الكفيف المبصر والمبصر الكفيف ! بقلم الاستاذ المناضل احمد عمر بن فريد 1-3
السياسي برس خاص - الكاتب احمد عمر بن فريد / 31 اغسطس 2009
الكفيف المبصر والمبصر الكفيف !
1-3
الإهداء إلى العزيز ( الكفيف المبصر ) السيد / عبدالله احمد مسعد , والى جميع ( أصدقاء الصدق ) والوفاء للوطن , شعراء الثورة الجنوبية السلمية بلا استثناء .
من داخل الوطن السليب... جاءتني مكالمة هاتفية شيقة ذات قيمه وفائدة . تحمل العديد من المعاني والدلالات ومثيرة للكثير من العواطف والأشجان .. محفزة للذهن و للفكر معا , كما أنها كانت مشحونة بجملة من التساؤلات المشروعة والمطروحة بقوة من قبل صاحبها الذي كان شخصية وطنية معروفه .. ( كفيفة البصر ) ولكنها لم تكن كفيفة ( البصيرة ) أو كفيفة ( القلب )...ولم تكن كفيفة ( العواطف ) أو المشاعر الوطنية , وفوق هذا وذاك فهي لم تكن مسكونة بحسابات أخرى خلاف حسابات الوطن الصرفة بمعانيها العظيمة والكبيرة .
كانت نبرات صوته تجسد الحس الوطني المرهف أفضل تجسيد , وكانت كلماته تقطر بالصدق والأمانة والبراءة الوطنية , المتخلية عن كل مكر السياسة وخستها وغدرها وحساباتها المعقدة الممتزجة بتقديم مصالح ( الأنا ) على مصالح ( الوطن ) ..وصلت نبرات صوته الى قلبي مباشرة قبل ان تدركها مسامعي, وبلهجته المحببة البسيطة تخيلت وكأنما ضمير الجنوب هو الذي يتحدث معي وليس مواطنا مخلصا لوطنه ... يا الهي كم افتقدتكم .. وكم هي الوحشة التي تحيط بي من كل جانب عندما لا استطيع ان أتنفس عن قرب عبق النضال المنبعث من أجسادكم وحركتكم ونظراتكم وأصواتكم وهتافاتكم التي الفتها وعشقتها وسكنت أعماق وجداني وحسي.. يا الهي ما أروع وأجمل وأنبل وأطيب هؤلاء الرجال , ويالروعة القدر كم هذا الجنوب الثائر محظوظ بمثل هؤلاء الأبطال من أبناءه .. ويا لحظنا الكبير ان مثل هذه النماذج ليست نادرة وليست قليلة ولا هي شحيحة العطاء او بخيلة البذل تجاه الجنوب المحتل .
قال لي ( الكفيف البصير ) كلاما كثيرا ... وتحدثت معه كثيرا ... وناقشني في أمور وقضايا عديدة .. طرح العديد من الأسئلة البريئة التي تعكس الى حد كبير متابعته لمجمل الأحداث وتطورات الأمور وتعقيداتها . كان يضع يده على كل عقدة من العقد الحاضرة في مسار نضالنا الوطني دون ان تخطئ يده عقده واحدة , وكانت زفرات الشعور بالألم والحسرة تتسرب من بين ثنايا حديثه بتلقائية شديدة حينما يشعر ان هذه العقدة او تلك تبدو صعبة الحل أكثر من اللازم .. أو ان المطلوب لحلها ( سهل جدا ) في تصوره الشخصي او في تصور أمثاله ممن يضعون الأمور في نصابها , و لكنها تبدو ( عسيرة جدا ) لدى من لا يريدون ان يقدموا تنازلا مستحقا لهذا الوطن المسكين او هي كذلك على أولئك الذين يرون أنفسهم اكبر من الوطن او ربما لا يرون الوطن إلا في أنفسهم !
سألني عن بعض الأمور التي قال بأنه قد قرأها في الانترنت ان كانت حقيقية ام أكاذيب ودسائس !! فسألته بدوري قبل ان أجيبه , سؤلا معاكسا لابد وانه سيلمع في ذهن القارئ الكريم قبل ان اطرحه .. وكيف يمكنك قراءة الأخبار من الانترنت يا عزيزي ؟ .. فأجابني بهدؤ وثقة .. اطلب من زوجتي حينا ومن ابني حينا آخر ان يقرأ لي الأخبار من الصحف ومن الانترنت .. وأردف قائلا : ولكنني أجد هذه الأخبار في بعض الأحيان لا تسر ولا ترضي !! ترى إلى متى سنظل هكذا يا أستاذ أحمد ؟؟ ...نعم الى متى سنظل هكذا ؟ سؤلا طرحه ببراءة وألم .. ولم أجد له إجابة شافية سوى تقديم الوعود ببذل المزيد والمزيد من الجهود للخروج من هذا المأزق الذي لا يريد البعض ان يعترف بوجوده , أو لا يراه البعض الآخر انه كذلك ... والذي لا يريد طرفا ثالثا - وهو يعلم بوجوده وحجم تأثيره - ان يقدم من اجله ( عملا وفعلا وتضحية وتنازلا ) بديلا عن كل هذا الصمت والتقوقع والسكون والشكاء والبكاء والشتم في أحيانا أخرى ..!!
ضمير الجنوب ... او ( الكفيف المبصر ) اختتم حديثه معي بالتأكيد بأنه وشعب الجنوب ماضون في طريق الحرية والاستقلال مهما كلف الأمر من تضحيات , وقال لي ان الحماسة الوطنية قد بلغت به حد الطلب من ( المزين ) ان يرسم له ( علم دولة الجنوب ) على شعره ... قالها وهو يضحك !! وأضحكني معه في لحظة بدا لي فيها ان قد استطاع متعمدا ان يستبدل أجواء الحزن بأجواء الضحك والسلى ... ومع رنين الضحكات المتبادلة .. أنهى حديثه الشيق معي .
هذه المكالمة ... جعلتني ادرك على الفور , ان لدينا الكثير من أمثاله الذين يمكن نطلق عليهم صفة ( الكفيف المبصر ) وان لدينا في الجانب الآخر الكثير من الساسة والقادة والزعامات الذين يمكن ان نطلق عليهم صفة ( البصير الكفيف ) ...ثم تيقنت ان العمى هو عمى ( القلوب ) التي في الصدور وليس عمى ( العيون ) التي في الحدقات , وجعلتني هذه المكالمة أدرك أيضا , وان هناك من يضعون الوطن في حدقات العيون التي تبصر الطريق الوطني بسهولة ويسر , وهناك آخرين يضعون ( الوطن ) .. كل الوطن في قلوبهم ( الكفيفة البصر ) ... فلا هم يبصرون الوطن كما ينبغي ... ولا هم يتركون المبصرين يعملوا وفقا لبصيرتهم.
ان الوطن أيها السادة بحاجة ماسة الى فهم المطلوب منا وطنيا تماما كما يفهمه صاحبنا ( الكفيف المبصر ) وليس كما يفهمه صاحب نفسه ( المبصر الكفيف ) .. وفي أحيانا كثيرة تصبح الأمور واضحة لدى ( البسطاء ) أكثر مما هي لدى ( المعقدين ) الذين يعتقدون بأنهم ( فاهمين ) وهم ليسوا كذلك .. او أولئك الذين يعتقدون انهم بما يعملون وبما يطرحون هم ( وحدهم ) الأقرب للوطن , بينما لو قدر لهذا الوطن ان يتحدث وينطق لقال على الفور أنهم ( الأبعد ) عنه .. وان أمثال صاحبنا هم الأقرب إلى ذرات ترابه وحجره و شجره ومدره وأحلامه وآماله وجميع تطلعاته المشروعة.
والآن .. ينتابني شعور ان على ساسة الوطن وقياداته – في الداخل والخارج - خاصة في هذه المرحلة الحرجة , ان يغيروا من مفاهيمهم لمجمل الأمور في مسيرة النضال الحالية التي يقودها ويخوضها شعبنا نيابة عنهم , وذلك وفقا لبوصلة هذا الرجل الصديق لوطنه , لا وفقا لمفاهيمنا الحالية التي أوصلتنا الى نقطة ( التبلد والسكون ) وعدم المقدرة على خلق ( الجديد ) او إدارة الحدث بدلا من ان يديرنا هو ويتحكم في مسار أفعالنا وردودها الكثيرة والعشوائية .. وربما ان الدليل على صحة هذه النظرة او الفكرة - ان جاز التعبير - هي ان اقتراب هذا الرجل ( النموذج ) من تراب الوطن اقرب بكثير مما نحن عليه ( نحن ) الآن ...نعم نحن من نسمي أنفسنا قيادات ونخب ومثقفي وساسة الجنوب .
كل عام والأخ أحمد بن فريد بخير ... كم وحشني مقالا يحمل أسمه
وأرسلوا إلى بريده أو ضعوها على طاولته هذه :
أنا مواطن جنوبي :
كم أحبك؟ .. وإن العمل لايكون إلا بالجماعة والتواصل والبداية بالصغير قبل الكبير
حيث أن الصغير سيكبر والكبير سينتقل إلى ربه بعد عمر طويل وبعد أن أخذ حقه وقدره في الحياة وربما سيخرف كما هو حالي الآن كمخرف ... وإن للجنوب أولادا ً سيكبرون ؟