الحراك في جنوب اليمن المشكلة والتداعيات - عدن - عبدالرقيب الهدياني: طباعة
مقالات - مقالات عامة
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الجمعة, 24 سبتمبر 2010 06:32
  يرى الكثير من المهتمين بمتابعة مسيرة الحراك السلمي الذي تشهده بعض المحافظات اليمنية في جنوب اليمن، أن البذور الأولى لظهور هذا السخط المتعاظم عند أهالي هذه المحافظات تعود إلى السنوات الثلاث الأولى لقيام دولة الوحدة اليمنية في مايو/ أيار ،1990 وبالتحديد عند مغادرة نائب الرئيس السابق حينها علي سالم البيض مدينة صنعاء واستقراره في عدن، عاصمة الجنوب قبل الوحدة، وتأزم الأوضاع بين شريكي الوحدة حد تدخل عاهل الأردن الراحل الملك حسين بن طلال وجمعه طرفي النزاع في محاولة منه لرأب الصدع، لكن الأزمة وصلت إلى ذروتها بانفجار الحرب بين الجانبين في الخامس من مايو/ أيار، وخروج علي سالم البيض وعدد كبير من قيادات الحزب الاشتراكي إلى المنافي والشتات .

وما أن وضعت الحرب أوزارها، وفي فترة ثلاث سنوات فقط تمتعت خلالها دولة الوحدة بسعادة نسبية في الأمن والاستقرار بعدما بسط الطرف المنتصر في الحرب نفوذه على كل المحافظات الجنوبية، التي كانت تقع تحت قبضة الحزب الاشتراكي، لكنها هي الفترة ذاتها التي يرى المعارضون الجنوبيون أنها السنوات التي جرى فيها التسريح القسري للجيش الجنوبي- المنهزم في الحرب - وامتد التسريح ليشمل القطاع الأمني والمدني، ويقدر عدد عناصره ب 237 ألفاً، كما شهدت السنوات التي أعقبت الحرب إطلاقاً لأيدي النافذين والقيادات العسكرية والأمنية والمدنية - أغلبهم من أنصار النظام - ممن استقطعوا آلاف الكيلومترات من أراضي المحافظات الجنوبية، خصوصاً في عدن ولحج وحضرموت وغيرها .


قضية الجنوب جرح مفتوح ظل من دون علاج حتى تفاقم


كل هذه الممارسات الخاطئة كانت عوامل إضافية لمزيد من السخط العارم لدى قطاع واسع في الجنوب، حيث عبر عن هذا السخط بعدد من الحركات والدعوات، منها المطالبة بإزالة آثار حرب 94 والتي تبناها الحزب الاشتراكي عقب الحرب مباشرة، وكذا المطالبة بإصلاح مسار الوحدة في عام 97 بعد عودة القيادي الاشتراكي حسن باعوم من المنفى عبر تيار في صف الحزب نفسه، لكن كل تلك الدعوات لم تلق أي تجاوب من قبل النظام الحاكم في صنعاء، فجاء التعبير عن تلك المطالب عبر تشكيل ما سميت حينها “اللجان الشعبية”، والتي تبنت مظاهرات احتجاجية حاشدة رغم أن نشاطها انحصر في محافظتين جنوبيتين فقط، هما حضرموت والضالع، وظهرت حينها حركة (حتم) و(موج)، وهما حركتان معارضتان من الخارج، الأولى يقودها علي سالم البيض المنفي في سلطنة عمان، والثانية يقودها عبدالرحمن الجفري، وهو نائب علي البيض في دولة الانفصال المعلنة في حرب 94 .


استمر نشاط الحركات الثلاث لمدة ثلاث سنوات وتحديداً من 1998  2001 شهدت محافظات الجنوب حينها أعمال عنف أدت إلى سقوط ضحايا من المواطنين وأفراد الجيش والأمن، لكن عملها توقف خصوصاً مع ترسيم الحدود اليمنية مع السعودية وسلطنة عمان، وقيام النظام الحاكم في صنعاء باستيعاب عدد من العسكريين المبعدين في صفوف الجيش .


وبقيت القضية الجنوبية كجرح مفتوح من دون علاج، بل استمر هذا الجرح في النزيف عبر تواصل الممارسات الخاطئة بعدما أطلق النظام يد قياداته العسكرية والمدنية المنتصرة لإشباع نهمهم في مساحات الأراضي الشاسعة في محافظات الجنوب، ونهب أصول وممتلكات الدولة المهزومة لصالح هؤلاء النافذين، وتم تغيير أسماء المدارس والمعاهد وحتى الشوارع والمعسكرات، فتحولت متاحف شهداء ثورة الجنوب إلى مخابز، كما حال متحف أول شهيد لثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني غالب بن راجح لبوزة في منطقة ردفان، وبعد أن دارت عجلة الاحتجاجات الجنوبية بدأ طريق اللاعودة بالمطالبة بفك الارتباط عن الشمال والعودة إلى ما قبل قيام الوحدة عام 1990 .


تصالح الجنوب


كاستمرار لردة الفعل الجنوبية على ما يجري في الجنوب شهد يوم 13 يناير/ كانون الثاني من العام 2006 بجمعية ردفان ومقرها محافظة عدن، عقد اللقاء الجنوبي الذي أطلق عليه (لقاء التصالح والتسامح)، وكانت الحركة الجنوبية المعارضة من الخارج (تاج) ومقرها لندن، هي المكون القائم حينها ومن تبنت مثل هذه الملتقيات التي توالى تنظيمها في سنوات لاحقة وفي مناطق الضالع وأبين، بهدف طي صفحات الصراعات التي اتخذت شكلا مناطقيا بين الجنوبيين أنفسهم، سواء في ظل قيادة الحزب الاشتراكي لدولة الجنوب، أو حتى الشرخ في الجسد الجنوبي بفعل حرب 94 .


وفي 24 مارس/ آذار 2007 قام العسكريون والأمنيون المبعدون بتنظيم أول اعتصام احتجاجي للمطالبة بتسوية أوضاعهم المعيشية، وقاموا بتنظيم أنفسهم في إطار جمعيات وشكلوا إطارا جامعا لهم، ومع مرور الوقت وعدم استجابة النظام لمطالبهم الحقوقية توسع النشاط ليعم كل المحافظات الجنوبية، ففي 7 يوليو/ تموز من نفس عام بداية الحراك وهي ذكرى انتهاء الحرب، أقام المتقاعدون العسكريون والأمنيون أول مهرجان احتجاجي حاشد في عدن واعتبر نقطة تحول مهمة في مسيرتهم الاحتجاجية، وفيه رفع علم الجنوب وظهرت المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال وعودة دولته السابقة لأول مرة .


وتواصلت الاحتجاجات وتوسعت في الشارع الجنوبي، إلا أن الخطاب الرسمي كان يهون من شأن تلك الاحتجاجات ويصفها ب “الزوبعة في فنجان”، ويصف أصحابها ب “المخربين والخارجين عن القانون في بعض مديريات الضالع ولحج” في إشارة إلى محافظتين فقط من الجنوب، وحتى المعالجات الجزئية بتسوية المرتبات المعيشية جاءت متأخرة بعد أن أخذت مطالب الاحتجاجات طابعا آخر من مربع الحقوق إلى السياسة، ومن البحث عن الراتب والرتبة إلى الحديث عن الجنوب ودولته المستقلة .


وفي الوقت الذي صعّد فيه الحراك الجنوبي من فعالياته في كل المحافظات الجنوبية السبع وصارت المظاهرات والمسيرات والمهرجانات شبه يومية في شوارع مديريات لحج والضالع وأبين وحضرموت وشبوة وحتى عدن، قامت السلطة بقمعها مستخدمة أجهزة الأمن والجيش وحملة اعتقالات واسعة للقيادات والناشطين، ونصب المحاكمات لقيادات ونشطاء الحراك .


تسلسل الاحتجاجات في جنوب اليمن:


العام الأول: احتجاجات سلمية


كان المحاربون القدامى ممن أحيلوا للتقاعد القسري من الجيش الجنوبي عقب الحرب التي تفجرت في العام الرابع لتحقيق الوحدة هم نواة الاحتجاجات التي انطلقت في المحافظات الجنوبية، وفي محافظتي لحج والضالع حيث تتواجد أكبر شريحة لهؤلاء المتقاعدين، نفذ المحاربون القدامى أول اعتصاماتهم السلمية بتاريخ 24 مارس/ آذار ،2007 وكانوا بالعشرات فقط وليوم واحد، ممهلين السلطة شهرا كاملا لتسوية مرتباتهم التقاعدية والرتب العسكرية، وبعد شهر من الاعتصام الأول نفذوا الاعتصام الثاني في 24 إبريل/ نيسان، ثم الاعتصام الثالث في 24 مايو/ أيار، من دون أن تلتفت السلطة لهذه الاحتجاجات معتقدة أنها مجرد طفرة وحركة بسيطة ستزول، إذ لم تكن السلطة تعتقد أن الجمعيات ستتحول إلى كيانات جماهيرية كبيرة، ولم تحسب السلطة أن عشرات المتقاعدين سيتكاثرون إلى مئات وآلاف وعشرات الآلاف، وأن الاعتصامات ستتبلور إلى مسيرات ومهرجانات وعصيانات صاخبة ومدوية .


في 22 مايو/ أيار من العام الأول للحراك،2007 وهو يوم ذكرى توحيد الشطرين، شهد عدد من المدن الجنوبية خصوصاً الضالع وردفان مظاهرات حاشدة رفع فيها المشاركون الرايات السوداء في إشارة إلى اعتراضهم على ما آل إليه مسار الوحدة اليمنية وأدى إلى نهب أراضي الجنوبيين وتسريح موظفيهم .


بقي العام الأول للحراك الجنوبي حكراً على لاعب وحيد يقوم بتنظيم المظاهرات والمهرجانات وكل الفعاليات الاحتجاجية، هو جمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين يضمهم مجلس تنسيق ويتخذ من مدينة عدن مقراً له، بزعامة العميد المتقاعد ناصر النوبة، وهذا المجلس هو من يدير الفعاليات في عموم الجنوب، وقد تشكت تحت عباءته كيانات صغيرة للعاطلين عن العمل والمناضلين وأسر الشهداء والأكاديميين والدبلوماسيين المهمشين وجميع هؤلاء يبحثون عن تسويات معيشية ووظائف، مثلهم مثل شريحة المتقاعدين من المحاربين القدامى .


العام الثاني: كيانات جديدة


في العام الثاني للحراك ومع توسع دائرة الاحتجاجات الجماهيرية في الجنوب، وظهور مطالب سياسية تدعو صراحة للعودة إلى ما قبل الوحدة بين الشطرين وتبني قيادة المتقاعدين هذا الخطاب، فقد أوجب على مفكري وسياسيي الحراك البحث عن لافتة جديدة تكون عنواناً جامعاً يتناسب والمطالب السياسية الجديدة، فمن غير المنطقي برأيهم مواصلة المسيرة تحت راية جمعيات المتقاعدين التي تعني البحث عن حقوق ومطالب وتحمل اعترافا بالسلطة المراد الانفصال عنها، كما أن دائرة الاحتجاجات الجماهيرية قد توسعت إلى فئات أكبر وأشمل من شريحة المتقاعدين .


وما أن انفرط عقد كيان المتقاعدين، حتى تناسلت أسماء كيانات وهيئات عدة في صفوف الحراك، ورغم اتفاق جميعها على الأهداف المعروفة للحراك من خلال ما تعلنه من برامج وبيانات، إلا أنها استعصت حتى اليوم تقريباً على أية محاولات لتوحيدها في إطار كيان واحد أو حتى التنسيق في ما بينها، وهو ما أدى إلى نوع من التصارع والتسابق بين هذه الكيانات والتسبب بنوع من البلبلة في وسط الجماهير التي مازالت تقاوم أي تأثيرات سلبية جراء خلاف وتصارع هذه المكونات وقياداتها .


وتوجد في صفوف الحراك اليوم التكوينات التالية: المجلس الوطني الأعلى للتحرير واستعادة الدولة الجنوبية (بزعامة حسن باعوم)، مجلس الحراك السلمي الجنوبي (بزعامة علي سالم البيض)، الهيئة الوطنية للاستقلال (بزعامة العميد ناصر النوبة)، اتحاد شباب الجنوب، التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج) من الخارج .


هذا التعدد في مكونات الحراك بقي قائما حتى بعد ظهور علي سالم البيض، مع الملاحظة أن رئاسة البيض لأحد هذه المكونات قد طغى على بقية المكونات الأخرى واستقطب فيه أغلب جماهير الحراك، وتظهر المعارضة لعلي البيض بشكل بسيط جداً عبر تصريحات عدد من قيادات المكونات الأخرى، مثل العميد ناصر النوبة والمحامي محمد مسعد العقلة، بانتقادهما لسياسة علي البيض وعدم انفتاحه على بقية المكونات، ونفي عنه صفة الشرعية في تمثيل الجنوب، وهذا في إطار التجاذب القائم بين هذه المكونات المتعددة .


العام الثالث: مفاجآت


عشية 22 مايو/ أيار 2009 كانت المفاجأة بظهور نائب الرئيس اليمني علي سالم البيض من ميونخ بألمانيا عبر الفضائيات ليعلن تعهده للشعب الجنوبي بالعمل في صف الحراك من أجل فك ارتباطه مع الشمال، ويأتي هذا الظهور المفاجئ بعد خمسة عشر عاما من الصمت والتخلي عن ممارسة السياسة قضاها البيض في سلطنة عمان، والتي استقر فيها من يوليو/ تموز 1994 عقب خروجه من اليمن مهزوما من الحرب، وصمته كل هذه المدة كان بطلب من السلطنة شرط بقائه فيها .


وقبل ظهور البيض بأشهر كان الشيخ القوي طارق الفضلي الذي كان حليفاً للرئيس صالح في حرب 94 قد أعلن انضمامه للحراك الجنوبي، وتحديداً في مارس/ آذار ،2009 وأعطى انخراط الشيخ الفضلي للحراك دفعة قوية، وتوسعت الاحتجاجات بشكل لافت للمراقبين لتشمل محافظة أبين الجنوبية، وتحولت هذه المحافظة التي كانت حليفة للرئيس، وإليها ينتمي الكثير من قيادات الدولة أبرزهم نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، إلى منطقة في يد الحراك الجنوبي، حيث شهدت مدينة زنجبار عاصمة أبين طوال عام 2009 سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية النوعية والقوية بفعل نفوذ الشيخ الفضلي فيها، وهو ما جعل السلطة ترد على تلك الفعاليات بمواجهات مع أنصار الحراك في شهر يوليو/ تموز 2009 أثناء تنظيم الشيخ الفضلي لمهرجان احتجاجي كبير، حيث سقط في الفعالية 13 قتيلاً وأكثر من عشرين جريحاً .


مثّل ظهور علي سالم البيض بما له من قيمة معنوية - باعتباره من وقّع على الوحدة اليمنية ممثلا للجنوب- مظلة وحاضناً لجماهير ومكونات الحراك الذي يطالب اليوم بفك الارتباط مع الشمال، وهو ما جعل جماهير الحراك في عموم الجنوب تطلق المقولة المتداولة بكثافة (اللي شبكنا يخلصنا)، بمعنى أن علي سالم البيض هو من وضع الجنوبيين في شباك الوحدة، وهو من تقع عليه المسؤولية الأخلاقية في تخليص هذا الشعب من الشبك والفخ الذي وقعوا فيه بلا وعي ولا إدراك وفي ساعة زمن، يعضون بسببها أصابع الندم ويتمنون ليتها لم تكن - على حد تعبيرهم- .


العنف المتبادل


اتخذت السلطة لمواجهة الحراك الجنوبي سياسة قمع فعالياته السلمية من البداية الأولى لمسيرة هذا الحراك، خصوصاً مع كثافة الفعاليات الاحتجاجية التي كانت تخرج في الضالع وردفان، مستخدمة الرصاص الحي والقنابل الدخانية، حيث شهدت مدن جنوبية عدة مواجهات مع السلطة أدت إلى سقوط العشرات بين قتيل وجريح .


وعلى الرغم أن أسر وأهالي الضحايا والحراك الجنوبي سعوا إلى القضاء وخصوصاً في العام الأول للمطالبة بالعدالة والمطالبة بالقصاص، إلا أن القضاء لم ينتصر لأي من الضحايا على الإطلاق ولم يقدم الجناة للمحاكمة، وهو الأمر الذي أفقد الجميع نزاهة القضاء فتقرر عدم اللجوء إليه بالمرة، في كل حوادث القتل التي طالت المتظاهرين العزل طوال العامين اللاحقين وحتى اللحظة، واكتفى أهالي الضحايا والحراك مع كل قتيل يسقط بأن ينصب له مخيم عزاء تؤمه الآلاف من جماهير الحراك، ويتحول إلى ساحة احتجاج تلقى فيه كلمات التضامن وبيانات الحراك وقيادات مكوناته والدعاء للضحية والدعوة على القتلة، ثم يتم تشييعه إلى مثواه الأخير ملفوفاً بعلم الجنوب ويتحول تشييع قتلى الحراك لمسيرات ومهرجانات حاشدة تشارك فيها جماهير الحراك من مختلف المحافظات الجنوبية .


في العام الثالث من مسيرة الحراك الجنوبي، ومع استمرار النزيف في صفوف فعالياته السلمية، حصلت قناعة لدى قطاع وسط الحراك بعدم جدوى النضال السلمي، وتزايدت المطالبات باستخدام السلاح للدفاع عن النفس أمام أجهزة أمنية لا تتورع عن إمطار صدور محتجين عزل بالرصاص الحي من دون رحمة، وهذا ما جعل البعض من المحتجين يتظاهر وهو يحمل السلاح، ومعروف أن السلاح منتشر وفي متناول اليمنيين، كما أن أهالي وأقرباء الضحايا الذين ظلوا يقتلون في مسيرة الحراك جعلهم يقومون بردة فعل معاكسة باستهداف أفراد الأمن والجيش طلبا للثأر، وقد تعرض عدد من الدوريات الأمنية ومن الجيش للكمائن التي نصبها مسلحون تابعون للحراك، وحدث مثل هذا بشكل واضح في مناطق الضالع وردفان ويافع وطور الباحة وأبين، وأدت إلى سقوط قتلى من أفراد الأمن والجيش، كما أعلن عن كتائب مسلحة تتبنى العنف وتقوم باختطاف الجنود، وهي موالية للحراك مثل (كتائب سرو حمير) التي يتزعمها طاهر طماح ومقرها مديرية يافع بمحافظة لحج، وبالمقابل أعلنت السلطة عن تشكيل ما تسمى “لجان حماية الوحدة”، وهي لجان شعبية، يقول الحراك الجنوبي إنها تشبه عصابات (الجانجويد) وتقوم بعمليات اغتيالات لنشطاء وكوادر الحراك .


الحراك في عيون إعلامية


يرى الصحافي والسياسي أحمد حرمل ل “الخليج” أن الاعتقاد الخاطئ بأن القضية الجنوبية هي نتاج طبيعي لحرب 1994 لا يساعد على حل القضية، لأن القضية الجنوبية التي كان للحراك شرف إظهارها وجعلها حية في أروقة الدول والتجمعات والهيئات الدولية والإقليمية لا يمكن حلها بإزالة آثار حرب ،94 لأن حرب 94 هي نتاج طبيعي لفشل الوحدة، ومما يؤسف له، حسب حرمل، أن الاعتقاد الخاطئ بأن القضية الجنوبية كانت نتاجاً لحرب 94 هذه الحرب التي تعد بحد ذاتها نتيجة وليست سببا لم يقتصر هذا الاعتقاد عند بعض المثقفين والنخب، بل تعززت تلك القناعة لدى أحزاب المشترك .


ويرى حرمل، وهو من المتابعين لنشأة وتطور الحراك في الجنوب، أن جذر المشكلة الجنوبية يعود إلى الظروف التي أحاطت بسرعة إعلان قيام الوحدة من دون سابق إعداد وتحضير مكتمل لها، وما رافق مرجعياتها السياسية والقانونية من أخطاء وتشوهات ونواقص كبيرة وما أعقبها من سياسات خاطئة أوصلت الوحدة إلى طريق مسدود، وقد تجلى ذلك بوضوح في عدم تحقيق الاندماج الكامل بين مؤسسات الدولتين في المرحلة الانتقالية .


ويقول حرمل إن “حرب 1994 جاءت لاستبعاد الجنوب ليس من شراكة الدولة فحسب بل جرى استبعاده من شراكة السلطة ليخرج الجنوب بالكامل من المعادلة، وبالتالي تم القضاء على الوحدة وتحول الجنوب الأرض والإنسان إلى ساحة مستباحة وتحول معها الوضع من وحدة بالتراضي إلى احتلال بالقوة، وما زاد الفعاليات الاحتجاجية زخما هو ظهور على سالم البيض وما رافقه من حراك داخلي وخارجي يصب في الأساس في مصلحه القضية الجنوبية بغض النظر عن اتفاق أو اختلاف البعض معه، ففي المحصلة النهائية الجميع متفقون على الخلاص واستعاده الدولة وسيأتي اليوم الذي سيفضي التطور الكمي للحراك إلى تطور نوعي وستبرز قيادة موحدة تحظى برضا وتأييد كافه القوى الجنوبية في الداخل والخارج تلبي آمال وتطلعات شعب الجنوب في الحرية والاستقلال، وهذا لن يتأخر كثيراً، فسلوك السلطة وعنجهيتها قد عمل على تضييق الخيارات ودفع بقوة إلى تعجيل فك الارتباط واستعادة الدولة الذي يتبناه علي سالم البيض كضرورة يستمد عدالته من دماء الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين والملاحقين وآلام ومتاعب شعب الجنوب الذي تعددت وتنوعت أشكال التعذيب والتنكيل به، وصلت حد اختطاف جثث الشهداء ومنع مواكب التشييع واعتقل الجرحى ومرافقيهم والمتبرعين بالدم ومنع المشافي من استقبال ضحايا قمع الفعاليات السلمية وغيرها من السلوكيات المشينة التي يندى لها الجبين” .


من ناحيته يشير الصحافي المستقل محمد علي محسن، وهو من منطقة ملتهبة بفعاليات الحراك الجنوبي، إلى أن الحل لن يكون بالتجزئة التي يطالب بها الحراك، ويقول إن المعالجة لن تفلح بالتجزئة، ويؤكد أن الهرولة صوب الدولة الشطرية مجرد ردة كافرة وجاحدة بإمكانية المعالجة لقضية سياسية، رغم تأكيده أنه في حال أجري استفتاء في الجنوب حول الوحدة فالأغلبية ستصوت بنعم للانفصال .


ويضيف قائلاً: “لا جمهورية الصالح التي يخشى عليها من الفدرلة والانفصال صارت جمهورية لليمن واليمنيين، أو أن جمهورية البيض ستكون حلا ممكنا وناجعا لليمن واليمنيين، في كلا الحالتين، الوحدة على هذه الشاكلة المشوهة أو التجزئة كطريقة للخلاص من الوضعية الراهنة ليس إلا محاولتين للهرب من مشكلة مزمنة قائمة، ففي الحالتين يستنزف اليمنيون طاقتهم وجهدهم ووقتهم ودماءهم خارج سياق الحل للمشكلة القائمة” .


ويرى أن “حالة المراوحة بين الوحدة واللاوحدة بلا شك قتلت روح التفاؤل داخل هؤلاء المحبطين واليائسين من الوحدة، كما أنها حطمت ووأدت كل فكرة طموحة بوطن مجزأ أو موحد” .


ويختم محسن حديثه بالقول: “إذا ما تم الاستفتاء على الدولة الموحدة في الجنوب، فالمؤكد أن أغلبية السكان ستصوت لخيار الانفصال، ومع هذه الحقيقة المرة يصعب القول إن حالة الرفض للوحدة السياسية نابعة عن إدراك واع بجدوى التجزئة كضرورة وحتمية لمعالجة مشكلات الجنوب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل يمكن الجزم أنها نتاج واقع وحدوي غير مؤهلة إدارته وأداته السياسية للقيام بمهمة كبيرة كهذه الجامعة لدولتين لكل واحدة منها خصوصياتها ومشكلاتها وطموحاتها، أضف إلى ذلك أن التجزئة بكل المقاييس والحسابات الاقتصادية والسياسية والوطنية والإقليمية والعالمية ليست حلاً نهائياً لمعاناة الجنوب في كنف التوحد، كما أنها لم تصل بعد لأن تكون رغبة جمعية تستوجب التضحية والنضال، فالتجزئة في ظرفية مثل هذه تعد نتيجة طبيعية لحالة غير عادلة وغير خلاقة وفي كيان لا يستقيم مطلقاً مع طموحات وتحديات المتحدين” .

 

عن صحيفة الخليج

 

http://www.alkhaleej.ae/portal/b0258f14-0e63-4ecf-b533-6a3c6ae7ac6f.aspx

 

 

آخر تحديث الجمعة, 24 سبتمبر 2010 06:37