الجنوب يحقق نصراً إعلامياً ساحقاً بتوقيع النقيب ...

[طائر الأشجان]

حبستُ أنفاسي كغيري من ملايين مشاهدي برنامج " الإتجاه المعاكس " قبيل الإعلان عن ضيوف الحلقة ، خشية أن يأتي أحد أعضاء الحزب الإشتراكي فيتحدث عن الجنوبيين ، كان قلبي يثب بين أضلعي ، تكبلهُ الحيرة والشك ، ويتنازعه اليأس والرجاء ، وفجأة وقعت عيناي على المناضل الأستاذ " عبده النقيب " فوجدتني أتنفس الصعداء ، وتمنيت لو أن وقت الحلقة يمتد لساعتين أو ثلاث ، لأول مرة - حسب علمي - يظهر إسم "تاج " على شاشة قناة الجزيرة ، في الزمان والمكان المناسبين ، وبدأ واضحاً أن صحفياً هزيلاً كعباس المساوى " الذي يبلغ من العمر ثلاثون عاماً - أي أن اتفاقية الوحدة تمت وهو في العاشرة من العمر - ليس بمقدوره مجاراة رجلٍ مخضرم شديد المراس كعبده النقيب .

كنت أحفظ عن ظهر قلب كل ما سيقوله هذا الصحفي ، هي هي ذات الأسطوانة الصدئة المكررة على لسان قطعان الموالين لنظام " علي " وكأنه لقنهم إياه تلقيناً ( ماضي الحزب الشمولي ، وصوملة الجنوب ، وإنجازات الوحدة المباركة ، وأخيراً الخطوط الحمراء والتحذير من عدم تجاوزها ) ذكر كل ذلك مضيفاً أن اليمن يتعرض لمؤامرة من أمريكا والقاعدة وإسرائيل وإيران - لا ندري كيف يمكن ذلك - وذهب تارة يضحك ساخراً وكأنه مراهق يتباهى ، وطوراً يتنطط كقرد انتزعت من يده فاكهة الموز ، فيما مضى النقيب برباطة جأش مستغلاً كل ثانية من ثواني المناظرة ليشرح قضيته لملايين المشاهدين ، وعزز هذا الشرح باستعراض صور الضحايا الذين سقطوا برصاص المحتل ، والمسيرات الحاشدة التي كان يعتقد الجاسم بأنها مجموعة من " الزعران " ثم صوراً للسجون المنشرة في أقبية صنعاء والعائدة لشيوخ القبائل ترعاها الدولة ، بدا واضحاً أن النقيب كان معداً إعداداً جيداً لهذا اللقاء ، وأنه يقف على أرضية صلبة ، ولا يرسل كلاماً على عواهنه مثلما يفعل نظيره عباس ، الذي عمد إلى إخراج خارطة ادعى بأن إسرائيل قد وزعتها وأنها تمثل مستقبل المنطقة ، ثم ذكر المخطط الأمريكي ، وتنظيم القاعدة ، والتدخل الخارجي ، وكلها فقاعات لامست أسماع المشاهد لكنها لم تصل فؤاده .

حاول الفتى أن يجر النقيب إلى مهاترات شخصية ، واستخدم ألفاظاً أفقدته هيبة الرجال مثل : يا حمار ، ومن أي زريبة أتيت ، وألفاظ أخرى يترفع القلم عن سطرها ، وفطن النقيب إلى نقطة ضعف الفتى فراح يصب مزيداً من الزيت لتأجيج ثورته وكأنه يتعامل مع ثور في إحدى حلبات مصارعة الثيران الأسبانية ، حتى نهض واقفاً يكيل عبارات الشتم والقذف ، وهذا ما أودى به في الهاوية هنا لم يتردد فيصل الجاسم فخاطبه بصريح العبارة قائلاً : إذا كان هذا أسلوبكم مع المعارضة على الهواء فكيف تعاملونهم في الواقع ، وتقلل من هول ما يجري وتقول بعدم وجود فساد ، وما من يمني إلا ويعترف بتفشي الفساد ، إلى متى ستظلون كالنعامة تدسون رؤوسكم في الرمال بدلاً من مواجهة الحقيقة ، إنك تنكر حتى وجود سجون للشيوخ وهي موجودة ، وقال بأن للوحدة استحقاقات ولكنكم تتعاملون مع الجنوبيين بالدوس عليهم ، وتعتمدون لغة السلاح وسيلة للتخاطب معهم ، وأعجبني فيصل الجاسم في قوله :" أسمع كلامك أصدقك أشوف فعالك أتعجب ، أنتم تدعون إلى الحوار ولا تحاورون " .

وكانت مداخلة الدكتور خالد القاسمي من الإمارات بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، فبدون مقدمات مضى يجلد عباس المساوى ، ويشيد بالجنوبيين الذين قدموا دولتهم عن طيب خاطر وتنازلوا عن كل شيء قرباناً للوحدة التي اعتقدوا بأنها حلم تمنوا تحقيقه ، وأفاقوا من كابوس أتى على الأخضر واليابس ، ولم يخفِ عبده النقيب امتنانه لما سمع ، وشكر القاسمي الذي يمثل طرفاً محايداً في هذا الخضم . أما عباس فاحتفظ لنفسه بعبارة " احترم نفسك " وكأنه أعلن العداء لكل شيء حوله ، حتى عندما طلب فيصل الجاسم في نهاية اللقاء من الضيفين أن يتصافحا ، وهرع النقيب بما يحمله من أصول فطرية وإتكيت وخبرة ولباقة ليصافح نظيره وجده يشوّح بيده رافضاً المصافحة فعاد وقد أيقن أنه قام بما يجب عليه ، وبقي على المشاهد أن يشهد بما رأى ، ولم ينسَ توجيه خطابه إلى إخوته في الجنوب مناشداً إياهم عدم القبول بغير الإستقلال وطرد الغزاة .



تحياتي

طائر الاشجان