" التجارة شطارة " مـاذا عن السيـاسـة ؟!.

[طائر الأشجان]

في جميع التعاملات اليمنية يسود مفهوم ( الشطارة ) ويحمل معنى الكسب بالطرق المشروعة وغير المشروعة ، ولأن العُرف يجيز للشاطر إبراز مواهبه في عالم البيع والشراء تحت عنوان ( التجارة شطارة ) فإن مزاولة مهنة التجارة لم تعد حِكراً على التاجر وحده ، فالسياسي هو الأكثر شطارةً والأوفر حظاً بحكم الصلاحيات المخولة شرعاً وقانوناً .. ولملامسة هذه الحقيقة في واقعنا الحي فإن التعرف على الرصيد الشخصي لعلي عبدالله صالح في البنوك السويسرية ، المقدر بحسب مصادر عائلية مطلعة 50 مليار دولار أمريكي ، عدا الأملاك العينية والأصول الأخرى المتداولة في شكل سندات أسهم ، وودائع ، وحسابات جارية تحت الطلب ، ذلك كله بفضل الشطارة التي أتت أكلها في عالم السياسة ، وهذه الشطارة اقتضت بطبيعة الحال إفساح المجال أمام شطار آخرين لا يقلون شطارة عن الرئيس ، وربما يُعزى الفضل إليهم في لعبة تنصيبه على كرسي الحكم ، وتبرز شخصية حميد الأحمر كألمع نجوم هذه الكوكبة ، مستغلاً نفوذ والده الذي جمع بين السياسة والجاه والسلطان .

إستثمار مزيدٍ من الأموال في لعبة السياسة المربحة دموماً ، هو ديدن الشيخ حميد الأحمر ، وهذه المرة لا بأس أن تصل المقامرة ذروتها عندما يكون العائد مغنماً في حجم الجنوب العربي . بالأمس بذل الملايين في أبين ولودر ، واليوم تُمنى المنصورة بنصيبها من هذا العبث الماجن ، والمتعهد حميد الأحمر بدفع تكاليفه المادية سلفاً . أحداث داميه تشهدها ساحات الحراك السلمي بمحث الربح والخسارة ، ويتعاطى معها صُنّاع القرار في حكومة باسندوه بعدم اكتراث ، وفي أغلب الأحيان بالرضى التام ، إنها الشطارة التي ينعدمُ لديها تأنيب الضمير .

وتتجلى هذه المعادلة في أقبح صورها إذا ما استعرضنا دور ذوي العمائم البيضاء في خضم لعبة السياسة القذرة ، لا سيما أن البعض منهم يبالغ في لعب دور الشاطر بأقنعة متعددة لا تكتفي بقناع العقيدة وحده ، فالزنداني عالمٌ وطبيبٌ وسياسي ، والقاسم المشترك بين هذه المسميات هي الشطارة بلا شك . وهنا يمكن لِفَتوى العالِم أن تتحول إلى بضاعة خاضعة لنظام العرض والطلب ، كما رأينا ذلك في فتوى الديلمي سيء الذكر ، في سابقة أثارت حفيظة علماء الأزهر الشريف الأجلاء ، وشطارة العالِم بهذه الصورة المبتذلة تبعث على التقزز ، لأنها تجافي المقدسات الروحية ، لكون العالِم أكثر الناس درايةً بعقوبة جنحةٍ كهذه :

" وعالِمٌ بعلمهِ لم يعملن .. معذبٌ من قبل عُبّاد الوَثَن "

وفي كل الأحوال فإن الشطار على اختلاف مشاربهم يقترفون إثماً متى كانت هذه الشطارة منهياً عنها فيما جاء به ديننا الحنيف ، وهو خُسران الدنيا والآخرة :

إذا الإيمانُ ضاعَ فلا أمانُ .. ولا دنيا لمَن لم يُحي دينه
ومَن رَضيَ الحياةَ بغير دينٍ .. فقد جعلَ الفَناءَ لها قَرينه

تحياتي
طائر الاشجان