عدن يا قبلة العشاق ومعبد الزمن
ما هذه التعابير الجميلة والرائعة أيها الشيخ الحضرمي التي هزت كياني وأحرقتني شوقا للقياك ياعدن. الشيخ الحضرمي أحد الذين ترعرعوا في عدن وتربوا على الحب والتسامح والرجولة فافتتنوا بها فعرفوا معنى الوفاء وإن الوفاء من شيم الكرام فسلم قلمك يا أخي.
عدن المدينة الجميلة التي عشقها الكل ,عدن تلك الفسيفساء الخلابة التي احتضنت بدفئها كل من يأتي إليها لذا فلا عجب إن من يأتي إليها لا يستطيع مغادرتها. عدن التي تئن اليوم تحت أقدام الطامعين الوحوش الذين لا يعرفون معنى الحضارة والتمدن. كان يأتي إلى عدن أناس من الصومال والباكستان والهند ومن دول أفريقية ومن السعودية ومن المملكة المتوكلية اليمنية وغيرها فترى الجميع يعيشون في ألفة وإخاء فيتعايشون فيها أصدقاء, أبناء للمدينة وقد اختلطت فيها الأنساب بينهم دون حواجز ولعمري لم أر صوماليا مثلا يشكو من العنصرية فتراهم في القضاء والنيابة العامة وفي مؤسسات الدولة وتراهم جيران يوزعون الابتسامة والضحكة المملوءة بالدعابة والمرح والتي تدل على صدق المشاعر الإنسانية التي رضعناها من ثدييك ياعدن وأنا لاابالغ في هذا إذا قلت إن عدن مدينة استثنائية في زمن استثنائي فلمن لا يصدقني يذهب إلى صنعاء ليرى كيف ينادونك هناك ب يا جنوبي ولم أكذب إذا قلت أن نقطة التفتيش الموجودة على مدخلها قد منعت كل صومالي من الدخول إليها واسأل أي امرأة صومالية ممن دفعت بهن الأقدار للعيش في صنعاء كيف عاملها أهل صنعاء ولا أكذب لوقلت أني كلما أقابل أي صومالي يسألني من أين أنت أ من الشمال أم من الجنوب وعندما أقول له إني من عدن يفتح لي قلبه دون تحفظ ويشكو لي من صنعاء التي لم يزرها مطلقا لكن أحد من أهله أومعارفه قد قال له كيف يعاملون الصومال فأقول له يا أخي لستم انتم وحدكم ممن يعاملون بالدونية في صنعاء فنحن أيضا نعامل مثلكم بل وأنهم يعاملوننا في بلدنا عدن التي احتلوها كغرباء منقوصين الحقوق بل وقد أجبرونا على مغادرتها وقد غادرتها أعداد كبيرة لتتحصن في القرى ومن أستطاع الخروج إلى بلاد الله الفسيحة فقد فعل وكلنا في الهم شرق أيها الصومالي الطيب.
يتباهى الأوروبيون بأن مدنهم تحتضن الناس من مختلف الأعراق والديانات وتضمن لهم حقوقهم متساوية, نقول لهم نعم القانون هو الذي يفرض هذا ويطبقه لكنه لا يستطيع أن يدخل ذلك إلى قلب المواطن الأوروبي الأبيض ويجعله جزء من سلوكه فترى العنصرية تشيح بوجهها القبيح في كل لحظة وترى التمييز يمارس في كل شيء ولا يستطيع القانون التصدي لكل شيء وفي كل لحظة مهما كانت قوته لأن البعض ممن يطبقه عنصريا بالفعل فكيف عندما يكون القاضي عنصريا وقد ترك له القانون مساحة واسعة للتصرف بحرية وكلمته وحكمة فوق كل الاعتبارات وماذا أيضا لو كان الشرطي عنصري فقد يئول ويفسر التصرفات وفقا لما يرى فقد يرى فعلا ما جريمة و يعامل صاحبها بقسوة وقد يرى ذلك الفعل زلة ويحذر صاحبها بكل لطف وأدب أما عدن التي غرست في قلوب ونفوس أهلها الحب والتسامح والإخاء فان أهلها يجسدون ذلك السلوك الحضاري في كل تصرفاتهم حتى وإن لم يفرض عليهم القانون ذلك ولعمري إن هذا السلوك الإنساني والحضاري الراقي هو تجسيد لروح الإسلام ورسالته السمحاء وهذا هو الإسلام وهذه هي رسالته الإنسانية فكما رأينا رسولنا الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام الذي قال عنه عز وجزء وإنك لعلى خلق عظيم, نراه وقد جسد ذلك السلوك والخلق الحسن مع الغرباء الذين اعتنقوا الإسلام فلم يعاملهم معاملة حسنة ليس لمجرد المجاملة بل وضعهم في موضع الثقة والحب وكانوا من أقرب وأحب الناس إليه كما فعل مع بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي.
عدن شلال حب ارتوى منه القادمون إليها من كل مكان ولأنها فاتنة ساحرة الجمال فقد كانت دوما تستهوي الطامعين فيها ممن لديهم حب التملك والأنانية فنرى أناس شربوا منها وترعرعوا فيها فكانوا لئاما متآمرين وهذا ما فعله بها البعض ممن قدموا إليها وهم يحملون الأسمال على أجسامهم والقمل في شعورهم ووجوههم المرقعة بالجوع والكلف فآوتهم عدن وقدمت لهم الحليب والعسل أكلوا من موائدها فامتلأت أجسامهم الهزيلة ودرسوا فيها فتحركت ألسنتهم المعقودة وأعطتهم البيوت الحديثة والوظائف الكبيرة حتى صاروا وزراء فيها بعثوا أولادهم لأرقى الجامعات في العالم وعادوا إلى عدن ليحصلون على الوظائف بكل يسر وسهولة, لكن البعض من هؤلاء ممن يعانون من عقد النقص المركبة وممن تربوا على الاضطهاد والتمييز تحت سلطة الإمام فتعلموا اللؤم منذ نعومة أظافرهم ليترعرع في قلوبهم الحسد والغدر والخيانة والانتقام وتراهم ينقضون على عدن وأهلها فيتآمرون عليها فكانوا عملاء للشاووش علي وخونة لعدن وهذا ينطبق عليهم البيت القائل إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمرد.
حبك ياعدن زادي وجمالك إلهامي فكما تعلمت منك كيف أحب وكيف أسامح علمتيني أيضا القيم النبيلة ومعنى الشرف والنخوة والوفاء, انه دين علينا ياعدن لن نتركك للأوباش ينخرون جسدك ويشوهون معالم الجمال فيه وإنا لثائرون من أجلك يا قبلة العشاق ومعبد الزمن.
وللشيخ الحضرمي كل المودة والتقدير من القتباني