الفُـطْـــــرة - بقلم - د\محمد فتحي راشد الحريري طباعة
مقالات - صفحة الدكتور/ محمد فتحي راشد الحريري
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
السبت, 18 يوليو 2015 09:47

 الفطرة هي الاسم الشعبي لزكاة الفطر ، أو صدقة الفطر ، الواجبة على المسلمين في نهاية صومهم . والزكاة عموما فريضة وركن من أركان الإسلام ،

الجذر (ز ك ا \ ز ك ى) يفيد النماء والطهارة فالزكاة تنمي المال ، ولا تنقصه أبدا ، وهي تطهير لنفس الفقير من الحقد والحسد ، وتطهر نفس الغنيّ من الشحّ والأثَـرة  .

الزَّكاء، ممدود: النَّماء والرَّيْعُ، زَكا يَزْكو زَكاء وزُكُوّاً.

وفي حديث علي، كرم الله وجهه: المالُ تنقُصه النَّفقة والعِلم يَزْكُو على الإِنْفاقِ، فاستعار له الزَّكاء وإِن لم يك ذا جِرْمٍ، وقد زَكَّاه اللهُ وأَزْكاه.

والزَّكاء ما أَخرجه الله من الثمر.

 

وأَرضٌ زَكِيَّةٌ: طيِّبةٌ سمينة؛ حكاه أَبو حنيفة. زكا، والزَّرع يَزْكو زَكاء( ممدود) أَي نما .

خاطب ربنا النبي الأعظم : (( خذْ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها )) .

قوله تعالى : وتُزَكِّيهم بها؛ قالوا: تُطهِّرُهم. قال أَبو علي: الزَّكاةُ صفوةُ الشيء.

وزَكَّاه إِذا أَخذ زَكاتَه.

وتَزَكَّى أَي تصدَّق.

وفي التنزيل العزيز: والذين هم للزَّكاةِ فاعِلُون؛ قال بعضُهم: الذين هم للزكاة مُؤْتُون، وقال آخرون: الذين هم للعمل الصالح فاعِلُون، وقال تعالى: خيراً منه زَكاةً؛ أَي خيراً منه عملاً صالحاً، وقال الفراء: زَكاةً صلاحاً، وكذلك قوله عز وجل: وحناناً من لدُنَّا وزَكاةً؛ قال: صلاحاً.

أما اسم الصدقة فهو من الجذر الثلاثي ( ص د ق ) فالمخرج للصدقة صادق في انتمائه وعمله وتطبيقه السلوكي للإسلم بما ينفع عباد الله تعالى .

وزكاة الفطر فرع من الزكاة إلا أنها مختصة برمضان ، وهي واجبة على الغنيّ والفقير سواء ، بعكس الزكاة الفريضة التي لا تجب إلا على من ملك النصاب .

زكاة الفطر فريضة على كل مسلم : الكبير والصغير ، والذَّكَر و الأُنثَى ، و الحُرّ والعَبد ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال (فَرَضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفِطر مِن رمضان صاعاً مِن تَمر ، أو صاعاً مِن شَعِير ، على العَبْدِ والحُرِّ ، والذَّكَر والأنثى ، والصغير والكبير مِن المسلمين . و أَمَرَ بها أن تُؤَدَّى قَبلَ خُرُوجِ الناس إلى الصلاة) صحيح البخاري .

تُعطَى زكاة الفطر لفقراء المسلمين في بلد مخرجها ، ويجوز نقلها إلى فقراء بلد أخرى إذا كان أهلها أشد حاجة ، ولا يجوز وضعها في بناء مسجد أو مشاريع خيرية .

حِكمتها : تَطهِير الصائم مما عسى أن يكون قد وَقَعَ فيه أثناء الصيام مِن لَغْوٍ أو رَفَث ، فعنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ ) فَرَضَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ زَكاةَ الفطرِ طُهرةً للصَّائمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفثِ وطُعْمةً للمساكينِ) صحيح أبي داود ، قال وكيع بن الجراح رحمه الله : زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدَتَي السهو للصلاة ، تَجبُر نُقصان الصوم كما يَجبُر السجود نُقصان الصلاة . وكذلك لتكون عَوناً للفقراء والمحتاجين على شِراء احتياجات العيد ليشاركوا المسلمين فرحتهم ولإغنائهم يوم العيد عن السؤال والتطواف

  تجب زكاة الفطر : على كل مسلم يكون لديه ما يَزِيد عن قُوْتِهِ وقُوتِ عِيَالِهِ وعن حاجاتِهِ الأصلية .

تارك إخراج زكاة الفطر : إن كان يَعلَم وجوبها ، فإنه يُعْتَبَر عاصياً مُخالفاً لأمر الله تعالى في أَمْرِهِ بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .

مِقدار زكاة الفطر : الواجب فى زكاة الفطر صاعٌ مما يَقْتاتُهُ أهل البلد من أرز أو سكر أو تمر أو برغل أو قمح أو شعير ، ونحو ذلك مما يُعْتَبَر قُوتاً يُتَقَوَّت به ، ويُقَدَّر الصاع بـ (3) كيلو جرامات  مِن الأرز عن الفرد الواحد ، ويَختَلِف الوَزن بالنسبة لغير الأرز مِن الأقوات ، ولا يجوز إخراج ما فيه نَقص ولا ما كان معيباً ، فالله طيب ولا يقبل الا طيبا .

من أهل العلم من يمنع دَفعها مالاً ، لأن الأصل إخراجها طعاماً ، ومنهم مَن قال أنه يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً بمقدار قيمتها العينية دراهم إذا كان ذلك لمصلحة الفقير ، وتُقَدَّر قيمتها بـقيمة (3) كيلو جرامات مِن الأرز (أو السكر في أيامنا ) حسب سعره في البلد ، ويبحث الفقهاء عادة في مطولاتهم الفقهية وأبحاثهم واجتهاداتهم ما يجيب عن تساؤلات العامة من جمهور المسلمين ، مثـل :

وقت زكاة الفطر ، وكان الصحابة يُخرِجونها قبل يومين ، فعن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صدقة التَّطَوُّع (وكانوا يُعطُون قَبلَ الفطر بيوم أو يومين) صحيح البخاري

المستحقون لزكاة الفطر .

على من تجب ، وعمن تُخرج .... الخ .

 ونؤكد أنَّ الراجح اليوم جواز إخراج قيمة الفطرة ونقول : نقدا لان هذا أرفق بالفقير ؛ فعن معمر قال : كتب عمر بن عبد العزيز : « على كل اثنين درهم ؛ يعني زكاة الفطر » ، قال معمر : هذا على حساب ما يعطى من الكيل . أثر صحيح : رواه عبد الرزاق في المصنف (3/ 316 برقم 5778).

 

ورواه ابن أبي شيبة (3 / 282 برقم 10462 و10463) من طريقين :

الأولى عن ابن عون قَالَ : سَمِعْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُقْرَأُ إلَى عَدِيٍّ بِالْبَصْرَةِ : « يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ مِنْ أَعْطِيَّاتِهِمْ ، عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ » ،

والثانية من طريق قرة بن خالد قَالَ : جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ : « نِصْفُ صَاعٍ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ ، أَوْ قِيمَتُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ ».

ورواه حميد بن زنجويه في كتاب الأموال (3/ 1267-1269 برقم 2451 و2453) من طريقين أيضا :

طريق ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن عمر بن عبد العزيز كتب : « يؤخذ من عطاء كل رجل نصف درهم زكاة الفطر قال يزيد : فهم حتى الآن يأخذونهم به » ،

وطريق ابن المبارك ، عن عوف قال : قرئ علينا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة رمضان : « واجعل على أهل الديوان نصف درهم من كل إنسان ، يؤخذ من أعطياتهم » .

وأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أدرك عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك - رضي الله عنهم -، وهو الذي كتب إلى الناس : " لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-".

قال ابن حزم في المحلى (6/ 130-131) : « وصحَّ عن عمر بن عبد العزيز إيجاب نصف صاع من بر على الإنسان في صدقة الفطر، أو قيمته على أهل الديوان نصف درهم ، من طريق وكيع عن قرة بن خالد قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلينا بذلك ، وصح أيضا عن طاووس ، ومجاهد ، وسعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وأبى سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن جبير ، وهو قول الأوزاعي ، والليث ، وسفيان الثوري» .

وعن ابن شهاب قال : « أخذت الأئمة في الديوان زكاة الفطر في أعطياتهم » أثر حسن : رواه ابن زنجويه في الأموال .

ونحن لسنا في صدد الحديث عن الفتاوى ، ولا مناقشة أقوال الفقهاء لبيان الراجح ، وإنما نحن في مضمار لغوي جذوري بحت ، وإن كانت طبيعة البحث الزمانية اقتضت الخوض فيه ونحن في رحاب الشهر الكريم .

أما الفُطرة ( بضم الفاء) فهي لفظ عامي من الفطر للصائم ، وبالفطر تجب زكاة الفِطر ، وأصل الجذر ( ف ط ر ) هو الشق :

فطَرَ الشيءَ يَفْطُرُه فَطْراً فانْفَطَر وفطَّرَه: شقه.

وتَفَطَّرَ الشيءُ: تشقق.

والفَطْر الشق، وجمعه فُطُور.

وفي التنزيل العزيز: هل ترى من فُطُور؛ وأَنشد ثعلب:

شَقَقْتِ القلبَ ثم ذَرَرْتِ فيه ***هواكِ، فَلِيمَ، فالتَأَمَ الفُطُورُ

وأَصل الفَطْر: الشق؛ ومنه قوله تعالى: إذا السماء انْفَطَرَتْ ؛ أَي انشقت .

وفي الحديث الشريف: قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى تَفَطَّرَتْ قدماه أَي انشقتا ، أو كادتـا . يقال: تَفَطَّرَتْ بمعنى؛ ومنه أُخذ فِطْرُ الصائم لأَنه يفتح فاه .(قاله ابن سيده) وقال : تَفَطَّرَ الشيءُ وفَطَر وانْفَطَر. قلنا : فطر الصائم أن يشق الطعام صيام الجهاز الهضمي !