اهلاً نوفمبر.. لقد طال سفر الجنوب!
كتب : المحرر السياسي
نعم لقد طال السفر وطالت مشاويره وتعمق الحنين، ومايزال الجنوب واقفاً على قدميه صابراً مثابرا، وبالرغم من نوافذ الأمل التي انفتحت بفعل التضحيات الكبيرة التي قدمها شباب المقاومة الجنوبية في صد العدوان الحوثفاشي وتنظيف رقعة الجنوب من دنسه، بالرغم منها الا ان الطريق الى اليوم الموعود ما يزال غامض وما يزال الجنوب لا يملك ذاته ولا يملك حراك سياسي حقيقي، وما يزال يقتات على الحسابات العاطفية والحماس الملتهب والشعارات والمهرجانيات المكرورة.

لا بد من لفت النظر والنقد وتقليل الطبول والمديح الذاتي، لان العملية السياسية التي ستقود الى يوم الاستقلال الثاني عملية معقدة وتنطوي على تحديات كبيرة وتتطلب قوة جبارة على الارض وقوى موحدة ومنظمة وعقول حقيقية قارئة وواعية وملهمة يثق بها الاقليم والعالم.

لقد جف الحبر وبحت الأصوات والجنوبيون يرددون هذه الأسطوانة حول وحدة الصف والحامل السياسي وغيرها.. ومع ذلك تمر الايام ولا جديد لدى الجنوب، حتى المقاومة الجنوبية دخلت في مرحلة محيرة وبحاجة الى مساعدة الآخرين لضمها في نسيج منتظم.

لا يجب ان يمضي وقت طويل دون ان يكون هناك حراك سياسي ممنهج منظم يتجاوز الإعاقات التي غرستها المكونات العديدة وولاءاتها المختلفة حتى لا يضيع الجنوب، ويتقدم الاخرون ويصلحون احوالهم ويستعيدون انفاسهم وقواهم، والجنوب قابع على الرصيف فيفوته القطار الاخير.

نوفمبر هذا العام مختلف تماما لانه أتى بعد تضحيات جسيمة ومعارك دامية لم يشهدها الجنوب في كل تاريخه القديم والحديث، ولم يكن الاستعمار البريطاني قد تسبب في شيء يذكر مقارنةً بما فعله الاشقاء المستعمرين الفاشيين. لهذا يجب التنبيه ان الظروف اختلفت وزاد الجرح جروحاً والدم دماءاً والشق صدوعاً لا يمكن ان تلتئم ولو اجتهد كل العالم من اجل ذلك.

ولا يُنسى بان نوفمبر يمر في ظروف ما تزال فيها الحرب مشتعلة على حدود الجنوب وما يزال الجنوب مهدداً ان لم يتم القضاء على مجرمي الحرب ومليشياتهم الإرهابية، ولهذا فإن أي مفاوضات تجري في جنيف او في اي مكان آخر ليست سوى مد في عمر القوى المعتدية ومنحهم فرص البقاء والاستقواء، بعد ان اثبتت التجارب انه مع كل هذه الحرب الضروس ما يزالوا يتلقون دعما خارجيا نوعيا، كما عرف عنهم الجميع بانه لا عهد لهم ولا ذمّة ولا ينفع معهم الصلح او الحوار او الاتفاق فهم حتما منقلبون على كل شيء والتاريخ مليء بخيانتهم.

الجنوب لتلك الأسباب وأسباب كثيرة عليه ان يتعامل على خطين متكاملين بعقلية سياسية منفتحة، ان يعمل مع ذاته لكي يصبح جاهزا لكل شيء وان يتعامل بايجابية مع المتغيرات ويحترم تقاطع المصالح الكبيرة مع دول التحالف والسلطة الشرعية، لان الجنوب بحاجة لكل من يقف معه وبحاجة الى الدعم المتواصل لتطبيع الأوضاع وإعادة البناء، مثلما هو ايضاً بحاجة الى جهود ذاتية كبيرة لرص الصفوف ووضع برنامج سياسي حقيقي يقوم على قراءة واقعية للأحداث وكل المتغيرات في المنطقة والداخل ووضع خطط للعمل على استعادة دولة الجنوب كأمر واقع بشكل تدريجي.

٣٠ نوفمبر ذكرى ملهمة، يتخذ الجنوبيون منها مناسبة للظهور امام العالم لكي يفهم الجميع بان الجنوب دولة حققت استقلالها قبل عقود وعاشت تجارب صعودا وهبوطاً وهي اليوم في طريق عودتها بعد ان غيبها الاحتلال وأحال شعب الجنوب الى أقلية مهمشة انتُزعت حقوقه وسُلبت ارضه وثرواته.
الجنوب اليوم يتوجه لدول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة بالشكر والعرفان لوقوفها التاريخي الصلب مع المقاومة الجنوبية لصد ابشع عدوان همجي تعرض له ولن ينسى في حاضره ومستقبله ما قدمه الاشقاء من تضحيات بشرية ومادية هائلة، كما ان الجنوب لن يكون الا جزء من النسيج العربي الإقليمي بمعتقده وثقافته واهدافه ومستقبله.

كما ينتظر ابناء الجنوب من الأخوة في السلطة الشرعية العمل الجاد على تطبيع الأوضاع في الجنوب وتصفية الجيوب الإرهابية وإعادة البناء.

الجنوب طال سفره وطالت معاناته وتعمقت أوجاعه ويتطلع الى استعادة الحياة الطبيعية بعد عقود من التقلبات العنيفة والضياع الموحش، ويتطلع ان يتفهم الاشقاء بان استعادة دولة الجنوب هي الركن الاول للامن والاستقرار في الداخل وفي الاقليم وهو الامر الاكثر ضمانة لتحقيق كثير من أهداف السلام في المنطقة ودحر القوى المعادية لشعوبها.