حضرمي جدآوي
01-19-2011, 02:40 PM
ما بعد انفصال السودان؟
عبد اللطيف القرني
لقد هجمت عليّ البارحة موجة عارمة من الحزن والكآبة، لا أظن أحداً من المسلمين والعرب بقي بمعزل عنها وهو يرى ويسمع انفصال جنوب السودان.
السودان يعد بوابة القارة الإفريقية فهو بلد عريق له تاريخ موغل في القدم قامت عليه حضارات ولكن تعرض لما تعرضت له شبه جزيرة الملايو (ماليزيا) عندما انفصلت عنها سنغافورة عام 1965 في مشهد مثير من تفتيت العالم الإسلامي برعاية خارجية تم الشحن لها فترة طويلة من الزمن حتى أصبح كالعيان. يؤيد هذا تصريح وزير الخارجية المصرية عند ما قال إن الانفصال في السودان قادم لا محالة وكأن الأمر لا يعني الجميع، فبقي السودان تحت العبث الدولي ودخلت إسرائيل في اللعبة وما دخلت شيء إلا أفسدته (ويسعون في الأرض فساداً).
ويبدو أن العام الجديد قد لا يحمل إلا مزيداً من الترقب القلق والخوف النابع من تهديدات الوحدة والكيانات لأن هذه الأزمة لن تنتهي بمجرد الانفصال، بل ستكون بداية لأزمات جديدة في السودان مثل ملف ''أبيي'', إلى الديون السودانية، إلى النفط وغيرها. وهذه الملفات ستكون بمثابة قنابل موقوتة ستنفجر وسيدخل السودان في أزمة إلى أخرى. والوضع في السودان لن يستقرَّ بمجرد انفصال الجنوب، وإنما ستكون هناك بؤر توتُّر مستمرة بين الشمال والجنوب، كما أن زيادة وتيرة الاضطرابات السياسية في أقاليم السودان الشمالية ستزداد للمطالبة بالحكم اللامركزي، واقتسام الثروة مع المركز. ويبدو أن اللامبالاة العربية وصلت إلى النخاع مما جعل الأيدي العابثة بالبلدان العربية والإسلامية تضع أنفها في شؤونها الداخلية وتضغط بقوة في ظل غياب الموقف العربي، خاصة مع انشغال الكل بالأحداث التونسية والتحولات الإيجابية التي طرحت على الساحة التونسية. وهناك ملفات سيبدأ طرحها مثل إعلان أقباط ''المهجر'' المصريين تشكيل حكومة منفى من 100 شخصية نصرانية والمطالبة بحصص 25 في المائة من المناصب القيادية، وما يحدث من دعوات انفصالية في جنوب المغرب، وتجدد الدعوة لانشطار اليمن مرة أخرى، والاضطرابات في باكستان وغيرها من الخطط المستقبلية التي بدأت تلوح في الأفق.
إن أزمة انفصال الجنوب في السودان كانت بسبب الإهمال العربي والإسلامي والمواقف غير المدروسة من قبل حكومة السودان. كل ذلك جعل السودان يظل وحيداً يواجه ضغوطا هائلة من الغرب وأمريكا بالذات.
وكان بالإمكان إطالة أمد المفاوضات مع هذه الضغوط مثل ما يفعل الإيرانيون، وهم محترفون في هذه المهمة، إلا أن الحكومة السودانية ليس عندها سياسة التراجع المدروس والاستشراف المستقبلي، مما جعلها تنهار تحت هذه الضربات بداية من توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة وحركة تحرير السودان، وما أعقب ذلك من أحداث تبناها الغرب سواء على مستوى القيادات والذي احتضنهم الغرب فترة زمنية حتى يتم تأهيل العملاء لديهم وحتى تكون دولة جنوب السودان دولة مسيحية، وإن ظهرت بشكل علماني إلا أنها ستبقي خطراً على الإقليم العربي، وستسهم في تحجيم الدور المصري وشغله بأزمات اقتصادية منها أزمة المياه التي ستواجهها مصر قريباً. إن المخططات الإسرائيلية في جنوب السودان لم تعد خافية وخاصة في ما يتعلق بنهر النيل ومنابعه، وليس سراً أنهم كانوا يمدون الانفصاليين في الجنوب بالأسلحة سراً. والآن بعد الاستفتاء سيكون الدعم جهراً وعلنا وبموجب اتفاقيات تبرمها تل أبيب مع حكومة الجنوب المقبلة.
إن الانفصال لم يبدأ من الناحية السياسية، بل بدأ بالنواحي الاجتماعية وذلك بتأجيج البعد القبلي للجنوبيين، وإهمال البعد الديني للمسلمين في الجنوب، وصارت هناك فجوة بين الجنوبيين والشماليين. ومعلوم أن نسبة المسلمين في الجنوب 18 في المائة، بينما يمثل النصارى 20 في المائة وهؤلاء لم يكونوا في الأصل نصارى بل كانوا وثنيين وتم تنصيرهم. وتبقى الأغلبية في الجنوب للوثنيين وهم مستهدفون وفق برامج منظمة من الكنائس خاصة مع تفشي الجهل، مما جعلهم منطقة خصبة للمشاريع الإنسانية مدعومة دعماً لا محدود من الكنيسة مالياً وعسكرياً وقبل ذلك دينيا.
وهذه الضغوط لتحويل البلدان على حوض النيل من دولة مسلحة ذات بعد عربي، إلى بلدان ذات توجهات معادية مرتبطة باتفاقيات مع الكيان الإسرائيلي. وما سيجري على السودان سيجرى على مصر في مساندة النصارى لتولي مناصب قيادية في الجيش والحكومة، وتعيين نائب أول للرئيس من النصارى، ونائب نصراني لرئيس الوزراء. إن قرنق السالف المدعوم من الكنيسة والصهيونية لم يبدأ العمل في الفترة المتأخرة بل بدأ العمل والدعم له منذ عام 1955 ووصل إلى الحكم عام 2005. وصرح في أكثر من مناسبة أن هدفه هو حكم السودان بشماله وجنوبه في إطار شيوعي علماني كنسي، فهل نتوقع أنه بحلول عام 2055 يكون لجنوب مصر دولة للأقباط منفصلةً عن شماله؟.
ولن يكون حال شمال السودان مثل حال ماليزيا بعد انفصال سنغافورة في التطور والتقدم، بل ستكون هناك مشاريع لتقليص دور دولة الشمال ودعم دولة الجنوب، ثم يأتي يوم يرغب الشمال الضعيف الانخراط في الجنوب القوي.
إن هذه المخططات بدأت منذ فترة طويلة دعما للاستراتيجية الأمريكية في سياسة مهندسها هنري كسينجر وهو (ترك الاحتلال المباشر واستبداله بانقلابات داخلية وتغييرات ذاتية تضمن الولاء المستمر لتحييد النضال العسكري). لم يكن أحد يتخيل أن يقوم بضعة أفراد من الصهاينة طرد العرب من فلسطين، ولكن هذه الأحلام تحققت طالما أن هناك خططا وضعت وتنفذ ولا أحد من العرب يقرأ...! وإذا قرأ يتثاءب ويترك العبء للأجيال التي تليه؟ والله المستعان.
المصدر
( مطلوب التعليق وتوضيح القضية الجنوبية ومايتعرض له شعب الجنوب والدعوة لدعم إستقلاله بكلام عقلاني وأخلاقي )
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات]
:rolleyes:
تحية جنوبية عربية --- بعبق الإستقلال و الحرية
عبد اللطيف القرني
لقد هجمت عليّ البارحة موجة عارمة من الحزن والكآبة، لا أظن أحداً من المسلمين والعرب بقي بمعزل عنها وهو يرى ويسمع انفصال جنوب السودان.
السودان يعد بوابة القارة الإفريقية فهو بلد عريق له تاريخ موغل في القدم قامت عليه حضارات ولكن تعرض لما تعرضت له شبه جزيرة الملايو (ماليزيا) عندما انفصلت عنها سنغافورة عام 1965 في مشهد مثير من تفتيت العالم الإسلامي برعاية خارجية تم الشحن لها فترة طويلة من الزمن حتى أصبح كالعيان. يؤيد هذا تصريح وزير الخارجية المصرية عند ما قال إن الانفصال في السودان قادم لا محالة وكأن الأمر لا يعني الجميع، فبقي السودان تحت العبث الدولي ودخلت إسرائيل في اللعبة وما دخلت شيء إلا أفسدته (ويسعون في الأرض فساداً).
ويبدو أن العام الجديد قد لا يحمل إلا مزيداً من الترقب القلق والخوف النابع من تهديدات الوحدة والكيانات لأن هذه الأزمة لن تنتهي بمجرد الانفصال، بل ستكون بداية لأزمات جديدة في السودان مثل ملف ''أبيي'', إلى الديون السودانية، إلى النفط وغيرها. وهذه الملفات ستكون بمثابة قنابل موقوتة ستنفجر وسيدخل السودان في أزمة إلى أخرى. والوضع في السودان لن يستقرَّ بمجرد انفصال الجنوب، وإنما ستكون هناك بؤر توتُّر مستمرة بين الشمال والجنوب، كما أن زيادة وتيرة الاضطرابات السياسية في أقاليم السودان الشمالية ستزداد للمطالبة بالحكم اللامركزي، واقتسام الثروة مع المركز. ويبدو أن اللامبالاة العربية وصلت إلى النخاع مما جعل الأيدي العابثة بالبلدان العربية والإسلامية تضع أنفها في شؤونها الداخلية وتضغط بقوة في ظل غياب الموقف العربي، خاصة مع انشغال الكل بالأحداث التونسية والتحولات الإيجابية التي طرحت على الساحة التونسية. وهناك ملفات سيبدأ طرحها مثل إعلان أقباط ''المهجر'' المصريين تشكيل حكومة منفى من 100 شخصية نصرانية والمطالبة بحصص 25 في المائة من المناصب القيادية، وما يحدث من دعوات انفصالية في جنوب المغرب، وتجدد الدعوة لانشطار اليمن مرة أخرى، والاضطرابات في باكستان وغيرها من الخطط المستقبلية التي بدأت تلوح في الأفق.
إن أزمة انفصال الجنوب في السودان كانت بسبب الإهمال العربي والإسلامي والمواقف غير المدروسة من قبل حكومة السودان. كل ذلك جعل السودان يظل وحيداً يواجه ضغوطا هائلة من الغرب وأمريكا بالذات.
وكان بالإمكان إطالة أمد المفاوضات مع هذه الضغوط مثل ما يفعل الإيرانيون، وهم محترفون في هذه المهمة، إلا أن الحكومة السودانية ليس عندها سياسة التراجع المدروس والاستشراف المستقبلي، مما جعلها تنهار تحت هذه الضربات بداية من توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة وحركة تحرير السودان، وما أعقب ذلك من أحداث تبناها الغرب سواء على مستوى القيادات والذي احتضنهم الغرب فترة زمنية حتى يتم تأهيل العملاء لديهم وحتى تكون دولة جنوب السودان دولة مسيحية، وإن ظهرت بشكل علماني إلا أنها ستبقي خطراً على الإقليم العربي، وستسهم في تحجيم الدور المصري وشغله بأزمات اقتصادية منها أزمة المياه التي ستواجهها مصر قريباً. إن المخططات الإسرائيلية في جنوب السودان لم تعد خافية وخاصة في ما يتعلق بنهر النيل ومنابعه، وليس سراً أنهم كانوا يمدون الانفصاليين في الجنوب بالأسلحة سراً. والآن بعد الاستفتاء سيكون الدعم جهراً وعلنا وبموجب اتفاقيات تبرمها تل أبيب مع حكومة الجنوب المقبلة.
إن الانفصال لم يبدأ من الناحية السياسية، بل بدأ بالنواحي الاجتماعية وذلك بتأجيج البعد القبلي للجنوبيين، وإهمال البعد الديني للمسلمين في الجنوب، وصارت هناك فجوة بين الجنوبيين والشماليين. ومعلوم أن نسبة المسلمين في الجنوب 18 في المائة، بينما يمثل النصارى 20 في المائة وهؤلاء لم يكونوا في الأصل نصارى بل كانوا وثنيين وتم تنصيرهم. وتبقى الأغلبية في الجنوب للوثنيين وهم مستهدفون وفق برامج منظمة من الكنائس خاصة مع تفشي الجهل، مما جعلهم منطقة خصبة للمشاريع الإنسانية مدعومة دعماً لا محدود من الكنيسة مالياً وعسكرياً وقبل ذلك دينيا.
وهذه الضغوط لتحويل البلدان على حوض النيل من دولة مسلحة ذات بعد عربي، إلى بلدان ذات توجهات معادية مرتبطة باتفاقيات مع الكيان الإسرائيلي. وما سيجري على السودان سيجرى على مصر في مساندة النصارى لتولي مناصب قيادية في الجيش والحكومة، وتعيين نائب أول للرئيس من النصارى، ونائب نصراني لرئيس الوزراء. إن قرنق السالف المدعوم من الكنيسة والصهيونية لم يبدأ العمل في الفترة المتأخرة بل بدأ العمل والدعم له منذ عام 1955 ووصل إلى الحكم عام 2005. وصرح في أكثر من مناسبة أن هدفه هو حكم السودان بشماله وجنوبه في إطار شيوعي علماني كنسي، فهل نتوقع أنه بحلول عام 2055 يكون لجنوب مصر دولة للأقباط منفصلةً عن شماله؟.
ولن يكون حال شمال السودان مثل حال ماليزيا بعد انفصال سنغافورة في التطور والتقدم، بل ستكون هناك مشاريع لتقليص دور دولة الشمال ودعم دولة الجنوب، ثم يأتي يوم يرغب الشمال الضعيف الانخراط في الجنوب القوي.
إن هذه المخططات بدأت منذ فترة طويلة دعما للاستراتيجية الأمريكية في سياسة مهندسها هنري كسينجر وهو (ترك الاحتلال المباشر واستبداله بانقلابات داخلية وتغييرات ذاتية تضمن الولاء المستمر لتحييد النضال العسكري). لم يكن أحد يتخيل أن يقوم بضعة أفراد من الصهاينة طرد العرب من فلسطين، ولكن هذه الأحلام تحققت طالما أن هناك خططا وضعت وتنفذ ولا أحد من العرب يقرأ...! وإذا قرأ يتثاءب ويترك العبء للأجيال التي تليه؟ والله المستعان.
المصدر
( مطلوب التعليق وتوضيح القضية الجنوبية ومايتعرض له شعب الجنوب والدعوة لدعم إستقلاله بكلام عقلاني وأخلاقي )
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات]
:rolleyes:
تحية جنوبية عربية --- بعبق الإستقلال و الحرية