السيناريوهات المستقبلية للقضية اليمنية الجنوبية

[مقهى الدروازه]

الدكتور / فارس السقاف

صحيفة اوان الكويتيه 22 / 2 / 2010


عملت الأطراف التي كانت، ولاتزال، تعارض فكرة الوحدة الاندماجية، أو تلك التي تسعى لإيجاد دولة جنوبية، على استثمار الرأي العام الذي تكون عن وجود مظالم واستهداف للمحافظات الجنوبية، حيث حرص هؤلاء على تثبيت هوية جنوبية حتى تصبح اللافتة التي يحتشد حولها الناس، في مواجهة هوية شمالية، قدمت لهم على أنها سبب كل ما لحق بهم. وقد لعبت الصحف دوراً مهماً في ترسيخ هذه الهوية، وتحويلها في ما بعد إلى إطار جامع لمختلف الفرقاء السياسيين، وتم تبني الدعوة من أجل استعادة دولة الجنوب ورفض الحزبية أو الانتماء الحزبي.
وسعياً نحو إيجاد هويتين مختلفتين في إطار الدولة اليمنية، تم إحياء مسمى الجنوب العربي، وصولاً إلى تأسيس المجلس الوطني لتحرير واستعادة دولة الجنوب، الذي مثل إعلاناً صريحاً لمشروع انفصالي تم التمهيد له عن طريق إقناع غالبية السكان بأن الهوية الجنوبية كانت سبباً لما لحق بهم، وتشكيل رأي عام خارج إطار المحافظات الجنوبية ينظر بحذر للاحتجاجات الدائرة هناك، باعتبارها شأناً يخص أبناء المحافظات الشمالية. وقد مثل انضمام طارق الفضلي إلى الحراك ورعايته لعملية دمج المجلس الوطني الذي يرأسه باعوم مع الهيئة العليا للحراك التي يرأسها العميد ناصر النوبة، مرحلة فاصلة في هذا المسعى.
مثل وجود مجلس جديد سمّي المجلس الأعلى للثورة السلمية في الجنوب، واختيار علي سالم البيض رئيساً له، وإعلان الفضلي انه تلقى اتصالاً من البيض يبلغه أنه سيعلن موقفاً يسره، ومن ثم مغادرة البيض سلطنة عمان إلى النمسا، وظهوره بصحبة أحمد عمر بن فريد، الذي كان من أبرز الداعين للهوية الجنوبية، ومن ثم خروج البيض وإعلانه العودة لممارسة العمل السياسي، والدعوة لفك الارتباط بين الشمال والجنوب، والتنصل من انتمائه للحزب الاشتراكي وحديثه عن الجنوب العربي.. كل هذه مثلت مقدمة لاحتمالات أساسية ثلاثة:
- من المؤكد أن خروج البيض من صمته لابد أن يكون وفق اتفاق مسبق مع أطراف فاعلة، خصوصاً انه قد خاض تجربة الانفصال بالقوة وفشل فيها. ولأنه كان قد اعتزل العمل السياسي طوال فترة بقائه في عمان التي وفرت له مستوى معيشياً متميزاً، ودخلاً جعله يقيم عرساً لابنته كان حديث المتابعين في اليمن والخارج، كلف ملايين الدولارات.
ومن المنطقي أنه لن يعود إلى التجربة السابقة، ولن يترك هذا المستوى من العيش، إلا إذا كان قد ضمن لنفسه مستوى مماثلاً، إن لم يكن أفضل، وأنه سينجح هذه المرة في مشروع الانفصال.. وبالتالي فإن البلاد مقدمة على حركة احتجاجات منظمة ومتصاعدة قد تصل إلى العصيان المدني المدعوم بتغطية إعلامية وإمكانات تجعل الانفصال أمراً ممكنا بفعل الضغوط الدولية على صنعاء للقبول بخيار الاستفتاء الشعبي على الوحدة.
- ويقوم على أساس أن السعودية كأهم لاعب إقليمي والولايات المتحدة وبريطانيا والمجتمع الدولي لن يقبل دخول اليمن في دوامة صراع مسلح، أو انهيار الدولة فيه، وبالتالي فإن هذه الأطراف ستعمل على أن يؤدي خروج البيض، باعتباره الموقع على اتفاقية الوحدة إلى الدخول في مفاوضات مع الرئيس علي عبدالله صالح يؤدي في نتائجه إلى إيجاد دولة اتحادية، أو دولة فيدرالية من إقليمين، على أساس أن ذلك سيضمن الاستقرار في البلاد، ويجنبها الأزمات ومخاطر تحولها إلى دولة فاشلة على غرار العراق، أو أفغانستان، والصومال.. ويحقق تطلعات السكان هناك.
- يقوم هذا الافتراض على إمكانية إعادة إحياء التحالف الذي كان قائماً بين الرئيس علي عبدالله صالح والرئيس السابق علي ناصر محمد، الذي مازال يتمسك بالوحدة، ومن الصعب عليه حتى الآن القبول بأن يكون البيض قائداً له، في حال ساند مشروعه والمجلس الذي يرأسه.. ومن ثم تبني خطة إصلاحات شاملة يكون هو أحد أطرافها إلى جانب حركة «نجاح»، باعتبارها أداة الحزب الاشتراكي في الاحتجاجات، لأنها ماتزال خارج المجلس الذي رعى تشكيله طارق الفضلي، ويكون طرفه الثالث اللقاء المشترك.. وسيؤدي هذا الاتفاق في حال حدوثه إلى تحديد شكل جديد للدولة، وتوزيع صلاحيات موقع الرئيس، ورئيس الوزراء، وإعادة تشكيل القوات المسلحة، والمؤسسات المدنية لضمان تحقيق مشاركة أبناء المحافظات الجنوبية، وإيجاد حكم محلي كامل الصلاحيات.
هذا الاحتمال يمكن أن يشكل أهم مرتكز لمعالجة الأوضاع وتحييد الأطراف الخارجية، إلا أنه يحتاج إلى معالجة أزمة الثقة القائمة اليوم بين الرئيس والأطراف المكونة له.. كما يحتاج لعملية جراحية قاسية تجاه عدد من المسؤولين الكبار الذين باتوا يشكلون اليوم عائقاً أمام أي تقارب بين الرئيس والأطراف السياسية الأخرى، لأن ذلك سيهدد مصالحهم بشكل مباشر.
كما سيتطلب معالجة ملف الأراضي وإعادة توزيع الثروة وفق معايير منصفة، وإجمالاً فإنه في حال بقي الوضع على ما هو عليه، فإن ذلك قد يكون مؤشراً على إمكانية استحضار الأنموذج الباكستاني بدعم ومساندة من الولايات المتحدة والسعودية لخشيتهما اندلاع أعمال عنف إلى اتساع أنشطة القاعدة. وهذا الأمر في حال حدوثه، قد يدفع الرئيس علي عبدالله صالح لإجراء انتخابات مبكرة، يترك فيها للأحزاب حرية التنافس، بما يؤدي إلى سيطرة المعارضة على مجلس النواب، وتشكيل حكومة تتولى معالجة القضايا التي لم يتمكن من إصلاحها.
وتبقى الاحتمالات كلها مشرعة على مختلف الاتجاهات