رسالة إلى فرسان الثورة السلمية في الجنوب

[اسدالجنوب]

رسالة إلى فرسان الثورة السلمية في الجنوب ( بقلم : ناصر أحمد هادي )

أولاً: التاريخ يقول: عند المنعطفات الخطرة تمتحن الإرادات والقامات والقيادات، والسفينة لها قائد واحد، يتولى زمام القيادة في وسط العواصف، حتى يصل بها إلى بر الامان.

وتؤكد تجارب الشعوب التي تعرضت للغزو، بإن النضال هو أنبل ما يقوم به الانسان في مواجهة القهر والعدوان، دفاعاً عن الارض والعرض، والوطن والهوية... قاومت تلك الشعوب ولم تستسلم أو ترضخ، مما أدى الى دحر المعتدين... لكن النضال والإنتصار مشروط بتوفير تامين عوامل عديدة، أهمها على الاطلاق هو العمل الجاد لتكريس الوحدة الوطنية، كقاعدة للإنطلاق نحو تعزيز النضال ضد الإحتلال، كونه آفة تنخر جسد الوطن ومواطنيه... وأهمية التجارب في حياة الشعوب وطريقها إلى إستعادة القوة والمنعة، تكمن أساساً في الإحتكام ليس للعقل والمنطق في تقدير دراسة الظروف التاريخية والذاتية فحسب، بل الإحتكام للقائد الذي يمسك بناصية الامور في الظروف المعقدة، القادر على إدارة المواقف الصعبة والطارئة.

وما يشهده الجنوب من حراك سياسي نشيط وفعال منذ سنتين متواصلة، يعكس أشرف حركات النضال في القرن الواحد والعشرين، من أجل الحرية والكرامة المسلوبة عن شعب الجنوب، الذي فقد توازن التاريخ والطبيعة على أرضه بفعل الإحتلال الشمالي للجنوب، لا سيما وقادة الثورة السلمية في الجنوب يمرون بأصعب إمتحان تاريخي لهم، كونهم على مفترق طريق، أما أن يتوحدوا ويقفوا صفاً واحداً، وإما ؟؟؟.

ثانياً: من واقع تجربة مريرة في الجنوب ما قبل خدعة 22 مايو 1990م، ودخولنا في نفق مظلم أدى إلى كارثة إنسانية عصفت بالجنوب وأهله بعد حرب صيف 1994م، يستوجب القول للإخوة قادة الثورة السلمية في الجنوب، أولئك الفرسان البواسل في الميدان، الذين لم تكن لديهم خيول... نقول عليكم أن تتحلوا بالحيطة والصبر، وتتسلحوا بالحكمة وبالنفس الطويل، خصوصاً وأنتم في بداية الطريق المحفوف بالمخاطر الصعبة، وبالتالي تتفادوا تغييب العقل لحساب عواطف التهيج والإثارة، التي يمكن أن تقودنا إلى طريق مسدوس، الذي أدى إلى تدمير أمم عظيمة بإيدي أبنائها، الذين إرتضوا، بوعي أو بدون وعي، ليكونوا طبالين وزمارين للإحتلال، هذا يتوقف بالدرجة الاولى على قدرة تلك القيادات وإدراكها في كيفية التعاطي مع معطيات الواقع، على أساس الإصطفاف الوطني.. لا الى الاذعان لنزعة التمركز حول الذات، إنطلاقاً من عقلية إختزالية ضيقة لا زالت أسيرة الماضي بكل عقده ورواسبه، لخداع الذات في تبريرات تفتقر للمنطق الواقعي وتعمل على ممارسة الخطيئة والإمعان في الوهم حتى يصبح الوطن إفتداء للذات.

ثالثاً: يقتضي الواجب الوطني والديني والأخلاقي، التأكيد بإخلاص للاخوة قادة الحراك السياسي الجنوبي، بإن الصمود في النضال والإصرار على تحقيق هدفنا المنشود، هو الحرية والإستقلال، كسقف حدده شعبنا في الجنوب وليس الاحزاب، يعد المعيار الرئيس في إية حوارات أو نقاشات بين الجنوبيين على الارض.

لذلك، جاءت وثيقة ( إعلان عدن ) لتتوج طموحات وتطلعات شعبنا، وتجسد التطبيق العملي لوثيقة التصالح والتسامح والتضامن، وبيانات حركة العسكريين والامنيين والمدنيين المسرحين قسراً، وما كتبه المفكر الفذ الدكتور أبوبكر السقاف إبتداً من مقالات: (فتح الجنوب والإستعمار الداخلي) وكل ما كتبه بعد ذلك، وكذا مقالات وتحليلات الدكتور محمد علي السقاف، وبالذات دراسته القيمة والهامة تحت عنوان: عدن والجنوب ليست فضاءً مفتوحاً لحل مشكلة بطالة الشباب... ومن لم يقرأ للسقافين ما بعد 7 يوليو 1994م، فإنني إجزم بالقول بإن ثقافته ونضاله ومعارفه ناقصة.

رابعاً: إن مهمة إستقلال الجنوب، تعتبر التحدي الاكبر للشرفاء من أبناء الجنوب، وتعد إمتحان تاريخي لنا عن مدى إيماننا بالله والوطن في قدرتنا على تخليص شعبنا من هذه الورطة.. وفي نفس الوقت هو إمتحان لوطنيتنا وإخلاصنا، ويأتي نجاحنا من خلال نضالنا لاثبات حقيقة وهي: أن الجنوب غير قابل للإنكسار، خصوصاً وإن شعبنا جرى إستلاب حقوقه في حمى قيادات ومغالطات وشعارات الامس، ولا يمكن إسقاط تلك الشعارات والمغالطات وما يرتبط بها الا العمل الوطني الوحدوي الجنوبي المخلص، والارتقاء بالنضال لابناء الجنوب الى مستوى بقية شعوب الارض، إنطلاقاً من المسؤولية التاريخية المشتركة.

خامساً: لا يوجد مجال من مجالات التجربة الانسانية يخلو من الإعمال الطفولية والامراض، عندئذ لابد من ضبط تلك العناصر المغامرة في صفوفنا في الداخل والخارج، والتعامل معها بحذر حتى لا تورطنا في نزاعات ضارة وغير مسؤولة مرة أخرى، يكفينا ما فينا.

فقد ولدنا في أيام الشقاء، وعاصرنا تجارب وأهوال لا تخطر على بال، ورغم ذلك لم نستسلم، وإنما حاولنا أن نجعل من حياتنا سيرة شرف في معترك الحياة، كمناضلين من أجل الدفاع عن الوطن والشعب.. ولكن جاء السيل ولحس الغيل، وعشنا وشفنا، وطننا يخرج من بين إيدينا – في المحصلة – كانت تجربتنا قبض ريح، وإنتهت القصة اليوم الى دهس أدمية شعب الجنوب كامل، وهكذا يسعى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح حثيثاً الى محو شعبنا من الخارطة الجغرافية.

سادساً: رسالة الصحفي الكبير الاستاذ محمد حسنين هيكل الى أبناء شبوة وأبناء لحج:
" يوم وقّع جمال عبدالناصر مع( شكري القوتلي) إتفاقية الوحدة، بين مصر وسوريا في فبراير 1958م، فإن إقلام التوقيع لم تكد تفلت من أصابع الذين وقعوا الإتفاقية، حتى صاح ( شكري القوتلي ) قائلاً لـ (جمال عبدالناصر): الان وقعت إتفاقية الوحدة، أريد أن تعرف ماذا إستلمت؟ إستلمت شعب نصفه من الساسة أو هكذا يتصورون، وربعه من القادة والزعماء، وترتفع نبرة صوت ( شكري القواتلي ) ويضيف، والربع الباقي – لعلمك – رسل وأنبياء أو هكذا يظنون".

محافظة أبين – الوضيع (جريزفان)
بتاريخ 30 أكتوبر 2008