قائمة الشرف



العودة   منتديات مركز صوت الجنوب العربي (صبر) للحوار > قسم المنتديات الأخبارية و السياسية > المنتدى السياسي

القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن

عاجل



آخر المواضيع

آخر 10 مواضيع : الأثنين القادم فعالية تأبين كبرى لـ«فقيد» الوطن اللواء د عبدالله أحمد الحالمي في عدن (الكاتـب : nsr - مشاركات : 0 - المشاهدات : 3879 - الوقت: 12:13 AM - التاريخ: 07-04-2024)           »          الرئيس الزبيدي يلتقي دول مجلس الأمن الخمس في الرياض (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 18056 - الوقت: 03:28 PM - التاريخ: 11-22-2021)           »          لقاء الرئيس الزبيدي بالمبعوث الامريكي بالرياض ١٨ نوفمبر٢٠٢١م (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 8304 - الوقت: 09:12 PM - التاريخ: 11-18-2021)           »          الحرب القادمة ام المعارك (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14206 - الوقت: 04:32 AM - التاريخ: 11-05-2021)           »          اتجاة الاخوان لمواجهة النخبة الشبوانية في معسكر العلم نهاية لاتفاق الرياض (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7841 - الوقت: 05:20 AM - التاريخ: 11-02-2021)           »          اقترح تعيين اللواء الركن /صالح علي زنقل محافظ لمحافظة شبوة (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7646 - الوقت: 02:35 AM - التاريخ: 11-02-2021)           »          ندعو لتقديم الدعم النوعي للقوات الجنوبية لمواجهة قوى الإرهاب (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7729 - الوقت: 08:52 AM - التاريخ: 10-31-2021)           »          التأهيل والتدريب (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7439 - الوقت: 04:49 AM - التاريخ: 10-29-2021)           »          الرئيس الزبيدي يجري محادثات مع وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 8279 - الوقت: 12:56 PM - التاريخ: 10-27-2021)           »          تحرير ماتبقى من اراضي الجنوب العربي (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7740 - الوقت: 02:53 AM - التاريخ: 10-15-2021)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #41  
قديم 11-26-2010, 12:02 AM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة


المستقبل لا يدخر لنا سوى أيام انتقام

كانت توقعات المخابرات المصرية مبنية على معادلات خاطئة مؤداها .. أنه طالما كان التنظيم العسكري (( للجبهة القومية )) يتسلم مخصصاته وتجهيزاته .. وأوامره من المخابرات رأسا .. فإنه لن يحاول إثارة الغبار .. وافتعال المشاكل بسبب التخلي عن القيادة السياسية للشيوعيين والقوميين .. أو إجبارها على الاندماج مع الاصنج وجماعته

الحساب هو : أن قواعد القوميين ستلتحق بالتحرير رأسا .. وستتابع عملها على نفس الغرار .. توصلا إلى نفس الهدف الذي رسمته المخابرات المصرية وكرست كل وسائل مصر الإعلامية والدعائية والمالية لتحقيقه ..

والنتيجة هي : رفض التحرير .. وإجبار المخابرات المصرية على بناء
( جهاز حرب ) جديد بعد أن خرج عن طاعتها جهاز الحرب السابق .. وسيطر عليه الشيوعيون والقوميون العرب وهم - كما هو معلوم - شيوعيون على
( طريقتهم الخاصة ! .. )
وكان الشيوعيون والقوميون قد وطدوا أنفسهم منذ البداية على أساس الاستفادة فقط من ( الانتساب الزائف ) (( إلى (( الناصرية )) ريثما يمكنوا لأنفسهم في الجنوب العربي .. وعلى هذا فقد كان من الواضح أن دعم المخابرات المصرية لهم لن يستمر طويلا .. - وهي قد شعرت - أن الشيوعيين والقوميين يرون في تأييد عبدا لناصر شيئا نافعا مرحليا ..

وهكذا عندما أعلنت المخابرات المصرية قرار إدماج الجبهة القومية ومنظمة الاصنج في تنظيم جديد باسم جبهة التحرير سارع الشيوعيون إلى إحباط عملية الدمج .. وبدأت عملية عزل لقواعد الجبهة القومية .. لئلا تمتد إليها حمى الاندماج .. و وزعت المنشورات التي تتحدث عن انتهازية الاصنج .. و أنه بالانتساب إلى العمل المسلح (( إنما أراد سرقة المكاسب الثورية التي تحققت بالدماء والتضحيات .. والتي قدمتها الجبهة القومية قائدة النضال المسلح ! ))

وكانت المشكلة الملحة عي كيف يمكن توفير البديل للمساعدات المصرية التي حولت الآن لبناء جهاز التحرير .. ولكن هذه المشكلة وجدت في حلا في النهاية .. وقررت الجبهة القومية أن تشكل قواعدها في الجنوب فرقا مسلحة للسطو على البنوك .. وسرقة حوانيت المجوهرات .. وفرض الاتاوت على التجار ..

وبعد سلسلة من الحملات الفدائية الموفقة على البنوك والمؤسسات التجارية .. أمكن تغطية الأجور والمرتبات الثابتة ( لجهاز الكفاح المتفرغ ) .. وأصبحت هذه العمليات قاعدة ثابتة .. واصلت الجبهة القومية التصاعد بها إلى أن تسلمت السلطة في الجنوب العربي .. وقد لجأت إليها مرات عديدة حتى بعد أن أصبحت
( الجهاز الحاكم ) .

وإذا كانت الكوابح والروادع الأخلاقية ضعيفة .. فإن إجبار رجل ما .. على إفراغ غلة دكانه في حقيبة رجل آخر بدون مناقشة .. وتحت تهديد السلاح هي عملية لذيذة .. ونادرة .. ومدعاة لإشعار بطلها بشيء من الأهمية .. ! وأنه لم يخلق عبثا ! ..

والمشكلة الأخرى في (( السلاح )) .. وهي ليست مشكلة .. ففي الجنوب العربي واليمن الكثير .. الكثير جدا من السلاح .. إذا وجد المال .. فأن بمقدور المرء أن يجهز (( كتيبة كاملة )) من مستودعات واحد فقط مشايخ جبل صبر .. أو من دكان واحد في عتق .

إن باعة (( اللحوح )) في سوق تعز يتسلحون برشاشات ( روتوف ) الفعالة جدا في حرب الشوارع لكبر حجم مخزن الذخيرة فيها .. ( 73 ) طلقة ولا يزيد وزنه عن سبعة أرطال وهذه حسنة واحدة من حسنات المخابرات المصرية .. والمصانع الشيوعية .. إذ أغدقت علينا السلاح الحديث ما يكفي لاختصار عددنا إلى النصف .. وخشية أن نفتقر إلى الحماس الضروري لاستعماله ضد بعضنا البعض فإنه يجري تحريضنا وتنشيط هممنا على تجربته .. وقد فعلنا في هذا الصدد ما يفوق جهد المجتهد ..

- 3 -

ودخلت (( جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل )) دائرة الضوء بدون صعوبة .. وتحركت نفس الأجهزة التي تحركت عام 1964 لتبني القوميين والشيوعيين .. تحركت لتبني عام 1966 (( جبهة التحرير )) .. تحركت بنفس الحماس .. ونفس المقدرة .. ونفس الكفاءة .. ونفس الجرأة على الحق والتاريخ ..

ولم يقل الناس شيئا ..وإن وجد الناقد الحصيف .. لم يجد المستمع النابه .. فقد كانت حدود الرؤية عند شعبنا قصيرة جدا . وكان مستوى الظن بمصر جيدا .. غير أن ماعرفناه في الجنوب العربي كان وجها زائفا لمصر .. نشر ظله على الوطن العربي طوال عشر سنوات محرضا على الفتنة .. داعيا الى التخريب .. ناهشا في جسم كل مجتمع .. ممزقا لوحدة كل جماعة وكما يقول المثل الحضرمي (( المقتول لا يسمع قرحة البندق )) كنا نضع السيف على أعناقنا وفي ظننا أن ما يحدث هو غير ذلك ..

إن القانون ليس مسئولا عن جهل الجاهل .. ولا فقر الفقير .. كان يجب أن نكون شعبا رجلا .. فلا نسمح لأحد أن يجعلنا أداة لتحقيق أهداف غير أهدافنا .. وخدمة سياسة غير مستوحاة من واقع شعبنا .. ولكن لم يكن ..

وعذرنا .. أن الأساليب التي جوبهنا بها .. كانت أدق من حدود وعينا .. كان الإغراء .. بالمال .. بالسلاح .. بألقاب البطولة .. والفداء .. وأسوأ من ذلك حسن الظن عن البعض .. وقابلية بعضنا الآخر للعمالة .. كل هذه الأمور مجتمعة .. تألبت لتصنع ( مأساة الجنوب العربي ) التي عشناها خمس سنوات دامية .. ولا زالت تنشر ظلها الأسود في شكل حكومة قائمة في الجنوب .. ولا أدري .. كم يتعين أن نتحمل من تضحيات للوصول ( بالمأساة ) إلى فصل الختام ..



- 4 -

إني أروي هنا الوقائع المجردة .. ولا شك أن بعضها أقل إمتاعا للقارئ .. وبعض هذه الوقائع سيكون موضع مراجعة كبيرة .. ونقاش كثير .. ومع إني على ثقة من (( صحة مصادري )) .. باعتباري واحد ممن عاشوا هذه الأحداث .. وكنت في جميع (( سنوات الشدة )) على مقربة منها .. وكنت أنا نفسي هدفا للرصاص تارة .. وللوعيد أخرى .. (( وللخطف ثالثة )) .. والهجوم الدعائي رابعة .. هذا بعد أن تعذرت وسائل (( تأليف القلوب )) ..

رغم هذا كله .. فإن هناك من سيعتقد بأن هذه الأمور أكثر هولا من أن تكون قد حدثت بالفعل .. ولكني بحاجة إلى التأكيد .. أن (( المخابرات المصرية )) كانت تبني الزعامة المعصومة في الوطن العربي وتنشر ظلها في الجزيرة .. وكان البعض يظن أن ما بني هو حصن منيع لعزتنا .. لا قلعة رهيبة مظلمة لاستعبادنا .. كنا عناصر .. ومواد خام .. لصناعة الانتصارات .. وتقدير فاعلية التجاري .. ومعرفة صدى الشعارات .

كانوا يحتقروننا .. في أعماقهم .. ويرون فينا مجرد (( عملاء )) .. فين حين توهمنا (( أهجزتهم )) بأننا (( أبطال نشق طريقنا إلى المستقبل بالدم .. ونعبد طريقنا بالمذابح .. )) وأما في ضمائرهم .. في حسباتهم .. فلسنا سوى
(( آنية فارغة تجري تعبئتها بالثقافة .. وتحريكها في الاتجاه الذي يحقق أغراض قوى اجتماعية معينة )) ..

هكذا يقول صلاح نصر المدير العام للمخابرات المصرية في كتابه الشهير
(( الحرب النفسية : معركة الكلمة والمعتقد )) .

والمعتقد أن يجب علينا - أو هذا ما يحتمله السياق - أن نروي طابع التطورات التي جرت في الجنوب العربي منذ عام 1964 .. ولكن هذا العام بالذات كان بداية فقداننا كشعب السيطرة على قضيتنا .. و وقوع هذه القضية بصراحة تحت النفوذ المباشر للمخابرات المصرية باعتبارها الوصي على الأهداف العربية في
(( الاشتراكية والحرية و الوحدة )) ..

في هذا العام .. تبلور الموقف بين الوجود البريطاني يقف على صعيد .. بكل ما يمثله .. والمخابرات المصرية على صعيد آخر .. وكنا نحن تحت أجنحة الفريقين .. جماعة تزداد إرتماءا في أحضان بريطانيا وتتشبث بها .. وأخرى .. تعمل وفقا لتعليمات المخابرات المصرية .. وبتخطيط منها .. و لم يكن في الصورة بالطبع أي شيء مما تفكر فيه .. أو نتطلع إليه كـشعب .. كنا هدف الصراع .. ومادته .. ولم يكن هذا الصراع يحقق أهدافنا .. وهو لم يحققها بالفعل .. فحتى الآن لازلنا نعتقد أن المستقبل لا يدخر لنا سوى أيام الانتقام ..

ولذلك .. فمن يكتب عن الجنوب العربي في (( سنوات الشدة )) من عام 1964 حتى عام 1968 .. لا يستطيع قطعا أن يتجاهل الدور الرائد للمخابرات المصرية .. ذلك أن كل (( الجبهات )) التي عملت في هذه الفترة .. لم تكن سوى
(( الواجهة السياسية )) لعمل عسكري كان يستهدف (( تدمير )) الجنوب العربي لا (( تحريره )) ..

إن المجتمع المتماسك لا يستطيع أن يقع بسهولة تحت تأثير التيارات المذهبية الوافدة عليه .. إن تماسكه دليل مقدرته على الدفاع عن نفسه متسلحا بقيمة وإجماع أفراده على الصمود .. وإذن فلا بد من عملية (( تقويض )) للتماسك .. وتخريب للإجماع .. وتشتيت (( للولاء )) وتمزيق (( الوحدة والرأي والاتجاه )) .

لا بد من عملية إنهاك للبنية الاجتماعية ذاتها .. لتضعف قدرتها على المقاومة ..

وكان (( الإنهاك )) الذي تعرضنا له أولا على يد الاستعمار البريطاني .. وله طابعه المخدر الخاص .. ثم الإنهاك العنيف على يد المخابرات المصرية .. بإنشاء جبهة بعد أخرى .. لتبدأ صراع متصل .. وتقطيع مدمر لتطورنا السلمي .. كان هذا كله .. مدعاة لوقوعنا في أحضان (( الماركسية )) .. وإبقاء جذوة الصراع حية متوقدة في تربة بلادنا .. حتى في دولة الاستقلال ..

وإذن نحن لا نريد الإساءة ولكنا لا نستطيع كذلك تزييف التاريخ .


عبدا لله الجابري




رد مع اقتباس
  #42  
قديم 11-27-2010, 07:43 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي


منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة

محاضرة بالعامية ، ولكنها رائعة ، وخطيرة


- 1 -

حتى نحتفظ بهدف هذه (( الدراسة )) حيا في الأذهان .. فإنه يتوجب علينا العودة بين الحين والاخر (( لتذكر )) البواعث التي قضت بتقديمها .

ذلك أننا لم نكتبها _ أي هذه الدراسة _ تحت تأثير مشاعر (( خسيسة أو خبيثة )) كما يقول عمار أو زيفان .. ولكننا نعتقد بأنها تؤدي واجبا في تنوير قطاعات هامة من الشعب . بواقع التطورات التي سادت الجنوب العربي من عام
1964 (( تاريخ إنطلاق العنف تحت إشراف المخابرات المصرية )) وحتى عام 1968 . حين إعلان إستقلاله .. ووصول الجبهة القومية إلى الحكم .. وتكريس نفسها السلطة الشرعية الوحيدة في الجنوب العربي ..

ولما كنا نقول بأن الحكومة القائمة في الجنوب العربي حكومة غير شرعية وأن الجبهة القومية ليست سوى جماعة عدوة للشعب .. فقد تحتم علينا أن نقوم بعرض وتبويب الحيثيات التي ينهض عليها إعتقادنا .

وهكذا فقد أعتبرنا الأحداث التي أتخذت من الجنوب العربي مسرحا لها من عام 1964 وحتى عام 1968 أعتبرنا هذه الأحداث صيغة غير صحيحة للتعبير عن أشواقنا في الحرية .. وهي لم تكن تحقق أهدافنا رغم أنها تقول ذلك .. وإذن فهي (( سنوات الشدة )) لم يكن لها من وجهة نظرنا مايبررها .. رغم أن كثرة من شعبنا قد أستجابت لها تحت تأثير الإغراء تارة .. وتحت تأثير حسن الظن أخرى .. وتحت تأثير (( المصالح الشخصية )) ثالثة ..

وأنا أعرف أن هذا الكلام قد قيل بصيغ شتى .. والجديد فيه هي كلمة
(( المصالح الشخصية )) .. وهو تعبير أستخدمه أنا لأول مرة في كل ما كتبت ..

فكيف نفهم الدلالات المنطقية .. والشكل الواقعي (( للمصالح الشخصية )) .

يقول (( اللواء عزت سليمان )) وهو رجل بعيد الأثر في تخطيط السياسة المصرية في اليمن و الجنوب العربي .. عندما كان أحدنا يشكو إليه من (( تفاهة الشخصيات )) التي تقوم المخابرات المصرية بإبرازها وإظهارها في دائرة الضوء .. يقول :

المحاضرة الرائعة

(( أحطان ايه .. واصنج ايه .. دول كلهم مايسووش نيكلة .. أنا فاهم الكلام ده كويس .. وقيمتهم كلها تكمن في أنهم كلهم فاهمين انه بلانا ماحدش حيكون سأل فيهم .. أو حاسس بوجودهم .. ووقت ما تطلع معاي أشيل أي واحد فيهم بالجزمة .. ))

(( يعني احنا ما ندورش على الزعماء .. احنا نخلقهم ( !! ) أجيب لك واحد من الشارع .. وانفخ فيه .. وأغرقه بالأضواء .. وأعمله هالات .. لما يصير أد البلد .. ولما يكون عارف مركزه كويس .. وعارف كان ايه .. وعملناه ايه .. مايعارضش .. مايجيش وقت يقول ما يعجبنيش كده .. عايز ده .. ))

(( أنا فاهم سيكلوجية المواطن العربي .. وأنا أبني سياستي على أساس الفهم ده .. المواطن العربي مش بتاع منطق .. مش بتاع أفكر دا .. بتاع عواطف ..وشعارات )) .

(( واذا عرفت ازاي تدخل عواطفه .. عرفت كيف تسيطر عليه .. قله أنا خدامك والعن أبوه .. ما يسأل .. قله انت بطل انته فلته .. ووديه في داهية .. مايهموش .. ))

(( المواطن العربي راجل أناني .. دي مش من عندي دي حقيقة .. ماعندوش الولاء الطبيعي للامة .. لان معنى الامة عائم في نفسه .. هو تعود ان يواجه الحياة على مسئوليته .. ويحل مشاكله بجهده الخاص .. واذا كنت قادر
(( تنفعه )) يبيع لك بلد .. بس لازم تديله منطق معقول .. وكل منطق معقول .. على شان يسوغ اللي يعمله .. ))

ثم المشكلة مهياش الانجليز .. الانجليز حيخرج حيخرج من الجنوب .. المشكلة مين اللي يجي بعديه .. انته عارف احنا صرفنا صرفنا دم قلبنا في اليمن .. وضحينا بالاف الرجالة .. على شان الثورة اليمنية .. وعلى شان الثورة المصرية .. كمان .. لانه احنا لازم يكون موقفنا هجومي على طول .. لو قعدنا .. ندافع عن نفسنا هنا في مصر .. حنموت حانتخنق علشان نحمي نفسنا لازم ننظف المنطقة العربية من الجيوب اللي يمكن ان تنطلق منها أعمال التآمر على مصر .. اذا كنت عايز تحمي الثورة .. لازم تنشرها مش تقعد تدافع عنها .. الدفاع غلط .. هاجم وسيب التانين يدافعوا .. المجتمع ونظام الحكم تهاجمه بفكرة جديدة .. وتفضل تقول انه ماشي غلط ولازم يغير نفسه .. يبدأ على طول يتفكك .. وينهار .. لانه ينقسم .. فيه ناس بتقول آه .. صح احنا ماشين غلط .. فيه ناس بتقول لا .. كده صح .. وتبدأ الخناقة .. تبدأ الثورة ..

(( كل ده يحصل وانته قاعد .. ما عملتش ولا حاجة غير انك تقوم بتأييد الجماعة اللي خارج الحكم .. ضد الحاكمين .. بعد أن تكون أديتهم شعارات التغيير وتقول دول مضطهدين .. دول مش عارف ايه .. والرأي العام .. دائما مع الغلبان ... )) .

(( بصراحة احنا مش عاوزين (( شتورا )) تتكرر ثاني .. وهيا مش حاتتكرر .. لانه كان درس .. مش حانسيب حد يلتقط نفسه على شان يهاجمنا .. ويحصل منطلقات في العالم العربي )) .

(( الجنوب لو سبناه .. حاتجي السعودية وتأخذه علينا .. يعني حاتقوم فيه دولة تابعة للسعودية .. أو حاجة زي كده .. وتجي أمريكا .. ))

(( تقول شعب الجنوب مالوش مصلحة .. أقول لك كلام فارغ .. اللي يحدد المصلحة هو الحاكم .. الشعب دائما ستار للحاجات دي .. تنقال باسمه .. ولكنها في الواقع .. تفكير الحكومة .. وعمل الحكومة وما فيش حكومة في العالم تقول انها ضد الشعب .. أمريكا تقول انها تخدم الشعب الامريكي ، الصين برضه تقول حاجة زي كده واحنا على شان نضمن شعب الجنوب لازم تقوم فيه حكومة نعملها بأيدينا .. قبل ما يعملها غيرنا .. ))

السياسة انك تعمل حسابك ان المعركة اللي حانخوضها في واحة سيوه .. نخوضها في الجزائر .. والمعركة اللي حانخوضها في القصير او عند مدخل السويس لازم نخوضها .. في الحديدة .. وعدن .. وجدة .. والمعركة اللي حانخوضها .. في القنيطرة لازم نخوضها في دمشق .. وعمان .. وتل ابيب )) ..

(( فون روبنتروب ( وزير خارجية هتلر ) .. يقول هاجم .. من حيث تخشى أن تهاجم .. ودي قاعدة ذهبية .. حتى لو كان يهاجمك في أخلاقك .. وانته فاهم انه نظيف في الناحية دي .. لازم تقول للناس دا ماعندوش أخلاق .. دا ابن كلب .. دا حرامي .. دا نصاب .. )) .

واخيرا .. أنتم يهمكم ايه .. عايزين ايه .. ادخلوا الجبهة .. اقطعوا صلتكم بالسعودية .. واحنا حانعمل اللي أنتم عايزينه .. الاصنج مش مشكلة .. ولا قحطان .. وانتم مش حاتخسروا .. احنا سمعتنا في الجنوب أحسن منها في كل مناطق العالم العربي .. والانجليز تعبان خالص .. وأنا واثق انه حايسلم في النهاية .. لان كل الأوراق .. اللي بيده حرقناها .. الاتحاد حرقناه .. السلاطين حرقناهم .. وانتم _ بيني وبينك _ سمعتكم زي الزفت في الجنوب .. فهمنا الشعب ان دول (( عملاء )) ما ينفعوش .. والسعودية مهما عملت .. مش حاتقدر تعمل لكم حاجة .. السعودية يا دوب تحوش عن نفسها )) .. (( الأوراق الاحتياطي مع الانجليز احترقت .. لو يطلع السماء .. ويسلم الحكم جماعة احنا مش راضين عليهم .. حايسقطوا على طول .. ما فيش غير طريق واحد .. يوصل الى روما .. مش كل الطرق .. والطريق ده .. احنا قاعدين عليه .. لازم تدخلوا الكلام دا في مخكم .. وتخلوه هناك على طول )) .

(( وقدامكم أسبوع فكروا وانا دائما في الخدمة .. ولي الشرف ان استقبلكم في أي وقت .. )) .

(( أدي اللاستاذ .. رقم التليفون يا عبدالسلام )) .

- 2 -

هل هذا كاف لإعفائي .. من وضع تعريف لكلمتي (( المصلحة الشخصية )) حسنا .. المصلحة .. الشخصية .. هي نفس هذا اللحن الرائع الذي سمعتموه .. بالعامية .. وعيبه الوحيد .. _ عيب التعريف أنه يعطي في شكل (( دروس خصوصية )) على أرفع المستويات ..

المصلحة الشخصية حسب هذه القاعدة .. رجال لا تعوقهم الوساوس الخلقية على بناء أنفسهم والوصول إلى أهدافهم .. المصلحة الشخصية .. أن تكون الأخلاق .. الدين .. الوطنية .. مجرد (( حلة تنكرية )) ترتديها لإخفاء حقيقة نواياك .. وواقع أفعالك ..

ومن الجلي أن هناك رجالا بمقدورهم تحقيق مصالحهم الشخصية بوسائل قويمة .. وبطرق غير ضارة بالغير .. وهناك طائفة من الرجال يؤثرون أن يهرقوا دمائهم .. ويحملون الأذى .. والقدح والتثريب .. على ان يكونوا مطايا . وأدوات .. وهؤلاء تميزهم بنفس السهولة التي تميز بها الفرق بين ( القائد )
و (( القواد )) .

والقادة (( قطع نادر )) لا يتوالدون في مناخ الرذيلة (( الإنسانية إنهم في نفس الندرة التي كان عليها الأنبياء في عصور الظلام )) ..

والقائد يدعو الناس .. إلى التقشف .. والصبر .. ومجالدة المكروة .. وركوب الصعب من الأمور .. ولهذا فإنه لا يأوي في مدرسته إلا القلة .. ولا يصيخ السمع إليه إلا القليل .. ولا تشق دعوته طريقها إلى النصر إلا بجهاد كبير .. ومشقات شاقة .. وقديما قال الأدباء .. (( ما أسهل الهدم .. وأصعب البناء )) .




- 3 -

كم هو شاق .. على أني أضطر في مل مقال إلى (( تقريع المخابرات المصرية .. )) .. ونحن لا زلنا نعيش (( إستراحة الخرطوم )) .. والمخابرات المصرية جزء من جهاز دولة عربية علم الله انا نكن لأهلها .. وشعبها .. ودعاة الخير والحق من رجالها ودا لا يفنى وحبا خالدا لا يموت . وهناك رجال نالهم الكثير من الأذى والتحقير على يد هذه المخابرات العجيبة .. يهبون الان لكف (( لساني )) عنها .. زجري عن التعرض لها .. وأعدهم خيرا .. ثم ما أن أبدأ بالكتابة .. وأتناول أي شيء يخص الجنوب العربي . وكل جهدي ودمي أبذله لفائدة الجنوب _ .. حتى يلوح ظل المخابرات المصرية أمامي .. يسد على المنافذ .. ويعلق ويغلق كل الأبواب ..

حقيقة أن كل ما نراه الآن في بلادنا من ترد الأحوال .. وكل ما رأيناه في الماضي في ( سنوات الشدة ) .. كل الأخطاء .. كل الجرائم .. كل الأرواح البريئة التي ذهبت .. بل كل حرة جنوبية تبيع عرضها الآن في عدن .. وأي مكان آخر لأنها فقدت عائلها .. زوجها .. شقيقها .. والدها .. وقد فقدنا منهم الكثير .. يجب أن يكون مفهوما أن المخابرات المصرية هي التي وضعت مأساتها .. وخلقت الشروط الموضوعية لسقوطها وملأت الجنوب العربي أسلحة للقتل .. وصرفت أموالا للقتلة .. و أوجدت لهم ( شعارات خلابة ) وجعلت هذه الأمور ( نضالا ضد الإستعمار ) وإنجاز لمهمات التحرير الوطني .. والثورة الإجتماعية ..

اقطاعية .. زراعيون اجراء .. برجوازية .. عمال فقراء .. طبقة رأسمالية مستغلة _ بكسر الغين _ طبقة عمالية مستغلة _ بفتحها _ وقالت لنا بمئات الوسائل .. وفي آلاف الخطب .. والنشرات عبر كل أجهزة التبليغ ( صحافة .. إذاعة .. تلفزة أن هذه تناقضات إجتماعية رهيبة لا سبيل إلى تصفيتها إلا بالعنف .. بإعتبار أن الديالكتيك المادي للتاريخ يقول بأن صراع التناقضات مطلق .. وأن أي طبقة إجتماعية لا تستطيع أن تحقق صعودها في سلم الرقي الإنساني إلا بتصفية الطبقة الفوقية التي تغلق منافذ الصعود .. وتجعل منه شيئا مستحيلا .. أحيانا بقوة القانون .. وأحيانا بقوة الجيش والشرطة .. ) .

وطبعا في الجنوب العربي لا شيء من هذا كله .. فالمجتمع لم يتشكل تشكلا ماديا بعد بحكم تخلفه .. ولكن .. التكرار الفلسفي العقيم .. التكرار .. لهذا الكلام جعل الكثيرين يعتقدون أن الرأسمالية هذه العبارة عن قوم تحتل رأس عقبة الصويغرة )) . ولا تسمح لقوافل الفقراء بأن تتخطى قاع الوادي بتاتا .. وكل من يصعد إليها تجبره على خلع ملابسه والعودة ثانية إلى المسيال .

إن الدماء التي أريقت في الجنوب العربي .. والتخريب الفضيع الذي نال من حياته الإقتصاديه والإجتماعية .. لم يحدث بإمكانيات قحطان الشعبي .. أو عبدالله الاصنج .. أو فلان أو فلتان من الأشباه والنظائر .. إنهم رجال منا نعرفهم .. وقد خبزناهم وعجناهم وبلوناهم في أخلاقهم .. و وطنيتهم .. وعرفنا عنهم ضعف ما يعرفون عن أنفسهم .

وكما أن السرور .. هو السرور دائما فقحطان اليوم هو نفس قحطان الذي دل المخابرات البريطانية _ وكان عضوا قياديا في الرابطة _ عام 1958 م . على أن هناك شحنة أسلحة قادمة من السعودية للمناضلين ضد الإستعمار في يافع والعوالق بقيادة محمد بن عيدروس .. ومحمد بن بوبكر بن فريد .. وهو نفس قحطان الذي حرف أوامر المناضل علي عبدالكريم للجيش اللحجي .. بأن ينسحب إلى الصبيحة ( منطقة حصينة في لحج يسهل الإختفاء عن الطائرات .. والدفاع برجال أقل ضد الهجوم البري ) وبدلا من ذلك أبلغ قحطان الجيش بأن أوامر علي عبدالكريم هي أن ينسحب إلى اليمن ( !! ) حيث جرد هناك من أسلحته .. ومنع من تنظيم الغارات المسلحة على بريطانيا التي غزن لحج بالدبابات وبكتيبة مشاة بريطانية ...

وقحطان ( نصير المزارعين اليوم ) هو نفس قحطان الذي سرق أموال ( لجنة الإنعاش الزراعي في لحج ) .. عندما كان ضابطا زراعيا هناك وهرب بها إلى مصر مدعيا ان بريطانيا تطارده .. في حين أستمر يتسلم مرتبه الثابت من المخابرات البريطانية حتى عام 1961 . حتى أكتشفت قيادة الرابطة خيانته .. وفصلته من الحزب نهائيا .. وفقد أهميته لدى بريطانيا كعميل مندس في الحركة الوطنية و أحتضنته المخابرات المصرية بعد أن تخلت عنه بريطانيا . لأنه لم يعد مهما ..

فهل يجوز بعد هذا كله .. أن أجعل قحطان محور تفكيري .. بإعتباره قائد التنظيم الذي أكتسب الشرعية بالقتال كما يقول ..؟..

كل ما أستطاع أن يفعله لنا هذا الرجل هو أنه أداة لإفتراس كل نبيل وطيب في بلادنا .. ولم يكن قحطان فاعلا .. ولكنه أداة الفعل ..

- 5 -

معالم الهدف

ليس الماضي شيئا إذا قيس بما يتوجب علينا أن نحتمله من مشقة وجهد .. ونضال .. لإجتثاث الشرور .. والضغائن .. والأحقاد التي بذروها في تربة بلادنا .. فحتى نسترد اجماعنا الذي فقدناه .. ونهتدي طريقنا السواء بعد هذا الضلال البعيد الذي دفعتنا إليه ( المخابرات المصرية ) تحت راية قحطان الشعبي .. وعبدالله الاصنج .. وحتى تكون بلادنا وطنا للجميع .. أمنا لكل خائف .. وعدلا لكل مظلوم .. وقوتا لكل جائع .. وكساء لكل عار .. ودفئا لكل مقرور .. وعملا لكل عاطل .. وعزة لكل مستذل ، ومنبرا لكل داعية ، لله ، للحق .

حتى يتحقق هذا كله .. وفكرة تحقيقه تعذبني تزيد آلام غربتي . حتى بين أهلي وذوي ... يتوجب علينا أن نتحمل المشقة في صبر .. ونناضل في ثبات .. ونهدي الناس السواء .. بالمنطق .. ونجندهم في سبيل ربهم .. قومهم ، وطنهم ، وندلهم طريقهم بنور الله الذي لا ينفذ .. ونسلحهم بالإيمان .. ونبصرهم مغبة الهاوية التي يدفهم إليها .. المرتدون عن سبيل الله .. الخائنون لتراث الأباء .. والأجداد .. الوالغون في الدماء .. الداعون للخراب .. الناشرون للرعب والدمار ..

وهذا كله .. هو هدف هذه (( الدراسة )) الذي يجب أن نعود إلى تذكره والتذكير به .. وإبقائه حيا في الأذهان .. وثابتا في عقل و وجدان .




عبدالله الجابري




رد مع اقتباس
  #43  
قديم 11-29-2010, 09:19 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي



منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة


أسباب إنهيار اتحاد الجنوب العربي



ربما كان من الصواب القول أن بعض تنظيمات الجبهة القومية لديها من الأسباب ما يدعوها إلى الإعتقاد بأنها أحرزت إنتصارا عسكريا على بريطانيا .. وتسلمت السلطة في الجنوب العربي بعد كفاح دام أربع سنوات . والمنتصر عادة يمنح إهتماما أقل للعناصر الموضوعية اللي يكون يكون إنتصاره نتيجة من نتائجها .

وهؤلاء الذين يمكن أن يخالجهم هذا الشعور هم الذين يقرأون ويكتبون .. ولكنهم لا يفكرون .. لقد تلقوا على أيدي أساتذتهم .. التربية الضرورية التي تجعلهم يؤمنون بأن الوسيلة المناسبة لتصفية الإختلافات مع خصومهم هي الإحتكام إلى (( الرصاص )) .

ولئن كنا نحن نرى الأمور بنسبة من الوضوح أكبر ونمتلك حدود رؤية أوسع .. فإن (( المتعصب )) يواجهنا على الطرف الاخر مسلحا بوجهة نظر جاهزة ) لا تقبل المناقشة .. ولا تخضع لحكم العقل .. وحتى المصلحة الوطنية العليا .. فإنها تأتي في المرتبة الأخيرة من قائمة إهتماماته فالمهم والعاجل في رأي (( المتعصب )) هو إنجاح فكرته . وتحطيم القوى الإجتماعية والسياسية التي تعترض طريقه .. حتى ولو ترتب على هذا تدمير أسباب التقدم على أرضه .. وإرجاعها إلى الوراء عشرات السنين .. وهو يتغلب على هذه الصعوبة النظرية بفكرة ثابتها تلقنها : تقول ان ماتدمره الحرب شيء يمكن تعويضه .. ولكن ما لا يعوض هو أن تضيع عليه فرصة الوصول إلى الحكم .

يقول أرنست شي جيفارا المواطن الأرجنتيني الذي أصبح الان رجلا مشهورا محترما في منظور كل الشيوعيين في العالم .. والتي أضحت بعض كتائب الحرس الشعبي تحمل إسمه في الجنوب العربي . يقول :

(( .. وتستخدم العصابات عمليات التخريب لشل جيوش بكاملها .. ووقف الصناعة .. وجعل الناس بلا عمل . وبلا نور . وكهراء . وماء . ومواصلات مما يشجعهم على الخروج إلى الشارع .. ))

(( وإذا تحقق هذا كله .. فأن معنويات العدو وقواته في الجبهة الأمامية لا بد وأن تنهار في حين تبدأ المظاهرات والإضرابات ضده في المدن .. وعندئذ يصبح عرضة للإنهيار النهائي )) .

ومن المقطوع به أن المواطن العادي إذ يقرأ هذا (( النص )) سيقول يا للشيطان أين سحر البلاغة التي تخلق الرجل المتعصب .. المؤمن النموذجي .

وهذا سؤال معقول .. ولكن في (( التكتيك الشيوعي )) لا شيء من هذا كله .. فهناك دائما خطوات عملية محددة .. واضحة تبين السبل التي يتوجب إعتمادها والعمل طبقا لها لتقويض دعائم الإستقرار في أي بلد .. وإسقاط الحكومة القائمة بعد إنهاكها بشتى الوسائل .. وإجبارها على تبذير مواردها .. في مقاومة العصابات ..

وقادة العصابات عادة يتقنون أساليب الدعاية والإستفادة من أي خطأ ترتكبه الحكومة .. أو في الواقع من كل خطوة تخطوها .. أثناء مقاومتها للعصابات .. فإذا أعلنت مثلا حظر التجول في منطقة معينة بسبب وقوع بعض الحوادث فيها ولغرض تمكين الشرطة والجيش من نفتيش الأماكن المشبوهة ... وإستجواب بعض ممن تحوم حولهم الشكوك .. فأن منشورات العصابات تطلق صرخة مدوية في كل الشوارع .. أن الحكومة الكذا والكيت .. تسجن الشعب .. تعكر صفوه .. إلخ .. !

وإذا طلبت مثلا من كل شخص يرغب في الإنتقال من منطقة إلى أخرى .. أن يحدد دواعي إنتقاله لمفوض الأمن في المنطقة التي يريد الإنتقال منها .. ويقدم نفسه لمفوض الأمن في المنطقة التي يفد إليها .. فإن العصابات تعلن اليوم التالي .. تحصى على الشعب أنفاسه ..

وإذا أحتجزت الحكومة عدة أشخاص لإستجوابهم تعلن قيادة العصابات .. هذا ليس عدلا .. هذه أحكام كيفية .. وإعتقال إعتباطي .. وعودة إلى شرائع الغاب .. بعبارة أخرى أن العصابات تحيط الحكومة بشروط الإثم .. وتقول لها لا تأثم ..

والغرض النهائي هو (( شل )) قدرة الحكومة على الحركة خشية أن تتهم بتشديد قبضتها على الأعناق .. وبالفعل إذا كان رجال الحكومة يفتقرون إلى الرغبة في العمل .. وإذا كانت درجة ملاحقتهم للعصابات تتسم بالوهن .. فإن كل خطوة تخطوها الحكومة تنقلب ضدها .. ولا يلبث بعض موظفيها الصغار أن يشعروا باليأس من إمكان عمل شيء لإنقاذ الموقف .. ويتجاهلون النشاط العلني لرجال العصابات في مناطقهم .. لا لشيء .. إلا لأن الأجهزة الفوقية لا تقدم لهم الحماية الكافية .. ولا تضع تحت تصرفهم إمكانيات تعينهم على أداء واجبهم .

يقول كرين برنتون (( انه لاتوجد حكومة في العالم يمكن أن تسقط ، وهي لازالت تسيطر على قواتها المسلحة .. ورجال الأمن فيها .. وإدارتها المدنية تعمل بنفس حيادها السابق .. وولائها للحكومة . ))

وهذا صحيح إلى حد كبير .. فهناك دولا كثيرة لم يحصد فيها الشيوعيون ودعاة التقويض غير الخيبة المرة .. والهزائم المتعاقبة .. وأبرز هذه الدول اليونان .. الملايو ( ماليزيا ) .. اندونيسيا .. بوليفيا .. وصحيح أن الشيوعيين عادوا إلى الظهور في بعض هذه المناطق ولكنهم عادوا وقد بالغوا في تنكرهم حتى لا يستطيع تبينهم إلا بصعوبة بالغة ..

ولا أستطيع مع الأسف أن أهتدي (( بالنصوص المختارة )) في كل متن .. لأن المصادر غير موجودة .. وإن وجدت فهي تكلف مالا .. لا أملكه ..

ولكن القاعدة التي أردنا إستخلاصها .. أوشكت أن تكتمل .. وهي أن المجتمع المتماسك عادة لا يمكن تقويضه .. والحكومة القوية المسيطرة سيطرة حقيقية .. على قواتها المسلحة .. وجهاز أمنها الداخلي لن تسقط فريسة للشيوعيين .. ودعاة التقويض .. بل في جميع الحالات مستكلمة لهذه الشروط .. أستطاعت أن تصمد في وجه أعمال التخريب .. والتقويض من الداخل .. وأن تتغلب على الشيوعيين .. وجيفارا نفسه يعرف ذلك .. فما نجح فيه مع (( باتيستا )) في كوبا .. وجعل منه أسطورة في منظور أتباعه .. هو نفسه الذي دعاه ليلقى مصرعه في بوليفيا .. وقد كانت الأمور هناك مختلفة كما يبدو .. وكان البوليفيون يملكون مثلا عليا جعلتهم يحسنون الذود عنها .


- 2 -

وفي الجنوب العربي حقق التقويض نتائج باهرة .. ووصل الشيوعيون إلى الحكم .. وهم الان يؤلفون الأغاني .. التي تشيد بأمجادهم .. وتنسج حولهم الهالات ..

وأثناء المسيرة التي قطعوها للوصول إلى السلطة أضطروا إلى تدمير كل شيء .. حتى الشعب ذبحوا من أفراده المئات على مل أن يصار إلى إنجاب أحسن منهم في المستقبل ... ( !! )

ولم تكن الدولة الإستعمارية ( بريطانا ) أكثر من عنصر إثارة لرجل الشارع والتغرير به .. أما هدفهم النهائي فهو تقويض السلطة المحلية ... وتصفية الحركة الوطنية التحررية .. ودعاة التمثيل النيابي .. والديمقراطية السياسية .. والحكم الوطني المستند إلى تراث شعب الجنوب العربي .. كجزء من الأمة العربية المسلمة .

وقد نجحوا لأسباب أجملناها من قبل ( هنا ) بأن اتحاد الجنوب العربي . لم يكن أكثر من ناد لا يعرف أعضاؤه الأهداف الحقيقية لعضويتهم فيه .. ولذلك فعندما كان يعترض للهجمات الدعائية من الخارج والتقويض من الداخل .. لم يجد الأعضاء أسبابا معقولة تدعوهم للدفاع عنه بحماس يتناسب وحجم الخطر الذي كان يتعرض له ..

كانت تنقصهم _ أعني حكام الإتحاد _ وحدة الرأي .. ووحدة الصف .. ووحدة أسلوب المواجهة .. وتنقصهم كذلك الجدارة الطبيعية في الحاكم .. والأهلية الضرورية لمزاولة مهام الحكم .. وتصريف شئونه ..

وكانوا كذلك يتحاسدون فيما بينهم .. ويتبادلون عدم الثقة .. ويلتمس كل منهم - عن سوء تقدير - وسائل وقاية لنفسه .. وليس للجنوب العربي .. كشعب .. وأرض .. ودولة . ومعتقد .

وكان النقص الفاضح في تكوين الإتحاد .. وفي دستوره وبروز اللكنة الإستعمارية في لهجة أجهزته .. وعلى ألسنة المسئولين فيه من العوامل التي أدت إلى حرمانه من الولاء الشعبي وإمتناع القوى الجنوبية الشعيبة من مساندته ..

وكان الشيوعيون مسلحون بوجهة نظر متعصبة هي ( شيوعيتهم ) .

وكانت أجهزة إعلام متفوقة كرست نفسها لخدمتهم وترويج أفكارهم .. والتبشير بجنتهم ..وكانوا يملكون جهاز عنف متطور وفعال .. يستطيع العمل لحسابهم ..

ومن النظرة الأولى لنا إختلال واضح في ميزان القوى لمصلحة الشيوعيين ودعاة التقويض ..

أ - وجود إستعماري في الجنوب يصفي نفسه .. ولا توجد لدبه دوافع جدية لمقاومة الإرهاب .. لأنه لا يستهدفه .. فهو راحل .

ب - حكومة مشبوهة ( الاتحاد ) .. لا تعمل شيئا .. ولا تريد لأحد أن يعمل .. لا هي ( أسد شجاع .. ولا ثعلب ذليل ) كما يقول المثل الحضرمي .

ج - وأقلية منظمة حسنة التدريب من الشيوعيين نجحت في التغرير بالكثيرين وحملهم على الإلتفاف حولها .. لأنهم فقط يريدون التخلص من هذا الإتحاد الرديء .. والتعجيل بالرحيل البريطاني من المنطقة .

وفي ذلك الوقت بالطبع .. كان شعب الجنوب العربي يتكلم .. ولكنه لم يجد من يسمع صوته .. أو يحاول على الأقل الإستماع إليه ..

كانت القطاعات العظمى من شعب الجنوب العربي ترى الأحوال وهي تزاد سوءا .. دون أن يكون بمقدورها أن تفعل شيئا .. فهي تحتاج إلى الكثير لتصبح قادرة على العمل .. ولم يكن القليل من هذا الكثير المطلوب موجودا .. وإلا لكان بمقدورنا أن نصنع من الليمونة الحامضة شرابا حلوا كما ينصح بذلك ( كارنيجي ) ..


- 3 -

بهذا الفصل .. نكون قد عرضنا كل الأسباب والعوامل التي ساعدت
(( الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني )) على الوصول إلى سدة الحكم في الجنوب العربي ..

عرضنا كل شيء بما في ذلك ضعف وسائلنا في المقاومة عرضناه .. لأنه سبب يجب علينا إستيعابه جيدا إذا عن لنا يوما أن نستفيد من التجارب .. وتمحيص كل جوانب القوة والضعف في أساليب عملنا .. وطرق تفكيرنا .. لنكون على ثقة من الإنتصار في الجولة القادمة .

والثقة في النصر تجعل المرء محاربا جيدا .. في معظم الحالات _ لا في جميعها _ ولكن التزود بالعناصر الموضوعية للنصر تجعل النتائج مضمونة .

وفي كل هدف عظيم يحتاج إلى جهد عظيم .. ليصبح الوصول إليه ممكنا .. وإذا كان هدفنا إنقاذ الجنوب العربي وتصحيح مسيرته في دولة الإستقلال وإزالة التشويه الذي لحق بوجهه العربي المسلم .. فإن هذا الهدف يدعونا إلى التعصب من أجله .. والسخاء بالنفس في سبيل الوصول إليه ..



عبدالله الجابري



رد مع اقتباس
  #44  
قديم 12-02-2010, 10:12 AM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي





منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة



الثورة المضادة ، أو الملهاة

لقد أنتهت الرحلة (( عبر سنوات الشدة )) وآن لنا أن نثمن حاصلها ونربط النتائج بالمقدمات .. وقد بدأت المعالجة _ كما تذكرون _ كرد على دعاوى
(( الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل )) بأنها (( أكتسبت الشرعية في الحكم بالقتال ضد الإستعمار )) ..

وفي مطلع تناولنا للمشكلة قلنا أن هذه الحكومة غير شرعية .. وأن علينا التأهب لتصفيتها لئلا يؤدي إستمرارها في الحكم إلى تفاقم الأحوال القائمة في الجنوب العربي . وترديها نحو الأسوأ ( كل عام ترذلون ) ..

وإذا كانت البعرة تدل حقا على البعير .. ومن المقدمات يمكن إستخلاص النتائج . فإن الجبهة القومية . هي أداة إغتصاب لحق الشعب . وإغتيال لأمانيه . قدمت الدليل خلال سبعة أشهر من حكمها على أنها داعية (( إنهيار عامل وشامل )) لشعب الجنوب العربي في كل جوانب حياته الإجتماعية ، والإقتصادية ، والسياسية . (( والخلقية )) .

وقد قصصنا عليكم ، وقدمنا الأدلة الموضوعية للوصول إلى ذهن المطلع
(( بالحقائق .. ولا شيء غير الحقائق )) .. وقرأنا معا تاريخ الجبهة القومية .. كيف نشأت ؟ . متى كان ذلك . ؟ ولأي غرض ؟ .. ومن الذي قاتلته ؟ .. ما هدف رجالها .. ؟ ما نوع عقائدهم ؟ .. وفندنا كذالك دعاواهم بشرعية وجودهم في الحكم .. ومن السياق نفسه أعني من سياق الوقائع .. عثرنا على الأدلة . بأن
(( تنظيم الجبهة القومية )) .. ليس أكثر من أقلية متآمرة .. نالت دعما خارجيا .. لتفجر صراعا مسلحا في الجنوب العربي .. وبالتالي إكتساب نقطة وثوب جديدة في جزيرة العرب توصلا إلى الأهداف الأكثر حيوية في هذه الجزيرة .

وبصورة عامة فإن (( الشيوعية )) خلال السنوات الثمان الماضية أحدثت تغييرات في بعض تكتيكاتها .. وأدخلت تحسينات مهمة على وسائل عملها .. ومن ضمن هذا التجديد في (( الإستراتيجية )) (( التسلل )) إلى الصفوف الأمامية في حركات التحرر الوطني المناهضة للإستعمار .. وتحويل وجهتها من
(( ثورات تحررية وطنية )) إلى ثورات شيوعية ماركسية ..

وعن طريق هذا (( الإنقلاب )) في الإستراتيجية حدثت تحولات جذرية لصالح
(( الشيوعية )) في المجتمعات المتخلفة .. والبلدان التي كانت خاضعة لنير الحكم الإستعماري .. بمعنى آخر أن (( الشيوعية )) من حيث هي (( عقيدة توسعية )) أحرزت قطعا بعض الإنتصارات الأولية المحسومة من أجزاء تبنيها النهائي لحركات الكفاح ضد الإستعمار .. وأستطاعت تصعيد الرصيد الشعبي
(( لعملائها )) بإعتبارهم دعاة أكثر أساليب النضال تطرفا .

وأظنكم تذكرون المواقف الشائنة للحزب الشيوعي الجزائري .. الذي ظل يعارض (( الثورة الجزائرية المجيدة )) ويندد بأبطالها .. ويصمهم بالبرجوازية والخيانة للوطن الأم ( فرنسا !! ) .. ويضع في طريقهم كل العوائق والمثبطات على أرض الجزائر نفسها .. حتى عام ( 1960 ) .. وعندما أصبحت الثورة على مشارف إنتصارها النهائي .. أعلن إنتسابه إليها .. ليصبح رجاله غداة الإستقلال أكثر إنتشارا في ( جهاز الثورة ) وخصوصا أجهزة ( الفكر و الإعلام . والجيش ) ..

وإلى قبل عام ( 1960 ) كان الجزائريون يموتون بالمئات .. ويسخون بالألوف من شبابهم .. في سبيل الغاية الكبرى (( التحرر وإبراز الوجه العربي المسلم لشعب الجزائر )) .. وكان الشيوعيون الجزائريون .. يسكرون في حانات باريس .. على حساب ( موريس توريز ) رئيس الحزب الشيوعي الفرنسي
( مات الآن ) ويصدرون البيانات تصم الثوار بالخيانة .. والبرجوازية .. وعقوق الوطن الأم ( !! ) .

وبالطبع فإن الشيوعية _ كما نرى _ أضحت _ منذ 51 عاما
(( وجودا دوليا )) له ثقله في العالم .. وله مصالحه .. فهي ليست مجرد عقيدة تشق طريقها بالحق الطيب وحده .. ولكنها ( دولة تنشر عقيدتها بالعنف ) .. وتقوم بتوفير أسبابه لرجالها ( المال والسلاح والتدريب والتكتيك ) ..

وسر التحول في موقف الحزب الشيوعي الجزائري وإنتسابه في الساعة الثالثة والعشرين إلى ثورة الجزائر الظافرة .. هو كما قلنا إستجابة طوعية
(( للإستراتيجية )) السوفياتية الجديدة ...

ففي التقدير (( العقائدي )) الذي قدمه (( ميخائيل سوسلوف )) فيلسوف الحزب الشيوعي السوفياتي .. تأكيد على عدة أمور حيوية هي كما يأتي :
• أ - ان وجود الرادع النووي مع الرأسمالية في العالم ( الولايات المتحدة وبريطانيا ) .. يجعل من المستحيل عمليا ونظريا القضاء على الرأسمالية . وتغليب الإشتراكية بالقوة المسلحة .. لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إشعال حرب حرارية نووية ، تؤدي إلى القضاء على (( الأساس الحضاري )) الموجود للجنس البشري .. وبالمقابل فإن الرادع النووي الذي تمتلكه القوى الإشتراكية
(( الشيوعية )) يؤمن صيانة دائمة وردع للقوى الرأسمالية من التفكير في إشعال الحرب ..
• ب - وإذن فمن الوجهة السياسية يكون ممكننا وعمليا القبول
( بالتعايش السلمي ) مع الأنظمة الرأسمالية ... بإعتبار أن القضاء على هذه الأنظمة سيؤدي كذلك إلى تدمير متبادل .. وتعطيل للقوى الشيوعية المتصاعدة .. وإفناء للجنس البشري كله .
• ج - ان التعايش السلمي مع توفير (( الرادع )) من التفكير في الحرب يعني كذلك إطلاق يد كل القوى التقدمية في العالم لتقوم بتقليص مساحة الوجود الرأسمالي .. والإستعماري ومحاصرته نهائيا في معاقله الرئيسية
( أميركا وغرب أوربا ) .
• د - وعليه فإن حركات التحرر الوطني والنضال القائم ضد الإستعمار في افريفيا وآسيا .. يشكلان أملا مزدهرا في الجسم الإستعماري الرأسمالي .. وحرمان له من مراكز خاماته .. وسواق تصريف منتجاته . وهي التحليل النهائي عملية إضعاف للبنية الإستعمارية الرأسمالية .. وتعريضها للتوتر .. والإنهاك .
ومن إندفاع الإستعمار في المقاومة ضد وجوده .. وإمتيازاته في المناطق التي يسيطر عليها .. ومن تأييدنا التام والمطلق لكفاح هذه الشعوب ضده .. ومع اليقين التام بأن حركات التحرر الوطني ستبلغ النصر في النهاية وستجبر الإستعمار على التسليم والرحيل .. فإن النتائج المتوقعة هي تصاعد باهر لقوى التقدم وتقديم للطلائع الماركسية في كل مكان من تعزيز مواقعها .. بحكم تصدرها ( !! ) لأعمال المقاومة البطولية ضد الغزاة والمستعمرين والرأسماليين الأجانب !
• هـ - ومع أنه يفترض أن الطلائع (( الماركسية اللينية )) ستعمل عادة ضمن شعوب لا يزال الدين يحكم وينظم ويسيطر على الكثير من مشاعرها وإتجاهاتها .. فإنه يتوجب (( على الماركسية )) أن تلقي بهذه القضية خلف ظهرها تماما (( فالدين لم يعد ظاهرة صراعية في العالم ! )) .. ان منطلقات الصراع وحوافزه .. تتمثل في المطالب اليومية لإنسان القرن العشرين .. في الطرق المرصوفة جيدا .. وفي وفرة السلع الإستهلاكية .. وتوفير العلاج والعمل للناس .. وهذا مانعد دائما بتحقيقه .. وما يتوجب على الطلائع الماركسية أن تجعل منه حجر الزاوية في دعايتها .. ومحور جدالها مع الجماهير الغفيرة التي تعمل معها .
إن للشيوعيين كما نرى عقول تفكر جيدا .. وتحسن كيف تضع الخطط ذات المفعول الثابت .. والطويل المدى .. ( اني أكتب معتمدا على الذاكرة لعدم توفر المراجع ) .. وبوسع المرء دون مشقة بالغة أن يلمس كيف يندفع المئات من الناس في طول العالم وعرضه للهجوم على مجتمعاتهم .. وتخريب بلدانهم .. وإشهار السلاح ضد أخوتهم في الدم والأرض .. والمعتقد .. لخدمة الإستراتيجية الشيوعية السوفياتية .. والآن الصينية أيضا ..
وما كان هذا ليحدث لو لم يوجد رجال لهم هذا القدر من الإحاطة والتأثير على الوجدان الإنساني مثل (( سوسلوف )) ..

وإذن (( فالجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل )) تمثل الصيغة المحلية التي يطرح بها الوجود الدولي الشيوعي نفسه في جزيرة العرب . أكثر مما هي طلائع الإنطلاق والتجديد في حياة الأمة العربية المعاصرة .. ان الإتجاه الأخير تمثله قوى أصيلة نابعة من صميم الجنوب العربي مستوحية أهدافه في نضالها .. هذه القوى لازالت للآن تتلمس طريقها إلى عقول وقلوب الجماهير في الجنوب العربي .. التي تعرض وجدانها للتلويث .. وأهداف نضالها ضد الإستعمار للتشويه على يد (( الأقلية الماركسية العميلة )) .

وصفوة القول .. أو النتيجة بالإجمال هي أن (( الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل )) من صفحات تاريخها .. ومن وقائع سلوكها اليومي .. وطرائق تعاملها مع شعبنا خلال سبعة أشهر من حكمها .. تقدم أدلة لا تحصى على أنها
(( نضالا وفكرة )) شيء دخيل في حياة شعبنا .. وأداة إفساد لكل جميل وجليل في حياة هذا الشعب ..

وبالطبع فإن المرء إذا أغتصب ما ليس له .. بالقوة مثلا ... فإن (( الحفاظ )) على هذا الشيء المغتصب يكلف من الطاقة أكثر مما يكلف من الجهد حين وقوع عملية الإغتصاب ..

ومهما بلغت قبضة المغتصب من الشدة ، فإن الوهن يتسرب إليها بمرور الوقت .. فالحكومة المكروهة ، لا تستطيع أن تحتفظ بوجودها .. وعلاقاتها في حالة توتر دائم مع المجتمع الذي تحكمه .. إن هذا يناقض طبائع الأشياء ..

لذلك فأن الأقليات التي تصل إلى (( السلطة )) بالإرهاب .. والتآمر مضطرة إلى خلق عناصر صراع جانبية لغرض إمتصاص النقمة وتحويل وجهتها ..

وهذا ما يحدث اليوم في الجنوب العربي .. إذن (( الملهاة )) اليوم في الجنوب العربي إسمها (( الثورة المضادة )) .. ورغم العرض المستمر لهذه الملهاة .. فإن الناس عافتها . إذا لم يقدم دليل واحد على وجودها .. ومع إتساع حدود الرؤية أما جماهير شعب الشعب في الجنوب العربي .. بدأت عوامل الإنهيار تتسارع _ وقد كانت أسبابها قديمة كامنة _ وتلاحق بعضها بعضا .. بحيث أصبح من العصي على (( الجبهة القومية )) وهي مجرد ( أقلية مكروهة عميلة ) أن تتقي كل أسباب إنهيارها .. الوشيك المحتوم .




عبدالله الجابري





رد مع اقتباس
  #45  
قديم 12-04-2010, 06:10 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة


التحول البريطاني


- 1 -

عدد قليل من الناس ، هم الذين يعرفون أن المخابرات البريطانية لم تكن أحسن توفيقا من المخابرات المصرية فيما يتعلق بنتائج عملها في الجنوب العربي .. فكلتا المنظمتين منيتا بالفشل سواء في أسلوب عملها أو في الأهداف التي توختها كل منهما من وراء التدخل في الجنوب العربي ..

وفي ضوء التطورات والأوضاع القائمة حاليا فإن من اليسير القول بأن الأموال التي صرفت والجهود التي بذلت قد ذهبت الآن أدراج الرياح ..

إن الرجال الذين ربطوا مصيرهم بالمخابرات المصرية ، يبدو أن حظوظهم قد ضاعت نهائيا .. ولم يعد بمقدورهم الظهور في الصورة أمام الشعب كرجال شرفاء ..

وأما الرجال الذين ربطوا مصيرهم بالمخابرات البريطانية وهم نوعية دون في ثقافتها .. ومطامحها فإنهم يتعرضون _ للتصفية على دفعات .. ويتم ذلك عادة بدون ضجة لضعف الوشائج التي تشد بعضهم إلى البعض .. ولإفتقارهم الواضح إلى إثارة إهتمام الشارع .. وقد أمكن تصفية أبرز عناصرهم في الأشهر الأولى من الإستقلال . بعد أن أكتشف ( العهد الماركسي ) الذي وصل إلى الحكم على أكتافهم أنه سيفقد (( طهارته )) أمام الكرملين فيما لو حاول الإبقاء عليهم في واجهة حكمه ..

وفي حين يبدو من الواضح أن تركة المخابرات المصرية قد صفيت تماما .. ولم تعد قادرة على التأثير في مجرى التطورات السياسية والعسكرية المقبلة فإن بعض عملاء المخابرات البريطانية يشاركون مشاركة ثانوية في الحكم .. وخصوصا في قطاعات الجيش البعيدة عن عدن .. والموجودة في مواجهة ثوار الوحدة الوطنية .

ومع ذلك فإن المخابرات البريطانية لا زالت تتمسك ببعض الأمال في حدوث
(( ضربة قدرية )) تؤدي إلى تقوية مركز عملائها المنهار داخل جهاز الحكم الماركسي في عدن .. أو على أنقاضه وهو مطلبها الأساسي .. ومن السهل ملاحظة بعض الإنتفاضات هنا وهناك .. ولكن نوعية الرجال الذين أعتمدت عليهم المخابرات البريطانية رغم كثرتهم تبدو عند المقارنة أقل بكثير في كفائتها وجرأتها وثقافتها من الأقلية الماركسية الصلبة ..

ومن الحق أن الأقلية الماركسية في عدن تكثر من الضوضاء فيما بينها
(( كـكلاب الليل )) ولكنها سرعان ما تتحد لمواجهة أول تحرك غريب يريد أن يقاسمها السلطان الذي حصلت عليه عبر لعبة معقدة وضعتها المخابرات البريطانية .. وكانت هي أول الخاسرين فيها ..


- 2 -


أظن أن بعض القراء سيصابون بالدهشة من إستمراري في الحفاظ على إعتقاد لا يتغير .. بالدور الضخم الذي لعبته المخابرات البريطانية في توصيل الجبهة القومية إلى الحكم .. وربما يرجح لدى الأكثر وعيا من القراء أن (( أبا شمس )) هذا رجلا ساذجا .. رغم كفاءة الأسلوب الإنشائي الذي يعالج به الأمور .. ولكنه يفتقر إفتقارا واضحا إلى المقدرة على توفير عنصر الإقناع لقرائه .. وإلا فكيف يجول في ذهن القارئ _ العادي طبعا _ أن المخابرات البريطانية _ وهي عنصر مهم في حراسة النفوذ البريطاني فيما وراء البحار _ ستسهم في الدفع بجماعة ماركسية إلى الحكم .. وأي حكمة تكمن في مثل هذا السلوك .. ؟

والحقيقة أن (( لعبة تريفليان الساحرة )) في النصف الأخير من عام 1967 بدأت بالغة التعقيد .. وأحتجت شخصيا إلى الكثير من الوقت لأتمكن من هضم ما حدث .

وقد وصلت بعض الحقائق إلي متأخرة إلى حد كبير .. ولذلك فإن (( الدراسات )) التي قدمتها في هذه الصفحة عن الجنوب العربي في سنوات الشدة )) ظهرت في بعض جوانبها وخصوصا ما يختص بدور المخابرات البريطانية .. ظهرت غامضة . ومنطوية على الكثير من الإتهامات .. والقليل فقط من الوقائع ..

و ثم فإن هذا المقال يمثل مدخلا (( لدراسة تكميلية )) عن دور المخابرات البريطانية في وصول الجبهة القومية إلى الحكم ..

وقبل أن يتعين علينا الدخول في التفاصيل يتوجب علي أن أقول بأن المخابرات المصرية عندما لاحضت إنحلال الأجهزة الإتحادية ... وتفسخها بشكل ملموس .. قررت إلتقاط إسم الجبهة القومية من الشارع .. ونصحت كل عملائها في الجيش .. والشرطة .. والجهاز الإتحادي المتفسخ بالتحول إلى جانب الجبهة القومية .. ليس ليصبحوا ماركسيين بالطبع .. ولكن لغرض التنكر والعمل من خلال إسم أظهر حتى ذلك الوقت بعض المقدرة في مواجهة المخابرات المصرية . ومقاومة تيار عملائها المتزائد .

والهدف واضح .. هو القضاء على جبهة التحرير بإسم منظمة إرهابية مماثلة
(( الجبهة القومية )) .. وتطويق هذه الجبهة من الداخل بإقحام كل ممثلي المصالح البريطانية داخل تنظيمها الماركسي القديم إما للإستيلاء عليها .. أو لتفجيرها في النهاية .. وقد نفذ الجزء الأول من الخطة (( القضاء على التحرير )) بنجاح تام .. ولكن ليس لمصلحة عملاء المخابرات البريطانية كما كان الهدف .. وإنما لمصلحة الماركسيين ..

وستقدم الوقائع التي سنوردها بالتتابع هنا .. المزيد من الأدلة على الدور الضخم الذي حولت فيه المخابرات البريطانية كل عملائها بين عشية وضحاها .. إلى
(( جبهة قومية )) وأطلقت لهم حرية العمل مع الماركسيين للقضاء .. ليس فقط على (( جبهة التحرير )) وهي عميل آخر .. وإنما للقضاء على إستقلال الجنوب العربي .. وتشويه صورته .. وجعلها على الغرار القائم المفجع .. الحزين ..



- 3 -

في 6 - 7 - 1967 م عقد إجتماع في مكتب المستر (( جانج )) المعتمد البريطاني في ندينة الإتحاد ( الشعب الان ) وشهد هذا المؤتمر أهم مظاهر التحول الفعلي في السياسة البريطانية إلى جانب الجبهة القومية ..

وقد حضر هذا الإجتماع من الجانب البريطاني :

المستر جانج المعتمد البريطاني . المستر ديلي .. ضابط سياسي وعضو المخابرات المركزية .
المستر سمرفيلد ضابط سياسي وعضو المخابرات المركزية .
المستر هبربرسي ضابط سياسي وعضو المخابرات المركزية .
والكولونيل شبلن الوكيل الدائم لوزارة الدفاع الإتحادية .

( ولا حاجة للقول بأن من يطلق عليهم ضباط سياسة ) في الجنوب العربي هم عمليا ونظريا العنصر التنفيذي للسياسة البريطانية في هذه البلاد .. وهم المتحكمون في كل ضئيل وجليل من أمورها .. )

ومن الضباط العرب حضر هذا الإجتماع ..

العقيد حسين عثمان عشال قائد الجيش الحالي ..
المقدم علي عبدالله ميسري المقدم أحمد محمد بلعيد .
المقدم مهدي عشيش .
والمقدم محمد أحمد ميسري .
والمقدم سالم قطيبي .. وهذا أغتيل من قبل الحكومة في ظروف غامضة لأنه أصيب بصحوة ضمير متأخرة ..

وقد قصد من هذا الإجتماع تنوير هؤلاء الضباط العرب _ وهم زبدة من تركن إليهم المخابرات البريطانية .. لأنهم تربوا تحت إشرافها منذ أن كانوا جنودا .. قصد تنويرهم بالتحول الجديد في السياسة البريطانية .. وأبلغهم ( جانج ) أن بريطانيا بذلت كل ما في وسعها لحمل الإتحاد على التماسك .. وفشلت .. وحاولت أن تقيم حكومة إنتقالية على قاعدة عريضة .. أي تشمل كل الأطراف .. ولكن
( الإرهاب ) أحبط هذا المجهود وقال لهم جانج أن الحكومة البريطانية لا تستطيع أن تضمن مستقبلهم .. هم وكل الجيش .. والشرطة .. والجهاز المدني .. لأن السلطة التي قد تخلف البريطانيين ( جاهزة بكل مؤسساتها العسكرية والمدنية ) في تعز .. وقد أعدت كل شيء إعدادا متقنا على أيدي المخابرات المصرية بحيث يكون من المشكوك فيه أن تتعامل مع جهاز لا تطمئن إلى نواياه .. ( يقصد الجيش .. والشرطة .. والعناصر البارزة في الإدارة المدنية .. ) .

ونزل هذا الحديث نزول الصاعقة على الضباط الذين أتضحت لهم نهاية مفجعة كانوا يجهلون أبعادها حتى ذلك الوقت ، وكانت الجرعة فعالة بحيث دعت الضباط إلى طرح السؤال التقليدي .. (( وما الذي يجب عمله ؟ )) .

وهنا كان الضباط البريطانيون يأخذون الأهبة للإنتقال إلى الموضوع الأكثر إمتاعا .. والأكثر أهمية .. إلى الخطوة الحاسمة في التحول ..

أما وقد أصبحنا الان في لب المسألة فإن موعدنا الأسبوع القادم .. وسنعثر بالتأكيد على بداية مناسبة لحشد من الوقائع المذهلة .





عبدالله الجابري




رد مع اقتباس
  #46  
قديم 12-07-2010, 10:25 AM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي



منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة



حديث عن المهام ، والضباط

- 4 -

( إن حكومة صاحبة الجلالة تدرك الآن أن آمالها في الخروج من الجنوب العربي .. وفيه حكومة مستقرة .. وحازة على رضى الشعب ، قد أوشكت على الضياع .. كما أن الجهود التي بذلتها لمقاومة الإرهاب طوال السنوات الماضية أثبتت أن لا طائل تحتها .. وعلى النقيض من ذلك فإن ( الأجهزة المحلية ) التي نفترض أننا سننال منها العون لمقاومة الإرهاب قدمت الدليل هي نفسها على وقوعها تحت تأثير المنظمات الإرهابية ) .

(( ورغم كل الظروف القائمة .. وهي ظروف تبعث على الأسف .. فإن حكومة صاحبة الجلالة محتفظة بتصميها على عدم ترك الجنوب العربي نهبا للفوضى .. وهي عازمة على ضمان مستقبل أصدقائها .. وتأمين القدر المستطاع من القوة لهم قبل مغادرة المنطقة .. ))

(( وشرطنا الوحيد هو أن يظهر هؤلاء الاصدقاء قدرة واضحة على العمل .. وقابلية محددة لسماع المشورة )) .

(( إن حكومة صاحبة الجلالة بعد أن لمست عجز العناصر العربية في الإتحاد .. وفي الأحزاب الرئيسية عن التعاون معها لإقامة حكومة تستند إلى قاعدة عريضة . وتمثل فيها كل الأطراف .. وذلك طبقا للمشورة الدستورية التي قدمها خبيران بريطانيان .. أضطرت إلى إحداث تبديل جذري في سياستها .. وهي ستلجأ على الغالب إلى تسليم السلطة في الجنوب العربي للفريق الذي يظهر مقدرته على تأمين الإستقرار في المنطقة .. وكف أيدي العناصر المخربة عن دفع عجلة الإنهيار والفوضى قدما )) .

(( ولا نملك إلا أن نلاحظ أن الجبهة القومية وهي خصم منافس لجبهة التحرير التي تعمل بوحي مباشر من المخابرات المصرية ، وتعوق الجهود التي تبذل للوصول إلى السلام .. نلاحظ أن الجبهة القومية أظهرت الكفاية واضحة في ردع جبهة التحرير ، وكشفت من خلال إتصالاتها خلال هذا العام ، بالبريطانيين عن ميل أقل للتطرف ، وميل أكثر نحو التفاهم والرغبة في العمل المشترك )) .

ومن خلال هذه الإتصالات بدأت حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف على آمال هذه الجبهة .. وتحاول إختبار السبل المؤدية إلى دعمها في الكفاح الذي تخوضه ضد الأحزاب الأخرى )) .

(( ودائرة المندوب السامي البريطاني في عدن تميل إلى الإعتقاد بأنه قد يكون في مقدور الجبهة القومية أن تصبح في وضع يمكنها من الدخول في مفاوضات مع الحكومة البريطانية لإستلام الحكم في أو قبل الموعد المحدد لجلاء بريطانيا عن الجنوب العربي .. أي الأول من يناير عام 1968 م )) .



- 5 -

وقد عقدت بعد هذا التاريخ بالتتابع سلسلة من المؤتمرات بين رجال الحكم البريطاني في عدن .. وعملائهم في الجيش والأمن العام والإدارة المدنية .. وتطورت هذه المؤتمرات بعد قليل .. ودخل القوميون الماركسيون طرفا ثالثا فيها وفي هذه المؤتمرات جميعا كما في هذا المؤتمر درست بعناية كل السبل .. وأعتمدت الأموال .. وأختير الأشخاص الذين سيبدأون التحرك لإحداث الإنقلاب في الجيش والإدارة لمصلحة الجبهة القومية ..

وفي هذا المؤتمر الي لازلنا بصدد الحديث عنه .. وزعت المخابرات البريطانية .. مليون وثمانمائة ألف شلن على الضباط العرب لغرض إتفاقها في تعزيز نفوذهم ضمن قطعات الجيش التي يسيطرون عليها .. والمناطق التي تتمركز قواتهم فيها ..

وهــــا هــــي الكيفية التي وزعت بها هذه الأموال
وأشخاص الذين سلمت لهم .. والأغراض التي رصدت لتحقيقها ..

*
( 000ر200 ) مائتي ألف شلن سلمت للعقيد حسين عثمان عشال ليصرفها في منطقة بيحان حيث تتمركز كتيبة من جيش الجنوب العربي تحت قيادته .. وعينت له أوجه صرف هذا المبلغ في محيط القبائل والجيش وبعض عناصر الإدارة المحلية المرتبطة بالشريف حسين الهبيلي .
*
000ر200 مائتي ألف شلن دفعت للمقدم ســالم القطيبي لحساب منطقتي الضالع وردفان .. لتحقيق نفس الأغراض التي عينت للعشال .
*
000ر200 مائتي ألف شلن دفعت للمقدم علي عبدالله ميسري لحساب منطقة دثينة .
*
000ر200 مائتي ألف شلن سلمت لجعبل أم شعوى لحساب منطقة العواذل ... والشعوى مدنيا وليس من الضباط ولكنه على صلة متينة بالمخابرات البريطانية .. وهو يعمل لحسابها ضمن تنظيم الجبهة القومية ..
*
000ر200 مائتي ألف شلن سلمت للمقدم مـهــــــدي عشيش لحساب منطقة عتق ونصاب والصعيد .
*
000ر200 مائتي ألف شلن سلمت للمقدم محمــــد أحمد بلعيد لحساب منطقة لحج والفضلي .

وفي نفس اليوم سلمت ستمائة ألف شلن لثلاثة من كبار ضباط الأمن هم عبدالهادي شهاب وصالح سبعة وصديق .. لكسب ولاء بوليس ولاية عدن .. وشرطة الإتحاد لحساب الجبهة القومية ..

وإثنان من هؤلاء الضباط هم _ شهاب وسبعة _ قد تمت تصفيتهم في نطاق سعى الماركسيين الحثيث لتحطيم كل مؤسسات الدولة القديمة .. وتصفية أصحاب العلاقة بهذه المؤسسة ..



- 6 -

والآن لنسأل أنفسنا من هم هؤلاء الضباط .. وما نوع الإتجاهات السياسية التي ينتسبون إليها .. ولنأخذ حالة بعضهم على الأقل كـنموذج ومثال ..


حسين عثمان عشال قائد الجيش الحالي

بدأ حياته موظف إستخبارات صغير في عدن .. وقد تدرب تحت إشراف المستر ديلي الضابط السياسي البريطاني وعضو المخابرات المركزية في عدن ..

وفي عام 1955 أدخلته المخابرات البريطانية في الحرس الإتحادي كضابط في الظاهر وليتولى _ سرا _ مراقبة نمو الإتجاهات التحررية في صفوف الجيش الناشيء .. وفي عام 1959 رقي إلى رتبة قائد .. وقد بعث إلى بريطانيا بعد هذا التاريخ ليأخذ دورة في الرشاشات المتوسطة .

ليس له إتجاه سياسي حتى عام 1967 م .. ومن المشكوك فيه أن يكون له مثل هذا الإتجاه الآن .. أبرز سماته أنه شخصية غير مؤثرة ..



محمد أحمد السياري ميسري

يحمل الآن رتبة ( قائد ) وهو ابن أحمد الخضر ميسري أقدم ضابط في الجنوب العربي ... والأب والإبن معا من أبرز عملاء المخابرات البريطانية في الجيش .. وقد تألق إسم الإبن كثيرا بعد الإستقلال وأتاح له مركزه كـضابط تموين في الجيش أن يرافق بعض وفود الجبهة القومية التي زارت روسيا والجزائر والعراق ..

ويعد الآن من الركائز البريطانية المهمة في الجيش .. وكانت صلته بالمخابرات البريطانية قد بدأت عن طريق والده .. وعمل جاسوسا على زملائه لحساب الكلولونيل ( فينر ) القائد البريطاني الأسبق لجيش الجنوب العربي ..

وقد أرسل إلى بريطانيا ثلاث مرات .. وأخذ دورة في عمل المخابرات .. ودورة في الرشاشات المتوسطة .. وثالثه في ( التخطيط والإستراتيجية ) ..

ليس له حتى عام 1967 إتجاه سياسي .. ولكنه نزولا على توصية المخابرات البريطانية تحول إلى العمل لفائدة الجبهة القومية في النصف الأخير من ذلك العام .. وللحق فقد عمل بحماس .. ولكن تنظيم الجبهة القومية .. يخضعه لمراقبة دقيقة حتى يحين دوره في التصفية ..



أحمد محمد بلعيد

خاله العميل المعروف أحمد الخضر ميسري .. وعن طريقه تم إلحاقه بالمخابرات البريطانية .. بدأ حياته كـجندي لاسلكي قبل 28 سنة .. وأصبح وهو لايزال يحمل رتبة ( عريف ) من أصحاب (( المخصصات السرية )) يحمل الآن رتبة قائد .. وهو من العناصر القومية في الجيش بعد أن سيطر عليه أهل دثينة .. وهو كذلك على رأس القائمة التي تثير القلق في صفوف الماركسيين .. وذلك فإنه يخضع كـباقي زملائه للمراقبة .



- 7 -

وفي القول سعة عن التفاصيل الشخصية لحياة وماضي الضباط الذين تحولوا بأمر من المخابرات البريطانية إلى جانب الجبهة القومية .. ولكن مثل هذه التفاصيل ليست ذات غنى ..

فالأكيد .. الأكيد ان ليس في هؤلاء الضباط رجلا يتميز بالنباهة والمقدرة على الإنتفاع من مركزه في الجيش للحصول على مكاسب سياسية .. كما أن التصدي لأقلية حاكمة حسنة التنظيم يدعمها وجود دولي ضخم كـدول المعسكر الشيوعي هو فوق الطاقة العادية لضابط جريء طموح .. لا بل إنه فوق طاقة جماعة من الضباط تنقصهم الثقافة .. وينقصهم الطموح والقدرة على مواجهة الجماهير .

وسنؤجل الوصول إلى أية إستنتاجات مبكرة قبل أن نعرض المزيد من الأساليب التي لجأت إليها المخابرات البريطانية في تحقيق (( تحالفها التعيد )) مع الجبهة القومية .. بمعنى آخر سنعرض السبل التي تحقق عبرها هذا التحالف قبل أن نقرر في النهاية من هو المستفيد الحقيقي منه .




عبدالله الجابري




رد مع اقتباس
  #47  
قديم 12-09-2010, 09:06 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة


الخطة المشتركة


هل جاء التحول البريطاني ، إلى جانب الجبهة القومية ، بدون نذر موحية بإحتمال وقوعه ؟ .
وهل أخذت حكومة الإتحاد على غرة ، ولم تعط الوقت الكافي للدفاع عن نفسها ؟
إن هذين السؤالين طرحا في الوقت المناسب .
لأن الإجابة عليهما تكشف لنا بعض الجوانب الخفية في تركيب إتحاد الجنوب العربي الذي أنشأته بريطانيا عام 1959 ، وظلت حتى أوائل عام 1967 المدافع الوحيد عنه .

حسنا الجواب على هذين السؤالين هو كلا .. لم تؤخذ حكومة الإتحاد على غرة .. ولو كانت تحدوها أي رغبة في الدفاع عن نفسها لظهرت .. ولكن مثل هذه الرغبة لم تراودها على الإطلاق .. ولم يكن الإفتقار إلى الرغبة هو السبب الوحيد .. بل يمكن إضافة الإفتقار إلى القدر كسبب آخر ..

في أول زيارة قام بها المندوب السامي الجديد ( هنري تريفليان ) لحكومة الإتحاد أعلن في المجلس الأعلى بحضور جميع السلاطين والوزراء (( أنه رجل ثوري . ويحب الثوار )) !!
وقال أنه كان في العراق أثناء الإنقلابات المتعاقبة هناك ضد الحكومة .. ومع ذلك فلم يحاول إستخدام نفوذ بريطانيا للوقوف ضد هذه الإنقلابات ..
وأخيرا أبلغهم أن وصوله إلى عدن له هدف هو التعجيل بالإنسحاب البريطاني من المنطقة .. وبريطانيا لم تعد تهتم بنوع الحكومة التي ستخلفها .. كما أنها ستتخلى عن إرتباطاتها القديمة مع أصدقائها التقليدين لأن مثل هذه الإرتباطات ستفقد مدلولها بعد الإنسحاب التام من البلاد .

كان ذلك على التحديد بتاريخ 2/6/1967 م . وعلى الرغم من صراحة
(( الإنذار )) البريطاني فإنه ليس بين الوقائع التي توفرت لي مايشير إلى أية خطوات أتخذها حكام الإتحاد كـمجموع للحد من هرولة العربة التي يمتطونها نحو الهاوية .

وأغلب الظن أنهم وقد أحسوا بأن الحامي الأول للإتحاد قد تخلى عنه شرعوا كل على إنفراد وعلى مسؤوليته يبحثون عن حلفاء جدد في صفوف الحركة الوطنية ..
وتمكن بعضهم وإلى حد كبير من (( قلب سترته )) كما يقول المثل الفرنسي ..

وكان البعض من الغفلة بحيث سارع إلى فتح خزائنه ومستودعات أسلحته لرجال الجبهة القومية .. عندما أكتشف الإتجاه البريطاني المتحول إلى جانب هذه الجبهة ..
وبالطبع فإن هذه المبادرات لم تغن عنهم شيئا .. فالجبهة القومية لا تريد أن تضع صورة عهدها الجديد في نفس الإطار القديم فهذا يفقدها الكثير من العطف الشيوعي الذي بنت كل حساباتها على إكتسابه ..

هل يظهر من هذا السياق أي ميل مقصود للوم السلاطين أو تضخيم شعورهم بالذنب . ؟
إذا كانت الوقائع نفسها قد أوحت بشيء من هذا . فهو لم يكن هدفي .



- 9 -

بعد الخطوات التمهيدية .. بدأت العلاقة بين الجبهة القومية . وجهاز الإستعمار البريطاني في عدن تسير نحو التخطيط المشترك .. وبالفعل فقد عقد يوم 15/7/1967 م إجتماع موسع كبير بين معاوني المندوب السامي البريطاني . ورجال الجبهة القومية .. بقصد إعداد خطة مشتركة لمتابعة تفتيت الحكومة الإتحادية .. والقضاء على العناصر الوطنية ..

وقد حضر هذا الإجتماع عن الجانب البريطاني :

المستر ديلي : الوكيل الدائم لوزارة الأمن الداخلي الإتحادية .. وعضو المخابرات المركزية .
المستر شبلن : الوكيل الدائم لوزارة الدفاع الإتحادية وعضو المخابرات .
المستر اشورت : ضابط الإعلام المسؤول في مكتب المندوب السامي ..
المستر سمرفليد : المسؤول السياسي عن المنطقة الغربية .
المستر هبربرسي : المسؤول عن المنطقة الشرقية .
المستر برجس : رئيس المخابرات والمسؤول عن ولاية عدن .

وعن الجبهة القومية . حضر :

سيف الضالعي : وزير الخارجية الحالي .
فيصل عبداللطيف الشعبي : سكرتير القيادة العامة للجبهة القومية .
محمد علي هيثم : وزير الداخلية ..
وجعبل ام شعوى : عضو القيادة العامة .

وثلاثة أعضاء آخرين بأسماء مستعارة .

وعن الجيش حضر :

العقيد حسين عثمان عشال ، العقيد محمد سعيد يافعي ، المقدم علي عبدالله ميسري ، المقدم أحمد بلعيد ، والمقدم مهدي عشيش ، الرائد أحمد محمد السياري ، المقدم عبدالله على مجور ، العقيد أحمد بن عرب ، وعن الأمن العام . حضر
العقيد عبدالهادي شهاب ، الرائد أحمد الخضر السياري ، وهما من شرطة عدن ، العقيد عبدالله صالح سبعة .

وأسفر هذا الإجتماع عن وضع خطة مشتركة تمثلت في النقاط الآتية :

*
أولا - تزود الجبهة القومية أعضاءها العاملين ببطاقات سرية توضح إنتمائهم الحزبي .. وذلك ليسهل لهم الجيش البريطاني حركة التنقل والمرور من مراكز التفتيش بأسلحتهم ..
*
ثانيا - تتعهد الجبهة القومية بعدم إستخدام السلاح ضد الجنود البريطانيين .. وبتغطية إنسحابهم في الأسابيع الأخيرة من عدن .
*
ثالثا - تتعهد الجبهة القومية بتقديم معلومات إلى القوات البريطانية عن أسماء وأماكن أعضاء رابطة الجنوب العربي . وجبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل .. وتتعهد كذلك بالمساعدة في إعتقالهم ..
*
رابعا - وافقت بريطانيا على تزويد الجبهة القومية بأجهزة لاسلكي لتأمين الإتصال بين أعضائها في الداخل . والخارج .
*
خامسا - وافقت بريطانيا على تزويد الجبهة القومية بكمية أولية من السلاح تمكنها من العمل السريع .. على أن يتم توريد حاجاتها الرئيسية من السلاح عن طريق وكلاء التاج في لندن . وهم جماعة تبيع السلاح بالإتفاق مع وزارة الخارجية البريطانية ..
*
سادسا - أتفق الطرفان على الإسهام في ترتيب مظاهرات في جميع الولايات ضد الحكام . والسلاطين بقصد مضايقتهم وإرهابهم على أن يقود هذه المظاهرات رجال ينتسبون إلى الجبهة القومية .. وأتفق كذلك على أنه ستصدر الأوامر للجيش في هذه الولايات بعدم التعرض للمتظاهرين .. كما أتفق على أن يسافر الضباط السياسيين البريطانيين المقيمين في الولايات إلى عدن قبل حدوث هذه المظاهرات حتى لا يتمهوا بأنها عملت بوحي منهم ..
*
سابعا - كلف المستر آشورت ضابط الإعلام البريطاني في مكتب المندوب السامي بتوجيه سياسة الإعلام لصالح الجبهة القومية .. ونسب أعمال العنف إلى رجالها ..
*
ثامنا - أتفق على أنه عندما تنتهي حكومة الإتحاد فإن جميع الإلتزامات التي كانت قائمة بينها . وبين بريطانيا تعد لاغية .. ولا تعتبر الحكومة البريطانية ملزمة بأي شيء للحكومة الجديدة إلى أن يصار إلى وضع إتفاق جديد .
*
تاسعا - ستتولى الحكومة البريطانية إشعار حكام الولايات بأنها لن تكون في وضع يمكنها من نجدتهم فيما لو تعرضوا للمتاعب .. وستحثهم على الإنتقال إلى عدن حيث ستكون شروط السلامة المتاحة لهم أفضل منها في مناطقهم .. وعندما يحين موعد تسليم السلطة ستتولى ترحيلهم إلى خارج البلاد ..
*
عاشرا - تقرر أن تعقد إجتماعات دورية ( كل عشرة أيام ) بين المندوب السامي . ومعاونيه وأعضاء الجبهة القومية لقياس حجم التقدم الذي أحرز في تنفيذ هذا المخطط .. ويحتفظ المندوب السامي البريطاني بالحق في إدخال أية تعديلات أفضل في تحقيق أغراضها ..

وبدون حاجة للتحديات .. فإني على ثقة تامة بأن الحكم العميل في عدن لن يجسر قط على الإدعاء بأن هذه الوقائع غير صحيح . أو حتى غير دقيقة .. لأنه يعرف أكثر مما أعرف أن هناك من هو على إستعداد لأن يضع أصبعه في أعين المكذبين .



عبدالله الجابري




رد مع اقتباس
  #48  
قديم 12-12-2010, 09:10 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي






منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة





تجهزيات عسكرية

- 10 -

ونحن نتابع هنا سرد الظروف المؤلمة التي أدت إلى وصول الجبهة القومية إلى الحكم .. لا نملك إلا أن نسجل إعترافنا بان ( الإرهاب والتآمر ) قد أفلحا في إنتزاع التفاحة من أيدينا .. وهذا يعود إلى أن المتعصب يكون عادة أكثرار حرارة في الدفاع عن أهدافه من المثالي .. ولكن هذا المتعصب أقل أخلاقية .. وأقل ميلا إلى التدقيق في الوسائل التي يستخدمها للوصول إلى أهدافه .. إنه لا يحرص على نظافة الأسلوب .. وفيما هو يفعل ذلك يقوم بتلويث الغاية ذاتها :

ومن حسن الطالع أن الحكومة القائمة في الجنوب العربي لم تحاول أن تنفي عن نفسها صفة الإجرام التي ندمغها بها .. لا بل إنها تعزز الأدلة الموجودة في ماضيها بأدلة جديدة يخلقها تعاملها مع الشعب داخل المنطقة ..

وكما يقول افلاطون (( عندما يغتصب الجندي مكان الفيلسوف يفسد التنسيق بين الأجزاء في الحياة العامة .. ويفسد المجتمع وينحل .. فالعدالة توافق فعال بين مختلف القوى التي يتركب منها المجتمع .. إن جميع الشرور ناجمة عن عدم الإنسجام بين الإنسان والطبيعة .. وبين الإنسان والناس .. أو بين الإنسان ونفسه .. حقا ان المجموعة عندما تخرج عن المكان الذي عدته لها الطبيعة قد تجني بعض الفوائد حينها .. ولكن الإنتقام الإلهي يتبعها .. ويقتص منها .. والسقوط المبكر هو العقوبة الحتمية لكل إنسان يخرج عن ترتيبه في صف الجماعة الإنسانية .. ))

هذا التناول قد لا يقع ضمن النطاق الذي تختص به الفلسفة .. غير أن الحقيقة هي أن كل سلوك يستند في جذوره إلى فلسفة خاصة نابعة من ضمير صاحبه .. ومن مجموع نوازعه ورغباته .. والظروف السابقة التي كونت عقليته .



- 11 -

إن النظر إلى الخلف قد يكون باعثه رغبة الإنسان في تقدير المسافة التي قطعها .. وتقويم العوائق التي تغلب عليها .. ولكن عنوان هذه (( الدراسة )) التي نكتبها لا يرمي إلى هذا المعنى .. أو بعبارة أدق ليس هذا هو كل ما نرمي إليه . نريد عمليا رواية التفاصيل والعوامل الصغيرة التي أدت إلى ركوب الجبهة القومية لسفينة الحكم في الجنوب العربي .. ونحن نركز الأن على الجهد الذي بذلته المخابرات البريطانية .. لأن هذا الجانب بالذات لم يوف حقه .. وإن كانت الكتابات السابقة قد أشارات إليه بين الحين والآخر .. ولكنها مجرد إشارات لم يتوفر لها عنصر الإقناع والإشباع الضروريين .

رواية التفاصيل بقصد الوصول إلى العبرة .. والإستدلال عليها من صلب الوقائع التي نقدمها .. بمعنى آخر إن النظر (( إلى الخلف )) هو محاولة التعرف على الأسلوب أو مجموعة الأساليب التي لجأت إليها الجبهة القومية للصعود إلى سفينة الحكم .. والنظر (( إلى الأمام )) هو تقدير النتائج التي وصلت إليها بعد أن أضحى الحكم في أيدي رجالها ..

ولا شك أن بعض هذه النتائج ظاهرة لأعيننا بحيث لن نكد كثيرا في العثور عليها غير أننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة من الدراسة .. فلا زلنا نتابع كشف الترتيبات السرية التي أعدت ونفذت بالتخطيط المشترك بين الجبهة القومية والمخابرات البريطانية في عدن ..



- 12 -

توجد بعض مناطق حصية ، لا يستطيع الإرهابيون الوصول إليها مهما كانت سعة تنظيمهم .. ومهما كان مستوى جرأتهم .. كما ان وصولهم إليها لن يجعلهم بمأمن من التعرض للأذى .. ونيل حصتهم من الخسائر .. ونحن الأن نعلم علم اليقين أن (( رسالة التحرير )) لم تكلف الجبهة القومية أية خسائر في الأرواح بإستثناء تلك التي كانت تنزلها بهم الأحزاب السياسية المنافسة عندما تقتص لقتلاها الذين يتم إغتيالهم على أيدي رجال الجبهة القومية .

أما خسائرهم على أيدي البريطانيين فلا شيء إطلاقا .. ففي المراحل الأولى من تاريخ عمل الجبهة القومية تحت إشراف المخابرات المصرية كانت السلطات البريطانية تكتفي بالقبض على كل مشتبه فيه وإيداعه السجن بدون محاكمة .. وعندما بدأ التعاون بين البريطانيين والجبهة القومية في منتصف شهر يونيو 1967 م كان أي رجل يبرز بطاقة إنتسابه إلى الجبهة القومية يطلق سراحه على الفور حتى ولو كان يخوض في الدماء إلى ركبتيه ..

من هذه المناطق الحصينة مثلا بيوت الوزارء .. والسلاطين .. هذه الأماكن في ظروف الإرهاب .
والإضطرابات تشدد الحراسة عليها كـجزء من إجرائات الأمن .. ولما كانت خطة المخابرات البريطانية .. والجبهة القومية هي الإسراع بإنهيار حكومة الإتحاد .. وإضعاف ثقة رجالها بأنفسهم .. وزرع القلق في أفئدتهم .. فقد تطوع رجال المخابرات البريطانية بضربها بالبازوكا .. وزرع المتفجرات في حناياها وثناياها . ووصولهم إليها طبعا سهل وميسور .. وخروجهم منها غير منكور .

ومن ذلك أن المستر ديلي وكيل وزارة الأمن الإتحادية قام يوم 1/7/1967 م مع حظيرة من الشرطة العسكرية البريطانية بضرب منزل السيد عبدالرحمن جرجرة وزير الإعلام الإتحادي في مدينة الإتحاد . وقد قام رجال الأمن العرب بتطويق المكان فورا .. ولكنهم وجدوا سيارتي جيب إحداهما فيها المستر ديلي .. وقد ركب عليها مدفع بازوكا لا زال الدخان يتصاعد من ماسورته .. وقد ذهبت الحيرة في بداية الأمر بلب ضابط الأمن حضر للتحقيق في الحادث .. وهو يتصفح ملامح المستر ديلي .. ولكن الحيرة ما لبثت أن تبددت وحل محلها يقين ثابت بأن المستر ديلي ورجال الشرطة العسكرية هم الفاعلون .

قال ضابط الأمن العربي :

- هل أنت من أطلق قذائف البازوكا على منزل وزير الإعلام ياسيدي .. ؟

أجاب المستر ديلي بسؤال آخر :

- ما الذي يحملك على الإعتقاد بأننا سنفعل ذلك ؟

- إن الحرس الخاص بالمنزل لم يشاهدوا سيارة أخرى أو إنسانا آخر يقترب من المكان .. كما أن عسكري المرور أبلغنا أنه لم يسجل مرور أي سيارة إلى المدينة خلال الدقائق الخمس عشرة الماضية ..

ثم إني عندما وقفت هنيهة كان الدخان لا زال يتصاعد من ماسورة البازوكا المحمولة فوق سيارتكم .. وعلى هذا فليس من الصعب معرفة الحقيقة .. !

وهنا قال المستر ديلي ساخرا أنه يعترف بموهبة ضابط الأمن في الإستنتاج وقدرته على الإستقراء ولكنه هو المستر ديلي واثق من أنه لا ينتسب إلى أي من المنظمات العربية التي تشتغل بالإرهاب وأنه - المستر ديلي - إذا لم على ضلال فهو موظف في خدمة صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا .. وكان يظن بأن السيد المحترم ضابط الأمن يعرف هذه الحقيقة . ويعرف كذلك أنه يتحدث الأن إلى الوكيل الدائم للوزارة التي يتسلم الضابط مرتبه من خزينتها .. !

وحادث صغير آخر له دلالته العميقة .. فقد سلمت المخابرات البريطانية ( 11 ) جهازا للاسلكي للجبهة القومية .. وذلك لتوضع في مقر قياداتها . الموزعة في زنجبار .. ومنزل علي عبدالعليم بلحج .. ومنزل علي عنتر بالضالع .. ومنزل جعبل الشعوى في لودر ومنزل ابن الفقير في مودية .. ومنزل حسين جعيلي في المحفد .. وعمارة سعيد العريقي شارع الهاشمي بالشيخ عثمان ... وأخر جهاز أرسل لقيادة الجبهة في المكلا لعمر سعيد العكبري .. أقول عندما سلمت المخابرات البريطانية هذه الأجهزة للقوميين ضبط بعضها في نقطة التفتيش بالشيخ عثمان .. وأعتقل الرجال الذين معها .. وأكتشف الضباط العرب أن بعض هذه الأجهزة تابعة لجيش الجنوب العربي .. ولكن المخابرات البريطانية تدخلت على الفور وأمرت بإطلاق سراح الرجال مع أجهزتهم وتركهم يتابعون سفرهم إلى الجهات التي يريدونها غير أن الضباط العرب أتصلوا بالزعيم داي قائد جيش الجنوب العربي .. وأبلغوه أنهم ضبطوا أجهزة لاسلكي تابعة للجيش بأيدي رجال ينتسبون للجبهة القومية .. فأمر بإطلاق سراح الرجال والأجهزة .. ووعد بالتحقيق في الحادث .. بعد الإتصال بضباط أركان الإدارة والتموين في الجيش .. وقد أتصل الزعيم داي بالضابط المسؤول عن مستودع أجهزة اللاسلكي ( صالح قاسم عقربي ) وهدده بالطرد إن هو تحدث عن الأجهزة التي أمره بصرفها .. وطويت القضية .. وأخذت المؤامرة مجراها ..

وهناك العديد من هذه الحوادث الصغيرة في مظهرها .. الكبيرة في مدلولها .. وقد سجلتها هنا كـإيداع جديد ضمن الرصيد الضخم للمخابرات البريطانية في الجنوب العربي ..

إني أشعر بالتقزز عندما أكون منهمكا في فحص هذه الوقائع ويأتيني صوت المذيع من عدن .. وهو يقرأ علينا صفحة زائفة من نضال الجبهة القومية .. التي قذفت بالحكم البريطاني في البحر العربي .. وتركته يغرق هناك بعد أن عجز عن السباحة إلى الجزر البريطانية .




عبدالله الجابري





رد مع اقتباس
  #49  
قديم 12-15-2010, 12:26 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة



اللحم المصبوغ بالعسل ، والمؤامرة


- 13 -

في 9/7/1967 م طلب المندوب السامي البريطاني من المقدم علي عبدالله ميسري . أن يذهب إلى دثينة في إجازة .. وصرف له مبلغ سبعة ألاف دينار من الأموال الخاصة بتطوير الولايات .. وأسند إليه القيام بتنظيم مسيرة ضخمة تقودها الجبهة القومية من مودية إلى لودر في بلاد العواذل .. وتهدف هذه المسيرة حسب ( الخطة المشتركة ) إلى زعزعة السلطة المحلية في الولايات .. وإرهاب الحكام وإقسارهم على اللجوء إلى عدن .

وقد نظمت هذه المسيرة المسلحة بالفعل بعد يومين .. وكانت تتقدم الركب سيارة ( لاندروفر ) تحمل مدفعا ثقيلا ( 106 ) ، وكان قد سحب من مستودعات الجيش مع عشرة مدافع أخرى من نفس النوع والعيار .. وسلمت للقيادات الرئيسية التابعة للجبهة القومية ..

وكان التحول البريطاني إلى جانب الجبهة القومية . قد لوحظ على نطاق واسع في هذه المناطق التي نظمت فيها المسيرة المسلحة .. بحيث أن الإدارة المحلية التابعة للسلطنة العوذلية عجزت عن تنظيم أي مجابهة ذات وزن لقادة المسيرة .

ومن الواضح ، أن بعض رجال الإدارة المحلية - وقد لاحضوا التحول الفجائي - أخذوا يفكرون في إحتلال مواقع مناسبة في النظام الجديد .. وهذا يتطلب من كل منهم أن يسجل سابقة واضحة . تثبت على الأقل أن لم يبذل أي جهد للدفاع عن النظام القديم ..

وكان رد الفعل الوحيد الصادر عن السلطنة جوابا على هذا التحدي الضخم الذي واجهته . هو شكوى متواضعة تقدمت بها ضد المقدم علي عبدالله ميسري لرئيس المجلس الأعلى ووزير الدفاع الإتحادي .. وفي ذلك الوقت لم يكن وزير ورئيس المجلس الأعلى في وضع يمكنه من إنزال العقوبة المناسبة بضابط صغير تحت إمرته كـعلي ميسري .. ومن ثم فقد تأبط الشكوى ذاتها إلى دار المندوب السامي ولسان حاله يرد قول الشاعر العربي (( فيك الخصام .. وأنت الخصم . والحكم )) .

ولأن أقوال الإنجليز لا تعبر دائما عن حقيقة نواياهم .. وملامحهم لا تعكس عادة ما يجول في نفوسهم . ولأن (( الكلمة الطيبة لا تكلف مالا )) كما يقول المثل الإمريكي .. فقد أستطاع المندوب السامي أن (( يكلفت )) المسألة ..

ويقنع وزير الدفاع الإتحادي بتفويضه في حل المشكل ..
.. وبدلا من توقيف الميسري بجوار الحائط .. وإطلاق الرصاص عليه كـخائن للنظام الذي أقسم بربه . وشرفه أن يذود عنه .. أرسل المندوب السامي المستر هبربرسي ضابط المخابرات البريطاني .. لإقناع نائب السلطان العوذلي بسحب الشكوى . المقدمة ضد الميسري .
وقطعا . لم يكن نائب السلطنة العوذلية في حالة نفسية تمكنه من الصمود أما رجل يعرف أنه يطلب شيئا . فذلك يعني أنه يأمر به .. كما يقول الجنرال ديجول ..

وسحبت الشكوى .. وعندما سقطت السلطنة العوذلية بعد لم يحتل حادث سقوطها في الوجدان العام أكثر من الحيز الذي يشغله حادث إنفجار قنبلة في الشارع العام !

وكان هبربرسي الذي يصبغ له العوذلي (( اللحم بالعسل )) هو من سدد الضربة الميتة للسلطنة . والسلطان .. لا جعبل أم شعوي أو علي ميسري هما من أنجزا هذا .



- 14 -

بالإتفاق مع المندوب .. وفي نطاق التطبيق الفعلي ( للخطة المشترطة ) الوارد ذكرها في الحلقة الثالثة من هذه الدراسة .. وبتاريخ 25/7/1967 م أرسل المستر هبري برسي ( إياه ) ضابط المخابرات . والمسئول عن المنطقة الشرقية ( حضرموت والمهرة ) وسمرفليد ضابط المخابرات والمسئول عن المنطقة الغربية .. أرسلا ثلاثة آلاف بندقية صنع بليجيكي وهو النوع المرغوب والمحبوب عند قبائل الجنوب .. وكذلك ( 200 ) صندوق ذخيرة لهذه البنادق .. أرسلوها إلى عتق حيث يوجد العقيد حسين عثمان عشال .. والمقدم مهدي عشيش اللذين كانا مسئولين عسكريين فيما يدعي الآن بالمحافظة الرابعة ..

وفي 27/7/67 قام المستر هبربرسي بنفسه برحلة إلى هذه المناطق حيث أشرف على توزيع هذا السلاح على القبايل بالإضافة إلى بعض الأموال المسحوبة من صندوق تطوير الولايات .. وقد بقي في هذه المنطقة أكثر من ثلاثة أسابيع يتجول بين القبائل بصحبة العقيد عشال قائد الجيش الحالي والمقدم عشيش رئيس هيئة الأركان .. ولم يعد هبربرسي إلى عدن إلا بعد أن أنشأ منظمة محلية تعمل بإسم الجبهة القومية في هذه المنطقة .. وأما قبل هذا التاريخ فلم يكن إسم الجبهة القومية يعرف في هذه البلاد بإسثناء بعض معلمي المدارس الإبتدائية الذين يتثقفون بواسطة نشرات مكتب الإعلام في السفارة الصينية بصنعاء .


- 15 -

وفي نفس التاريخ تقريبا . أرسل المندوب السامي المستر سمرفيلد إلى الضالع للإجتماع بالأمير شعفل بن علي .. وهذا الأمير رغم بداوته .. إلا أنه يتميز بالصلابة .. وقد تمرس بالمشكلات من جراء المقارعة المستمرة بينه وبين قبائل ردفان الشديدة التلهف للعنف . والمتطلعة دوما للإستقلال بأمورها عن الضالع .. كما أنه - أعني الأمير - كان عرضة خلال السنوات الأربع الماضية للحملات الدعائية من راديو صنعاء والقاهرة . بإعتباره العميل البريطاني الذي تضرب قبائل ردفان بالصواريخ تحت رايته ..

وهكذا فعندما نصحه المستر سمرفيلد عن لسان المندوب السامي أن ينتقل بعائلته إلى عدن رفض تماما الإمتثال هذه النصيحة ..

وهنا لم يجد الرسول البريطاني بدا من إطلاق كل ما لديه من الذخيرة على الأمير .. فأبلغه أن بريطانيا لن تكون مسئولة عن حمايته إذا ما تعرض للأذى .. على أيدي من دعاهم بالثوار ..

وربما لأول مرة يفتقد مسئول بريطاني قدرته على التحدث بلغة كـمبردج الرفيعة المهذبة .. فكان التبليغ جافا كـورقة العشر المشموسة .. والعادة أن تكون أحدايث أي مسئول بريطاني كـقمة ( كلمنجارو ) .. رقيقة .. وكأنها تدور في صالون (( مدام بوفاري ))

ولو لم يكن سمرفيلد في عجلة من أمره .. ولو كان يؤمل المثول مرة اخرى على مائدة الأمير التي يصبغ فيها (( اللحم المشوي بالعسل )) . لتصورته يقول ..

(( إذا فشلتم سموكم في الإقتناع بنصيحة المندوب السامي لصاحبة الجلالة .. فإن بريطانيا لسوء الحظ .. لن تكون في وضع يمكنها من تقديم العون لكم فيما لو تعرضتم للمتاعب .. . ورغم إني شخصيا أعطف تماما وكليا على موقفكم إلا أنكم لا بد وأن ترون أن مركزي الضعيف .. لايسمح لي بالتأثير في الأحداث لمصلحتكم )) ..

وفي نهاية اللقاء العاصف مع الأمير .. كان سمرفليد ينحني بإحترام للضحية التي جاء إلى الضالع لإطلاق النار عليها .. ولا مكان للغرابة هنا .. فالبريطاني .. أي بريطاني .. حتى عندما يريد قتلك .. يقول (( سأكون شاكرا .. وممتنا من السيد فلان ابن فلان الفلاني .. لو تفضل بالوقوف ووجه للحائط )) .

.. لا مكان عندهم للإنفعالات .. ولا مكان للوساوس الخلقية .. وهم يمضون لتحقيق مصالحهم بلطف .. ولكن بثبات .. ولا يهم أن يصبح صديق الأمس عدو اليوم .. فالأمور لا تؤخذ عندهم بحساب العواطف .. ولكن بحساب المصالح .. ولا يهم كذلك أن يضعوك في مأزق .. أو حتى في مصيبة المهم فقط أن يتخلصوا هم من المأزق .. وأن ينالوا أفضل النتائج بأقل التكاليف .. وللعمال سوابق في الهند .. وفلسطين .. وبلدان أخرى .. لا حاجة لمتابعتها . لأن هذا يقع خارج نطاق السياق ..

وبتاريخ 2/8/67 .. أرسل المستر سمرفيلد شحنة من السلاح والذخيرة على طائرة ( بفرلي ) إلى الضالع حيث سلمت لـعلي عنتر بواسطة الرائد أحمد مسعود حسني الذي كان في مركز الضالع .. وأرسل كذلك تعليمات محددة للعقيد أحمد محمد بن عرب قائد منطقة الضالع المتمركز في الحبيلين يأمره فيها بعدم التعرض لأية ثورة قد تنشب ضد الأمير بقيادة الجبهة القومية ..



عبدالله الجابري





رد مع اقتباس
  #50  
قديم 12-18-2010, 05:56 AM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة



الرفض الجماعي للحكم


لا مجال هنا للاجتهاد فنحن فقط نقدم الوقائع مجردة .. وسيأتي قطعا دور التعقيب عليها ومراجعة مدلولها وتقديم النتائج التي ترتبت عليها .. ومن الحقيقي أن بعض أوراق التاريخ غير ممتعة .. فنحن لا نؤلف رواية من الخيال لنحرص فيها على اكتمال الشروط الفنية .. وتوزيع الأضواء . والظلال بين مواقف الحق . وصور الجمال .. إننا نكتب عن فترة غير مشرقة من حياة شعبنا .. ودورنا اليومي للأحداث دون التدخل في مجراها ..

في 9/8/1967.. أرسل المستر ديلي سياراتي شحن بالأسلحة والذخيرة من معسكر ( ردفان كمب ) في خور مكسر .. وأرسلهما إلى قيادة الجبهة القومية في زنجبار لتسليمهما لسالمين ربيع .. وقد قبض على هذه الأسلحة والذخيرة في نقطة العلم الساحلية . الواقعة بين إمارة الفضلي . وعدن .. ولم يظهر الرجال الذين احتجزوا مع الأسلحة في نقطة التفتيش أي درجة من القلق .. فقالوا ان هذه الأسلحة سلمت لهم من ( فلان ) المستر ديلي .. وطلبوا الاتصال به للتوثق من صدق روايتهم وعندما أحيط المستر ديلي علما بما حدث . هرع على الفور إلى نقطة العلم .. وأمر بترك الرجال والأسلحة يتابعون طريقهم .. ولم تغب شمس ذلك اليوم . إلا والأسلحة في حوزة سالمين ربيع ..

وفي 22/8/1967أستدعى نائب المندوب . المقدم سالم عبدا لله قطيبي الذي كان مسولا في لحج . وطلب منه بحضور الزعيم داي قائد جيش الجنوب العربي . طلب منه أن يتصل بالأمير عبدا لله بن علي نائب سلطنة لحج ، ويخبره أنه لا ستطيع حمايتهم .. وأن عليهم مغادرة لحج مع أسرهم إلى مدينة الإتحاد في منزل فضل بن علي .
وليس بمقدوري الجزم بنوع المقاومة التي أبداها نائب السلطان .. ولا رد الفعل الصادر عنه .. غير أن الأكيد .. الأكيد أن عبدا لله بن علي أمتثل لهذا الأمر .. وليس في طاقته أن يفعل غير ذلك .. ليس في طاقته الشيء الذي لم يكن في طاقة غليوم عام 1918 .. عندما تبلغ من لودندروف أن الجيش الإمبراطوري خسر الحرب .. فكان لا بد من توقيع وثيقة التنازل .. أو بلغة التشبيه . تناول العلاج الأشد مرارة .

وبعد أربعة أيام من هذا التاريخ .. 26/8/1967 ذهب الكولونيل شبلين الوكيل الدائم لوزارة الدفاع الاتحادية .. ذهب إلى مكتب السلطان فضل بن علي وزير الدفاع .. وأبلغه أن لديه من الأسباب ما يدعوه إلى الاعتقاد بقيام مظاهرات ضخمة في مدينتي الشيخ عثمان والإتحاد .. وأن هذه المظاهرات قد تتطور إلى اشتباكات مسلحة .. وعلى هذا فإن شروط السلامة في عاصمة الإتحاد . قد تدنت إلى الحد الذي لا يمكن معه تأمين الحماية الضرورية لوزير الدفاع .

ولست أعرف ماذا قال وزير الدفاع الاتحادي .. ولكن ما أعرفه أن الهزيمة النفسية كانت قد حلت بوجدان المسئولين في الإتحاد . بحيث لم يعد في ميسروهم اختيار مصير آخر غير الذي يرسمه لهم البريطانيون .. وقد نقل السلطان فضل في نفس اليوم مع عائلته إلى منزل آخر بخور مكسر .. ولكن المندوب السامي لم يرضى عن هذه النتيجة .. فنظم ملاحقة جديدة في الليل لوزير الدفاع .. وأرسل له وكيل وزارته الكولونيل شبلين ليطلب منه - بقصد تأمين حمايته طبعا - الانتقال إلى المطار الحربي في خور مكسر حتى يرحل في الصباح مع عائلته .. المنزل لم عد مأمونا رغم أنه محاط بشبكة هائلة من معسكرات الجيش البريطاني .

وقد أنجز شبلين المهمة الموكلة إليه . ونقل وزير الدفاع إلى المطار الحربي .. وفي الصباح الباكر من يوم 27/8/1967 .. كنت طائرة بريطانية تقله مع عائلته إلى خارج البلاد .

شخصيا عندما تمر بي هذه الوقائع .. وعندما أعود لتسجيلها ألان فإني أنفق نصف المجهود على الكتابة .. والنصف الآخر على مقاومة ميلي الشديد إلى (( القهقهة )) ..
لأن الضحك الشديد يؤذي عضلات الصدر .. وصحتي عموما لا تحتمل هذه الدرجة من الأذى .. والذين يحبونني - وهم قليل - يشعرون بالهلع وهم يرون الموت يقوم ببعض الحفريات في عضلات وجهي .. وسلخ اللحم من عظام جسمي بالتدريج .. كما يفعل بائع (( الشاورمة )) .

وإذا كنتم ألان تقهقهون .. أو حتى تبتسمون .. فحذار أن تنسوا الابتسامة مرسومة على شفاهكم . كما يفعل المداهن عندما يلتقي بإنسان مرموق يرجو منه فضلة خير .. امسحوا هذه الابتسامات .. وتذكروا أن ما حدث في الجنوب العربي .. هو شيء نادر الحدوث في أي مكان آخر من العالم .. انه لا يخضع لقانون ( تكرر الحدوث والوقوع في التاريخ ) كما يقول نورث هوايتهد ..

حوادث فريدة سنتعلم منها _ إذا كانت لدينا قابلية للتعليم _ ما لم نتعلمه من تجارب الأجيال السابقة .. على عمقها .. وضخامتها ..


- 17 -



بدأت سلطة إتحاد الجنوب العربي في الانهيار تماما مع مطلع شهر أكتوبر عام 1967 وكانت المخابرات البريطانية بالتعاون مع دائرة المندوب السامي تلاحق بشكل متواصل بعض الجيوب في الإدارة الاتحادية والولايات التي لا تزال تحدوها بعض الآمال في الصمود .. وكانت هذه الجيوب لا تعرف طابع المخطط البريطاني ... ولكنها تحس به في النهاية عندما يلقي بثقله ضدها .

وقد اتضحت مسألة انهيار السلطة الاتحادية للشيخ على مسعد البابكري رئيس المجلس الأعلى لشهر ( 9 ) .. ومن ثم فقد هرع إلى مكتب الزعيم داي القائد البريطاني لجيش الجنوب العربي بتاريخ 1/9/1967 وأبلغه أن حكومة الإتحاد لم تعد قادرة على الاضطلاع بالحكم .. نتيجة للتصدع الواضح فيها .. وانهيار بعض الأجهزة . وانقسام الرأي العام وتكاثف الأسباب الموحية باندلاع حرب أهلية .

وبالاستناد إلى هذه الأسباب جميعا فقد عرض الشيخ علي مسعد بصفته رئيس المجلس الأعلى أن يسلم السلطة لجيش الجنوب العربي .. وربما لم يجل بخلد هذا الشيخ الذي أنغمس كـغيره في التعاون مع الحكم البريطاني .. لم يجل بخلده أن بريطانيا تبيت لهم وللجنوب نهاية مفجعة .. تفوق في تعاستها ما يجول عادة في وجدان الحاقد الموتور .

وقبل إعطاء الشيخ علي مسعد جواب محدد .. طلب الزعيم داي مهلة إلى اليوم الثاني حتى يناقش هذا ( العرض ) مع الضباط العرب .. في الجيش .. والتمس من رئيس المجلس الأعلى .. عدم الخوض في هذا الشأن مع شخص آخر قبل أن يتصل به ثانية خلال ( 24 ) ساعة .

وفي الحال توجه الزعيم داى إلى دار المندوب السامي .. وأبلغه بعرض الشيخ علي مسعد بحضور ضابطين عربيين كانا موضع ثقة داى . ولأن مثل هذا العرض لا يتفق وأغراض الخطة المشتركة التي أتفق عليها مع قحطان والضالعي وهيثم وفيصل وعبدا للطيف وبقية الضباط الذين ذكرناهم في الحلقات السابقة .. فقد طلب المندوب السامي ( تري فيليان ) من الزعيم داى ترتيب ( عملية رفض جماعية ) من الضباط العرب لمثل هذا العرض ... وعلى الضباط الأكثر تفهما ( لأهداف خطتنا ! ) تزعم عملية الرفض .. ومعارضة من يشعر بالرغبة في قبول استلام السلطة .. وقال المندوب السامي ( محللا النتائج ) .. وإذا تحقق الرفض فإن السلطة ستسلم لنا - للمندوب السامي - وهذا يسهل أمامنا خطة تسليمها للجبهة القومية حسب الاتفاق ..

وبدون أية صعوبات تستحق الذكر .. ففي اليوم التالي رفض جيش الجنوب العربي استلام الحكم في الجنوب وقد قدم إليه على طبق من ذهب .. ليس لأنه لا يوجد ضمن هذا الجيش الطموح الراغب الأبهة والسلطان .. ولكن لأن ( الأسياد ) لقنوه من خلف كواليس المسرح ما ينبغي عليه أن يقول .. وقد فعل ..

والآن وأنا أحاول تعليل بواعث هذا الرفض من بعيد .. فإنه لا يخالجني أدنى مقدار من الشك أن الغالبية العظمى من الضباط رفضوا .. لسبب أوحد وحيد وهو أن بريطانيا أمرتهم بالرفض .. ففعلوا ما أمروا به .. وقد نمت قابلية الطاعة لما يصدر عن المستعمرين البريطانيين عبر أجيال من الإخضاع الجسمي .. والنفسي .. وليس هناك ما هو أسوأ من استعباد المرء نفسيا .. وإدامة هذا الاستعباد وتثبيته بمختلف الوسائل .. والأساليب . بحيث يستعصى على الشخص الخاضع للاستعباد مقاومة الإيحاءات الصادرة إليه .. أو حتى أن يكلف نفسه مشقة النظر فيها .. ومراجعتها .. و تمحيصها ..

وفي 1967/9/24 عقد مؤتمر موسع برئاسة المندوب السامي .. وحضور بعض رجال الجبهة القومية وبعض ضباط الجيش والأمن العام . وضباط المخابرات البريطانيون ... لدراسة السبل المؤدية إلى التغلب على العناصر العسكرية من جبهة التحرير ورابطة الجنوب العربي .. المتمركزة بقوة في مناطق دار سعد . والشيخ عثمان .. والقاهرة والمنصورة . وكان رجال التحرير أكثر عددا وعدة في هذه المناطق من رجال الرابطة .. لأن المخابرات المصرية ألقت بكل ثقلها هناك بقصد تركيز التحرير بالقرب من عدن .. وكان الرابطيون .. قد تعرضوا لسلسلة طويلة من

التصفيات في عدن .. على أيدي البريطانيين .. ورجال جبهة التحرير .. والجبهة القومية . وكانت هذه الأطراف تعاديهم ولكل أسبابه الخاصة .. وكان الرابطيون يفتقرون إلى السلاح . وكان مصدر تمويلهم هو ما يحصلون عليه عن طريق الشراء من اليمن ..

وكان نفوذهم الشعبي في عدن قد تقلص إلى حد كبير بسبب الحملات الدعائية التي تشن عليهم منذ عدة أعوام بواسطة المخابرات المصرية .. وقد صمدوا للعديد من الضربات .. وكانت أبرزها .. هجوم القوات البريطانية على مقرهم في عدن .. والاستيلاء علبه بعد قتال مرير دام يوما واحدا .. وإحراق هذا المؤتمر تماما واعتقال أكثر من مائة رجل كانوا يدافعون عنه ..

وبالإضافة إلى ذلك كانت القيادة الرابطية في المنفى تؤمل أن يصغى الجميع السمع إلى دعوتها بالوحدة الوطنية .. وتكوين حكومة انتقالية تتولى استلام سلطة السيادة والحكم من بريطانيا .. وإعداد دستور للجنوب في مرحلة
الانتقال وإجراء انتخابات عامة خلال مدة لا تزيد عن عامين .

كذلك كانت القيادة الرابطية تراهن على ورقة معينة ... وهي ألا تلوث يدها بالدماء في سبيل الحكم .. طالما أن الاستقلال أضحى مسألة مقررة .. وفي اعتقادها أن الجامعة العربية ستفرض ائتلافا بين كل الأحزاب .. ولن تعترف بأية جماعة تحاول اغتصاب الحكم بقوة السلاح . واضطهاد الجماعات الأخرى ..

أما بالنسبة للتحرير فقد كان الأمر مختلفا أشد الإختلاف .. فقد كانت تصر على أنها الممثل الوحيد للشعب . وكانت المخابرات المصرية تدعم وجهة النظر هذه . وتحشد المزيد من الرجال والسلاح في الشيخ عثمان والمنصورة والقاهرة ودار سعد .. استعدادا لجولة حاسمة مع الأحزاب المنافسة المتطلعة إلى المشاركة أو الإنفراد بالحكم ..

وكانت المشكلة التي واجهت المؤتمر الذي ترأسه المندوب السامي هو تصفية هذه المناطق من الأحزاب المضادة للجبهة القومية .. وكـخطوة أولى أتفق على أن تزيد الجبهة القومية من تركيز رجالها في حي الشيخ عثمان .. وستتولى المخابرات البريطانية تسليحهم ودفع المكافآت المناسبة لهم .. كما أتفق كذلك على أن يقوم الجيش البريطاني في اليوم التالي بحملة واسعة في مدينة الشيخ عثمان والأحياء المجاورة بقصد إضعاف شوكة ما أطلق عليه الأحزاب المضادة للجبهة القومية .. وقد نفذت هذه الحملة العمل بتاريخ 67/9/5 ولكنها لم تسفر عن نتائج مرضية .. فقد دمرت الدبابات خمسة عشر عمارة .. وسقطت أعداد من القتلى في الشوارع . ولكن الضربة لم تكن مميتة إطلاقا .. لا بل إنها ظهرت في اليوم التالي كما لو أنها عجزت عن أن تكون مؤذية .. مع ضخامة الفارق بين حالة الموت وحالة التعرض للأذى ..




عبدالله الجابري





( انتهى )




رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:45 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
الحقوق محفوظة لدى منتديات مركز صوت الجنوب العربي (صبر) للحوار 2004-2012م

ما ينشر يعبر عن وجهة نظر الكاتب أو المصدر و لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة