الناشر
ماينشر
يعبر عن وجهة نظر الكاتب أو المصدر ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارةمنبرحر
( التمنّـي والرجــاء في لغة الجذور) - بقلم : د\محمد فتحي راشد الحريري |
![]() |
![]() |
![]() |
مقالات - صفحة الدكتور/ محمد فتحي راشد الحريري |
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS |
الاثنين, 02 فبراير 2015 19:24 |
بالأسباب ، فتعـدَّ للأمر عِـدّته وتتهيّــأ له وفي طلبه ! فإذا قلت .. ليت لي سيارةً فهذا يعني ألا تكون متوقعًا لما تتمناه ؛ لقلة ذات اليد ، ولكثرة التكاليف وغيرها من الأسباب ، وهذا أمر ممكن ( مقدور لبعضهم \ غير مستحيل ) ، لكن صعوبة تحققه تجعلك غير متوقع له وبالتالي فهو في دائرة المأمول والأحلام فقط . التي تفرِّق بين استعمالات كل من ( ليت ) و ( لعلّ ) . كلاهما حرف مشبه بالفعل يدخل على الجملة الاسمية فينصب المبتدأ ويرفع الخبر ، أو الأصح أن نقول يبقي الخبر مرفوعا ، ومثال ذلك أن نقول : دارُنا واسعةٌ ، فاذا دخلت ( ليت ) قلنا : ليتَ دارَنــا واسـعـةُ ،،، أما مع ( لعلّ ) لعلَّ دارَنــــا واســـعـةٌ .... والفرق واضح بين التعبيريْن ، فعند التمني نستعمل صيغة ليت .... وهذا يعني أننا نحلم ونطلب الأمانيّ ودارنا ليست واسعة لكنها أمنيّتنــا دون أن نفعل شيئاً ، وعند الترجي نستخدم صيغة لعلَّ ...... الخ ، وهذا يعني أنني سأقدم الوسائل وآخذ بالأسباب الموصلة إلى ما تطلبه نفسي ... كلاهما تطلبه النفس : لكن التمني يبقى في دائرة الأحلام والاوهام ، والترجي متوقع لأنني قدمت له وأخذت بالأسباب الموصلة لتحقيقه ،،، ومن هنا كان خطــأ العبارة النمطية ( البروتوكولية ) السائدة في التداول الاجتماعي " أتمنى لكم الخير " ! فأنت وفق هذه العبارة لا تتمنى لصاحبك شيئا ، وتـقـول ذلك بالطبع عن حُسْن نِـيَّـة ، ولو كنت تطلب له الخير لقلْتَ : " أرجو لكم الخير " . واسمع قول الله تعالى : ((وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا )) سورة الاسراء\ 28 . فلم يقل القرآن ( تتمناها ) وانما قال : ((ترجوها )) فاذا سألك الأرحامُ نفقة غير موجودة معك الآن ، لكنها متوقعة برحمة الله تعالى وبما أعددْت أنت لذلك من الأسباب التي بها ترجو حصول النعمة ، فَـعِـدْهم بقولٍ ليِّن ميسور ، كما قال الشاعر : إلا تكن وَرِقٌ يوما أجـــــــود بهـــــــا **** للسائلين فإنّــــي ليِّــــن العـودِ لا يعـدم السائلون الخيـر من خُـلُـقي **** إما نوالي وإما حسن مردودي وهناك من يعارضنا من اللغويين في هذا مستندا الى استعمال التمني بغير هذا الوارد في حياة السلف ومن يُؤخذ عنهم من علمائه : فقد جاء في مجمع الزوائد للهيثمي: ([باب فيما يتمناه العبد] 17226 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمناه فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته) . رواه أحمد وأبو يعلى . وإسناد أحمد رجاله رجال الصحيح) .. المغفرة . قال : فنالوا كلهم ما تمنوا ولعل ابن عُمر قد غُـفِـر له) . وجــاء في صحيح الإمــام البخاري رحمه الله : أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطيِّ البئر ، وإذا لها قرنان كقرني البئر وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار فلقيهما ملك آخر فقال لي : لن تراعَ . فقصصْتُـهـا على حفصة فقصَّتْهـا حفصةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال : (نِعْـم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل ) . قال سالم : فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً) . ونقول لهؤلاء الباحثين الكرام أن طلب الله لهم بتمني الموت جاء على هيئة التحدي ، وهؤلاء النفر من الصحابة أكرمهم الله تعالى بكرامةٍ خاصة ، والقاعدة عند علماء العقيدة : " ما كان معجزة لنبيّ جاز أن يكون كرامة لوليّ " . ويقول أبو الطيب المتنبي في بيته الشهير ، ولعلّ هذا الشاهد لا يخدم قضية المعارض : وهكذا فالرجــاء : نقيض اليأس والقنوط .. رجا يرجو رجاءً. ورجَّى يُرجِّي ، والرّجاء الأمل مع تقديم الأسباب ، والرّجاء الطّمعُ، والرَّجاءُ التَّوَقُّعُ لمَرْغوبٍ وتعلّق القلب بمحصولٍ محبوب في المستقبل كما يقول الجرجاني ، وأقول : إن هذا التعلق يقتضي السعي وتقديم الأسباب وإلا كان التعلق بأوهام وخيالات مستحيلة التحقق ، ويُستعمل الرَّجاءُ في موضع الخوف ... أما الأمنيّات ( جمع أمنيّــة\ بتشديد الياء ) فتطلق على التعلق بأمرٍ وهمي ، أي أن تعلق نفسك بأمنيّـة ، وليس لهذه الأمنية سند من الواقع يوصلك إلي تحقيقهـا . قال تعالى مفنِّدا أوهام أهل الكتاب وأحلامهم الفاسدة: ((وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . )) سورة البقرة\ 111 ومن هنا كان بيت الشعر الخالد : ألا ليت الشبابَ يعود يــومـاً **** لأخبــره بمـــا فَـعَـلَ المشـيبُ فعودة الشباب من المستحيلات التي تُضاف الى الغـول والعنقاء والخِـلّ الوفيّ ، وناسَـبَها في الاستعمال الجذوري الفصيح الحرف الناسخ ( ليت ) الذي يفيد الأمل الفارغ والأمنيّـات الحالمة . ولو قال : ( لعل الشباب يعود ) لكان معتوهــاً أو مخبولا ، فالشباب لن يعود إلا بالأحلام والرؤى ! =============== حـاشــيــــة : @بعض الناس يقول التمني وإن لم يتحقق فإنه يروح عن النفس .. فقد ترتاح النفس عندما تتعلق بأمل كاذب وتعيش أياما في نوع من السعادة وإن كانت سعادة وهمية .. نقول إن الصدمة التي ستلحق بالإنسان بعد ذلك ستدمره .. ولذلك لا يكون في الكذب أبدا راحة .. فأحلام اليقظة لا تتحقق لأنها لا تقوم على أرضية من الواقع وهي لا تعطي الإنسان إلا نوعا من بعد عن الحقيقة .. ولذلك يقول الشاعر: أمانــي من ليــل حســان كأنمــــا ****سقتنا بها ليلى على ظمئ ٍ بـردا
|
آخر تحديث الاثنين, 23 فبراير 2015 07:03 |