القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن
عاجل |
الجزيرة مباشر | الجزيرة | العربية | روسيا اليوم | بي بي سي | الحرة | فرانس 24 | المياديين | العالم | سكاي نيوز | عدن لايف |
آخر المواضيع |
#11
|
|||
|
|||
الفصل السادس
الأحزاب السياسية إن الأحزاب السياسية في الغرب تقوم بوجه عام بشكل رئيسي على المصالح المحددة تحديداً واضحاً للزمر الاجتماعية . و في معظم بلدان العالم الثالث ، و في العالم العربي بوجه خاص ، توجد مثل هذه الأحزاب ، إلا أنها تبدو دونها تبلوراً . فالسياق التاريخي لهذه البلاد يجعل مفهوم الحزب القائم على أساس الطبقات الاجتماعية المتميزة شيئاً لا يتفق مع الواقع الداخلي لهذه البلاد ، لا سيما في اليمن الجنوبي . فقد لاحظنا من خلال الفصول السابقة أن الرأي العام في اليمن الجنوبي ينقسم إلى اتجاهات و زمر غير مستقرة و غير ثابتة . لأن الشعب في غالبيته ما يزال يعيش ضمن وسط عشائري تتشكل على هامشه الطبقات الاجتماعية الجديدة التي لم تأخذ بعد طابعاً محدداً . بالإضافة إلى ذلك ، فان الشعب تنقصه التربية السياسية و المدنية . فالفئات الهامشية المتمركزة في المدن و خاصة في مستعمرة عدن وحدها تملك ثقافة أولية من هذا النوع بفضل تعميم التعليم و بفضل الصحافة و المذياع و الدعاية الوطنية فلا مجال إذن إلى القول بأن هناك وعياً طبقياً أو حساً سياسياً متطوراً لدى الشعب و خاصة في المحمية . صحيح أننا نعثر في عدن على منظمة عمالية نشيطة كانت مصدر نشوء تنظيم سياسي عل صورة قاعدته الاجتماعية التي لا شك في أنها بروليتارية و فلاحية ، إلا أنها دوماً ذات أصول قبلية عشائرية . كما كان لظروف الكفاح المعادي للاستعمار أكثر مما كان لوجود وعي طبقي حقيقي الفضل في حدوث تلك التغيرات المفاجئة . و هذه الملاحظة تصح أيضاً على باقي التنظيمات التي تهيمن على المسرح السياسي . فداخل الأحزاب السياسية لا نعثر على عنصر اجتماعي خاص ، بل نجد أنفسنا أمام عدة فئات اجتماعية داخل الحزب الواحد . فالنضال من اجل الاستقلال لا يمكن أن يكون من صنع طبقة اجتماعية واحدة . بل هو من صنع شعب بأكمله . و هكذا يمكن أن نتساءل فيما إذا كانت توجد أحزاب بالمعنى الصحيح في اليمن الجنوبي ؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار المقياس الأوروبي ، أي الصيغة التقليدية للأحزاب في البلاد الديمقراطية الرأسمالية ، وجدنا أن اليمن الجنوبي يعيش مرحلة ما قبل نشوء الأحزاب . أما إذا نظرنا إلى الوسط الاجتماعي الخاص باليمن الجنوبي و نظرنا نظرة اشمل إلى الواقع العربي بشكل عام ، كان جوابنا إيجابياً . و هذا لا يمنع من القول بأن عدن و محميتها ما تزال في المرحلة الأولى من مراحل التطور ، و أن الخط الفاصل بين المجموعات المنظمة و الأحزاب السياسية بالمعنى الدقيق للكلمة ، ما يزال فيها سابقاً لأوانه . فالمعيار الرئيسي الذي يميز بينهما هو وجود ( المنظمة ) . فالحقيقة أن أي تشكيل مزود بجهاز سياسي منظم و ببرنامج ، يستطيع أن يعتبر نفسه قائماً كحزب . و في اليمن الجنوبي توجد عدة تجمعات تطالب بهذا الحق . و هي تطلق على نفسها صفة الحزبية و تعمل على أساس أنها أحزاب . و سنقف من هذه الأحزاب على أربعة تعتبر أهمها . لأن ما تبقى هي في الحقيقة تجمعات صغيرة ، أما فيما يتعلق بالبرنامج ، فهناك خطوط عامة و ليس هناك برامج محددة و متناسقة . أما فيما يتعلق بالتركيبات الاجتماعية ، فهناك إلى جانب البرجوازية الوطنية و الأجنبية ، الموظفون الوطنيون ، و المثقفون ، و العمال و القبائل . حزب المؤتمر الشعبي : لقد نشأ هذا الحزب عن الرابطة العدنية ، و هو يعتبر نفسه الوريث الطبيعي لها . و هو يتميز بطابعه ( العائلي ) بحكم سيطرة عائلة ( لقمان ) عليه . و هذه الأسرة ( التي تعتبر مؤسسة لهذا الحزب ) تملك صحفاً ثلاثاً : ( فتاة الجزيرة ) ، ( القلم العدني ) ، و ( يوميات عدنية ) . و قد حمل هذا الحزب لواء الدفاع عن ( الكيان العدني ) . أما برنامجه ، فقد عرض عرضاً غامضاً في نشرة للدعاية تحت عنوان : ( أهذا كتاب أبيض ) . و كاتب هذه النشرة (1) ، و هو احد قادة الحزب ، يعتبر نفسه ناطقاً باسم شعب عدن . و يتحدث عن التقدم الذي حصل في المستعمرة و عن تأخر محميتها ، و عن التمييز السياسي بين شطري البلاد ، و عن عدم التكافؤ في التطور الاقتصادي فيما بينهما . ثم يشجب باسم الوحدة الإقليمية لعدن ، عملية انتزاع جزر البريم و كوريا موريا . و ينتقد الطريقة التحكمية التي تمت بواسطتها عملية إدخال عدن في اتحاد الجنوب العربي . و لا يمنعه ذلك من استخلاص نتيجة تؤكد على ضرورة مساعدة عدن الفنية لمحميتها الفقيرة . و هكذا فإن برنامج حزب المؤتمر الشعبي يعارض الحل الفدرالي لأنه في زعمه ينتزع من العدنيين حقوقهم و يعيق سيرهم نحو الديمقراطية ، و لأنه يخشى أن يعطل الحل الفدرالي فرص حصول عدن على استقلالها . لذلك فإن حزب المؤتمر الشعبي يطالب بما يلي : 1 ـ بانتخابات تشريعية عامة تقتصر على المستعمرة . 2 ـ تشكيل حكومة وطنية عدنية مسؤولة أمام المجلس التشريعي المنتخب . 3 ـ بحصر مهمة هذه الحكومة في نقطتين رئيسيتين : تطبيق حق تقرير المصير و إعلان الاستقلال . و بكلمة أخرى ، يطالب الحزب بدولة عدنية تتمتع بالسيادة الكاملة تصبح عضواً في الكومنولث . و شعاره المألوف ( عدن للعدنيين ) أما موضوع الاتحاد فلا يأتي إلا بعد أن يتحقق هذا الهدف ، و عندئذ تفاوض عدن المستقلة الاتحاد الذي يكون بدوره قد استكمل سيادته من اجل الاندماج ضمن صيغة مرنة كونفدرالية . أن حزب المؤتمر الشعبي ينطلق من إطار التجزئة ، لذلك فهو يلقى دعماً من عناصر الأقلية العدنية ذات الأصول الأجنبية التي تخشى من طغيان العناصر العربية ، و التي تتجمع في عدة منظمات و جمعيات لتأمين حماية مصالحها . و هي مدعومة من البيوتات التجارية الأوروبية و الهندية التي تمول نشاطها من أجل إعاقة نشاط البرجوازية الوطنية التي تحاول استبعاد الرأسمال الأجنبي . و قد بقيت السلطات الإنجليزية تساند نشاط الأقلية حتى عام 1961 ، حيث تبين لها أن التجزئة التي تعمل الأقلية على تثبيتها ، لم تعد شعاراً واقعياً . ثم جاءت الضرورات الستراتيجية و مقتضيات السياسة العليا الخارجية ، لتحدث تحولاً في موقف هذه السلطات . و كان الحزب الوطني الاتحادي الوليد الثاني للرابطة العدنية و المستفيد الأكبر من هذا التحول . الحزب الوطني الاتحادي : أمام اللغط الذي كان يصدر عن العناصر العدنية المعادية لدمج عدن ، لم تتردد السلطات البريطانية في خلق حزب جديد مؤيد للسياسة البريطانية . و قد كانت ولادة الحزب الوطني الاتحادي في الحقيقة تعبيراً عن رغبة الإنجليز في إسباغ مظهر شرعي على الدمج . و قد كان زعماء هذا الحزب هم الذين وقعوا اتفاقيات لندن ، و شكلوا أول حكومة مستقلة في دولة عدن . كان برنامج الحزب الوطني الاتحادي يتطابق تماماً مع برنامج وزارة المستعمرات . فقد نادى بتعاون وثيق مع الأمراء و بالمحافظة على المصالح الاقتصادية و الحربية لبريطانيا العظمى . إلا أنه كان خلال المفاوضات مركز على التفاوت الاقتصادي بين عدن و المحمية ، و يعتبر التفاوت نتيجة لتمايز التطور الدستوري بينهما . و هكذا استطاع أن يحمل الأمراء على قبول مبدأ اعتبار عدن كياناً خاصاً داخل إطار اليمن الجنوبي السياسي و الاقتصادي الذي يشكل مجالاً حيوياً أكثر اتساعاً . كما انه طالب بتطمين العدنيين الأجانب بحيث أن يكون الدمج مصحوباً بشروط تضمن لهم حقوقهم . و حصل لعدن على تمثيل قوي داخل المؤسسات الفدرالية . و على عكس حزب المؤتمر ، رفض الحزب الوطني الاتحادي ان يتبنى فكرة حصول المستعمرة على الاستقلال . و كان يرد على أصحاب هذه الفكرة بأن عدن ما تزال دون مستوى القدرة على تشكيل دولة ذات سيادة . و يضيف إلى ذلك بأن هذه الدولة لن تصمد طويلاً أمام هجمات القوى الوطنية ، و أن اتحاد الجنوب العربي بدون عدن ، لا بد أن يتفكك سريعاً . فلإنقاذ عدن و الاتحاد معاً من الوطنية المتطرفة لا بد من دمجهما . و هنا تظهر المطابقة بين دعوى الحزب و بين المخطط البريطاني . إن الحزب الوطني الاتحادي منظمة ممالئة للإدارة الاستعمارية ، و هو إلى جانب الدعم المالي الضخم الذي يأتيه من قبل السلطات يحظى بدعم رجال الأعمال الطامحين إلى الحصول على عقود تجارية مع الحكومة الاتحادية و مع الزعماء المحليين . و كذلك بتأييد قسم من جهاز الموظفين الرسميين و قسم من العدنيين العرب . و بصورة عامة ، يمكن تصنيف الحزب الوطني الاتحادي مع حزب المؤتمر الشعبي ، كممثلين للقطاع المؤيد للملكة المتحدة رغم اختلاف موقفهما نسبياً . فالحقيقة أن تخلي السلطة عن حزب المؤتمر ليس إلا ظاهرياً . فالعالم كله يعرف بأن السلطة تدعمه بصورة خفية ، و بأن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم له مساعدة كبيرة . فالانجلو ساكسون يريدون أن يجعلوا من هذا الحزب أداة للضغط على الوطنيين لإرغامهم على التسليم بموضوع القواعد . ربما أن الأحزاب التقدمية لا مقاعد لها في المجلس ، فإن حزبي المؤتمر و الوطني الاتحادي ، كانا يمنيان النفس بأن يلعبا دور حزب السلطة و حزب المعارضة . و كان البريطانيون يغتبطون و يعتزون برؤية صورة مصغرة لمجلس العموم تتجسد في المجلس التشريعي ، و يعتبرون ذلك دليلاً على نجاح سياستهم في إنهاء الاستعمار . و الغريب في الأمر ، أن قسماً كبيراً من الرأي العام الإنجليزي كان يعتقد على ما يبدو بهذه الأسطورة ـ المهزلة ـ و أقل ما يمكن أن يقال بهذا الشأن هو أن هذا الجانب من الرأي العام كان ضحية دعاية فارغة موغلة في الادعاء . و يكفي للدلالة على ذلك التذكير بأن المجلس التشريعي قد تم انتخابه من قبل 26 في المئة فقط من مجموع الناخبين . و أنه ليس من المنطق في شيئ أن يُعترف له بأي صفة تمثيلية ، طالما أن 74 في المئة من الناخبين قد امتنعوا عن التصويت من اجل شجب هذه الصفة التمثيلية . و هنا تكمن قوة الأحزاب الوطنية ( رابطة الجنوب العربي و حزب الشعب الاشتراكي ) التي حاول الإنجليز أن يكتموا أصواتها بواسطة التدابير القمعية البوليسية القاسية . و لكن على الرغم من ذلك ، نجحت الأحزاب الوطنية في أن تشل القوى الممالئة للإنجليز . و هذا هو السر الذي جعل بريطانيا تعتمد على الأمراء المحليين الرجعيين الذين جعلتهم يشكلون جبهة في محاولتها تحطيم المقاومة الوطنية أكثر من اعتمادها على منظمات قيد التلاشي السريع كحزب المؤتمر و الحزب الوطني الاتحادي . |
#12
|
|||
|
|||
رابطة الجنوب العربي :
لقد عارضت رابطة الجنوب العربي المشروع الاتحادي البريطاني و الكيان العدني منذ البدء ، و حرضت عام 1957 ـ 1958 سلطان لحج و نقيب يافع السفلى ، على رفض المخطط الذي رسمته وزارة المستعمرات لتجميع الإمارات . و كان من نتائج ذلك إبعاد قيادة الرابطة و إزاحة الأمراء المتصلبين في موقفهم عن مناصبهم . و قد حاولت الرابطة في نوفمبر 1958 أن تنشئ حكومة في المنفى بمساعدة البلاد الشقيقة . إلا أن المحاولة باءت بالفشل نظراً لمعارضة اليمن (2) . لقد أخذت رابطة الجنوب العربي على اتحاد الجنوب العربي طابعه المعادي للقومية العربية و كونه لم يأت نتيجة استشارات . فهو في نظر الرابطة مناورة هدفها الإبقاء على السيطرة البريطانية و على حالة التجزئة المصطنعة في البلاد و هي تعتبر مؤسسي الدولة الاتحادية مجرد موظفين مأجورين للسلطات البريطانية و بالتالي فإنها لا تعترف لهم بأي أهلية حقوقية تخولهم صلاحية عقد معاهدات تحدد مصير البلاد . و الخلاصة ، فإن اتفاقيات 1959 و 1962 ليست لها صفة شرعية في نظر الرابطة ، لأن المفاوضين لم يكونوا ممثلين ، و لأن تكافؤ القوى كان مفقوداً . أما برنامج الرابطة فينص على اعتبار عدن و محميتها تشكلان كياناً واحداً غير قابل للقسمة . كما ينص مقابل الدولة الاتحادية التي لا تقوم على أسس صحيحة ، على إنشاء دولة مركزية موحدة . و قد أوضحت وجهة نظرها في مذكرة قدمها إلى هيئة الأمم المتحدة في نهاية عام 1962 ، حيث تقترح : 1 ـ بوضع اليمن الجنوبي لمدة سنتين تحت وصاية لجنة دولية مؤلفة من ممثلين عن البلاد غير المنحازة . 2 ـ بتحويل الإدارة إلى الوطنيين تحت إشراف لجنة دولية . 3 ـ بالاعتراف بحق شعب اليمن الجنوبي في تقرير مصيره و بضمان تطبيقة على كل أنحاء البلاد . 4 ـ و أخيرا بإنشاء مجلس تأسيسي منتخب بالاقتراع العام المباشر تكون مهمته الأساسية وضع دستور للبلاد و إعلان استقلالها . إلا أن هذا الحل لم يكن يملك أسباب النجاح . فالهيئة الدولية نظراً للصعوبات التي تواجهها في مناطق أخرى حساسة أيضاً ، لم تكن تميل إلى تحمل مثل هذا العبء الجديد . و من جهة أخرى ، فإن الحكومة البريطانية و الحكومة اليمنية و حزب الشعب الاشتراكي ، و هي الهيئات التي لا يمكن حل المشكلة بدون اتفاقها ، لم تكن موافقة على التدخل الدولي . و كانت رابطة الجنوب العربي ترفض كل مطلب و كل مسعى لإلحاق اليمن الجنوبي باليمن . إلا أنها لم تكن ترفض فكرة التقارب مع اليمن عندما يحصل اليمن الجنوبي على سيادته كاملة . و كانت تتطلع إلى اتحاد حر بين الدولتين يتم نتيجة مفاوضات متبادلة . أما المهمة العاجلة فهي في رأيها التحرر من السيطرة البريطانية ، و عندما يتم الحصول على الاستقلال ، يمكن توثيق الارتباط ما بين الشمال و الجنوب على ثلاث مراحل : 1 ـ تدعيم الدولة الوطنية في اليمن الجنوبي . 2 ـ توحيد الساحل العربي ضمن إطار واسع . 3 ـ تشجيع دمج و توحيد الشمال و الجنوب ضمن مجموع أكبر على غرار الجمهورية العربية المتحدة . و في حالة استمرار اليمن في معارضة انبثاق دولة متحررة في الجنوب ، فإن رابطة الجنوب العربي تطالب باستفتاء الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة . ثمة ملاحظتان تجدر الإشارة اليهما بصدد موقف رابطة الجنوب العربي ، سواء بالنسبة إلى الاستعمار أو بالنسبة للحركة الوطنية في اليمن . الملاحظة الأولى ، تتلخص في أن برنامج الرابطة يتفق في عدة نقاط مع مخطط وزارة المستعمرات . فقد تبين لنا أن المملكة المتحدة قد سبق أن باشرت عملية تجميع دول الأمراء و عدن من اجل إنشاء دولة اتحادية تمنحها الاستقلال . فالفرق بين وجهة نظر الرابطة و وجهة النظر البريطانية يتلخص في أن بريطانيا ترفض : 1 ـ فكرة انتخابات مسبقة ، 2 ـ الاعتراف بحق تقرير المصير ، 3 ـ المعاهدات و الاتفاقيات التي تؤدي إلى إزالة القواعد و جلاء القوات البريطانية . ما عدا ذلك فإن وجهتي نظر الرابطة و السلطة الاستعمارية تتفقان في الهدف النهائي الذي هو حصول البلاد على سيادتها الدولية . أما الملاحظة الثانية ، فتتعلق بموقف الرابطة من اليمن ، ذاك الموقف الذي يعتمد على التمنيات . فهي لا تتصور وحدة الجنوب و الشمال إلا بعد الاستقلال . و تعتبر كل محاولة قبل ذلك أمرا لا يجوز التفكير به . فهناك مرحلة انتقالية طويلة الأمد لا بد منها في رأيها ، تتم خلالها عملية القضاء على عقبات الوحدة قبل الوصول إليها . إن هذا الموقف قد جعل رابطة الجنوب العربي تتعرض لتهجمات عنيفة من قبل الحكومة اليمنية و خاصة من قبل حزب الشعب الاشتراكي . و اتهمت بأنها تلعب لعبة الاستعمار و التجزئة . إن رابطة الجنوب العربي هي أقدم منظمة في عدن و محميتها . و قد شهدت في البدء ازدهارا كبيراً . إلا أنها تعرضت منذ عام 1956 إلى هزات و أزمات متلاحقة أدت إلى عدة انقسامات ذات طابع يساري في قيادتها . و قد نالت الانسحابات التي شملت قسماً من جهاز الرابطة القيادي ، من قوة الرابطة . و قد انضاف إلى هذا الخلل الذي لحق بتكوين الرابطة ، تهديم السلطات لما تبقى من جهازها ، و مصادرة صحيفتها الناطقة باسمها بعد إبعاد قادتها الرئيسيين . و على الرغم من هذه النكسة ، فإن الرابطة ما تزال تتمتع بشعبية لدى الأوساط الوطنية التقليدية ، و لدى بعض القبائل ، و كذلك لدى سكان الريف في المحمية ، و خاصة لدى البرجوازية الوطنية الناشئة . فقد اقتربت هذه الطبقة من الرابطة لأنها وجدت الأفكار الاشتراكية لدى حزب الشعب الاشتراكي فعالية في الثورية ، و تثير القلق . حزب الشعب الاشتراكي : إن حزب الشعب الاشتراكي هو دون شك أهم المنظمات ، لا في عدن فحسب ، بل في الجزيرة العربية بوجه عام . فهو الوريث الشرعي للجبهة الوطنية الموحدة . و قد تأسس عام 1962 من اجل مقاومة المشاريع البريطانية . أما مؤسس هذا الحزب فهو اتحاد نقابات عمال عدن ، الذي حاول أن يتجنب أخطاء الحركات الأخرى بشكل جعله مركزاً حزبياً لجميع الذين انشقوا عن المنظمات المتنافسة . إن حزب الشعب الاشتراكي يدين الوجود البريطاني في اليمن الجنوبي ، و يدين الاتحاد الذي يجد فيه محاولة موجهة لفصل الجنوب نهائياً عن الشمال . و يطالب بإرجاعه إلى الوطن الأم . و كل حركة تحاول بشكل أو بآخر أن تقف عقبة في وجه هذه العودة ، تعتبر حركة انفصالية . و هذا ما حصل بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي و للحزب الوطني الاتحادي ، و إلى حد ما لرابطة الجنوب العربي . إلا أن هذه الأحزاب ترد التهمة و خاصة الرابطة التي تحمّل حزب الشعب الاشتراكي مسؤولية شطر الحركة الوطنية . أما برنامج الحزب فيدعو إلى أفكار وحدوية متقدمة كثيراً ، إلا انه مطبوعة بطابع يمني واضح و صريح يتهمه خصومه بأنه طابع توسعي . و يتضمن برنامج الحزب النقاط الأساسية الثلاث التالية : 1 ـ زوال الاستعمار بشكل كلّي و فوري ، و كذلك القواعد المرتكزة على المعاهدات غير المتكافئة . 2 ـ رفض تكوين كيان خاص باليمن الجنوبي . 3 ـ التعجيل في إعادة ربط الجنوب المحتل بالشمال المتحرر . إن هذا البرنامج يقلل من أهمية الصفة الوطنية لليمن الجنوبي ، و يصطدم تحقيقه من جهة أخرى بعدة عقبات أهمها : 1 ـ عداء الأمراء ، و الأحزاب العدنية المدعومة من السلطة الاستعمارية . 2 ـ معارضة رابطة الجنوب العربي . 3 ـ تأرجح الموقف الشعبي . و الحقيقة انه ، لا الأمراء ، و لا حلفائهم الإنجليز ، عازمون على تقديم عدن و محميتها إلى اليمن على طبق . أما العدنيون ، فعواطفهم الانفصالية معروفة منذ زمن طويل . كذلك فإن رابطة الجنوب العربي ترتاب في موقف حزب الشعب الاشتراكي و تخشى أن يجعل من القومية اليمنية شعاراً للمزايدة يفرضه على شعب اليمن الجنوبي رغم أنفه ، و أن يتجاهل التطلعات الحقيقية لهذا الشعب . كما أنها تعتبر تصلب حزب الشعب الاشتراكي عاملاً في تقوية النزعات الانفصالية على حساب الوحدة الوطنية . و هذه الحجج صحيحة إلى حد بعيد . ذلك لأن الإقليمية هي دوماً مغروسة في أذهان الناس و لأن الناس ما يزالون غير مالكين لصورة المستقبل بشكل محدد ، لسبب بسيط و هو أنهم لم يُسألوا عن رأيهم بعد حول مستقبل البلاد . لذلك كان مجال عمل الحركة المؤيدة للدمج العضوي مع اليمن التي يبعثها حزب الشعب الاشتراكي ، مقتصراً على عدن . فلا يكفي أن يقال بأن شعب اليمن الجنوبي في أكثريته الساحقة يرغب الدمج . بل يجب أن تعطى له الفرصة ليعبر بوضوح عن رأيه و عندئذ يُعرف رأيه . و ليس غير اللجوء إلى الاستفتاء يمكن أن يقرر شيئاً حاسماً بالنسبة إلى المستقبل . .............. يتبع ................ |
#13
|
|||
|
|||
إلى جانب الحركة المؤيدة لليمن ، توجد في حضرموت حركة موالية لوحدة المنطقة الشرقية و استقلالها ، و مناهضة لمبدأ الالتحاق باليمن .
و الحقيقة انه منذ اكتشاف البترول في المنطقة الشرقية ، أصبحت فكرة المناداة بحضرموت دولة مستقلة ، ذات إغراء كبير بالنسبة إلى السلاطين ، يؤيدهم في ذلك معظم سكان المنطقة ، كما يلقون تشجيعاً على هذه الفكرة من الإنجليز بشكل خفي . و يكفي أن تأتيهم الفرصة السانحة حتى يعلنوا استقلالهم . و هكذا فإن خصوم حزب الشعب الاشتراكي و معارضيه يملكون أسلحة متعددة لمحاربة مشروعاته ، و يطمحون إلى قلب الوضع لمصلحة اليمن الجنوبي . و عندئذ ينتصر المخطط البريطاني الذي يسعى قبل أن تنسحب انجلترا من المنطقة ، إلى تكريس الانفصال النهائي بين الشمال و الجنوب . و يبدو أن حزب الشعب الاشتراكي قد أدرك ذلك ، لذلك تحول عن موقفه الأول ، و أعلن استعداده للموافقة على استقلال عدن و المحمية . و يطالب بحق تقرير المصير . و يبدو من خلال ما كتبته صحيفة أسبوعية في الكويت ( 2 ) ، إن الحزب قد عقد اتفاقاً مبدئياً مع حزب العمال البريطاني بموجبه يلتزم هذا الأخير بحق شعب اليمن الجنوبي بتقرير مصيره بنفسه عندما يصبح في السلطة . و بالمقابل يقبل حزب الشعب الاشتراكي بمبدأ تأجير قاعدة عدن للبريطانيين لمدة محددة . و يعتبر ذلك تراجعاً هاماً بالنسبة لمواقف الحزب السابقة . إلا أن حزب الشعب الاشتراكي لا يتوقف رغم ذلك عن متابعة حملته من أجل الرجوع إلى الوطن الأم . و هو يعتمد من أجل كسب الرأي العام في الداخل بوجهة نظره ، على جهاز دعايته الذي نجح في كسب الرأي العام في عدن . و هو يظهر واقعية سياسية كانت أول نتائجها الطبيعية ، التقارب بينه و بين رابطة الجنوب العربي . فقد قرر الطرفان (3) إنشاء جبهة موحدة ضد السلطتين الاستعمارية و الاتحادية . و عندما تقوى هذه الجبهة لا بد أن يكون لها تأثير ايجابي على ازدهار الحركة الوطنية . إن حزب الشعب الاشتراكي يملك في عدن قاعدة شعبية ضخمة . و تتألف جماهير الحزب من طبقة العمال و من فئات المستخدمين و صغار الموظفين و التجار و الشبيبة المثقفة . إلا أن دعامته الأساسية دوماً في اتحاد نقابات عدن . كما أن لحزب الشعب الاشتراكي تأثيراً كبيراً في أوساط المهاجرين اليمنيين الذين يعيشون في عدن . و هو يشكل مع رابطة الجنوب العربي المعارضة الوطنية التي عبرت عن نفسها من خلال الانفجارات الشعبية و من خلال الثورة المسلحة . و في عدن نفسها عمت الاضطرابات و المظاهرات الجماهيرية و العصيان المدني ، و أعلن اتحاد العمال عن عزمه على مقاومة السياسة البريطانية لحكومة المحافظين بكل الوسائل الممكنة ، بما فيها الاغتيالات التي تعددت و اشتدت . و قد تسربت الاضطرابات إلى الداخل بسرعة حيث نجحت جبهة التحرير القومية (4) في إثارة القبائل ضد الإنجليز و الأمراء في ( ردفان ) ( إمارة الضالع ) و في يافع . و قد تصدت السلطات بعنف لموجة الهجوم هذه ، و بذلت جهداً كبيراً من أجل القضاء على المعارضة و تحطيم أداتها . و اشتركت القوات الاتحادية و الإنجليزية في إخماد ثورة القبائل . و أصبح استخدام الطائرات المطاردة و قاذفات القنابل شيئاً مألوفاً . و قد جرى قذف و تدمير عدد كبير من القرى . و كان الطيران الملكي يطارد الثوار اللاجئين إلى الجبال أو في المناطق المتاخمة لليمن . و بحجة تدخل اليمن في الشؤون الداخلية للاتحاد ، قامت وحدات الطيران بغارات على الجبهة اليمنية في حريب ، و توجهت تعزيزات من انجلترا و ألمانيا إلى إمارة الضالع لدعم الجيش الاتحادي . و رغم ذلك فإنها لم تتمكن من القضاء على الثورة . و على وجه الاجمال ، فإن العمل المركز الذي قام به الوطنيون الذين حققوا فيما بينهم مصالحة جزئية في المستعمرة ، و الثورة في الداخل ، قد هزت بعنف ركائز الدولة الاتحادية و أزعجت الإنجليز كثيراً . و أصبح موضوع تعميم العمل المسلح على جميع أنحاء البلاد هو مركز الاهتمام . إلا أن جدوى هذه الخطوة الشاملة بدت رهناً باتفاق المنظمتين الرئيسيتين سلفاً من أجل تنظيم و دعم مشترك لهذه الحملة . لأنه على الرغم من أن حزب الشعب الاشتراكي و رابطة الجنوب العربي هما هيئتان معاديتان للاستعمار و وطنيتان ، إلا أنهما تصدران على صعيد المبادئ عن وجهتي نظر متقابلتين و متباعدتين . علماً بأنهما على صعيد الموقف العملي يجمعهما هدف توحيد الشمال و الجنوب . و بكلمة واحدة فإن خلافاتهما سطحية و تتناول الوسائل لا الغايات . و على الرغم من اختلاف مواقف الأحزاب ، فهي بوجه عام تتفق على إدانة الاستعمار و في هدف تحرير البلاد . فالاحزاب الليبرالية ( حزب المؤتمر الشعبي و الحزب الوطني الموحد ) كانت تفهم الاستقلال من خلال مفهوم التعاون المتبادل مع الإنجليز ، و لا ترى ضرورة لأن يكون الاستقلال مصحوباً بقطيعة مع بريطانيا . فهو يمكن أن يكون المحطة الأخيرة في مراحل انحسار الاستعمار . و قد كان الأمراء يؤيدون وجهة النظر هذه . أما الاحزاب الوطنية فقد كانت تتطلع حسب تعبيرها إلى تخليص المنطقة من النفوذ الانجليزي مرة واحدة بواسطة العنف . إن مفهوم التحرير بالنسبة ( للجنوبيين ) يعني تحرراً كاملاً يؤكد شخصية الجنوب دون أن يؤدي ذلك إلى استبعاد إقامة علاقة وثيقة مع اليمن بعد الحصول على الاستقلال . و هم يعتبرون مفهومهم هذا نموذجاً صالحاً للتطبيق في نطاق الوحدة العربية . فالوحدة تتوقف على حصول كل بلد عربي على استقلاله السياسي و الاقتصادي . أما ( الشماليون ) فيعتبرون التحرير مرحلة ضرورية و كافية لتحقيق الوحدة غير المشروطة مع اليمن . و يعتبر حزب الشعب الاشتراكي لسانهم الناطق باسمهم . و هكذا فإن نشاط الاحزاب السياسية لا ينصرف إلى الكفاح ضد الاستعمار فحسب ، بل إن قسماً هاماً من هذا الكفاح يتركز على الهدف المباشر بعد الاستقلال . لذلك فإن نهاية مرحلة النضال ضد الاستعمار ترافق بداية مرحلة الصراع الأيدلوجي بين الاحزاب السياسية . الخصائص الرئيسية للأحزاب يتميز الوضع الحزبي في اليمن الجنوبي بالملامح الأساسية الثلاثة الآتية : 1 ـ التمركز في المدينة . 2 ـ عدم وجود حزب يجسّد الصفة الوطنية . 3 ـ غياب الأيدلوجية . هناك خصائص أخرى دون شك إلا أنها ذات قيمة ثانوية ، و أبرزها كون قيادات الاحزاب تمثل قيادة النخبة المحدودة العدد ، فالقيادات هي بالفعل أشبه بعصبة من القادة . حتى حزب الشعب الاشتراكي الذي هو منظمة جماهيرية ، لم تأخذ القيادة فيه طابعاً آخر مختلفاً عن هذا الطابع العصبوي ( الأولغاركي ) . التمركز في المدينة : ما يزال الانتظام داخل الاحزاب محدوداً في المكان . فالاحزاب الوطنية ليس لها وجود خارج مراكز المدن في عدن و في الداخل . و التجمعات السياسية الموالية للإنجليز يقتصر وجودها على المستعمرة . و جميع الاحزاب تتخذ من عدن مركزاً لقيادتها . و فيها يتجمع القسم الأكبر من مؤيديها . و قلما يساهم سكان الريف و رجال البدو في النشاط الحزبي . لذلك لا يوجد حزب يجسد الصفة الوطنية . و سبب ذلك يرجع إلى زمرتين من الصعوبات : 1 ـ الأولى تتعلق بالتكوين الاجتماعي : ففي المحمية ، تبدو ظاهرة الحزبية غريبة عن الوسط التقليدي . لأنها تصطدم بنوع من العطالة في التركيب الاجتماعي الذي تشكل القبيلة الخلية الحية فيه . ففي الحالة الراهنة للاقتصاد يبدو المجتمع القبلي من جميع الوجوه حالة من التوازن الطبقي توصل إليها مجتمع لا يعرف تقدماً أو تقهقراًً اقتصادياً إلا في حالات استثنائية . إذن لا بد من تغيير العامل الاقتصادي لحالة التوازن الساكن حتى يتوفر المجال لتطور العامل الاجتماعي أو لحدوث طفرة فيه (5) . ضمن هذه الشروط لم تجد ظاهرة الحزبية سوى المدينة مستقراً لها . و قد دفع الشعور بأهمية هذه المشكلة قادة رابطة الجنوب العربي و قادة الجبهة الوطنية الموحدة ثم حزب الشعب الاشتراكي ، إلى التصدي لها ، و إلى محاولة التسرب إلى داخل القبائل . بيد أن حالة الانقسام و التجزئة التي تعم البلاد جعلت مصير كل تدخل مباشر خارجي الفشل نظراً للروح السلبية التي تقابل بها القبائل كل محاولة صادرة عن مراكز المدن . و ذلك يفسر السبب الذي دفع الأحزاب لأن تتخذ خلال فترة من الزمن من المدن التي تعبر فيها القبائل ( المكلا و سيئون ) أو من المراكز التجارية المشتركة لمجموعة من القبائل ( تريم ) أو من المناطق القريبة من عدن ( لحج و جعار و زنجبار ) ، مراكز لدعايتها . إن طابع الانتشار في المدن لم يكن نتيجة لطبيعة التركيب الاجتماعي فحسب ، بل كان أيضا نتيجة لوجود عوائق تتعلق بمجمل الأوضاع و الظروف . 2 ـ الزمرة الثانية من الصعوبات : إذا كان وجود الاحزاب أمراً تحتمله السلطات في المستعمرة ، إلا أنها تحظره في المحمية . و قد تم إغلاق مراكز الدعاية منذ عدة سنوات من قبل السلطات المحلية التي اعتبرتها أداة للاضطرابات . و هكذا فإننا لا نعثر داخل البلاد على أي أثر لحياة حزبية . و الحياة السياسية تجري على منوال واحد . فهي عبارة عن حوار بين الأمراء و بين المقيمين البريطانيين . و لم يكن في وسع أحد الطرفين أن يتصور أن طرفاً ثالثاً يمكن أن يتدخل في هذه العلاقة الثقافية المحاطة بمنتهى السرية في معظم الأحيان . لذلك فإن منع الحياة الحزبية يدفع بالاحزاب إلى التزام السرية في نشاطها . و على سبيل المثال نجد ( الحزب الوطني القعيطي ) يتأسس عام 1948 في المكلا ( حضرموت ) ، و بعد قيام الاضطرابات عام 1949 ـ 1950 ، يجري حله ، و يحال قادته الرئيسيون أمام محكمة خاصة . و منذ ذلك الحين لم تقم محاولة جدية لتأسيس حزب بصورة رسمية ، إلا أننا نلاحظ خلال الفترة التي شهدت منع الاحزاب 1950 ـ 1954 ، نشوء نواد و جمعيات على غرار عدن عرفت ازدهاراً كبيراً ، و لعبت عملياً دور التوعية السياسية . و قد تركز نشاطها الذي ترددت أصداؤه في الصحف المحلية على تحرير الإمارات من النظم ذات الطابع الفردي . و على وجه العموم ، نلاحظ أنه فيما عدا الاهتمام الذي يبديه سكان حضرموت ( الرابطة الحضرمية ) و لحج بالشؤون العامة ، فإن ما تبقى من الشعب في المحمية يظهر إعراضاً عن الاهتمام بالأمور السياسية . و لا شك أن الانغلاق و الجهل هما السبب في هذا التخلف . إلا أن الاحزاب نفسها تتحمل بعض المسؤلية ايضاً من حيث أن جهودها تفتقر إلى عنصر الترابط . فطالما ان المنظمات ذات الصفة التمثيلية الحقيقية ، و التي تملك سمعة لدى الشعب ، لا توحّد نشاطها و تجمع جهودها ضمن تيار مشترك من شأنه أن يقوم بعملية التوعية الجماهيرية و التربية السياسية ، فإنها ستبقى بعيدة عن القدرة على التغلب على النزعة القبلية بسهولة . و البلاد ما تزال تحتاج إلى تشكيل سياسي يملك تنظيماً يمكنه : 1 ـ من الوصول إلى ابسط قرية ، 2 ـ المساهمة في إيقاظ وعي قوي حقيقي ، 3 ـ من إقامة نظام مركزي قوي يستطيع أن يضع حلولاً سريعة و حاسمة لمختلف مشاكل البلاد . |
#14
|
|||
|
|||
غياب الأيدلوجية السياسية المحددة :
هناك خطان أيدلوجيان كبيران يتقاسمان العالم اليوم ، كل منهما يناقض الآخر في جميع المجالات . إن هذا التعارض بين النظرية الماركسية و بين الفلسفة الليبرالية يضم بصورة خاصة بلاد العالم الثالث التي تفتش عن الطريق الذي يسمح لها بالتغلب على التخلف بصورة عامة . و معظم هذه البلاد يستبعد النظرية الرأسمالية لسببين رئيسيين : 1 ـ لأنها تبدو ملازمة للنزعة الاستعمارية و للإمبريالية ، 2 ـ لأنها لا تعرف إمكانيات تحقيق تطور منسجم و سريع . إن هذا الرفض للديمقراطية الليبرالية من شأنه أن يوجه الأنظار باتجاه المفهوم الماركسي للتطور الاجتماعي الجدلي ، لأنه يستجيب استجابة أفضل لمتطلبات النضال ضد التخلف . إن مثال بلدان أوروبا الوسطى و آسيا ، قد برهن برهاناً قاطعاً على نجوع الطريق الاشتراكي العلمي الأصيل . فقد أتاح لهم هذا الطريق المجال لتلافي التخلف الاقتصادي و الاجتماعي خلال فترة قصيرة . إلا أن عدداً كبيراً من بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ، قد استبعدت طريق الماركسية كما استبعدت طريق الديمقراطية الليبرالية . و خاصة بعض العالم العربي الذي يبدو بأنه اختار طريقاً وسطاً بين الأيدلوجيتين ، هو طريق الاشتراكية العربية الذي ينكر وجود طبقات اجتماعية متصارعة ، و يطمح في تنظيم الجماهير داخل حزب واحد ليس له محتوى بروليتاري . أما بالنسبة لليمن الجنوبي ، فقد كان العامل الحاسم هو التطور الفكري الذي حصل في مصر خلال الفترة بين عام 1958 ـ 1961 . فقد كان لاختيار الجمهورية العربية طريق الاشتراكية العربية وقع كبير لدى القادة الوطنيين في اليمن الجنوبي . و قد انضاف إلى هذا التأثير ، تأثيران آخران يتمثل أحدهما في حزب البعث العربي الاشتراكي و الآخر في حزب العمال البريطاني . و يمكن حصر العوامل التي دفعت إلى رفض الماركسية باسم نزعة مثالية طوباوية و اشتراكية ذات طابع إصلاحي يكتنفه الغموض ، في عاملين رئيسيين : الوسط الاجتماعي و الدين . أما العامل الاقتصادي فيشكل عضواً ثانوياً و لا يتدخل مع الأسف إلا بصفته عاملاً ثانوياً . الوسط الاجتماعي : إن غالبية الموجهين و القادة يفكرون بأن مجتمع اليمن الجنوبي هو مجتمع لا توجد فيه طبقات مختلفة محددة . إنهم يسلمون بوجود عدة فئات اجتماعية كالقبائل و الفلاحين و التجار و العمال و المستخدمين .. الخ ، إلا أنهم سريعاً ما يقولون بأن هذه الفئات الاجتماعية المختلفة ليست بالضرورة في حالة صراع دائم ، لأنها كما يقولون ليست منتظمة على شكل طبقات مسيطرة و طبقات واقعة تحت السيطرة . و هم يستندون إلى القول بأن البلاد ما تزال غير مُصنعة . و بأن مستوى التقنيات لم يخلق بعض نظام الطبقات . و أخيرا يؤكدون على ان التمايز الاجتماعي هو في أدنى مستوياته ، و يتخذون من ذلك كله حجة نظرية لدحض المبدأ الماركسي الذي يعتبر الخصومات السياسية محصلة للتركيبات الاجتماعية و الاقتصادية . و بكلمة واحدة ، فان الصراع الطبقي ظاهرة غير معترف بها و مجهولة . و يعارضه مفهوم جمع الشعب ضمن حركة اتحاد قومي . و هذا التحالف يشكل في نظر بعض القادة و المثقفين الوسيلة الوحيدة للتغلب على الفردية البرجوازية و لتعزيز الاندفاعات الجماعية . و هم على غرار الكثيرين من القادة الافريقيين و الآسيويين يعلنون تفضيلهم للطرق التي تمت بموجبها التنمية الاقتصادية و التحول الاجتماعي في البلدان ذات النظم الاشتراكية ، دون انتساب إلى نظرية ماركس . و بتعبير آخر يستبعدون إقامة دكتاتورية انتقالية للبروليتاريا مع تأكيدهم على اتجاههم في تشجيع تملك الدولة للوسائل الرئيسية للإنتاج و التبادل ، و في تعميم الطابع الجماعي بشكل طوعي على الحياة الزراعية . ان هذا المفهوم الجديد للاشتراكية هو السائد حالياً في اليمن الجنوبي ، كما هو في كل مكان حيث يجتاز المجتمع مرحلة الانتقال بين اضمحلال النظام الاستعماري و بزوغ فجر الاستقلال . فالقادة التقدميون يعتبرون أنفسهم ممثلين لا للطبقة العاملة في طورها الجنيني أو للطبقات المتوسطة فحسب ، بل لجميع المواطنين مهما كان انتماؤهم الاجتماعي . فهم يؤالفون بين الاشتراكية و بين القومية . في حين أن القومية في اليمن الجنوبي مطبوعة بطابع العقائد الدينية . عدم وجود حزب يجسد الصفة الوطنية : يوجد في عدن حوالي عشرة احزاب ، في داخل كل منها يمكن أن نلاحظ اتجاهات مختلفة . إن تعدد التيارات الذي كان شائعاً في الماضي ، قد افسح المجال أمام الانقسامات و التجزئة ، التي ولدت بدورها تيارات مركزية و متطرفة . إلا ان هذا التعدد في الاحزاب لم ينتج عنه أي تجمع سياسي قادر على تمثيل دور المفاوض مع المملكة المتحدة . أن السيمياء العامة لتنظيم الاحزاب الرئيسية ، تتجلى جملة على النحو التالي : ـ التيار المعتدل ، في الماضي كان ممثلاً في ( الرابطة العدنية ) و في الحاضر يمثله : حزب المؤتمر الشعبي ، الحزب الحر الديمقراطي ، حزب الاستقلال ، الحزب الوطني الاتحادي . ـ التيار الوطني ، في الماضي كان ممثلاُ في ( الجبهة الوطنية الموحدة ) و في الحاضر يمثله : رابطة الجنوب العربي ، حزب الشعب الاشتراكي ، الاتحاد الديمقراطي الشعبي . أما عن الصيغة العامة للتطور التاريخي للحياة الحزبية ، فيمكن أن نشير إلى ان تطور القوى السياسية في عدن قد تميز خلال السنوات العشر السابقة بسيطرة عاملين : العامل الأول يتعلق بتصدع الأحزاب القديمة التي كانت تفتقر إلى التمايز ، و حلول أحزاب متميزة و مستقلة محلها . و قد مس هذا التصدع الأحزاب المعتدلة . فانقسمت الرابطة العدنية إلى عدة تيارات محافظة كما يظهر مما سبق . و يرجع هذا التفكك إلى التغير الذي طرأ على اتجاه السياسة الإنجليزية منذ عام 1961 . أما العامل الثاني فيتعلق بالاستقرار النسبي في وضع الأحزاب التقدمية . صحيح أنها شهدت بدورها انقسامات ، إلا أنها بقيت ضمن حدود غير منظورة ، لذلك نجد التجمعات الأولية السابقة نفسها سواء بتسمياتها الأصلية ( رابطة الجنوب العربي ) أو بأسمائها الجديدة ( حزب الشعب الاشتراكي ) . فالتحول في زمرة الأحزاب التقدمية كان على صعيد الأفكار . فقد قامت في وجه التقدمية الليبرالية ، تقدمية إصلاحية ن بل اشتراكية ثورية ( الاتحاد الديمقراطي الشعبي ) . أما عن درجة التمثيل للشعب التي تتوفر في أحزاب الجنوب العربي ، فهي حسب تقدير مجلة الرائد العربية في نهاية 1962 ، كما يلي (6) : 90 % من العرب في المستعمرة يؤيدون الاحزاب التقدمية ، 7 % من السكان يؤيدون الحزب الوطني الاتحادي ، 3 % فقط يناصرون حزب المؤتمر الشعبي . إلا أن الوضع قد تبدل بعد ذلك التاريخ ، فقد نجح حزب الشعب الاشتراكي في تدمير مواقع الحزب الوطني الاتحادي و حزب المؤتمر الشعبي . و هو يتمتع بتأييد مجموع السكان العرب في المستعمرة تقريباً . و هم يشكلون ثلاثة أرباع مجموع السكان . و قد كشفت الأحداث عن صحة ذلك ، كما كشفت عن العزلة الصارخة التي يعيش فيها المعتدلون . فقد تفجرت أزمة داخلية خطيرة بين صفوف الأحزاب المعتدلة عقب ثورة اليمن ( 26 سبتمبر 1962 ) . فقد قدم عدد من الوزراء ، و هم أعضاء في الحزب الوطني الاتحادي الحاكم ، استقالته احتجاجاً على رفض الحكومة البريطانية تأجيل تنفيذ مشروع دمج المستعمرة في اتحاد الجنوب العربي . و قد كان هذا الانسحاب ضربة قاصمة للحزب الوطني الاتحادي . و رغم كل ما قيل ، فإن درجة تمثيل الأحزاب على مستوى مجموع البلاد ، ما تزال ضعيفة مهما حملت من شعارات . و السبب يعود إلى أن الهوة السياسية ما تزال متمركزة في عدن ، كما يرجع أيضاً إلى التعدد غير المعقول في عدد الأحزاب . و على كل حال ، فإنه ليس من المغالاة في شيء القول بأنه ليس من المتوقع ضمن خط السير الذي تسير فيه حالياً حركة التحرير ، أن يظهر حزب يمثل في أعين الشعب ضمانة للمصير الوطني . فالحقيقة هي أن الظروف التي سوف تحيط بالاستقلال قد لا تسمح لأيه منظمة سياسية مهما كانت تفوق المنظمات الأخرى في شعبيتها ، بأن تكتسب حق التفاوض مع المستعمر ، و بأن تنتزع أمام أعين الجماهير نعمة الاستقلال و السيادة . فالقوى السياسية هي على حال من الضعف و التشتت بشكل لا تستطيع واحدة منها أن تتوصل إلى إزاحة الآخرين المنافسين و أن تفرض نفسها . و الانجليز أنفسهم لم يعملوا على تشجيع حزب للاستقلال يقوده الأمراء ، كما فعلت في ماليزيا حيث لعب حزب الاتحاد هذا الدور . في مثل هذه الشروط التي لا أمل فيها بظهور حزب موحد ، يشكل تعدد الاحزاب نقطة ضعف خطيرة في جدار الوحدة السياسية للبلاد . كما يشكل عاملاً في الافتقار إلى برامج هادفة تتطلع إلى مرحلة ما بعد الاستقلال ، و في جهل الشروط الموضوعية الداخلية . فالاحزاب لم تلجأ بعد إلى تحليل معمق أو حتى إلى تحليل جزئي لتلك الشروط . و مرد ذلك إلى عدم وجود الأيدلوجية المحددة . فجميع احزاب الجنوب العربي هي في الواقع بدون أيدلوجية تقريباً . و من هنا كان الخطر في أن تصبح الديماغوجية هي القاعدة العامة . |
#15
|
|||
|
|||
الدين :
يلعب الدين في اليمن الجنوبي و في العالم العربي بوجه عام دوراً كبيراً . فالإسلام يملك في هذه البقعة طابعاً قومياً عميقاً . فهو يشكل جزءاً لا يتجزأ من حركة الكفاح ضد الاستعمار في اليمن الجنوبي ، و يمتزج بأهدافه في المقاومة و التحرير . و التعلق بالإسلام هو في الوقت نفسه تعلق بالقضية القومية (7) . و هذا ما يفسر السبب الذي يدفع قسماً كبيراً من القادة العرب ، باستثناء الشيوعيين طبعاً ، إلى التأكيد على أهمية الدين في كل منحى ايدلوجي ، لأن الاسلام يمثل قوة مسيطرة . و هو الذي يشكل عاملاً قوياً في مقاومة الماركسية الملحدة . إلا ان الاسلام يأخذ في اذهان رجال السياسة ، و بصورة خاصة المثقفين ، شكلاً متجدداً . فهم يرون ان الدين الإسلامي هو في جوهره بسيط واضح و عادل . و هو يأتلف مع جميع أنماط المجتمعات ، أكثرها تقدماً ( مصر ، تونس ) حتى أكثرها تخلفاً ( الجزيرة العربية ) . فهم بتعبير آخر ، يحاولون أن يسترجعوا للإسلام وجهه التقدمي ( مؤتمر جبهة التحرير الوطني الجزائرية ) . أي ان يستشفوا طابع الحياة المشتركة الجماعية الكامن فيه ، و ان يلائموا بين تعاليمه و بين متطلبات القرن العشرين . ضمن هذه الشروط ، و تحت تأثير العاملين السابقين ، قامت نزعة إسلامية إصلاحية ، و نزعة اشتراكية اختبارية ، اعتبرها قادتها و قدموها على أنها تتلاءم مع أوضاع اليمن الجنوبي على أفضل شكل . النزعة الإصلاحية و النزعة الاشتراكية : إن الأحزاب الوطنية هي التي أبدت اهتماماً بالمسألة الايدلوجية ، لأن المحافظين لم يكونوا يشغلون أنفسهم بذلك ، فاختيارهم كان قد استقر منذ زمن طويل على الليبرالية الغربية : الاقتصاد الحر و النظام البرلماني . ففضلاً عن أن كل تصنيف للاتجاهات العقائدية يبدو تعسفياً واهياً ، فإن كل منظمة قومية تقدمية تحتفظ بطابع خاص متفرد و رغم ذلك يمكن أن تميز تيارين عقائديين : ـ تيار إصلاحي ، تمثله رابطة الجنوب العربي . ـ تيار يميل إلى الاشتراكية ، يمثله حزب الشعب الاشتراكي ، إلا أن هذا التصنيف يبقى نظرياً طالما أن كلا التيارين لم يوضعا بعد موضع التطبيق . النزعة الاصلاحية الاسلامية : إن هذا التيار يستمد منابعه إلى حد بعيد من التجربة المصرية في الفترة 1952 ـ 1961 ، أي المرحلة التي تقابل الفترة الانتقالية الاختبارية في تلك التجربة . فقد احتاجت مصر ( الناصرية ) إلى عشر سنوات تقريباً قبل ان تقف الى صف الاشتراكية . و كانت خلال تلك الفترة تركز على بناء نظام سياسي قوي ، و اقتصاد مختلط . و كان العسكريون يكرسون جهودهم للتوفيق بين التعاليم الدينية و بين ايدلوجيتهم . و من هنا كانت إقامة الاسلام كدين للدولة . و قد أُعجب قادة رابطة الجنوب العربي الذين عاشوا التجربة المصرية بهذا الموقف الفكري ، و أصبح موقفهم بالتبني ، فهم يطمحون الى بناء دولة إسلامية ديمقراطية قائمة على أساس العدالة الاجتماعية و على أساس الاسلام و العروبة (8) . و هم يقصدون بالعدالة الاجتماعية رفع مستوى معيشة الشعب و تحسين الشروط الاجتماعية و الثقافية . لذلك فان حدود وجهة النظر هذه واضحة : فهي لا تتطلع الى إحداث تحول جذري في العلاقات الاجتماعية ، و لا الى تغيير التركيب الاقتصادي . و مهما ادّعى قادة هذا التيار إنهم اشتراكيون ، فإنهم يبقون في الواقع ضمن إطار مفهوم الاقتصاد المختلط . و هم يلوذون بالقومية العربية لأنهم يعرفون بأن الوحدة هي أعز هدف لدى الجماهير ، و أن مصير اليمن الجنوبي مرتبط بمصير الأمة العربية . و ينسون بأن الوحدة هدف بعيد يتطلب تحقيقه فكراً ناضجاً . و الخلاصة ، فإننا نجد أنفسنا تجاه نزعة اصلاحية من النوع التقليدي ، تجد مشقة في الانحياز الى الاشتراكية في الجمهورية العربية المتحدة القائمة على امتلاك الدولة و إدارتها للاقتصاد الوطني . و رابطة الجنوب العربي ترغب في أن تجمع كل فئات الشعب في عملية بناء الدولة الاسلامية التي تشكل البرجوازية الوطنية عمودها الفقري . الاشتراكية الاختبارية : ان حزب الشعب الاشتراكي يشايع هذه النزعة . و هو يقدم نفسه كممثل للجناح اليساري في حركة التحرير الوطني . إلا انه لا يأخذ بالماركسية ، و يدفع عن نفسه تهمة مشاركة الشيوعيين وجهات نظرهم . هؤلاء الشيوعيون الذين يشكلون منذ عام 1961 ديسمبر ( الاتحاد الديمقراطي الشعبي ) الذي يدعو للاشتراكية العلمية التي ما يزال الوسط الاجتماعي و النخبة على حد سواء بعيدين عن التأثر بها . إن اتحاد نقابات العمال ثم حزب الشعب الاشتراكي ، قد تأثر كل منهما بحزب العمال البريطاني و بالجمهورية العربية المتحدة و بحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية . و هذا هو السبب في وجود تناقضات داخلية في كل منهما . إن قيام حزب العمال البريطاني بتأهيل الإطارات النقابية ، و بإرسال المختصين بالتنظيم و بالعمل النقابي الى عدن ، و الدعم السياسي الذي كان يشد به أزر اتحاد النقابات في عدن ، قد ترك تأثيره المعتدل على قاعدة حزب الشعب الاشتراكي الجماهيرية . كما نجح حزب العمال فترة من الزمن في توجيه النقابات وجهة المطالبة بالقضايا العمالية و تحديد نشاطها ضمن هذا الاطار ، و ابقاءها داخل فلك الغرب ( الانضمام الى الاتحاد الدولي للنقابات الحرة ) . إلا ان اتحاد النقابات و الجبهة الوطنية المتحدة بادئ ذي بدء ن ثم حزب الشعب الاشتراكي بعدهما ، بدأت منذ عام 1958 تتحرر من هذه الوصاية دون أن تقطع صلاتها مع حزب العمال البريطاني أو تترك الاتحاد الدولي للنقابات الحرة . لأن الحركة الاشتراكية بدأت تقوى في العراق و سورية و الجمهورية العربية المتحدة . و في عام 1960 يصرح اتحاد النقابات في عدن ، بأنه سوف يعمل بعد الآن من أجل تحقيق مجتمع عربي اشتراكي (9) . و حددت اهدافها بتحرير البلاد من الاستعمار و إعادة وحدة الشمال و اليمن الجنوبي و النضال ضد السلطة الاستعمارية و الإقطاعية . و في ميثاق حزب الشعب الاشتراكي ، نجد انه يعلن عن عزمه على بناء مجتمع ديمقراطي و اشتراكي تسوده العدالة الاجتماعية . و في الوقت نفسه يعلن ولاءه للقومية العربية . و هو فيما يتعلق بالنقطة الأولى يميل إلى الانجازات الاشتراكية التي تحققت في مصر منذ عام 1961 على شكل تأميمات سريعة للقطاعات الرئيسية و تدعيم للقطاع العام . أما على صعيد إدارة الاقتصاد ، فهو يريد أن يشجع منذ البدء المشاركة الواسعة للعمال في قرارات الدولة عكس ما جرى في الجمهورية العربية المتحدة في الأصل . و إذا كان حزب الشعب الاشتراكي قد رفض حتى الآن صيغة الاتحاد القومي ذات الطابع البرجوازي ، فهو لا يستبعد التعاون مع البرجوازية الوطنية شريطة أن لا يحول ذلك دون متابعته للنضال من اجل أهدافه الثورية . و هو من جهة ثانية لا يكتم آرائه في الكفاح ضد الاقطاعية و الاقطاعيين . ان نقطة الضعف في هذا كله تتلخص في أمرين : 1ـ ان التعاون بين حزب الشعب الاشتراكي الذي انبثق عن النقابات ، و بين البرجوازية ، هو ضرب من النظرية الطوباوية ، على الأقل على المدى البعيد ، بحكم تناقض مصالحهما . 2 ـ ان النضال ضد الاقطاعية يتضمن تحديداً لموقف أو لسياسة تجاه طبقة الفلاحين لم يعلن عنها حزب الشعب الاشتراكي بعد ، نظراً لعدم وجود ركائز له في أوساط الريف ، و لأنه يجهل كل شيء عن قضاياه . يبقى موضوع القومية العربية . فحزب الشعب الاشتراكي شأن رابطة الجنوب العربي ، اتجهت نظرته الى أوساط المدينة وحدها . و مع ذلك فهو يريد أن يكون أول من يحمل شعار القومية العربية ، لأن هذا الشعار قد أصبح مركز الحزب في الضواحي . و الخلاصة فان المسافة بين نزعة رابطة الجنوب العربي الاصلاحية و بين اتجاه حزب الشعب الاشتراكي ، ليست كبيرة . على كل حال هناك فرق ملحوظ في مفهومهما فيما يخص الشكل الذي يجب ان تأخذه دولة اليمن الجنوبي في المستقبل . فرابطة الجنوب العربي تريدها دولة إسلامية ، و حزب الشعب الاشتراكي يريدها دولة اشتراكية . و نحن لا نعرف بعد شيئاً عن موقف هذا الأخير من المسألة الدينية . و المؤكد على كل حال ، هو أنه لن يجرؤ على التصدي إليها بشكل مكشوف . و ثمة فرق آخر يتعلق بتحرر المرأة لا يمكن تجاهله . ففي حين أن رابطة الجنوب العربي تلتزم الصمت حول هذه النقطة مداراة لرجال الدين ، يجعل حزب الشعب الاشتراكي من تحرر المرأة مسألة سياسية من الدرجة الأولى . و أخيرا نقطة مشتركة بينهما ، و هي التزام مبدأ الحياد و عدم الانحياز ، المبدأ الذي يتعارض مع رغبة الأوساط المعتدلة التي تريد ان تسلك سياسة خارجية قائمة على محاربة الشيوعية بصورة عمياء . و بصورة عامة فإن الأحزاب السياسية بدون استثناء ، تتجنب القضايا التي سوف تطرحها المرحلة اللاحقة بالمرحلة الاستعمارية ، و البلاد على أهبة الحصول على الاستقلال . و أشد خطورة من ذلك هو الغياب الكلي تقريباً للاهتمامات الاقتصادية و الاجتماعية الجدية . أما السبب فيجب التماسه في القادة أنفسهم الذين لا يملكون معرفة جيدة بسياق الأوضاع في اليمن الجنوبي ، و لا رؤيا واضحة للعقبات الاقتصادية و الاجتماعية التي سوف يواجهونها في القريب العاجل . فهم يركزون جهودهم كلها على تغيير الأوضاع و على استلام السلطة . و برامجهم لا تتعدى النطاق السياسي ، و تطغى على تفكيرهم الاهتمامات المباشرة و الانتهازية . و هم يدورون حول بعض الشعارات : ـ طرد الإمبريالية . ـ القضاء على عملاء الاستعمار و على الإقطاعيين . ـ الاستقلال و الديمقراطية . ـ الوحدة العربية و الاشتراكية العربية . ان الاحزاب السياسية تردد هذه الشعارات دون أن تبذل أي جهد لتحديد محتواها ، أو الإشارة إلى الوسائل التي بواسطتها ستحول تلك الشعارات إلى أفعال ، أو التحليل المعمق للوضع ، لسبب بسيط هو عدم وجود مناضلين محترفين و إطارات مؤهلة . و بالنتيجة ، فأن التقدميين قد تبنوا كل ما ورد في بنود الميثاق الوطني الذي قدمه الرئيس جمال عبد الناصر في مؤتمر القوى الشعبية عام 1962 . هذا الميثاق الذي يربط الوحدة العربية بتطور الاشتراكية العربية داخل كل بلد ، و يدعو الشعب لبناء هذه الاشتراكية ، و يشدّد على وحدة الهدف ( الحرية الاشتراكية و الوحدة ) . و يجعل من مصر نموذجاً للتطور الاشتراكي ( الاشتراكية الديمقراطية التعاونية ) . أما الإدارة السياسية لهذه الاشتراكية فهي الحزب الواحد ( الاتحاد الاشتراكي العربي ) (10) . إن قادة حزب الشعب الاشتراكي يرغبون في احتذاء مثال الجمهورية العربية المتحدة ، و يتبنون دون مناقشة الأفكار السابقة ، و دون أن يتساءلوا فيما إذا كانت تنطبق فعلاً على التكوين الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي للبلاد . فهمهم الأكبر هو مع الأسف التفتيش عن الدعم الجماهيري عن طريق استخدام شعارات ديماغوجية لا واعية . أن الوحدة العربية على أساس اشتراكي هو غاية المنى . إلا أن تحقيق وحدة صلبة راسخة يتطلب قبل كل شيء أخذ الأوضاع الخاصة بعين الاعتبار و إدراك أهمية العوامل الاقتصادية . ................................... (1) عبده العضال . ( أهذا كتاب أبيض ) القاهرة 1962 ، ص 17 . (2) الطليعة ، العدد 72 ، تاريخ 11 مارس 1964 . (3) لوموند ، 28 ديسمبر 1963 . (4) عند كتابة هذه الصفحات ، لم يكن المؤلف يملك معلومات مفصلة عن هذه المنظمة التي أنشئت حديثاً بمؤازرة حركة القوميين العرب ( المترجم ). (5) مجلة افريقيا و آسيا ، العدد 44 . (6) الرائد ( المكلا ) العدد 96 ، سبتمبر 1962 . (7) ارنولت ، ص 243 (8) وثيقة نُشرت في القاهرة في مايو 1959 . (9) مجلة الشرق الأوسط ( و ت ) الجزء 16 ، العدد 4 ، نيويورك 1962 . (10) كولان ، ص 174 . ........................................ نهاية الفصل السادس . |
#16
|
|||
|
|||
|
#17
|
|||
|
|||
ايش اللي تقصده
اعتقد ان الكل عارف مايحتويه هذا الكتاب
ولكننا نجهل ما ترمي اليه انت .. هات ماعندك ووضح مبتغاك . |
#18
|
|||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||
Re: ايش اللي تقصده
هاتي ماعندكِ أنتِ يابنت عدننا الغالية
هيا قولي لنا مالذي اكتشفتيه بذكائك العالي و( فطنتك الرهيبة ) من المرامي والأهداف والغايات والأماني والمقاصد والطموحات والمشاريع والأطماع الحالية والمستقبلية التي أسعى إلى تحقيقها من وراء قيامي بإنزال هذا الكتاب الخطير على قراء هذا المنتدى هيا أخبريهم وافضحيني واكشفي للملأ كل أهدافنا الخطيرة! ومرامينا الدفينة ! وغاياتنا المشبوهة! وطموحاتنا الرخيصة ! وأطماعنا الدنيئة! ومشاريعنا الخاسرة! ومقاصدنا الخائبة التي نخفيها في هذه المشاركة المهمة !! تحيااااااااااااااااااااااااااتي إليكِ |
#19
|
|||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||
Re: Re: ايش اللي تقصده
?????
!!!!!!!!!! :::::::::::: !!!!!!!!!! ????? |
#20
|
||||
|
||||
[font=Arial Narrow
اولا اهلا بعودك ياوحده حتى تموت .. كنت اظن ان مفهومك تغير للواقع التي تعتقد به من عدمه ولكن على اية حال عودتك فيها الشئ الكثير اذ وجدنا شئ شبه متكامل كما بدا لنا الان والذي نرجو عدم الرجوع الى الخربطه التي تتعمدها وعرفناك بها ،، اما بخصوص الموضوع الذي طرحته وهوا بمثابت كتاب كنت قد قرأته قبل فتره ولم اجد فيه ما يعنى بالحاضر والمستقبل ولو انه لو كان الاصل وغير ( مزور ) مهم لتاريخ الجنوب العربي 0 ومن اراد ان يبحث فيه ، و مع معرفتي الاكيده ان ما ورد في النقل ليس كما هو في الاصل وان اعتماد الكاتب في مسماء الترجمه ، والتركيز على كلمت الجنوب اليمني ووضع لها اطار يبرزها والتي نعرف جميعا انها لم تكن موجوده بل كان الصح هو الجنوب العربي ،، ان تلك الترجمه والمتعمد فيها ادخال بعض الكلمات تفقد الموضوع للمصداقيه وحتى قيمتة التاريخيه تفتقد ،، ان ادراج بعض الكلمات والتي ليس لها صله بالحقيقه سيحكم عليها كل قاري ،، بتلفيق والتزوير ،، ولاشك ان مترجمه او نا قله تعمد ادخال تلك الكلمات بحسب اهواه وميوله السياسة والمقصوده من النقل 0 مثلا لا الحصر ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) ان تلك الكلمات المفضوحه كان الاجدر بكاتبها وناقلها الى هنا ان يستحو او يخجلو من ارداجها كما وردة لانها ليست كذلك وتفضح من قام بنقلها والاجدر به ان ينقلها كما هي 0 اما دليلي هو اصحابها الاحيا والذي لا زالو يرزقون 0 وماذا كانت تسماء وماهي التسميه الحقيقيه ،، لقد ادمنت شلت صنعا على تزوير الحقايق ولكن للاسف انهم يظنون دايما ان ابنا الجنوب جهله حتى لتاريخهم وللاسف انك ايها الوحدوي تسير في ركب متعثر الاماني قليل البصيره وتايه في الرمال الحارقه ،، وما قام به صاحب المقال هذ الا دليل على جهلهم الحقيقي 0 ابو ابداع [/font]
__________________
|
«
الموضوع السابق
|
الموضوع التالي
»
|
|
الساعة الآن 03:31 PM.