((( رسالة إلى الأوثان ... )))

[بوعمر]

رسالة إلى الأوثان ...

مقدمة
ليس الشجاع من يعترف بالخطأ .. ولكن من لا يكرره

عندما ظهر السيد علي سالم البيض في الحادي والعشرين من أيار / مايو 2009م معلناً عودته للحياة السياسية بعد خمسة عشر عاماً قضاها منفياً في سلطنة عمان كان الحراك في الجنوب العربي قد أخذ أبعاداً سياسية في داخل الوطن المحتل هي من أعطت كل المساحات اللازمة للدفع بالقضية الجنوبية العربية إلى مواضع لم تكن لتحصل عليها لولا التفاعلات الداخلية واحتضان الفكرة السياسية وتحويلها إلى مشروع وطني سياسي يقصد الاستقلال الوطني ويستعيد حدود الوطن إلى ما قبل الثاني والعشرين من مايو / أيار 1990م ...

برمجة المشروع السياسي في الجنوب العربي ارتكز على أساس الداخل أولاً ، فالتضحيات التي بذلت منذ العام 1997م في انتفاضة المكلا الشهيرة كانت هي المحفز الرئيسي والوقود الحقيقي للمشروع الجنوبي العربي ، وحتى ما قبل العام 2007م وهو العام الذي تأطر فيه مشروع الاستقلال الوطني كان ومازال المفهوم السياسي على قاعدة استعادة اليمن الجنوبي فيه من النفور الكثير ، وفيه من الجدليات السياسية والفكرية الكثير أيضاً ، فالتجربة السياسية التي عرفها الجنوب العربي تحت راية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي نقطة لا يمكن القبول بها طوعاً أو كرهاً ، ومع ذلكم بقيت في خطاب الحادي والعشرين من مايو 2009م للسيد علي سالم البيض وما أتبعه في المؤتمر الصحفي المرافق لذلكم الخطاب التاريخي مرجعية على اعتبارات أن عودة علي سالم البيض تمثل قاعدة يمكن البناء عليها لتحرير الوطن وإن كان ذلك باستعادة تلكم الدولة المقبورة ...

ظهر علي سالم البيض واحتملت عودته للساحة السياسية الكثير للجنوبيين العرب في الداخل والخارج ، فالتطلعات كانت كبيرة بحجم التضحيات ، والآمال كانت أكثر علواً من أي مرحلة تاريخية سابقة في تاريخ الجنوب العربي ، فالمنتظر كان مواكبة لحراك الداخل الوطني لتستطيع القضية الجنوبية العربية الحضور في الساحة الدولية أو على الأقل في الساحة العربية ، خاصة وأن الظروف السياسية كانت مواتية في كثير من الفرص ، ولعل منها حرب صعدة وما تخللها من تدخل عسكري سعودي في تلكم الحرب ، كما أن مؤتمر المانحين كان أيضاً فرصة مواتية لجهود سياسية كان ولابد أن تنتهز في ففرص كان لابد وأن تستثمر من جهة القيادة السياسية أولاً وأخيراً ...

السيد علي سالم البيض الذي أكد مع ظهوره السياسي أنه يتعهد باستعادة الدولة إلى ما قبل 22 مايو 1990م ، أعتقد في مرحلة ما أنه يمتلك كل شيء فأخذ يتصرف بغير اعتبارات سياسية فلقد ذهب لتحميل الرياض مسئولية التواطىء على القضية الجنوبية العربية ، ثم ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بتحميل العالم كله التواطىء على قضية الجنوب العربي ، ولعل هذه الأخطاء تعبر بلا شك إلى تفهم واقعي لما يحصل مع السيد علي سالم البيض الذي مازال يكرر خطايا الماضي الذي لا يمكن أن تغتفر له ولغيره من القيادات التي سيطرت على حكم الجنوب العربي على مدار ثلاثة عقود ...

من المآخذ التي تؤخذ على السيد علي سالم البيض هو توجهه إلى توحيد كل أطياف العمل السياسي والفكري تحت قيادته المتفردة ، حالة من السلطوية المقيتة التي توجه إليها البيض خلال الفترة التي أعقبت ظهوره ، فلا صوت إلا صوت البيض ، ولذلك ليس بمستغرب أن يظهر في كل يوم بيان يصدر من مكتبه في النمسا ، ناهيك عن عدم اكتراثه بالمكونات السياسية المختلفة في معظم الجنوب العربي وانحساره فقط في الثالوث الذي أسهمت ( العنتريات ) بصورة أو بأخرى للوصول إلى مرحلة بحث عن نظام صنعاء طويلاً وهي ربط الحراك بتنظيم القاعدة وهذا ما حصلنا عليه من ( العنتريات ) ...

وفي خضم حالة التيه التي بلغها الحراك في الوطن ، وبعد أن تراجع الزخم الحقيقي لقضية الجنوب العربي ، يبدو وأن خلف الأكمة ما خلفها ، فلقد نجح البيض في احتواء غالبية الأطراف السياسية من قيادات تاج وغيرهم ، وحتى من المستقلين أمثال المهندس حيدر أبوبكر العطاس ، ولعل هذا الأخير الذي بزغ نجمه أخيراً قد فشل فشلاً ذريعاً عندما طالب السيد علي سالم البيض بمعرفة أين صرفت أموال الجنوب اليمني التي أخذها البيض ، فليس هكذا هو توقيت ملائم لفتح مناقشات كهذه وإلا فلنا أن نسأل المهندس نفسه من أين جاءت أموال ( حركة موج ) وأين ذهبت ...؟؟؟

علي سالم البيض يبدو أنه لا يدرك حتماً ما هي المرحلة السياسية الدولية ، ولا يدرك أيضاً أن العالم لا يعرف ما هي قضيته التي خرج من أجلها ، حالة من التيه والضياع يسير بها القائد والرمز الذي تأمل فيه الجنوبيين العرب الكثير ، للأسف فأن ما خسره الجنوب العربي مؤخراً هو أكبر من خسارته الجسيمة يوم ذهب الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الجنوبي بقرار منفرد ليوقع عقد دولة الوحدة اليمنية مع الطرف اليمني الشمالي ، فالهوة اليوم هي أوسع بكثير من أي مرحلة سياسية في تاريخ الجنوب العربي حتى في ظل دولة اليمن الجنوبية ، هذا هو الواقع بتجرد كامل ودون مواربة ومحاباة لطرف على حساب طرف آخر ، وهذا هو لسان حال زعيم الجنوب العربي الحقيقي حسن باعوم .. واسألوه ...

إن كل من راهن على القيادات الجنوبية التي يقال عنها تاريخية عليه أن يتوقف ويعيد تلكم المراهنات ، فتلكم قيادات ظهرت في زمن بائس ، وفي دولة بائسة ، وعلينا اليوم أن نستعيد قرارنا من الداخل دون اعتبارات لطرف سياسي يمتطي الظروف السياسية ليذهب بنا إلى عبث سياسي بدون حساب لتضحيات بذلت وأرواح أزهقت وبيوت دمرت وأطفال باتوا أيتاماً وأمهات ثكلا ونساء ترملت ...

مازال وسيبقى علي سالم البيض ومن معه ومن حوله في خضم متاهة لن تنتهي ، جدلياتهم القديمة ستبقى ، وعقولهم المتحجرة هي الشيء الوحيد الذي لم ولن يتبدل ، فهل من الممكن أن يلتقط من الوطن هذا الوطن ويذهب به إلى حريته واستقلاله ، هذا إن كان هنالك وطن ...