احسان فؤاد .. الشاعر الذي كان يحلم بالدولة الكوردية - بقلم - جــودت هوشيار |
مقالات - صفحة الدكتور / جــودت هوشيار |
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS |
الاثنين, 29 يونيو 2015 15:59 |
ثمة بين اهل الفكر والثقافة اسماء مشهورة مدوية ، غزيرة الأنتاج ، تتفنن في تسويق نفسها بشتى الطرق . تتحدث عنها الناس ووسائل الأعلام . ولكن عندما تلتقي ببعض هؤلاء – ولا أقول كلهم - وجها لوجه وتتبادل معه حواراً ، سواء في مجال تخصصه ، أو أي موضوع فكري أو ثقافي ، يتغير الأنطباع -الذي تركته لديك قراءة مؤلفاته ، وترى ان نتاجاته أقوى تأثيراًمن شخصيته بكثير ، فهو لا يمتلك أي سحر شخصي جذّاب ، ولا يؤثر فيك ، ولا يترك لديك ما يذكرك به . وعلى النقيض من ذلك ، هناك مبدعون آخرون ، يعملون بصمت بعيداً عن الأضواء تتحدث عنهم انجازاتهم الأبداعية ، وان لم تكن غزيرةً، ، و يتمتعون بسحر شخصي ، وحضور قوي ، تود أن تصغي اليهم بشغف وهم يتحدثون عما يشغل بالهم أو ما يتطلعون اليه ، ويسعون لتحقيقه .وتترك كلماتهم المتوهجة والبليغة انطباعاً قوياً في نفسك ، لا يمحى عبر السنين . تخرج على يديه ، كأستاذ للأدب الكردي وعميداً لكلية الآداب ، ومساعداً لرئيس جامعة السليمانية في فترة معينة من حياتي ، سعدت بمعرفته وصداقته ، شاعراً رقيقاً ووطنياً يلتهب حماساً للقضية الكوردية . يتحول الى مناضل شجاع عند الضرورة ويخوض غمار الحياة بأرادته القوية . يقال ان الأديب ، الذي يحيا في عالم الفكر والأدب والفن ، ويتأمل الحياة الأنسانية ومعناها ، يصبح أكثر انسانية من الآخرين ،وهذا ينطبق تماماً على الراحل الكبير ولكن،عندما تتعرض تلك القيم التي يؤمن بها الى أي انتهاك ، فأنه يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة وشجاعة . وهذا المزج بين الرقة حيناً و الصلابة حيناً آخر ، سمة بارزة لكل كاتب وشاعر وفنان حقيقي . كاوس قفطان ، كمال مظهر ، عزالدين مصطفى رسول ، أحمد عثمان ، نسرين فخري ) ولم تمض على وصولهم سوى ايام معدودة حتى تم عقد اجتماع للطلبة الكورد ، من اجل تأسيس فرع في الأتحاد السوفييتي لجمعية الطلبة الكورد في أوروبا . كان المد اليساري طاغياً بين الطلبة العراقيين في موسكو وكان ( اتحاد الطلبة العام ) هو الذي ينوب عن الطلبة العراقيين في الأتصال بالسلطات السوفيتية ذات العلاقة في الجامعة وفي وزارة التعليم العالي والسفارة العراقية . وكان الأتحاد يعارض تأسيس كيان طلابي خاص بالطلبة الكورد ويهدد بفصل أي طالب ينتمي الى جمعية الطلبة الكورد في أوروبا . ورغم ذلك فقد نجح الأجتماع المذكور في حشد الطلبة الكورد وراء جمعيتهم وتأسيس فرع الجمعية في موسكو ً، وكان للراحل احسان فؤاد الفضل الأكبر في نجاح الأجتماع والبدء في الأجراءات العملية لأنشاء فرع الجمعية ، الذي أخذ يمارس نشاطه ، وعن طريقه كانت تصل الينا النشرة الصادرة عن المقر الرئيسي للجمعية في المانيا بعدة لغات أوروبية وفيها آخر أخبار كردستان والقضية الكوردية و مقالات عن النضال التحرري الكوردي .. وقد تفرق طلبة الدكتوراه الكورد – بعد اجتيازهم السنة التحضيرية – في كل من موسكو ولينينغراد وباكو . ولم أعد التقي بالراحل الكبير -لأنني كنت في موسكو وهو في لينينغراد - الا في المؤتمرات السنوية لجمعية الطلبة الكورد في أوروبا والتي كانت تعقد في ألمانيا في أغلب الأحيان . الطابق نفسه في عمارة حديثة على شارع السعون ، قريبة من أبو نواس . وكنا نلتقي بشكل شبه يومي ، و كانت أحاديثنا تدور حول الأدب والفن ، والوضع السياسي في العراق وآخر أخبار الثورة الكوردية . وتعد هذه الفترة من أخصب فترات حياة الراحل الكبير . فقد صدر له أول ديوان شعر تحت عنوان ( الزهرة البرية ) ( كولي كيوي ) ، كما قام بتحقيق رواية الشاعر أحمد مختار جاف ( مسألة ضمير ) ، التي كتبها بين عامي ( 1927 – 1928 ) . ويرى بعض النقّاد أنها أول قصة كوردية طويلة ( نوفيلا ) وكلا النتاجين طبعهما على نفقته الخاصة . الفن هنا بمعناها الشامل ، أي الآداب والفنون جميعاً . ، كما أنه كان يتحدث كل اسبوع من القسم الكوردي في اذاعة بغداد ، حول موضوع أدبي أو فكري كوردي . وقبيل بيان الحادي عشر من آذار 1970 لعب دوراً محورياً في تأسيس اتحاد الأدباء الكورد ، الذي بدأ أعماله في 10/2/1970 وعقده مؤتمره الأول في 23 و24 حزيران 1970 في بغداد، وأقامت مهرجانات شعرية وملتقيات للقصة الكوردية وندوات أدبية في مدن كوردستان. الأسبوعية ، الناطقة باسم المديرية ، التي سرعان ما أصبحت قبلة للكتاب والشعراء الكورد في بغداد وفي أرجاء كوردستان ، وكانت معظم صفحاتها باللغة الكوردية مع أربع صفحات داخلية باللغة العربية . القصص الأجنبية ، منها على سبيل المثال لا الحصر ، قصة ( ضربة شمس ) لأيفان بونين ، وكانت أول قصة لهذا الكاتب العظيم تترجم من اللغة الروسية مباشرة وقصة ، ( ذكريات قرد ) لفرانز كافكا ،التي تتحدث عن قساوة البشر ومقالات عن الأدب الكوردي في جمهوريات ما وراء القفقاس .وغيرها . فكي الآلة وتسارع الوقت والأحداث. في رواية جيورجيو صور لملايين الناس وهم يقتلون بوحشية في الحروب ، التي كانوا وقوداً لها ولا يعلمون كيف ولماذا ومن أشعلها.؟ وهي أحدى أهم الروايات التي تدين الحروب وما ينجم عنها. إنها إدانة للظالمين والفاسدين، وعطف على المضطهدين والمقهورين. هي لوحة من واقع تخللته ألوان الطبائع المختلفة . اطروحته لنيل الدكتوراه - و يقول ان حاجي قادري كويي هو أحد ابرز الشعراء القوميين ، وكنت أقول له ان احمدي خاني قد سبق كويي في هذا المجال ، فيردعليّ ، ان ذلك صحيح ولكن الحس القومي يطبع معظم شعركويي أكثر من أي شاعر كوردي آخر . جرى بينه وبين أحد المدراء العامين في الوزارة . ، ولو ضم - ضد رغبته - الى بلد آخر أكثر سكاناً. هناك يساريون يعطفون على القضية الكوردية ، بل أن بعضهم يقر شفاهاً ، ان من حق الشعب الكوردي تقرير مصيره بنفسه ، ولكن ما ان تصل الأمور الى منح الكورد بعض حقوقهم ، حتى يرفعون في وجه الكورد الشعارات الديماغوجية عن الوحدة الوطنية والعراق الموحد والنضال ضد الأمبريالية . واذا كان هذا ديدن اليسار ، فما بالك بالقوى القومية الشوفينية واليمينية الرجعية . الحرية يا صديقي تنتزع ولا تمنح . في الدولة المتعددة القوميات يتغني الحكام وهم في العادة – من القومية الأكبر في البلاد - بالوحدة الوطنية لغمط حقوق القوميات الأخرى . عشرات المسرحيات وأبدعت الفرق الموسيقية والغنائية الكوردية في امتاع الجمهور البغدادي بأعذب الألحان الكوردية الأصيلة ، اضافة الى معارض الفن التشكيلي للفنانين الكورد وغيرها من الفعاليات الثقافية والفنية. وهذا المهرجان كان الأول والأخير من حيث أصالتها وتأثيرها الأيجابي ، وتوقيتها الصحيح واقامتها في قلب بغداد .صحيح ان وزارة الثقافة في الأقليم أقامت عدة مهرجانات ثقافية خلال السنوات العشر الماضية ، الا أنها كانت متواضعة جداً قياساً الى المهرجان الثقافي الكوردي الأول . الحزب والدولة . وكانت كلمة رصينة ورائعة ، تتحدث عن أمجاد الكورد وتراثهم الثقافي والفني بأعتداد بالنفس وايمان راسخ بالهوية الكوردية المتميزة واستجلاء للتراث الثقافي الكوردي من عاشق لهذا التراث الثري . التطبيق المفترض للحكم الذاتي لكوردستان في الحادي عشر من آذار 1974 . ونحن نعرف جيداً ، ماذا حدث في يوم انتهاء المدة المقررة ، حيث أصرت القيادة البعثية الفاشية عل اعلان الحكم الذاتي الكارتوني لمنطقة كوردستان . هذا وأكثر من هذا . بأسمائهم . وكما يقول الروس:" ان الكتاب والشعراء هم معلمو الشعب " ، ونحن نناشد – من هذا المنبر الرصين - الجهات المختصة ان تلتفت الى هذه المسألة ، ففي نهاية المطاف الشعب ، يعرف بمبدعيه في كافة مجالات النشاط الأنساني . يوم الحرية والكرامة الأنسانية ، عندما يتولى الشعب الكوردي زمام اموره بنفسه ويعيش على ارضه التأريخية حراً مستقلاً . في ذلك اليوم العظيم سأردد اسمك بين اسماء كثيرة ناضلت وضحت من اجل اليوم الأغر المنشود . |