عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-04-2012, 11:20 PM
المدير الإداري و الفني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
المشاركات: 705
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي

ت2



[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]







بعد اعتلاء السلطان عبد الحميد العرش العثماني في تركيا وتوطيد علاقته بالحكومة الألمانيـة أصبحت ألمانيا هي القوة والحليف الجديد للدولـة التركية فالجيوش العثمانية التركية أصبحت تدرَّب وتنظم بموجب النظام الألماني كما أنَّ مطامع تركيا في البلاد العربية بدأت تتعزز أكثر بمساعدة ألمانيا.


بدأت الإمبراطورية العثمانية بمساعدة ألمانيا تـمد الخطوط الحديدية إلـى كلٍّ من العـراق والكويت والجزيرة العربية ومنذ 1849م أصبح لتركيا وجود فعلي علـى ساحل تهامة باليمن حيث استطاع أمـراء آلـي العريش بعد انسحاب جيوش محمد علـي باشـا عام 1840 أن يستولـوا علـى المدن الساحلية اليمنية الرئيسية ومنها المخا الميناء الرئيسي لليمن حينها بمساعدة الأتراك لهم وتمكن الأتراك مـن استكمـال احتلال اليمـن ( اليمن الشمالي حالياً ) فـي عام 1872 بشكل كامـل .




وهـذا هو الاحتلال التركي الثانـي لليمن الذي دام خلال الأعـوام 1872-1918 كما كـان الاحتلال الأول التـركي لليـمن خـلال الأعـوام 1538-1635.


رغم وجود الأتراك باليمن حتى عام 1870 وعلى التماس مباشر مع البريطانيين الموجودين في الجنوب العربي وعدن إلا أنَّ البريطانيين لم يكن يقلقهم الوجود التركي باليمن حينها كون الوضع في اليمـن والجنوب العربي لا يشكل خطراً على النفوذ البريطاني في المنطقة بالرغم من تواجد الأتراك فـي اليمـن.


فالجنوب العربي كان تحت الحكم البريطاني وكـان مقسماً إلـى 22 دولة من الإمارات والسلطنات و المشيحات الصغيرة المستقلة بعضها عن بعض .


وكان اليمن مقسماً حينها هو الآخر بين اللائمة فـي صنعاء وأمراء آلي عريش في المخا ومـدن ساحـل تهامة وكانت منـاطق أواسط الـيمن والحجرية مستقلة كما أقام الفقيه سـعيد فـي مـنطقة إب دولـة لـه وعاصمتها أذنه وكان اليمـن مـجزأً إلى مناطـق مستقلة استطـاع الأتـراك السيطرة الكاملة علية وإخضاعه للحكم العثماني التركي للأعوام 1872-1918.


إلا أنَّ الأوضاع الدولية والمحلية في السبعينات من القرن التاسع عشرة شهدت تغيرات مهمـة دفعت البريطانيين إلى تغيير سياستهم و الاهتمـام التام بالمنطقة وتعزيز السيطرة التامة علـى الجنوب العربي وعاصمته مدينة عدن .


فمدينة عدن ذاتها شهدت تغيرات وزادت أهميتها الإستراتيجية حيث يقـول الحاكم البريطانـي لها إنَّ ذاك الكولونيل كوغلان " إنَّ مدينة عـدن قد ازدادت أهميتها كثيراً خاصة بعـد ازديـاد المواصلات التجارية عـن طريق البحر الأحمـر إلـى سيلان والهند والصين وأستراليا هـذا بالإضافة إلـى السفن البريطانية التي تأتي إلى عـدن لنقل الوحدات العسكرية البريطانية عـن طريق البحر الأحمر, ومشروع الخط البرقي تحت سطح البحر بين السويس وعدن , ثـم على طول الخليج العربي إلى أن يستمر إلى بومباي وكرا تشي مع ازدياد السفن الأجنبية الآتية إلـى ميناء عدن للقيام بالعمليات التجارية وكل هذه الأمور ذات الأهمية الحيوية لإمبراطوريتنا فـي الهند والتي تتصل بـها مدينة عـدن تماماً تعطـي لمدينة عـدن أهميـة لا يمكن إنكـارها ".


بالإضافة إلى هذا فقد تمَّ فتح قناة السويس عام 1869 وبذلك زادت أهمية عـدن الإستراتيجية.


كانت السياسة البريطانية في البداية حينها مرنة مع الأتراك فـي اليمن وتتبع نظـام الصداقـة مـع أمراء وسلاطين ومشائخ دويلات الجنوب العربـي وتنص تلك السياسـة أن تدفع بريطانيا مرتبات شهرية وسنوية لسلاطيـن وأمـراء و مشائخ دويـلات الجنوب العربـي وتوفـير المتطلبات الضرورية لـدولهم مقابل الإشراف البريطاني الغير مباشـر عليها وإبقـاء الطـرق إلـى مستعمرة عـدن آمنـة ومفتوحـة وتأمين وصول المـواد الغذائية والخضار والفواكـه والمنتجـات المحلية إلى مدينة عدن وكذا عـدم وقوع أي مـن تلك السلطنات و الإمارات و المشيخات بيد أطراف خارجية .


أما وبعد أن أصبـح الأتراك المحتلين لليمـن على مقربة مـن حدود الإمارات والسلطنـات و المشيحات المكونة للجنوب العربي وبدأ الأتراك ظم بعض من إمارات وسلطنات و مشيخات الجنوب العربي إلى المناطق التي يحكمها الأتراك في اليمن فـي كلٍّ من قعطبة والحجريـة و ماوية فقد اتبع البريطانيون سياسة جديدة ونظام جديد - هو نظام الحماية للتعامل مع الوضع الناشئ الذي حاول الأتراك فرضهويعني نظام الحماية هذا - بأنَّ سلاطين وأمراء ومشائخ دويلات الجنوب الـعربي عليهم أن يوقعوا على اتفاقيات مع البريطانيين نيابة عن أنفسهم وعن ورثتهم وتنص اتفاقيات الحمايـة على أنَّه:" حتى يبيض الغراب ويفنى التراب في أن لا يبيعوا أو يرهنوا أو يؤجروا أو يهبـوا شيئاً من مناطقهم إلى أحد أمراء العرب أو الأجانب بما في ذلك الأتراك واليمن دون استشارة أو استئذان الحاكم البريطاني فـي عدن ومقابل هذا يتعهد الإنجليز بحماية السلطنات و إمارات و مشيخات دويلات الجنوب العربي من أي غزو خارجي " وتقديم الدعم المادي لهم وقد غطت اتفاقيات الحماية هذه في الثمانينات مـن القرن التاسع عشرة كل سلطنات و إمارات و مشيخات و دويلات الجنوب العربي من باب المندب غرباً إلى المهرة وسلطنة القعيطي و الكثيري شرقاً.


حتى مطلع القرن الثامـن عشرة كانت العائلة الكثيرية هي المسيطرة علـى حضرموت وكان فريق من هذه العائلة الحاكمة نتيجة للصراع الداخلي بينهم علـى السلطة قد استنجد بالإمـام الزيدي في صنعاء في حوالي منتصف القرن السابع عشرة لكي يساعده بضرب الفريق الآخر فأمده بعدة آلاف من المقاتلين وتمَّ إقصاء الفريق الآخر من الحكم إلا أنَّ الإمام الزيدي سرعان ما احتلَّ لنفسه بعض مـن مناطق حضرموت وأخضعها لنظـام الأئمة الزيديـة فـي صنعاء إلا أنَّ الأوضاع تأزمت بالأخير بين عمال الإمام الزيدي والعائلة الكثيرية حيث استنجد فريق من العائلة الكثيرية مباشرة بسلطان يافع لمساعدته فـي إنهاء الاحتلال الزيدي لبلادهم وقـد استطاع أحـد أفراد العائلة الكثيرية وهو المردوف أن يستقدم فـي عام 1705 ستة آلاف مقاتل يافعي وقد استطاعوا أن يقضوا على الاحتلال الزيدي ويحرروا مناطق حضرموت إلا أنَّ يافع سرعان ما استولت على الحكم في حضرموت من آلـ الكثير وانتهت الدولة الكثيرية الأولى في حضرموت في أواخر القرن الثامن عشرة وقام على أنقاضها حكم القبائل اليافعية في أهم المدن الحضرمية في الداخل والساحل.


كانت مـن أهم حكومـات القبائل اليافعية فـي حضرموت الدولـة الكسيد يـة فـي المكلا 1705-1882م والدولـة البري كية فـي الشحر 1751-1866م. في عام 1845 استطاعت العائلة الكثيرية من إقامة سلطنة الكثيري الثانية فـي مدينة سيئون الحضرمية وقـد كان هناك عاملان لقيامها الأول دعم العلويين والثانـي أموال المهاجرين . في عام 1866 استطاع آلـ الكثير أن يشنوا هجوماً عسكرياً على الشحر وبعد معركة ضارية اسـتولوا عليها وانتهت بـذلك الـدولة البريكية اليافعية ثم قامَِ آلـ كثير بعدها بهجوم ضـد آلـ الكسادي في المكلا إلا أنهم هزموا وفشلوا في هجومهم هذا في الحريشات والبقرين فـي ضـواحـي المكـلا .




دخل في حلبة الصراع هذه المرة قادم جديد هو القعيطي حيث طلب الكسادي منه مساعدته بحكـم أنَّ الاثنـين همـا مـن يافع وانتصار الكثيري يعنـي فناء يافع فـي حضرموت .


كان القعيطي شخصاً ثرياً يمتلك المال والرجال وكان رئـيس جيش حيدر أباد في الهند وقـد اشترى أول مرة مدينة القطن في وادي حضرموت وأصبح لديه ثأر مع آلـ كثير الذين قتلوا بعض أقاربه مـن النسـاء مـع آخـرين مـن يافـع خدعه وهـم فـي وليمـة طـعام .


استطاع القعيطي و الكسادي أن يجمعا جيشاً مكوناً من ثلاثة آلاف مقاتل بهدف استعادة ميناء الشحر وقد تمكن الجيش من محاصرة الشحر مـن أربع جهات وتم الاستيلاء على الشحـر ودحر آلـ كثير منها بعد معركة دامت ستة أيام .


وجد آلـ كثير حليفاً جديداً لهم في حضرموت ذاتها هو عبد الله بن علي العولقي وهو كالقعيطي كان يعمـل في جيش نظام حيدر أباد في الهند وأراد أن يكوِّن لنفسه دولة في حضرموت أسوة بعدوه القعيطي وكان قـد اشترى عـام 1863 قرية الحـزم المعروفة الآن بقرية الصـداع مـن آلـ بريك حكام الشحر وبنى له فيها قصراً عظيماً وقـد حاول الكثيري والعولقي غزو الكسادي في المكلا إلا أنهم هزموا في موقعة المشراف .


فـي عام 1869 بدأ آلـ كثير وحليفهم العولقي غزو الكسادي في المكلا وطلبوا مـن الأتراك مساندتهم وبالمقابل طلب الكسادي من الإنجليز الحماية من تدخـل الأتراك ضده عندها اتصل الإنجليز بالباب العالي وطلبوا عدم تدخل تركيا بشؤون حضرموت لهذا لم يتم التدخل التركي ولم يتم غزو الكسادي في المكلا لحصولها على الحماية البريطانية .



بعد ذلك انقلب القعيطي ضـد حليفه السابق الكسادي وقام يطالبه بنصف المكلا وبروم مقابـل المال الـذي استدانه لشن حربه ضد الكثيري واستطاع القعيطي أن يأخذ إقراراً مـن الكسادي بالديون وسرعان ما تحالف الكسادي مـع عدويه بالأمس الكثيري والعولقي ضـد القعيطـي .


استطاع القعيطي أن يحاصر العولقي فـي حصنه الحصين مدة ثلاثة أشهر حتى أسقط بيده وقام بعدها بتدميره .


كما استطاع القعيطي أيضاً أن يستولي على غيل باوزير من الكثيري ثم استولى علـى الريان وكذلك فرض حصاراً على الكسادي في المكلا ولما رأى القعيطي أنَّ آلـ كثير مستميتين فـي مساندة الكسادي ضده قام بمحاولة فصم عرى ذلك الحلف عن طريق اعترافه لآلـ كثير بتريم وسيئون وبقية مناطق الشنافر ومقابل ذلك اعترف له آلـ كثير بولايته على الشحر .


طلب الكسادي الحماية من الإنجليز وهدد بأنَّه إذا لم يحصل على حمايتهم ضد القعيطي فسيسلم البلاد لآلـ كثير أو لتركيا أو لأي دولة أخرى .


ومن جانبه وعد القعيطي الإنجليز بأنهم إذا ساعدوه واستطاعوا إقناع الكسادي فـي أن يبيع له المكلا وبروم فسيضع كل سلطنته تحت الحماية والنفوذ البريطاني .


رأت بريطانيا أن من مصلحتها أن تمنح حمايتها للقعيطي بدلاً من الكسادي خاصةً وأنَّ الأخير قد هددها بعدوَّتها ومنافستها تركيا.


فبادي ذي بدء حذرت بريطانيا الكثيري من مساعدة الكسادي ثم قدمت المساعدة للقعيطي الذي قام بشن هجوم بري وبحري كاسح على الكسادي في المكلا واستولى عليها وانتهى بالكسادي مشرداً في جزيرة زنجبار كما مات شريداً في مدينة الحوطة بسلطنة لحج .


من هذا التاريخ ضلت حضرموت سلطنتين مستقلتين بعضهما عن بعض باسم سلطنة القعيطي وسلطنة الكثيري إلـى جانب سلطنة المهرة وسلطنة الواحدي فـي شـرق الجنوب العربـي ويخضعان للحماية البريطانية حتى استقلال الجنوب العربي فـي الـ 30 من نوفمبر 1967م.


هذا ما كان عليه الحال في الجزء الشرقي مـن الجنوب العربي أما في الجزء الغربي منه فقد كانت للأتراك محاولات عديدة لفـرض سيطرتهم علـى بعض إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربي فـي تلك الفترة ومن بينها كلاً من إمارات الضالع وسلطنة ألحوا شب وسلطنة لحج وهذا ما نحاول إيجازه أدناه .


بـدأت القوات التركية بالزحف لاحتلال مناطق السلطنات و الإمارات الثلاث التابعة للجنوب العربي والنفوذ البريطاني المشار إليها أعلاه واحتلت سلطنة ألحوا شب وعسكرت فيها علـى مشارف حدود سلطنة لحج وكتب الوالي العثماني التركي في اليمن إلى سلطان لحج يطلب منه الدخول تحت طاعة الحكومة التركية لأنَّ القوات التركية قد وصلت إلـى قرية الشقعة ورابطة فيها وهي مستعدة للهجوم على مدينة الحوطة عاصمة سلطنة لحج .


ذهب السلطـان العبد لي سـلطان سلطنة لحج إلـى المقيم السياسـي البريطاني فـي عـدن ألم يجر شن در " 1872-1877م" وهو يحمل أوامر الباشا الحاكم التركي في صنعاء اليمن فـي الذهاب إليه حالاً كما أنَّ القوات التركية تعسكر على مشارف عاصمة سلطنته لحج وطلب من الإنجليز حماية سلطنته من الهجوم التركي وفي نفس الوقت استمر الأتراك في التوغل واحتلال إمارات الضالع ومشيخة العلوي إلـى جانب سلطنة ألحوا شب وبدؤوا يهددون سلطنة لحج .


لذا وجد الإنجليز أنفسهم أمام دولة كبرى هـي تركيا تحتل اليمـن وتعرض المصالح والنفوذ البريطاني وحلفائه للخطـر وهاهـي القوات التركية قـد احتلت بعض الإمارات والسلطنات و المشيحات في الجنوب العربي ووصلت إلى مشارف عاصمة سلطنة لحج وغير بعيدة عـن عاصمة مستعمرة عـدن وأصبح الأمر ليس يهـدد كيانات و دويلات الجنوب العربي المستقلة بعضها عـن بعض بالاحتلال التركي بل أصبح يهدد الوجود البريطاني فـي الجنوب العربي ومدينة عدن نفسها حيث القاعدة العسكرية البريطانية .


عندهـا شعر الإنجليز بجدية خطـر الجار الجديد تركيا وقامت الحكومة البريطانية بالاتصال بالحكومة التركية المركزية فـي الباب العالي فـي القسطنطينيـة ولما رأت بريطانيا التعنت التركـي واستمرار الهجوم التركـي باتجاه لحج والتمسك باحتلال إمارات الضالـع ومشيخة العلوي وسلطنة ألحوا شب قدمت الحكومة البريطانية إلـى الحكومة التركية إنذاراً شديد اللهجة وبإمكانية وقـوع الحرب بين الدولتين إذا لم تتوقف تركيا تقدمها وتنسحب من جميع المناطق التي احتلتها داخل الجنوب العربي .


في 24 أكتوبر 1873م قام المقيم السياسي البريطاني في المستعمرة عدن ألم يجر شن در بقيادة الهجوم البريطاني المؤلف مـن قوة بريطانية ضاربة وتمكنوا من تحرير المناطق التي احتلها الأتراك فـي سلطنة لحج عندها أدرك الأتراك خطـورة الـوضع وجديـته وقامـوا فـوراً بالانسحاب من كل مناطق الجنوب العربي الذي احتلوها في إمارات الضالع وسلطنة ألحوا شب ومشيخة العلوي بعـد ذلك تم في أواخر عام 1873 الاتفاق بين بريطانيا وتركيا علـى ترسيم الحدود بين الجنوب العربي واليمن حيث تم الاتفاق بين البريطانيين والأتراك علـى أن تكون حدود المناطق التي يسيطر عليها الأتراك والبريطانيين فـي كلِّ مـن اليمن والجنوب العربي في عام 1873 هي الحدود الدولية بين الطرفين والجنوب العربي واليمن واعترف البريطانيون بنفوذ الأتـراك علـى اليمـن واعترف الأتراك بنفوذ البريطانيين علـى إمارات وسلطنات و مشيخات دويـلات الجنـوب العربـي وأنَّ علـى الأتـراك المسيطريـن علـى اليمـن ومنذ عام 1873 عـدم التدخل فـي شؤون إمارات وسلطنات و مشيخات الجنـوب العربـي باعتبارها دويلات مستقلة بذاتها وتقع تحت النفوذ البريطاني .


سبب الاحتلال التركي لليمن ومجـيء الألمان والفرنسيين إلى الشيخ سعيد فـي باب المندب باليمن دفع المسؤولين الإنجليز في عدن إلى طلب حكومة الهند في عام 1886 إعلان التواجد العسكري والسياسـي البريطانـي المباشـر فـي جميع سلطنات و إمارات و مشيخات دويلات الجنوب العربـي عـن طريق اتفاقيات حماية بين بريطانيا وأمراء وسلاطين ومشائخ الجنوب العربي من باب المندب غرباً في البحر الأحمر إلى المهرة في البحر العربي شرقاً وذلك مـن أجل إقفال تلك السواحل أمـام الدول الأخرى المنافسة ووضع حـد للتدخـل التركـي مـن ناحية اليمن .


كان لبناء الشيخ محمد ناصر مقبل أحد المشائخ المواليين للأتراك حصناً في قرية الدريجة في سلطنة ألحوا شب وبالقرب مـن الحدود الدولية مع اليمن عواقبه الخطيرة علـى تفجير الوضع وتوتير العلاقة بين الأتراك والإنجليز حيث قام الإنجليز في عام 1901 بإرسال قوات عسكرية بريطانية لتدمير الحصن المقام فـي الدريجة وقـد تم بالفعل تدميـر الحصن واضطر الجنود الأتراك إلى الانسحاب بعد أن خسرو 100 منهم .


اقترحت تركيا على بريطانيا تشكيل لجنة مشتركة لتخطيط و ترسيم الحدود الدولية بين البلدين الجنوب العربي الواقع تحت النفوذ البريطاني واليمن الواقع تحت النفوذ التركي وقد تم تشكيل اللجنة بالفعل لترسيم الحدود كما وجهت بريطانيا إنذاراً إلـى الأتراك في سحب جنودهم مـن بعض قرى إمارات الضالع التي احتلوها وتم انسحابهم منها عام 1905 .


فـي 20 أبريل 1905م وقع البريطانيون والأتراك رسمياً على اتفاقية تخطيط الحدود الدولية بين الجنوب العربي واليمـن وإعادة التوقيع عليها عند استكمال ترسيمها فـي 1914م وقـد أصبحت هي الحدود الدولية الرسمية بين البلدين والدولتين .


خلال الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918م احتدم الصراع بين الأتراك والإنجليز لانحياز كل منهما إلـى الطرف النقيض والمعادي فـي الحرب وكانا فـي خط التماس مباشر لتواجد الإنجليز في الجنوب العربي وتواجد الأتراك في اليمن .


نتيجة لانحياز الأتراك مع الألمان قامت بريطانيا بفرض حصار بحري على الأتراك في اليمن وسيطرة علـى موانئ اليمـن الرئيسية مثل ميدي و الحديدة بالتحالف مـع الإدريسي وقرر الأتراك من جانبهم غزو دويلات الجنوب العربي براً ومحاولة احتلال سلطنة لحج ومستعمرة عدن وإخراج الإنجليز منها وقبل بدء الأتراك تنفيذ خطتهم هذه أرسلوا وفد مـن مشائخ اليمن إلـى سلطان سلطنة لحج طالبوه بالانحياز إلـى جانب الأتراك ضد الإنجليز مقابل التزامـهم بالحفاظ علـى استقلال سلطنة لحج , بل وتسليمه مدينة عدن بعد إخراج الأتراك للبريطانيين منها بالقـوة إلا أن سلطان لحج رفض هـذا العرض وعمـل علـى تعزيز علاقته وارتباطه بالإنجليز .


كان هدف الأتراك العسكري هـو احتلال مدينة عـدن ثم مضيق باب المندب لإغلاق البحر الأحمر بوجه بريطانيا وحلفائها بالحرب وكان هدف الأتراك الاقتصادي وخاصة بعد حصـار بريطانيا لهم من سواحل اليمن هو احتلال دلتا لحج لتأمين أنفسهم بالمواد الغذائية من دلتا لحج وحرمان القاعدة البريطانية فـي عدن منها إذا لم يتم احتلالهم لعدن وتأمين وصول الإمدادات الخارجية إليهم عن طريق ميناء عدن إذا تمكنوا من احتلال عدن .


لتنفيذ المخطط التركي المشار إليه بدأت في عام 1915 القوات التركية تجمعها في مدن قعطبة و ماوية على الحدود اليمنية مع الجنوب العربي وقد انظمت إلى القوات التركية المهاجمة فرق مـن قبائل اليمن الواقعة تحت الاحتلال التركي ووعدت هذه القبائل بأخذ غنائم المناطق التي سـوف يحتلونها فـي إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربي باعتبارها غنائم حرب.


كان يقود القوات التركية المهاجمة علـى الجنوب العربي الواقـع تحت الحكـم البريطانـي علي سعيد باشا وقد بدأ الهجوم التركي باحتلال إمارات الضالع وسلطنة ألحوا شب وكانت أول معركة قوية بينها وبين قوات سلطنة لحج في دك يم " العند " يوم السبت 21 شعبان 1333هـ 5 يوليو 1915م ويصف ألقم ندان معركة دك يم " العند " فـي كتابة " هدية الزمن فـي أخبار ملوك لحج وعدن قائلاً:


" لم نقوى على دفعهم لكثرة عددهم وعتادهم والحقيقة كان حالنا وحالهم كمن يناطح بالقارورة الجبل" بعد أن سقط العند تقدم جيش سعيد باشا التركي نحو مدينة الحوطة عاصمة سلطنة لحج لاحتلالهـا وأطلقوا عليها المدافع واحتدم القتال بين الفريقين حولها إلا أنَّ المدينة سقطت بيد الأتراك لعدم التكافؤ بين الجانبين فـي القوى والوسائل فقوات سلطنة لحج كلها التي اشتركت في القتال لا يزيد عددها عن ألفين مقاتل والمدافعين عـن مدينة الحوطة عاصمة سلطنة لحج لا يتعدوا 700 " سبـع مائة " فقط كما لا تجد هناك مقارنة بينهم بالأسلحة والعتاد العسكري



أثناء التقدم باتجاه عاصمة سلطنة لحج وفي فجر يوم الاثنين 7 يوليو 1915م خرج السلطان علي بن أحمد سلطان سلطنة لحج باتجاه مستعمرات عدن هارباً من بلاده من هجوم الأتراك وبينما هو في الطريق بين لحج وعدن وقع في كمين من الجنود الهنود التابعين لمستعمرات عدن البريطانية عندما ظنوه أنَّه مـن الأتراك فأطلقوا النار عليه وأصابوه بسبع رصاصات وقتلوا فرسه فأعيد مجروحاً إلى قصره في مدينة الحوطة في لحج قبل احتلال الأتراك لها وبقي فيها إلى ما بعد شروق الشمس حيث أخرجه عسكرة محمولاً على الأكتاف واتجهوا به نحو مدينة عدن تحت وابل نيران الطرفين وفي الطريق إلى عدن حملته سيارة كاوجي دن شو الخاصة بتوزيع الماء والثلج إلى مدينة عدن ومات في المستشفى .



في النصف الأول مـن شهر يوليو 1915م أخلت الحامية البريطانية مدينة الشيخ عثمان فـي المستعمرة عـدن حيث قام بعدها فتوة المدينة واستولوا عليها وتعرضت دكاكين المدينة إلـى النهب وقتـل بعض تجارها عندها استغل الأتراك الفراغ فـي المدينة فاحتلوها دون قتـال .


سهل التقدم التركي السريع داخل إمارات وسلطنات و مشيخات و دويلات الجنوب العربي مـن إمارات الضالع مروراً بسلطنة لحج وحتى مدينة الشيخ عثمان في المستعمرة عدن هو عـدم دخول القوات البريطانية في القتال لضعف عدد تواجدها الشديد حينها فـي المنطقة لانشغالها في الحرب العالمية الأولى في مناطق أخرى من العالم الأمر الذي سهل على الأتراك الانفراد بكل أمارة ومشيخة وسلطنة علـى حـده وسحق مقاومة كـل منها لعدم التكافؤ فـي الوسائل والإمكانيات بين القوى الكبرى الإمبراطورية التركية المدعومة مـن الألمان وبين كـل دولة صغيرة على حده مثل إمارات الضالع وسلطنات كلِّ من لحج و الحواشب ولعدم تمكن بريطانيا من تقديم الحماية لهم لانشغال قواتها في الحرب بأجزاء أخرى من العالم .


حـول ذلك أعلن اللورد ليتشز فـي لنـدن أن سبب هزيمة بريطانيا فـي إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربي التي احتلها الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى وعدم صد الهجوم التركي لـم يكن بسبب الأتراك وقوتهم وإنما بسبب تقصير القائمين علـى شؤون مستعمرة عـدن ونتيجة لذلك قامت الحكومة البريطانية بتسريح المقيم السياسي والقائد العسكري البريطاني في المستعمرة عدن ألم يجر جنرال دي.ال.بي.شو وسلمت القيادة إلى الجنرال ينج هز بند والذي وصل إلى مدينة عدن يوم 16 يوليو 1915م مع لواء الحدود الهندية رقم 20 والكتيبة الهندية رقم 108 وعلى الفور استعاد مدينة الشيخ عثمان في المستعمرة عـدن وطرد الأتراك إلـى سلطنة لحج .



بعد أسبوع من طرد الأتراك من مدينة الشيخ عثمان واستعادة الإنجليز سيطرتهم على المدينة أمر القائد التركي سعيد باشا فرق القبائل اليمنية التي ساندت قواته في هجومها على دويلات الجنوب العربي أن تعود إلى مناطقها في اليمن حتى لا تنقص على الجيش التركي الإمدادات الغذائية وسمح لهم بأخذ الغنائم التي استولوا عليها ونهبوها من بيوت وأهالي إمارات الضالع وسلطنة ألحوا شب وسلطنة لحج ومدينة الشيخ عثمان في المستعمرة عدن يقول المؤرخ العب دلي شاهد أعيان يصف عودة المقاتلين من القبائل اليمنية إلى مناطقهم باليمن بعد احتلال الأتراك لسلطنة لحج و ما حلَّ بلحج وأهل لحج من جراء الغزو التركي قائلاً :


" عادت القبائل اليمنية مـن سلطنة لحج بعد أن حملوا معهم مـن الغنائم والمحاسن والذخائر والمفارش والأثـاث والملابس والكتب شيئاً عظيماً ثـمَّ يسترسل فـي رسـم هـذه الصور الكاريكاتيرية لهم قائلاً :


وقد رئي كثير من أجلاف اليمن يلبسون قمصان نساء لحج المذهبة يتبخترون بها في الأسواق ثمَّ يضيف قائلاً :


فلـم يتركوا من مدخرات هـذه المدينة ونفائسها و مكاتبها شيئاً حتى مفارش المساجد وقناديلها وخربوا أكثر جدران بيوت مدينة الحوطة بحثاً عن الكنوز بين جدرانها وارتكبوا من الفضائع ما يتعالى عنه أهل الإيمان ".


خلال الفترة يوليو 1915- 1918م بقي الأتراك يحتلون أمـارة الضالـع وسلطنة ألحوا شب وسلطنة لحج فـي الجنوب العربـي الواقعـة تحت الحكم البريطانـي وبعد تعيين الجنرال ينج هز بند المقيم السياسي لمستعمرة عدن ووصوله إلى عدن في 16 يوليو 1915م اختصر النشاط العسكري البريطاني ضـد الأتراك في طرد الأتراك من مدينة الشيخ عثمان داخـل مستعمرة عدن وأعادت السيطرة البريطانية عليها واستمرار المناوشات العسكرية بين الأتراك في سلطنة لحج والإنجليز فـي عدن وفي شهري أغسطس وسبتمبر 1915م استطاع الإنجليز مـن استعادة مـدينة الـوهط و ألف يوش الواقعـة فـي سلطنة لحـج والسـيطرة عليهـا وفي شهر سبتمبر 1915م غادر الجنرال ينج مستعمرة عدن وخلفه البر جدير جنرال برئيس مقيم سياسي لمستعمرة عدن إلا أنَّه أعفي عن منصبه في يوليو 1916م لأسباب صحية وقـد خلفه ألم يجر جنرال جيمس استيوارت معتمداً ومقيماً سياسياً بريطانياً لمستعمرة عدن وفـي أيَّامه هاجمت القـوات البريطانيـة بير جابر واستولت عليها كـما فـي أيامه فـي منتصف عام 1916 استخدمت لأول مـرة الطائرات البريطانية في قصف مواقع الأتراك فـي صبر و حوطة لحج وبقية المناطق داخل سلطنة لحج المحتلة من قبل الأتراك وفي نهاية عام 1916 إلى عام 1918م شهدت الجبهة العسكرية بين الأتراك والإنجليز نوعاً مـن الهدوء .


بقي الأتراك فـي إمارات وسلطنات و مشيخات الجنوب العربـي بما فيها سلطنة لحج إلـى أن هزموا في الحرب العالمية الأولـى وانسحبوا مـن إمارات و مشيخات وسلطنات دويلات الجنوب العربي الذي كانوا يحتلوها وأعاد الإنجليز السيطرة عليها كما انسحب الأتراك كذلك من اليمن عام 1918م وكانت هزيمتهم في الحرب نهاية للإمبراطورية العثمانية التركية الذي دام خمس مائة عـام وأخـذ اليمـن ( اليمن الشمالي حاليا) استقلاله مـن تركيا عـام 1918م وأعلـن الإمـام يحي بن حميد الدين نفسه إماماً على اليمن ( اليمن الشمالي حالياً) وأسس المملكة ألمتو كلية اليمنية وعين نفسه ملكاً لها ودخل اليمن بعد عام 1918م مرحلة جديدة بعد التحرر مـن الأتراك هـي مرحلة الأئمة الزيد بين الممتدة خلال الفترة ما بين 1918- 1962 م .


انتهت الحرب العالمية الأولى وهـزم الأتراك فـي الحرب وانسحبوا مـن اليمـن وانتهت إمبراطوريتهم إلا أنَّ الإنجليز خرجوا مـن الحرب منتصرين وأعادوا سيطرتهم علـى كل إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربـي لا بـل وخرجوا مـن الحرب وهـم يسيطرون على أهم موانئ ومدن اليمن الساحلية مدينة اللحية ومدينة الحديدة الميناء الرئيسي لليمن والذي سوف يكون السبب في توتر العلاقات بين دولة اليمن الجديدة ممثلة بإمامها والإنجليز الموجودين في الحديدة باليمن والحاكمين للجنوب العربي .






يتبع 3






__________________
رد مع اقتباس