبدو ظاهرة الحزبية غريبة عن الوسط التقليدي . لأنها تصطدم بنوع من العطالة في التركيب الاجتماعي الذي تشكل القبيلة الخلية الحية فيه . ففي الحالة الراهنة للاقتصاد يبدو المجتمع القبلي من جميع الوجوه حالة من التوازن الطبقي توصل إليها مجتمع لا يعرف تقدماً أو تقهقراًً اقتصادياً إلا في حالات استثنائية . إذن لا بد من تغيير العامل الاقتصادي لحالة التوازن الساكن حتى يتوفر المجال لتطور العامل الاجتماعي أو لحدوث طفرة فيه (5) .

ضمن هذه الشروط لم تجد ظاهرة الحزبية سوى المدينة مستقراً لها . و قد دفع الشعور بأهمية هذه المشكلة قادة رابطة الجنوب العربي و قادة الجبهة الوطنية الموحدة ثم حزب الشعب الاشتراكي ، إلى التصدي لها ، و إلى محاولة التسرب إلى داخل القبائل . بيد أن حالة الانقسام و التجزئة التي تعم البلاد جعلت مصير كل تدخل مباشر خارجي الفشل نظراً للروح السلبية التي تقابل بها القبائل كل محاولة صادرة عن مراكز المدن . و ذلك يفسر السبب الذي دفع الأحزاب لأن تتخذ خلال فترة من الزمن من المدن التي تعبر فيها القبائل ( المكلا و سيئون ) أو من المراكز التجارية المشتركة لمجموعة من القبائل ( تريم ) أو من المناطق القريبة من عدن ( لحج و جعار و زنجبار ) ، مراكز لدعايتها .

إن طابع الانتشار في المدن لم يكن نتيجة لطبيعة التركيب الاجتماعي فحسب ، بل كان أيضا نتيجة لوجود عوائق تتعلق بمجمل الأوضاع و الظروف .


2 ـ الزمرة الثانية من الصعوبات : إذا كان وجود الاحزاب أمراً تحتمله السلطات في المستعمرة ، إلا أنها تحظره في المحمية . و قد تم إغلاق مراكز الدعاية منذ عدة سنوات من قبل السلطات المحلية التي اعتبرتها أداة للاضطرابات .

و هكذا فإننا لا نعثر داخل البلاد على أي أثر لحياة حزبية . و الحياة السياسية تجري على منوال واحد . فهي عبارة عن حوار بين الأمراء و بين المقيمين البريطانيين . و لم يكن في وسع أحد الطرفين أن يتصور أن طرفاً ثالثاً يمكن أن يتدخل في هذه العلاقة الثقافية المحاطة بمنتهى السرية في معظم الأحيان .

لذلك فإن منع الحياة الحزبية يدفع بالاحزاب إلى التزام السرية في نشاطها . و على سبيل المثال نجد ( الحزب الوطني القعيطي ) يتأسس عام 1948 في المكلا ( حضرموت ) ، و بعد قيام الاضطرابات عام 1949 ـ 1950 ، يجري حله ، و يحال قادته الرئيسيون أمام محكمة خاصة . و منذ ذلك الحين لم تقم محاولة جدية لتأسيس حزب بصورة رسمية ، إلا أننا نلاحظ خلال الفترة التي شهدت منع الاحزاب 1950 ـ 1954 ، نشوء نواد و جمعيات على غرار عدن عرفت ازدهاراً كبيراً ، و لعبت عملياً دور التوعية السياسية . و قد تركز نشاطها الذي ترددت أصداؤه في الصحف المحلية على تحرير الإمارات من النظم ذات الطابع الفردي .

و على وجه العموم ، نلاحظ أنه فيما عدا الاهتمام الذي يبديه سكان حضرموت ( الرابطة الحضرمية ) و لحج بالشؤون العامة ، فإن ما تبقى من الشعب في المحمية يظهر إعراضاً عن الاهتمام بالأمور السياسية .

و لا شك أن الانغلاق و الجهل هما السبب في هذا التخلف . إلا أن الاحزاب نفسها تتحمل بعض المسؤلية ايضاً من حيث أن جهودها تفتقر إلى عنصر الترابط . فطالما ان المنظمات ذات الصفة التمثيلية الحقيقية ، و التي تملك سمعة لدى الشعب ، لا توحّد نشاطها و تجمع جهودها ضمن تيار مشترك من شأنه أن يقوم بعملية التوعية الجماهيرية و التربية السياسية ، فإنها ستبقى بعيدة عن القدرة على التغلب على النزعة القبلية بسهولة . و البلاد ما تزال تحتاج إلى تشكيل سياسي يملك تنظيماً يمكنه :

1 ـ من الوصول إلى ابسط قرية ،

2 ـ المساهمة في إيقاظ وعي قوي حقيقي ،

3 ـ من إقامة نظام مركزي قوي يستطيع أن يضع حلولاً سريعة و حاسمة لمختلف مشاكل البلاد .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:29 AM
غياب الأيدلوجية السياسية المحددة :

هناك خطان أيدلوجيان كبيران يتقاسمان العالم اليوم ، كل منهما يناقض الآخر في جميع المجالات . إن هذا التعارض بين النظرية الماركسية و بين الفلسفة الليبرالية يضم بصورة خاصة بلاد العالم الثالث التي تفتش عن الطريق الذي يسمح لها بالتغلب على التخلف بصورة عامة . و معظم هذه البلاد يستبعد النظرية الرأسمالية لسببين رئيسيين :

1 ـ لأنها تبدو ملازمة للنزعة الاستعمارية و للإمبريالية ،

2 ـ لأنها لا تعرف إمكانيات تحقيق تطور منسجم و سريع .

إن هذا الرفض للديمقراطية الليبرالية من شأنه أن يوجه الأنظار باتجاه المفهوم الماركسي للتطور الاجتماعي الجدلي ، لأنه يستجيب استجابة أفضل لمتطلبات النضال ضد التخلف . إن مثال بلدان أوروبا الوسطى و آسيا ، قد برهن برهاناً قاطعاً على نجوع الطريق الاشتراكي العلمي الأصيل . فقد أتاح لهم هذا الطريق المجال لتلافي التخلف الاقتصادي و الاجتماعي خلال فترة قصيرة .

إلا أن عدداً كبيراً من بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ، قد استبعدت طريق الماركسية كما استبعدت طريق الديمقراطية الليبرالية . و خاصة بعض العالم العربي الذي يبدو بأنه اختار طريقاً وسطاً بين الأيدلوجيتين ، هو طريق الاشتراكية العربية الذي ينكر وجود طبقات اجتماعية متصارعة ، و يطمح في تنظيم الجماهير داخل حزب واحد ليس له محتوى بروليتاري . أما بالنسبة لليمن الجنوبي ، فقد كان العامل الحاسم هو التطور الفكري الذي حصل في مصر خلال الفترة بين عام 1958 ـ 1961 . فقد كان لاختيار الجمهورية العربية طريق الاشتراكية العربية وقع كبير لدى القادة الوطنيين في اليمن الجنوبي . و قد انضاف إلى هذا التأثير ، تأثيران آخران يتمثل أحدهما في حزب البعث العربي الاشتراكي و الآخر في حزب العمال البريطاني .

و يمكن حصر العوامل التي دفعت إلى رفض الماركسية باسم نزعة مثالية طوباوية و اشتراكية ذات طابع إصلاحي يكتنفه الغموض ، في عاملين رئيسيين : الوسط الاجتماعي و الدين . أما العامل الاقتصادي فيشكل عضواً ثانوياً و لا يتدخل مع الأسف إلا بصفته عاملاً ثانوياً .

الوسط الاجتماعي :

إن غالبية الموجهين و القادة يفكرون بأن مجتمع اليمن الجنوبي هو مجتمع لا توجد فيه طبقات مختلفة محددة . إنهم يسلمون بوجود عدة فئات اجتماعية كالقبائل و الفلاحين و التجار و العمال و المستخدمين .. الخ ، إلا أنهم سريعاً ما يقولون بأن هذه الفئات الاجتماعية المختلفة ليست بالضرورة في حالة صراع دائم ، لأنها كما يقولون ليست منتظمة على شكل طبقات مسيطرة و طبقات واقعة تحت السيطرة . و هم يستندون إلى القول بأن البلاد ما تزال غير مُصنعة . و بأن مستوى التقنيات لم يخلق بعض نظام الطبقات . و أخيرا يؤكدون على ان التمايز الاجتماعي هو في أدنى مستوياته ، و يتخذون من ذلك كله حجة نظرية لدحض المبدأ الماركسي الذي يعتبر الخصومات السياسية محصلة للتركيبات الاجتماعية و الاقتصادية .

و بكلمة واحدة ، فان الصراع الطبقي ظاهرة غير معترف بها و مجهولة . و يعارضه مفهوم جمع الشعب ضمن حركة اتحاد قومي . و هذا التحالف يشكل في نظر بعض القادة و المثقفين الوسيلة الوحيدة للتغلب على الفردية البرجوازية و لتعزيز الاندفاعات الجماعية . و هم على غرار الكثيرين من القادة الافريقيين و الآسيويين يعلنون تفضيلهم للطرق التي تمت بموجبها التنمية الاقتصادية و التحول الاجتماعي في البلدان ذات النظم الاشتراكية ، دون انتساب إلى نظرية ماركس . و بتعبير آخر يستبعدون إقامة دكتاتورية انتقالية للبروليتاريا مع تأكيدهم على اتجاههم في تشجيع تملك الدولة للوسائل الرئيسية للإنتاج و التبادل ، و في تعميم الطابع الجماعي بشكل طوعي على الحياة الزراعية .

ان هذا المفهوم الجديد للاشتراكية هو السائد حالياً في اليمن الجنوبي ، كما هو في كل مكان حيث يجتاز المجتمع مرحلة الانتقال بين اضمحلال النظام الاستعماري و بزوغ فجر الاستقلال . فالقادة التقدميون يعتبرون أنفسهم ممثلين لا للطبقة العاملة في طورها الجنيني أو للطبقات المتوسطة فحسب ، بل لجميع المواطنين مهما كان انتماؤهم الاجتماعي . فهم يؤالفون بين الاشتراكية و بين القومية . في حين أن القومية في اليمن الجنوبي مطبوعة بطابع العقائد الدينية .


عدم وجود حزب يجسد الصفة الوطنية :

يوجد في عدن حوالي عشرة احزاب ، في داخل كل منها يمكن أن نلاحظ اتجاهات مختلفة . إن تعدد التيارات الذي كان شائعاً في الماضي ، قد افسح المجال أمام الانقسامات و التجزئة ، التي ولدت بدورها تيارات مركزية و متطرفة .

إلا ان هذا التعدد في الاحزاب لم ينتج عنه أي تجمع سياسي قادر على تمثيل دور المفاوض مع المملكة المتحدة .

أن السيمياء العامة لتنظيم الاحزاب الرئيسية ، تتجلى جملة على النحو التالي :

ـ التيار المعتدل ،

في الماضي كان ممثلاً في ( الرابطة العدنية ) و في الحاضر يمثله :
حزب المؤتمر الشعبي ، الحزب الحر الديمقراطي ، حزب الاستقلال ، الحزب الوطني الاتحادي .

ـ التيار الوطني ،

في الماضي كان ممثلاُ في ( الجبهة الوطنية الموحدة ) و في الحاضر يمثله :
رابطة الجنوب العربي ، حزب الشعب الاشتراكي ، الاتحاد الديمقراطي الشعبي .


أما عن الصيغة العامة للتطور التاريخي للحياة الحزبية ، فيمكن أن نشير إلى ان تطور القوى السياسية في عدن قد تميز خلال السنوات العشر السابقة بسيطرة عاملين :

العامل الأول يتعلق بتصدع الأحزاب القديمة التي كانت تفتقر إلى التمايز ، و حلول أحزاب متميزة و مستقلة محلها . و قد مس هذا التصدع الأحزاب المعتدلة . فانقسمت الرابطة العدنية إلى عدة تيارات محافظة كما يظهر مما سبق . و يرجع هذا التفكك إلى التغير الذي طرأ على اتجاه السياسة الإنجليزية منذ عام 1961 .

أما العامل الثاني فيتعلق بالاستقرار النسبي في وضع الأحزاب التقدمية . صحيح أنها شهدت بدورها انقسامات ، إلا أنها بقيت ضمن حدود غير منظورة ، لذلك نجد التجمعات الأولية السابقة نفسها سواء بتسمياتها الأصلية ( رابطة الجنوب العربي ) أو بأسمائها الجديدة ( حزب الشعب الاشتراكي ) .

فالتحول في زمرة الأحزاب التقدمية كان على صعيد الأفكار . فقد قامت في وجه التقدمية الليبرالية ، تقدمية إصلاحية ن بل اشتراكية ثورية ( الاتحاد الديمقراطي الشعبي ) . أما عن درجة التمثيل للشعب التي تتوفر في أحزاب الجنوب العربي ، فهي حسب تقدير مجلة الرائد العربية في نهاية 1962 ، كما يلي (6) :

90 % من العرب في المستعمرة يؤيدون الاحزاب التقدمية ،

7 % من السكان يؤيدون الحزب الوطني الاتحادي ،

3 % فقط يناصرون حزب المؤتمر الشعبي .

إلا أن الوضع قد تبدل بعد ذلك التاريخ ، فقد نجح حزب الشعب الاشتراكي في تدمير مواقع الحزب الوطني الاتحادي و حزب المؤتمر الشعبي . و هو يتمتع بتأييد مجموع السكان العرب في المستعمرة تقريباً . و هم يشكلون ثلاثة أرباع مجموع السكان . و قد كشفت الأحداث عن صحة ذلك ، كما كشفت عن العزلة الصارخة التي يعيش فيها المعتدلون .

فقد تفجرت أزمة داخلية خطيرة بين صفوف الأحزاب المعتدلة عقب ثورة اليمن ( 26 سبتمبر 1962 ) . فقد قدم عدد من الوزراء ، و هم أعضاء في الحزب الوطني الاتحادي الحاكم ، استقالته احتجاجاً على رفض الحكومة البريطانية تأجيل تنفيذ مشروع دمج المستعمرة في اتحاد الجنوب العربي . و قد كان هذا الانسحاب ضربة قاصمة للحزب الوطني الاتحادي .

و رغم كل ما قيل ، فإن درجة تمثيل الأحزاب على مستوى مجموع البلاد ، ما تزال ضعيفة مهما حملت من شعارات . و السبب يعود إلى أن الهوة السياسية ما تزال متمركزة في عدن ، كما يرجع أيضاً إلى التعدد غير المعقول في عدد الأحزاب .

و على كل حال ، فإنه ليس من المغالاة في شيء القول بأنه ليس من المتوقع ضمن خط السير الذي تسير فيه حالياً حركة التحرير ، أن يظهر حزب يمثل في أعين الشعب ضمانة للمصير الوطني . فالحقيقة هي أن الظروف التي سوف تحيط بالاستقلال قد لا تسمح لأيه منظمة سياسية مهما كانت تفوق المنظمات الأخرى في شعبيتها ، بأن تكتسب حق التفاوض مع المستعمر ، و بأن تنتزع أمام أعين الجماهير نعمة الاستقلال و السيادة . فالقوى السياسية هي على حال من الضعف و التشتت بشكل لا تستطيع واحدة منها أن تتوصل إلى إزاحة الآخرين المنافسين و أن تفرض نفسها . و الانجليز أنفسهم لم يعملوا على تشجيع حزب للاستقلال يقوده الأمراء ، كما فعلت في ماليزيا حيث لعب حزب الاتحاد هذا الدور .

في مثل هذه الشروط التي لا أمل فيها بظهور حزب موحد ، يشكل تعدد الاحزاب نقطة ضعف خطيرة في جدار الوحدة السياسية للبلاد . كما يشكل عاملاً في الافتقار إلى برامج هادفة تتطلع إلى مرحلة ما بعد الاستقلال ، و في جهل الشروط الموضوعية الداخلية . فالاحزاب لم تلجأ بعد إلى تحليل معمق أو حتى إلى تحليل جزئي لتلك الشروط . و مرد ذلك إلى عدم وجود الأيدلوجية المحددة . فجميع احزاب الجنوب العربي هي في الواقع بدون أيدلوجية تقريباً . و من هنا كان الخطر في أن تصبح الديماغوجية هي القاعدة العامة .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 10:29 AM
الدين :

يلعب الدين في اليمن الجنوبي و في العالم العربي بوجه عام دوراً كبيراً . فالإسلام يملك في هذه البقعة طابعاً قومياً عميقاً . فهو يشكل جزءاً لا يتجزأ من حركة الكفاح ضد الاستعمار في اليمن الجنوبي ، و يمتزج بأهدافه في المقاومة و التحرير . و التعلق بالإسلام هو في الوقت نفسه تعلق بالقضية القومية (7) .

و هذا ما يفسر السبب الذي يدفع قسماً كبيراً من القادة العرب ، باستثناء الشيوعيين طبعاً ، إلى التأكيد على أهمية الدين في كل منحى ايدلوجي ، لأن الاسلام يمثل قوة مسيطرة . و هو الذي يشكل عاملاً قوياً في مقاومة الماركسية الملحدة .

إلا ان الاسلام يأخذ في اذهان رجال السياسة ، و بصورة خاصة المثقفين ، شكلاً متجدداً . فهم يرون ان الدين الإسلامي هو في جوهره بسيط واضح و عادل . و هو يأتلف مع جميع أنماط المجتمعات ، أكثرها تقدماً ( مصر ، تونس ) حتى أكثرها تخلفاً ( الجزيرة العربية ) . فهم بتعبير آخر ، يحاولون أن يسترجعوا للإسلام وجهه التقدمي ( مؤتمر جبهة التحرير الوطني الجزائرية ) . أي ان يستشفوا طابع الحياة المشتركة الجماعية الكامن فيه ، و ان يلائموا بين تعاليمه و بين متطلبات القرن العشرين .

ضمن هذه الشروط ، و تحت تأثير العاملين السابقين ، قامت نزعة إسلامية إصلاحية ، و نزعة اشتراكية اختبارية ، اعتبرها قادتها و قدموها على أنها تتلاءم مع أوضاع اليمن الجنوبي على أفضل شكل .


النزعة الإصلاحية و النزعة الاشتراكية :

إن الأحزاب الوطنية هي التي أبدت اهتماماً بالمسألة الايدلوجية ، لأن المحافظين لم يكونوا يشغلون أنفسهم بذلك ، فاختيارهم كان قد استقر منذ زمن طويل على الليبرالية الغربية : الاقتصاد الحر و النظام البرلماني . ففضلاً عن أن كل تصنيف للاتجاهات العقائدية يبدو تعسفياً واهياً ، فإن كل منظمة قومية تقدمية تحتفظ بطابع خاص متفرد و رغم ذلك يمكن أن تميز تيارين عقائديين :

ـ تيار إصلاحي ، تمثله رابطة الجنوب العربي .

ـ تيار يميل إلى الاشتراكية ، يمثله حزب الشعب الاشتراكي ، إلا أن هذا التصنيف يبقى نظرياً طالما أن كلا التيارين لم يوضعا بعد موضع التطبيق .


النزعة الاصلاحية الاسلامية :

إن هذا التيار يستمد منابعه إلى حد بعيد من التجربة المصرية في الفترة 1952 ـ 1961 ، أي المرحلة التي تقابل الفترة الانتقالية الاختبارية في تلك التجربة .

فقد احتاجت مصر ( الناصرية ) إلى عشر سنوات تقريباً قبل ان تقف الى صف الاشتراكية . و كانت خلال تلك الفترة تركز على بناء نظام سياسي قوي ، و اقتصاد مختلط . و كان العسكريون يكرسون جهودهم للتوفيق بين التعاليم الدينية و بين ايدلوجيتهم . و من هنا كانت إقامة الاسلام كدين للدولة .

و قد أُعجب قادة رابطة الجنوب العربي الذين عاشوا التجربة المصرية بهذا الموقف الفكري ، و أصبح موقفهم بالتبني ، فهم يطمحون الى بناء دولة إسلامية ديمقراطية قائمة على أساس العدالة الاجتماعية و على أساس الاسلام و العروبة (8) . و هم يقصدون بالعدالة الاجتماعية رفع مستوى معيشة الشعب و تحسين الشروط الاجتماعية و الثقافية . لذلك فان حدود وجهة النظر هذه واضحة : فهي لا تتطلع الى إحداث تحول جذري في العلاقات الاجتماعية ، و لا الى تغيير التركيب الاقتصادي . و مهما ادّعى قادة هذا التيار إنهم اشتراكيون ، فإنهم يبقون في الواقع ضمن إطار مفهوم الاقتصاد المختلط . و هم يلوذون بالقومية العربية لأنهم يعرفون بأن الوحدة هي أعز هدف لدى الجماهير ، و أن مصير اليمن الجنوبي مرتبط بمصير الأمة العربية . و ينسون بأن الوحدة هدف بعيد يتطلب تحقيقه فكراً ناضجاً .

و الخلاصة ، فإننا نجد أنفسنا تجاه نزعة اصلاحية من النوع التقليدي ، تجد مشقة في الانحياز الى الاشتراكية في الجمهورية العربية المتحدة القائمة على امتلاك الدولة و إدارتها للاقتصاد الوطني . و رابطة الجنوب العربي ترغب في أن تجمع كل فئات الشعب في عملية بناء الدولة الاسلامية التي تشكل البرجوازية الوطنية عمودها الفقري .


الاشتراكية الاختبارية :

ان حزب الشعب الاشتراكي يشايع هذه النزعة . و هو يقدم نفسه كممثل للجناح اليساري في حركة التحرير الوطني . إلا انه لا يأخذ بالماركسية ، و يدفع عن نفسه تهمة مشاركة الشيوعيين وجهات نظرهم . هؤلاء الشيوعيون الذين يشكلون منذ عام 1961 ديسمبر ( الاتحاد الديمقراطي الشعبي ) الذي يدعو للاشتراكية العلمية التي ما يزال الوسط الاجتماعي و النخبة على حد سواء بعيدين عن التأثر بها .

إن اتحاد نقابات العمال ثم حزب الشعب الاشتراكي ، قد تأثر كل منهما بحزب العمال البريطاني و بالجمهورية العربية المتحدة و بحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية . و هذا هو السبب في وجود تناقضات داخلية في كل منهما .

إن قيام حزب العمال البريطاني بتأهيل الإطارات النقابية ، و بإرسال المختصين بالتنظيم و بالعمل النقابي الى عدن ، و الدعم السياسي الذي كان يشد به أزر اتحاد النقابات في عدن ، قد ترك تأثيره المعتدل على قاعدة حزب الشعب الاشتراكي الجماهيرية . كما نجح حزب العمال فترة من الزمن في توجيه النقابات وجهة المطالبة بالقضايا العمالية و تحديد نشاطها ضمن هذا الاطار ، و ابقاءها داخل فلك الغرب ( الانضمام الى الاتحاد الدولي للنقابات الحرة ) . إلا ان اتحاد النقابات و الجبهة الوطنية المتحدة بادئ ذي بدء ن ثم حزب الشعب الاشتراكي بعدهما ، بدأت منذ عام 1958 تتحرر من هذه الوصاية دون أن تقطع صلاتها مع حزب العمال البريطاني أو تترك الاتحاد الدولي للنقابات الحرة . لأن الحركة الاشتراكية بدأت تقوى في العراق و سورية و الجمهورية العربية المتحدة . و في عام 1960 يصرح اتحاد النقابات في عدن ، بأنه سوف يعمل بعد الآن من أجل تحقيق مجتمع عربي اشتراكي (9) . و حددت اهدافها بتحرير البلاد من الاستعمار و إعادة وحدة الشمال و اليمن الجنوبي و النضال ضد السلطة الاستعمارية و الإقطاعية . و في ميثاق حزب الشعب الاشتراكي ، نجد انه يعلن عن عزمه على بناء مجتمع ديمقراطي و اشتراكي تسوده العدالة الاجتماعية . و في الوقت نفسه يعلن ولاءه للقومية العربية .

و هو فيما يتعلق بالنقطة الأولى يميل إلى الانجازات الاشتراكية التي تحققت في مصر منذ عام 1961 على شكل تأميمات سريعة للقطاعات الرئيسية و تدعيم للقطاع العام . أما على صعيد إدارة الاقتصاد ، فهو يريد أن يشجع منذ البدء المشاركة الواسعة للعمال في قرارات الدولة عكس ما جرى في الجمهورية العربية المتحدة في الأصل . و إذا كان حزب الشعب الاشتراكي قد رفض حتى الآن صيغة الاتحاد القومي ذات الطابع البرجوازي ، فهو لا يستبعد التعاون مع البرجوازية الوطنية شريطة أن لا يحول ذلك دون متابعته للنضال من اجل أهدافه الثورية . و هو من جهة ثانية لا يكتم آرائه في الكفاح ضد الاقطاعية و الاقطاعيين .

ان نقطة الضعف في هذا كله تتلخص في أمرين :

1ـ ان التعاون بين حزب الشعب الاشتراكي الذي انبثق عن النقابات ، و بين البرجوازية ، هو ضرب من النظرية الطوباوية ، على الأقل على المدى البعيد ، بحكم تناقض مصالحهما .

2 ـ ان النضال ضد الاقطاعية يتضمن تحديداً لموقف أو لسياسة تجاه طبقة الفلاحين لم يعلن عنها حزب الشعب الاشتراكي بعد ، نظراً لعدم وجود ركائز له في أوساط الريف ، و لأنه يجهل كل شيء عن قضاياه .

يبقى موضوع القومية العربية . فحزب الشعب الاشتراكي شأن رابطة الجنوب العربي ، اتجهت نظرته الى أوساط المدينة وحدها . و مع ذلك فهو يريد أن يكون أول من يحمل شعار القومية العربية ، لأن هذا الشعار قد أصبح مركز الحزب في الضواحي .

و الخلاصة فان المسافة بين نزعة رابطة الجنوب العربي الاصلاحية و بين اتجاه حزب الشعب الاشتراكي ، ليست كبيرة . على كل حال هناك فرق ملحوظ في مفهومهما فيما يخص الشكل الذي يجب ان تأخذه دولة اليمن الجنوبي في المستقبل . فرابطة الجنوب العربي تريدها دولة إسلامية ، و حزب الشعب الاشتراكي يريدها دولة اشتراكية . و نحن لا نعرف بعد شيئاً عن موقف هذا الأخير من المسألة الدينية . و المؤكد على كل حال ، هو أنه لن يجرؤ على التصدي إليها بشكل مكشوف .

و ثمة فرق آخر يتعلق بتحرر المرأة لا يمكن تجاهله . ففي حين أن رابطة الجنوب العربي تلتزم الصمت حول هذه النقطة مداراة لرجال الدين ، يجعل حزب الشعب الاشتراكي من تحرر المرأة مسألة سياسية من الدرجة الأولى .

و أخيرا نقطة مشتركة بينهما ، و هي التزام مبدأ الحياد و عدم الانحياز ، المبدأ الذي يتعارض مع رغبة الأوساط المعتدلة التي تريد ان تسلك سياسة خارجية قائمة على محاربة الشيوعية بصورة عمياء .

و بصورة عامة فإن الأحزاب السياسية بدون استثناء ، تتجنب القضايا التي سوف تطرحها المرحلة اللاحقة بالمرحلة الاستعمارية ، و البلاد على أهبة الحصول على الاستقلال . و أشد خطورة من ذلك هو الغياب الكلي تقريباً للاهتمامات الاقتصادية و الاجتماعية الجدية . أما السبب فيجب التماسه في القادة أنفسهم الذين لا يملكون معرفة جيدة بسياق الأوضاع في اليمن الجنوبي ، و لا رؤيا واضحة للعقبات الاقتصادية و الاجتماعية التي سوف يواجهونها في القريب العاجل . فهم يركزون جهودهم كلها على تغيير الأوضاع و على استلام السلطة . و برامجهم لا تتعدى النطاق السياسي ، و تطغى على تفكيرهم الاهتمامات المباشرة و الانتهازية . و هم يدورون حول بعض الشعارات :

ـ طرد الإمبريالية .
ـ القضاء على عملاء الاستعمار و على الإقطاعيين .
ـ الاستقلال و الديمقراطية .
ـ الوحدة العربية و الاشتراكية العربية .

ان الاحزاب السياسية تردد هذه الشعارات دون أن تبذل أي جهد لتحديد محتواها ، أو الإشارة إلى الوسائل التي بواسطتها ستحول تلك الشعارات إلى أفعال ، أو التحليل المعمق للوضع ، لسبب بسيط هو عدم وجود مناضلين محترفين و إطارات مؤهلة .

و بالنتيجة ، فأن التقدميين قد تبنوا كل ما ورد في بنود الميثاق الوطني الذي قدمه الرئيس جمال عبد الناصر في مؤتمر القوى الشعبية عام 1962 . هذا الميثاق الذي يربط الوحدة العربية بتطور الاشتراكية العربية داخل كل بلد ، و يدعو الشعب لبناء هذه الاشتراكية ، و يشدّد على وحدة الهدف ( الحرية الاشتراكية و الوحدة ) . و يجعل من مصر نموذجاً للتطور الاشتراكي ( الاشتراكية الديمقراطية التعاونية ) . أما الإدارة السياسية لهذه الاشتراكية فهي الحزب الواحد ( الاتحاد الاشتراكي العربي ) (10) .

إن قادة حزب الشعب الاشتراكي يرغبون في احتذاء مثال الجمهورية العربية المتحدة ، و يتبنون دون مناقشة الأفكار السابقة ، و دون أن يتساءلوا فيما إذا كانت تنطبق فعلاً على التكوين الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي للبلاد . فهمهم الأكبر هو مع الأسف التفتيش عن الدعم الجماهيري عن طريق استخدام شعارات ديماغوجية لا واعية .

أن الوحدة العربية على أساس اشتراكي هو غاية المنى . إلا أن تحقيق وحدة صلبة راسخة يتطلب قبل كل شيء أخذ الأوضاع الخاصة بعين الاعتبار و إدراك أهمية العوامل الاقتصادية .






...................................
(1) عبده العضال . ( أهذا كتاب أبيض ) القاهرة 1962 ، ص 17 .

(2) الطليعة ، العدد 72 ، تاريخ 11 مارس 1964 .

(3) لوموند ، 28 ديسمبر 1963 .

(4) عند كتابة هذه الصفحات ، لم يكن المؤلف يملك معلومات مفصلة عن هذه المنظمة التي أنشئت حديثاً بمؤازرة حركة القوميين العرب ( المترجم ).

(5) مجلة افريقيا و آسيا ، العدد 44 .

(6) الرائد ( المكلا ) العدد 96 ، سبتمبر 1962 .

(7) ارنولت ، ص 243

(8) وثيقة نُشرت في القاهرة في مايو 1959 .

(9) مجلة الشرق الأوسط ( و ت ) الجزء 16 ، العدد 4 ، نيويورك 1962 .

(10) كولان ، ص 174 .

........................................

نهاية الفصل السادس .

الوحدة أوالموت
11-14-2005, 11:14 AM
المصدر : موقع المجلس اليمني
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات]

بنت عدن
11-14-2005, 02:34 PM
اعتقد ان الكل عارف مايحتويه هذا الكتاب
ولكننا نجهل ما ترمي اليه انت .. هات ماعندك
ووضح مبتغاك .

الوحدة أوالموت
11-15-2005, 09:33 AM
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة بنت عدن
اعتقد ان الكل عارف مايحتويه هذا الكتاب
ولكننا نجهل ما ترمي اليه انت .. هات ماعندك
ووضح مبتغاك .

هاتي ماعندكِ أنتِ يابنت عدننا الغالية
هيا قولي لنا مالذي اكتشفتيه بذكائك العالي و( فطنتك الرهيبة ) من المرامي
والأهداف
والغايات
والأماني
والمقاصد
والطموحات
والمشاريع
والأطماع الحالية والمستقبلية
التي أسعى إلى تحقيقها من وراء قيامي بإنزال هذا الكتاب الخطير على قراء هذا المنتدى
هيا أخبريهم وافضحيني
واكشفي للملأ كل أهدافنا الخطيرة!
ومرامينا الدفينة !
وغاياتنا المشبوهة!
وطموحاتنا الرخيصة !
وأطماعنا الدنيئة!
ومشاريعنا الخاسرة!
ومقاصدنا الخائبة التي نخفيها في هذه المشاركة المهمة !!
تحيااااااااااااااااااااااااااتي إليكِ

الوحدة أوالموت
11-22-2005, 10:42 AM
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة الوحدة أوالموت
هاتي ماعندكِ أنتِ يابنت عدننا الغالية
هيا قولي لنا مالذي اكتشفتيه بذكائك العالي و( فطنتك الرهيبة ) من المرامي
والأهداف
والغايات
والأماني
والمقاصد
والطموحات
والمشاريع
والأطماع الحالية والمستقبلية
التي أسعى إلى تحقيقها من وراء قيامي بإنزال هذا الكتاب الخطير على قراء هذا المنتدى
هيا أخبريهم وافضحيني
واكشفي للملأ كل أهدافنا الخطيرة!
ومرامينا الدفينة !
وغاياتنا المشبوهة!
وطموحاتنا الرخيصة !
وأطماعنا الدنيئة!
ومشاريعنا الخاسرة!
ومقاصدنا الخائبة التي نخفيها في هذه المشاركة المهمة !!
تحيااااااااااااااااااااااااااتي إليكِ


?????
!!!!!!!!!!
::::::::::::
!!!!!!!!!!
?????

سيف الجنوب
11-22-2005, 11:54 AM
[font=Arial Narrow

اولا اهلا بعودك ياوحده حتى تموت ..

كنت اظن ان مفهومك تغير للواقع التي تعتقد به من عدمه ولكن على اية حال عودتك فيها الشئ الكثير اذ وجدنا
شئ شبه متكامل كما بدا لنا الان والذي نرجو عدم الرجوع الى الخربطه التي تتعمدها وعرفناك بها ،،

اما بخصوص الموضوع الذي طرحته وهوا بمثابت كتاب كنت قد قرأته قبل فتره ولم اجد فيه ما يعنى بالحاضر
والمستقبل ولو انه لو كان الاصل وغير ( مزور ) مهم لتاريخ الجنوب العربي 0
ومن اراد ان يبحث فيه ، و
مع معرفتي الاكيده ان ما ورد في النقل ليس كما هو في الاصل وان اعتماد الكاتب في مسماء الترجمه ، والتركيز على كلمت الجنوب اليمني ووضع لها اطار يبرزها والتي نعرف جميعا انها لم تكن موجوده بل كان الصح هو الجنوب العربي ،،
ان تلك الترجمه والمتعمد فيها ادخال بعض الكلمات تفقد الموضوع
للمصداقيه وحتى قيمتة التاريخيه تفتقد ،، ان ادراج بعض الكلمات والتي ليس لها صله بالحقيقه سيحكم عليها
كل قاري ،، بتلفيق والتزوير ،، ولاشك ان مترجمه او نا قله تعمد ادخال تلك الكلمات بحسب اهواه وميوله السياسة والمقصوده من النقل 0 مثلا لا الحصر
( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) ان تلك الكلمات المفضوحه كان الاجدر بكاتبها وناقلها الى هنا ان
يستحو او يخجلو من ارداجها كما وردة لانها ليست كذلك وتفضح من قام بنقلها والاجدر به ان ينقلها كما هي 0

اما دليلي هو اصحابها الاحيا والذي لا زالو يرزقون 0
وماذا كانت تسماء وماهي التسميه الحقيقيه ،، لقد ادمنت شلت صنعا على تزوير الحقايق ولكن للاسف انهم يظنون دايما ان ابنا الجنوب جهله حتى لتاريخهم وللاسف انك ايها الوحدوي تسير في ركب متعثر الاماني قليل البصيره وتايه في الرمال الحارقه ،، وما قام به صاحب المقال هذ الا دليل على جهلهم الحقيقي 0

ابو ابداع [/font]

قلب الجنوب
11-22-2005, 02:49 PM
ما اورده ( الوحده او الموت ) اعلاه وثيقه ثقافيه سياسية ممتازه جدا وغنية بالمعلومات وبالتحليلات وهي تؤكد في كل الاحوال على ان عدن والجنوب قد عرفت الحياة السياسية والنشاط السياسي ونشاط المنظمات الانسانية و نشاط منظمات المجتمع المدني منذ زمن بعيد جدا وهذا يعني ان مجتمع الجنوب عرف حياة ثقافية وسياسية نشطة افرزت بالضرورة نخب سياسية واعية و مجربة كما افرزت علاقات اجتماعية متقدمه وهذا كله يؤكد امكانية اقامة الدولة الحديثة في الجنوب وهو ما كان قد تم اثناء فترة الاستقلال وفي عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي استندت الى موروث حضري غني في الوقت الذي لم تعرف المملكة المتوكلية اليمنية اي نمط من انماط الدولة بمعناها الحديث كما لم تستطع الجمهورية العربية اليمنية ان تنشئ نظاما سياسيا مدنيا حديثا حتى الان ويعود السبب الاساسي الى غياب تراكم كمي في التجربة السابقة لقيام الجمهورية اليمنية التي وجدت نفسها تتعاطى مع انظمة واعراف تستند الى التقاليد التي عرفها عرب شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام ولان من سيطر على الحكم في الجمهورية العربية اليمنية هو وريث شرعي ونتاج طبيعي لتلك التقاليد والاعراف الموغلة في التخلف والجهل فقد عجز عن اقامة نظاما سياسيا مدنيا متحضرا وظل يمارس تخلفه باساليب واشكال جديده تتمسح بصور من الحداثه وقشور من الحضارة الاوروبية دون مغادرة جحور الظلام ذهنا وممارسة
هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان في الجمهرية اليمنية عقليتان واسلوبان في التفكير العقلية المنفتحة على الاخر والمتقبلة للجديد والمتعاطية مع روح العصر ولها ارثها الحضري وبامكانها ان تقيم الدولة المدنية الحديثة وهي عقلية ابناء الجنوب واخرى تميز بها الاخوة في الشمال وهي العقلية التي لم ترث خبرة او تمتلك ارثا في بناء الدولة الحديثة وظلت مرتهنة للعلاقات الاعراف الاجتماعية القديمة تكرس التخلف وتمارس الجهل وهي مازالت مصرة على تمسكها بحقها هذا وبارثها الثقيل وتسيطر على الحكم في اليمن بهذه العقلية والذهنية وتريد ان تعمم تخلفها على الجنوب واهله ....
شكرا شكرا, شكرا, للاخ ( الوحدة او الموت ) فقد خدمتنا كثيرا , كثيرا , كثيرا... واسمكم وشعاركم خير دليل ( الوحده او الموت ) هل بعد هذا تريدوا دليل اخر ...على تخلفكم وجهلكم ...
..

الوحدة أوالموت
11-23-2005, 09:11 AM
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة سيف الجنوب
[font=Arial Narrow

اولا اهلا بعودك ياوحده حتى تموت ..

كنت اظن ان مفهومك تغير للواقع التي تعتقد به من عدمه ولكن على اية حال عودتك فيها الشئ الكثير اذ وجدنا
شئ شبه متكامل كما بدا لنا الان والذي نرجو عدم الرجوع الى الخربطه التي تتعمدها وعرفناك بها ،،

اما بخصوص الموضوع الذي طرحته وهوا بمثابت كتاب كنت قد قرأته قبل فتره ولم اجد فيه ما يعنى بالحاضر
والمستقبل ولو انه لو كان الاصل وغير ( مزور ) مهم لتاريخ الجنوب العربي 0
ومن اراد ان يبحث فيه ، و
مع معرفتي الاكيده ان ما ورد في النقل ليس كما هو في الاصل وان اعتماد الكاتب في مسماء الترجمه ، والتركيز على كلمت الجنوب اليمني ووضع لها اطار يبرزها والتي نعرف جميعا انها لم تكن موجوده بل كان الصح هو الجنوب العربي ،،
ان تلك الترجمه والمتعمد فيها ادخال بعض الكلمات تفقد الموضوع
للمصداقيه وحتى قيمتة التاريخيه تفتقد ،، ان ادراج بعض الكلمات والتي ليس لها صله بالحقيقه سيحكم عليها
كل قاري ،، بتلفيق والتزوير ،، ولاشك ان مترجمه او نا قله تعمد ادخال تلك الكلمات بحسب اهواه وميوله السياسة والمقصوده من النقل 0 مثلا لا الحصر
( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) ان تلك الكلمات المفضوحه كان الاجدر بكاتبها وناقلها الى هنا ان
يستحو او يخجلو من ارداجها كما وردة لانها ليست كذلك وتفضح من قام بنقلها والاجدر به ان ينقلها كما هي 0

اما دليلي هو اصحابها الاحيا والذي لا زالو يرزقون 0
وماذا كانت تسماء وماهي التسميه الحقيقيه ،، لقد ادمنت شلت صنعا على تزوير الحقايق ولكن للاسف انهم يظنون دايما ان ابنا الجنوب جهله حتى لتاريخهم وللاسف انك ايها الوحدوي تسير في ركب متعثر الاماني قليل البصيره وتايه في الرمال الحارقه ،، وما قام به صاحب المقال هذ الا دليل على جهلهم الحقيقي 0

ابو ابداع [/font]
أهلا بك يا أبو إبداع
وسأظل أختلف معك
طالما أصريت على بدعتك الجديدة التي تتغنى بها
وهي إنكارك ليمنيتك وهوية بلدك اليمنية
ثم لا أفهم كيف يمكنني أن أثبت لك بأنك يمني !!
وإبن يمني
ومن أصل يمني
أو على الأقل تعيش في بلاد اليمن
تحيااااااااااااااااااااتي إليك

الوحدة أوالموت
11-23-2005, 09:30 AM
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة قلب الجنوب
ما اورده ( الوحده او الموت ) اعلاه وثيقه ثقافيه سياسية ممتازه جدا وغنية بالمعلومات وبالتحليلات وهي تؤكد في كل الاحوال على ان عدن والجنوب قد عرفت الحياة السياسية والنشاط السياسي ونشاط المنظمات الانسانية و نشاط منظمات المجتمع المدني منذ زمن بعيد جدا وهذا يعني ان مجتمع الجنوب عرف حياة ثقافية وسياسية نشطة افرزت بالضرورة نخب سياسية واعية و مجربة كما افرزت علاقات اجتماعية متقدمه وهذا كله يؤكد امكانية اقامة الدولة الحديثة في الجنوب وهو ما كان قد تم اثناء فترة الاستقلال وفي عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي استندت الى موروث حضري غني في الوقت الذي لم تعرف المملكة المتوكلية اليمنية اي نمط من انماط الدولة بمعناها الحديث كما لم تستطع الجمهورية العربية اليمنية ان تنشئ نظاما سياسيا مدنيا حديثا حتى الان ويعود السبب الاساسي الى غياب تراكم كمي في التجربة السابقة لقيام الجمهورية اليمنية التي وجدت نفسها تتعاطى مع انظمة واعراف تستند الى التقاليد التي عرفها عرب شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام ولان من سيطر على الحكم في الجمهورية العربية اليمنية هو وريث شرعي ونتاج طبيعي لتلك التقاليد والاعراف الموغلة في التخلف والجهل فقد عجز عن اقامة نظاما سياسيا مدنيا متحضرا وظل يمارس تخلفه باساليب واشكال جديده تتمسح بصور من الحداثه وقشور من الحضارة الاوروبية دون مغادرة جحور الظلام ذهنا وممارسة
هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان في الجمهرية اليمنية عقليتان واسلوبان في التفكير العقلية المنفتحة على الاخر والمتقبلة للجديد والمتعاطية مع روح العصر ولها ارثها الحضري وبامكانها ان تقيم الدولة المدنية الحديثة وهي عقلية ابناء الجنوب واخرى تميز بها الاخوة في الشمال وهي العقلية التي لم ترث خبرة او تمتلك ارثا في بناء الدولة الحديثة وظلت مرتهنة للعلاقات الاعراف الاجتماعية القديمة تكرس التخلف وتمارس الجهل وهي مازالت مصرة على تمسكها بحقها هذا وبارثها الثقيل وتسيطر على الحكم في اليمن بهذه العقلية والذهنية وتريد ان تعمم تخلفها على الجنوب واهله ....
شكرا شكرا, شكرا, للاخ ( الوحدة او الموت ) فقد خدمتنا كثيرا , كثيرا , كثيرا... واسمكم وشعاركم خير دليل ( الوحده او الموت ) هل بعد هذا تريدوا دليل اخر ...على تخلفكم وجهلكم ...
..

ماهذا الفكر العنصري البغيض الذي تنفثه
يا قلب الجنوب ؟؟!!
ومع ذلك
فلا زلتُ أحترم فيك إقرارك بأن الجنوب يمنية
على عكس بعض الأخوة الاعضاء هنا
الذين يحاولون أن ينكروا حتى الانتماء التاريخي للجنوب اليمني !!
تحيااااااااااااااتي إليك