بين التبكيـر والتكبـيـر -بقلم : د\محمد فتحي راشد الحريري طباعة
مقالات - صفحة الدكتور/ محمد فتحي راشد الحريري
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الأربعاء, 10 يونيو 2015 06:39

التكبير أن تقول : الله أكبر وهو الركن الذي نفتتح به الصلاة ( الجذر : ك ب ر )، والتبكيـــــــر أن تأتي مبكِّـرا( الجذر : ب ك ر ) . فهما من عائلةٍ لغويّـــةٍ واحدةٍ ، لكن كل كلمة من جذر ثلاثي مستقل ، وفـي

التبكير إلى الصلاة سجلنا هذه الأقوال لبعض العلماء من السلف عليهم رحمة الله :


قال إبراهيم التيمي : "إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه "
سير أعلام النبلاء 5/84
وكان وكيع بن الجراح يقول : من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترجُ خيره .


ذكره ا لبيهقي في "شعب الإيمان" 3 / 74

وكان بعض السلف يعدون الذهاب إلى المسجد بعد الأذان تقصيرا ، وأن الفضل هو في الذهاب قبل النداء


ورأى بعض الناس رجلا من السلف يتوضأ ويخرج إلى المسجد قبل الأذان ، فقال له في ذلك ( أي لم

يؤذن بعد ) فقال الرجل الصالح : إنما جُـعِـل الأذان لتنبيه الغافلين .


. وفي هذا المعنى ، قال سفيان بن عيينة : لا تكن مثل عبد السوء ، لا يأتي حتى يُدعَى


التبصرة لابن الجوزي \ 131

وعن أبي حرملة عن ابن المسيب قال : ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين ، وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة

السير (4/ 30 )

يعني أنه كان يصلي في الصف الأول دائمــاً . وقال علماء السلف :

للعبد بين يدي الله موقفان :موقف بين يديه في الصلاة ، وموقف بين يديه يوم لقائه: " فمن قام بحق

الموقف الأول هون عليه في الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك

الموقف ، أي يوم القيامة ..

(الفوائد إبن القيم 273)

وكلنا يعرف فضل التبكير الى صلاة الجمعة الذي يتراوح مثله بين مثل منْ قدَّم ناقة وبين من قدَّم بيضة

وشتَّان بين المثلين ، بين المبكِّـر والمتأخر !


فما هو أصل التبكير ( التفعيل ) الجذوري ؟؟؟

التبكير من البكرة ، والبُكْرَةُ الغُدْوَةُ ، قال سيبويه : من العرب من يقول أَتيتك بُكْرَةً نَكِرَةٌ مُنَوَّنٌ وهو يريد في يومه أَو غده وفي التنزيل العزيز: ((ولهم رزقهم فيها بُكرة وعشيّاً ))، والبُكْرَةُ من الغد ويجمع بُكَراً

وأَبْكاراً وقوله تعالى: ((وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عذابٌ مُسْتَقِرّ)) بُكْرَةٌ وغُدْوَةٌ إِذا كانتا نكرتين نوِّنَـتـا وصرفتا وإذا أَرادوا بهما بكرة يومك وغداة يومك لم تصرفهما فبكرة ههنا نكرة والبُكُور والتَّبْكيرُ الخروج في ذلك

الوقت والإبْكارُ الدخول في ذلك الوقت ، والبَكَرُ البُكْرَةُ وقال سيبويه لا يُستعمل الا ظرفاً والإبْكارُ اسم البُكْرَةِ الإصباح هذا قول أَهل اللغة وعندي أَنه مصدر أَبْكَرَ وبَكَرَ على الشي وإِليه يَبْكُرُ بُكُوراً وبكَّرَ تَبْكِيراً

وابْتَكَرَ وأَبْكَرَ وباكَرَهُ أَتاهُ بُكْرةً كله بمعنى ويقال باكَرْتُ الشيء إِذا بكَّرُت له .

وفي الحديث الشريف : ( بورك لأمتي في بكورها ) . وكان يستحث السيدة فاطمة الزهراء على صلاة الفجر في وقتٍ مبكر فيقول لها : ( قومي واشهدي رزق ربك يا فاطمة ) .

والباكورة أَوَّل الفاكهة ، وقد ابْتَكَرْتُ الشيءَ إِذا استوليت على باكورته وابْتَكَرَ الرجلُ أَكل باكُورَةَ الفاكهة وفي حديث الجمعة (من بَكَّرَ يوم الجمعة وابْتَكَرَ فله كذا وكذا ) قالوا بَكَّرَ أَسرع وخرج إِلى المسجد باكراً

وأَتى الصلاة في أَوّل وقتها وكل من أَسرع إِلى شيء فقد بَكَّرَ إِليه ، وابْتَكَرَ أَدرك الخُطْبَةَ من أَوَّلها وهو من الباكورة ، وأَوَّلُ كُلِّ شيء باكُورَتُه .

فالبكر يشير عند العرب دائما إلى أوائل الأشياء ، فبِكرُ كُلِّ شيء أَوّله وكُلُّ فَعْلَةٍ لم يتقدمها مثلهــا بِكْرٌ ، والبِكْرُ أَوَّل ولد الرجل غلاماً كان أَو جارية وهذا بِكْرُ أَبويه أَي أَول ولد يولد لهما ، وكذلك الجارية بغير

هاء وجمعهما جميعاً أَبكار وبكْـرَةُ ولد أَبويه أَكبرهم وفي حديثٍ : (لا تُعَلِّمُوا أَبْكارَ أَولادكم كُتُبَ النصارى) يعني أَحداثكم ، وبِكْرُ الرجل بالكسر أَوّل ولده ،وقد يكون البِكْرُ من الأَولاد في غير الناس كقولهم بِكْرُ

الحَيَّةِ ، وبكر الناقة والفرس ، وقالوا: أَشدّ الناس بِكْرٌ ابنُ بِكْرَيْن .

قال ابن سيده في المحكم :

يا بِكْرَ بِكْرَيْنِ ويا خِلْبَ الكَبِدْ *** أَصبَحتَ مِنِّي كذراع مِنْ عَضُدْ

والبِكْرُ الجارية التي لم تُفْتَضَّ ( لما تزل عذراء ) وجمعها أَبْكارٌ والبِكْرُ من النساء التي لم يقربهــا رجـل ، ومن الرجال الذي لم يقرب امرأَة بعد والجمع أَبْكارٌ ومَرَةٌ بِكْرٌ حملت بطناً واحداً والبِكْرُ العَذْراءُ

والمصدر البَكارَةُ بالفتح والبِكْرُ المرأَة التي ولدت بطناً واحداً وبِكْرُها ولدها والذكر والأُنثى فيه سواء وكذلك البِكْرُ من الإِبل أَبو الهيثم والعرب تسمي التي ولدت بطناً واحداً بِكْراً بولدها الذي تَبْتَكْرُ به ، ويقال لها

أَيضاً بِكْرٌ ما لم تلد ونحو ذلك ، قال الأَصمعي : إِذا كان أَوّل ولد ولدته الناقة فهي بِكْرٌ وبقرة بِكْرٌ فَتِيَّةٌ لم تَحْمِلْ ويقال ما هذا الأَمر منك بِكْراً ولا ثِنْياً على معنى ما هو بأَوّل ولا ثان ، قال ذو الرمة :

وقُوفاً لَدَى الأَبْوابِ طُلابَ حاجَـةٍ *** عَـوانٍ من الحاجاتِ أَو حاجَةً بِكْرَا

والبَـكَـرة دُعيت بهذا الاسم لأنها توضع في أول الحبل الذي تُرفع بواسطتها الأشياء . وبها لقِّب الصحابي

أبو بكرة رضي الله عنه ، والبَكْرَةُ والبَكَرَةُ لغتان في الآلة يستقى عليها وهي خشبة مستديرة معروفة ( كالمزلاج أو الزلاجة للحبل ) في وسطها مَحْزُّ للحبل وفي جوفها مِحْوَرٌ تدور عليه ، والبَكَراتُ أَيضاً

الحَلَقُ التي في حِلْيَةِ السَّيْفِ شبيهة بِفَتَخِ النساء ،وقول العربي :"جاؤوا على بَكْرَةِ أَبيهم" إِذا جاؤوا جميعاً على آخرهم ،وقال الأَصمعي :جاؤوا على طريقة واحدة وقال أَبو عمرو جاؤوا بأَجمعهم وفي الحديث "

جاءت هوازنُ على بَكْرَةِ أَبيها "هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفير العدد وأَنهم جاؤوا جميعاً لم يتخلف منهم أَحد ، وقال ابن جني : عندي أَن قولهم جاؤوا على بكرة أَبيهم بمعنى جاؤوا بأَجمعهم هو من

قولهم بَكَرْتُ في كذا أَي تقدّمت فيه ومعناه جاؤوا على أَوليتهم أَي لم يبق منهم أَحد بل جاؤوا من أَولهم إِلى آخرهم ، وهو ما نرجِّـحـه ، والله أعلم .