قائمة الشرف



العودة   منتديات مركز صوت الجنوب العربي (صبر) للحوار > قسم المنتديات الأخبارية و السياسية > المنتدى السياسي

القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن

عاجل



آخر المواضيع

آخر 10 مواضيع : الأثنين القادم فعالية تأبين كبرى لـ«فقيد» الوطن اللواء د عبدالله أحمد الحالمي في عدن (الكاتـب : nsr - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1378 - الوقت: 12:13 AM - التاريخ: 07-04-2024)           »          الرئيس الزبيدي يلتقي دول مجلس الأمن الخمس في الرياض (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 15585 - الوقت: 03:28 PM - التاريخ: 11-22-2021)           »          لقاء الرئيس الزبيدي بالمبعوث الامريكي بالرياض ١٨ نوفمبر٢٠٢١م (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 6727 - الوقت: 09:12 PM - التاريخ: 11-18-2021)           »          الحرب القادمة ام المعارك (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 12180 - الوقت: 04:32 AM - التاريخ: 11-05-2021)           »          اتجاة الاخوان لمواجهة النخبة الشبوانية في معسكر العلم نهاية لاتفاق الرياض (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 6308 - الوقت: 05:20 AM - التاريخ: 11-02-2021)           »          اقترح تعيين اللواء الركن /صالح علي زنقل محافظ لمحافظة شبوة (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 6086 - الوقت: 02:35 AM - التاريخ: 11-02-2021)           »          ندعو لتقديم الدعم النوعي للقوات الجنوبية لمواجهة قوى الإرهاب (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 6117 - الوقت: 08:52 AM - التاريخ: 10-31-2021)           »          التأهيل والتدريب (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 5988 - الوقت: 04:49 AM - التاريخ: 10-29-2021)           »          الرئيس الزبيدي يجري محادثات مع وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 6807 - الوقت: 12:56 PM - التاريخ: 10-27-2021)           »          تحرير ماتبقى من اراضي الجنوب العربي (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 6308 - الوقت: 02:53 AM - التاريخ: 10-15-2021)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #71  
قديم 12-02-2010, 10:15 AM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة



الثورة المضادة ، أو الملهاة

لقد أنتهت الرحلة (( عبر سنوات الشدة )) وآن لنا أن نثمن حاصلها ونربط النتائج بالمقدمات .. وقد بدأت المعالجة _ كما تذكرون _ كرد على دعاوى
(( الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل )) بأنها (( أكتسبت الشرعية في الحكم بالقتال ضد الإستعمار )) ..

وفي مطلع تناولنا للمشكلة قلنا أن هذه الحكومة غير شرعية .. وأن علينا التأهب لتصفيتها لئلا يؤدي إستمرارها في الحكم إلى تفاقم الأحوال القائمة في الجنوب العربي . وترديها نحو الأسوأ ( كل عام ترذلون ) ..

وإذا كانت البعرة تدل حقا على البعير .. ومن المقدمات يمكن إستخلاص النتائج . فإن الجبهة القومية . هي أداة إغتصاب لحق الشعب . وإغتيال لأمانيه . قدمت الدليل خلال سبعة أشهر من حكمها على أنها داعية (( إنهيار عامل وشامل )) لشعب الجنوب العربي في كل جوانب حياته الإجتماعية ، والإقتصادية ، والسياسية . (( والخلقية )) .

وقد قصصنا عليكم ، وقدمنا الأدلة الموضوعية للوصول إلى ذهن المطلع
(( بالحقائق .. ولا شيء غير الحقائق )) .. وقرأنا معا تاريخ الجبهة القومية .. كيف نشأت ؟ . متى كان ذلك . ؟ ولأي غرض ؟ .. ومن الذي قاتلته ؟ .. ما هدف رجالها .. ؟ ما نوع عقائدهم ؟ .. وفندنا كذالك دعاواهم بشرعية وجودهم في الحكم .. ومن السياق نفسه أعني من سياق الوقائع .. عثرنا على الأدلة . بأن
(( تنظيم الجبهة القومية )) .. ليس أكثر من أقلية متآمرة .. نالت دعما خارجيا .. لتفجر صراعا مسلحا في الجنوب العربي .. وبالتالي إكتساب نقطة وثوب جديدة في جزيرة العرب توصلا إلى الأهداف الأكثر حيوية في هذه الجزيرة .

وبصورة عامة فإن (( الشيوعية )) خلال السنوات الثمان الماضية أحدثت تغييرات في بعض تكتيكاتها .. وأدخلت تحسينات مهمة على وسائل عملها .. ومن ضمن هذا التجديد في (( الإستراتيجية )) (( التسلل )) إلى الصفوف الأمامية في حركات التحرر الوطني المناهضة للإستعمار .. وتحويل وجهتها من
(( ثورات تحررية وطنية )) إلى ثورات شيوعية ماركسية ..

وعن طريق هذا (( الإنقلاب )) في الإستراتيجية حدثت تحولات جذرية لصالح
(( الشيوعية )) في المجتمعات المتخلفة .. والبلدان التي كانت خاضعة لنير الحكم الإستعماري .. بمعنى آخر أن (( الشيوعية )) من حيث هي (( عقيدة توسعية )) أحرزت قطعا بعض الإنتصارات الأولية المحسومة من أجزاء تبنيها النهائي لحركات الكفاح ضد الإستعمار .. وأستطاعت تصعيد الرصيد الشعبي
(( لعملائها )) بإعتبارهم دعاة أكثر أساليب النضال تطرفا .

وأظنكم تذكرون المواقف الشائنة للحزب الشيوعي الجزائري .. الذي ظل يعارض (( الثورة الجزائرية المجيدة )) ويندد بأبطالها .. ويصمهم بالبرجوازية والخيانة للوطن الأم ( فرنسا !! ) .. ويضع في طريقهم كل العوائق والمثبطات على أرض الجزائر نفسها .. حتى عام ( 1960 ) .. وعندما أصبحت الثورة على مشارف إنتصارها النهائي .. أعلن إنتسابه إليها .. ليصبح رجاله غداة الإستقلال أكثر إنتشارا في ( جهاز الثورة ) وخصوصا أجهزة ( الفكر و الإعلام . والجيش ) ..

وإلى قبل عام ( 1960 ) كان الجزائريون يموتون بالمئات .. ويسخون بالألوف من شبابهم .. في سبيل الغاية الكبرى (( التحرر وإبراز الوجه العربي المسلم لشعب الجزائر )) .. وكان الشيوعيون الجزائريون .. يسكرون في حانات باريس .. على حساب ( موريس توريز ) رئيس الحزب الشيوعي الفرنسي
( مات الآن ) ويصدرون البيانات تصم الثوار بالخيانة .. والبرجوازية .. وعقوق الوطن الأم ( !! ) .

وبالطبع فإن الشيوعية _ كما نرى _ أضحت _ منذ 51 عاما
(( وجودا دوليا )) له ثقله في العالم .. وله مصالحه .. فهي ليست مجرد عقيدة تشق طريقها بالحق الطيب وحده .. ولكنها ( دولة تنشر عقيدتها بالعنف ) .. وتقوم بتوفير أسبابه لرجالها ( المال والسلاح والتدريب والتكتيك ) ..

وسر التحول في موقف الحزب الشيوعي الجزائري وإنتسابه في الساعة الثالثة والعشرين إلى ثورة الجزائر الظافرة .. هو كما قلنا إستجابة طوعية
(( للإستراتيجية )) السوفياتية الجديدة ...

ففي التقدير (( العقائدي )) الذي قدمه (( ميخائيل سوسلوف )) فيلسوف الحزب الشيوعي السوفياتي .. تأكيد على عدة أمور حيوية هي كما يأتي :
• أ - ان وجود الرادع النووي مع الرأسمالية في العالم ( الولايات المتحدة وبريطانيا ) .. يجعل من المستحيل عمليا ونظريا القضاء على الرأسمالية . وتغليب الإشتراكية بالقوة المسلحة .. لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إشعال حرب حرارية نووية ، تؤدي إلى القضاء على (( الأساس الحضاري )) الموجود للجنس البشري .. وبالمقابل فإن الرادع النووي الذي تمتلكه القوى الإشتراكية
(( الشيوعية )) يؤمن صيانة دائمة وردع للقوى الرأسمالية من التفكير في إشعال الحرب ..
• ب - وإذن فمن الوجهة السياسية يكون ممكننا وعمليا القبول
( بالتعايش السلمي ) مع الأنظمة الرأسمالية ... بإعتبار أن القضاء على هذه الأنظمة سيؤدي كذلك إلى تدمير متبادل .. وتعطيل للقوى الشيوعية المتصاعدة .. وإفناء للجنس البشري كله .
• ج - ان التعايش السلمي مع توفير (( الرادع )) من التفكير في الحرب يعني كذلك إطلاق يد كل القوى التقدمية في العالم لتقوم بتقليص مساحة الوجود الرأسمالي .. والإستعماري ومحاصرته نهائيا في معاقله الرئيسية
( أميركا وغرب أوربا ) .
• د - وعليه فإن حركات التحرر الوطني والنضال القائم ضد الإستعمار في افريفيا وآسيا .. يشكلان أملا مزدهرا في الجسم الإستعماري الرأسمالي .. وحرمان له من مراكز خاماته .. وسواق تصريف منتجاته . وهي التحليل النهائي عملية إضعاف للبنية الإستعمارية الرأسمالية .. وتعريضها للتوتر .. والإنهاك .
ومن إندفاع الإستعمار في المقاومة ضد وجوده .. وإمتيازاته في المناطق التي يسيطر عليها .. ومن تأييدنا التام والمطلق لكفاح هذه الشعوب ضده .. ومع اليقين التام بأن حركات التحرر الوطني ستبلغ النصر في النهاية وستجبر الإستعمار على التسليم والرحيل .. فإن النتائج المتوقعة هي تصاعد باهر لقوى التقدم وتقديم للطلائع الماركسية في كل مكان من تعزيز مواقعها .. بحكم تصدرها ( !! ) لأعمال المقاومة البطولية ضد الغزاة والمستعمرين والرأسماليين الأجانب !
• هـ - ومع أنه يفترض أن الطلائع (( الماركسية اللينية )) ستعمل عادة ضمن شعوب لا يزال الدين يحكم وينظم ويسيطر على الكثير من مشاعرها وإتجاهاتها .. فإنه يتوجب (( على الماركسية )) أن تلقي بهذه القضية خلف ظهرها تماما (( فالدين لم يعد ظاهرة صراعية في العالم ! )) .. ان منطلقات الصراع وحوافزه .. تتمثل في المطالب اليومية لإنسان القرن العشرين .. في الطرق المرصوفة جيدا .. وفي وفرة السلع الإستهلاكية .. وتوفير العلاج والعمل للناس .. وهذا مانعد دائما بتحقيقه .. وما يتوجب على الطلائع الماركسية أن تجعل منه حجر الزاوية في دعايتها .. ومحور جدالها مع الجماهير الغفيرة التي تعمل معها .
إن للشيوعيين كما نرى عقول تفكر جيدا .. وتحسن كيف تضع الخطط ذات المفعول الثابت .. والطويل المدى .. ( اني أكتب معتمدا على الذاكرة لعدم توفر المراجع ) .. وبوسع المرء دون مشقة بالغة أن يلمس كيف يندفع المئات من الناس في طول العالم وعرضه للهجوم على مجتمعاتهم .. وتخريب بلدانهم .. وإشهار السلاح ضد أخوتهم في الدم والأرض .. والمعتقد .. لخدمة الإستراتيجية الشيوعية السوفياتية .. والآن الصينية أيضا ..
وما كان هذا ليحدث لو لم يوجد رجال لهم هذا القدر من الإحاطة والتأثير على الوجدان الإنساني مثل (( سوسلوف )) ..

وإذن (( فالجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل )) تمثل الصيغة المحلية التي يطرح بها الوجود الدولي الشيوعي نفسه في جزيرة العرب . أكثر مما هي طلائع الإنطلاق والتجديد في حياة الأمة العربية المعاصرة .. ان الإتجاه الأخير تمثله قوى أصيلة نابعة من صميم الجنوب العربي مستوحية أهدافه في نضالها .. هذه القوى لازالت للآن تتلمس طريقها إلى عقول وقلوب الجماهير في الجنوب العربي .. التي تعرض وجدانها للتلويث .. وأهداف نضالها ضد الإستعمار للتشويه على يد (( الأقلية الماركسية العميلة )) .

وصفوة القول .. أو النتيجة بالإجمال هي أن (( الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل )) من صفحات تاريخها .. ومن وقائع سلوكها اليومي .. وطرائق تعاملها مع شعبنا خلال سبعة أشهر من حكمها .. تقدم أدلة لا تحصى على أنها
(( نضالا وفكرة )) شيء دخيل في حياة شعبنا .. وأداة إفساد لكل جميل وجليل في حياة هذا الشعب ..

وبالطبع فإن المرء إذا أغتصب ما ليس له .. بالقوة مثلا ... فإن (( الحفاظ )) على هذا الشيء المغتصب يكلف من الطاقة أكثر مما يكلف من الجهد حين وقوع عملية الإغتصاب ..

ومهما بلغت قبضة المغتصب من الشدة ، فإن الوهن يتسرب إليها بمرور الوقت .. فالحكومة المكروهة ، لا تستطيع أن تحتفظ بوجودها .. وعلاقاتها في حالة توتر دائم مع المجتمع الذي تحكمه .. إن هذا يناقض طبائع الأشياء ..

لذلك فأن الأقليات التي تصل إلى (( السلطة )) بالإرهاب .. والتآمر مضطرة إلى خلق عناصر صراع جانبية لغرض إمتصاص النقمة وتحويل وجهتها ..

وهذا ما يحدث اليوم في الجنوب العربي .. إذن (( الملهاة )) اليوم في الجنوب العربي إسمها (( الثورة المضادة )) .. ورغم العرض المستمر لهذه الملهاة .. فإن الناس عافتها . إذا لم يقدم دليل واحد على وجودها .. ومع إتساع حدود الرؤية أما جماهير شعب الشعب في الجنوب العربي .. بدأت عوامل الإنهيار تتسارع _ وقد كانت أسبابها قديمة كامنة _ وتلاحق بعضها بعضا .. بحيث أصبح من العصي على (( الجبهة القومية )) وهي مجرد ( أقلية مكروهة عميلة ) أن تتقي كل أسباب إنهيارها .. الوشيك المحتوم .




عبدالله الجابري



رد مع اقتباس
  #72  
قديم 12-04-2010, 06:11 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي



منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة


التحول البريطاني


- 1 -

عدد قليل من الناس ، هم الذين يعرفون أن المخابرات البريطانية لم تكن أحسن توفيقا من المخابرات المصرية فيما يتعلق بنتائج عملها في الجنوب العربي .. فكلتا المنظمتين منيتا بالفشل سواء في أسلوب عملها أو في الأهداف التي توختها كل منهما من وراء التدخل في الجنوب العربي ..

وفي ضوء التطورات والأوضاع القائمة حاليا فإن من اليسير القول بأن الأموال التي صرفت والجهود التي بذلت قد ذهبت الآن أدراج الرياح ..

إن الرجال الذين ربطوا مصيرهم بالمخابرات المصرية ، يبدو أن حظوظهم قد ضاعت نهائيا .. ولم يعد بمقدورهم الظهور في الصورة أمام الشعب كرجال شرفاء ..

وأما الرجال الذين ربطوا مصيرهم بالمخابرات البريطانية وهم نوعية دون في ثقافتها .. ومطامحها فإنهم يتعرضون _ للتصفية على دفعات .. ويتم ذلك عادة بدون ضجة لضعف الوشائج التي تشد بعضهم إلى البعض .. ولإفتقارهم الواضح إلى إثارة إهتمام الشارع .. وقد أمكن تصفية أبرز عناصرهم في الأشهر الأولى من الإستقلال . بعد أن أكتشف ( العهد الماركسي ) الذي وصل إلى الحكم على أكتافهم أنه سيفقد (( طهارته )) أمام الكرملين فيما لو حاول الإبقاء عليهم في واجهة حكمه ..

وفي حين يبدو من الواضح أن تركة المخابرات المصرية قد صفيت تماما .. ولم تعد قادرة على التأثير في مجرى التطورات السياسية والعسكرية المقبلة فإن بعض عملاء المخابرات البريطانية يشاركون مشاركة ثانوية في الحكم .. وخصوصا في قطاعات الجيش البعيدة عن عدن .. والموجودة في مواجهة ثوار الوحدة الوطنية .

ومع ذلك فإن المخابرات البريطانية لا زالت تتمسك ببعض الأمال في حدوث
(( ضربة قدرية )) تؤدي إلى تقوية مركز عملائها المنهار داخل جهاز الحكم الماركسي في عدن .. أو على أنقاضه وهو مطلبها الأساسي .. ومن السهل ملاحظة بعض الإنتفاضات هنا وهناك .. ولكن نوعية الرجال الذين أعتمدت عليهم المخابرات البريطانية رغم كثرتهم تبدو عند المقارنة أقل بكثير في كفائتها وجرأتها وثقافتها من الأقلية الماركسية الصلبة ..

ومن الحق أن الأقلية الماركسية في عدن تكثر من الضوضاء فيما بينها
(( كـكلاب الليل )) ولكنها سرعان ما تتحد لمواجهة أول تحرك غريب يريد أن يقاسمها السلطان الذي حصلت عليه عبر لعبة معقدة وضعتها المخابرات البريطانية .. وكانت هي أول الخاسرين فيها ..


- 2 -


أظن أن بعض القراء سيصابون بالدهشة من إستمراري في الحفاظ على إعتقاد لا يتغير .. بالدور الضخم الذي لعبته المخابرات البريطانية في توصيل الجبهة القومية إلى الحكم .. وربما يرجح لدى الأكثر وعيا من القراء أن (( أبا شمس )) هذا رجلا ساذجا .. رغم كفاءة الأسلوب الإنشائي الذي يعالج به الأمور .. ولكنه يفتقر إفتقارا واضحا إلى المقدرة على توفير عنصر الإقناع لقرائه .. وإلا فكيف يجول في ذهن القارئ _ العادي طبعا _ أن المخابرات البريطانية _ وهي عنصر مهم في حراسة النفوذ البريطاني فيما وراء البحار _ ستسهم في الدفع بجماعة ماركسية إلى الحكم .. وأي حكمة تكمن في مثل هذا السلوك .. ؟

والحقيقة أن (( لعبة تريفليان الساحرة )) في النصف الأخير من عام 1967 بدأت بالغة التعقيد .. وأحتجت شخصيا إلى الكثير من الوقت لأتمكن من هضم ما حدث .

وقد وصلت بعض الحقائق إلي متأخرة إلى حد كبير .. ولذلك فإن (( الدراسات )) التي قدمتها في هذه الصفحة عن الجنوب العربي في سنوات الشدة )) ظهرت في بعض جوانبها وخصوصا ما يختص بدور المخابرات البريطانية .. ظهرت غامضة . ومنطوية على الكثير من الإتهامات .. والقليل فقط من الوقائع ..

و ثم فإن هذا المقال يمثل مدخلا (( لدراسة تكميلية )) عن دور المخابرات البريطانية في وصول الجبهة القومية إلى الحكم ..

وقبل أن يتعين علينا الدخول في التفاصيل يتوجب علي أن أقول بأن المخابرات المصرية عندما لاحضت إنحلال الأجهزة الإتحادية ... وتفسخها بشكل ملموس .. قررت إلتقاط إسم الجبهة القومية من الشارع .. ونصحت كل عملائها في الجيش .. والشرطة .. والجهاز الإتحادي المتفسخ بالتحول إلى جانب الجبهة القومية .. ليس ليصبحوا ماركسيين بالطبع .. ولكن لغرض التنكر والعمل من خلال إسم أظهر حتى ذلك الوقت بعض المقدرة في مواجهة المخابرات المصرية . ومقاومة تيار عملائها المتزائد .

والهدف واضح .. هو القضاء على جبهة التحرير بإسم منظمة إرهابية مماثلة
(( الجبهة القومية )) .. وتطويق هذه الجبهة من الداخل بإقحام كل ممثلي المصالح البريطانية داخل تنظيمها الماركسي القديم إما للإستيلاء عليها .. أو لتفجيرها في النهاية .. وقد نفذ الجزء الأول من الخطة (( القضاء على التحرير )) بنجاح تام .. ولكن ليس لمصلحة عملاء المخابرات البريطانية كما كان الهدف .. وإنما لمصلحة الماركسيين ..

وستقدم الوقائع التي سنوردها بالتتابع هنا .. المزيد من الأدلة على الدور الضخم الذي حولت فيه المخابرات البريطانية كل عملائها بين عشية وضحاها .. إلى
(( جبهة قومية )) وأطلقت لهم حرية العمل مع الماركسيين للقضاء .. ليس فقط على (( جبهة التحرير )) وهي عميل آخر .. وإنما للقضاء على إستقلال الجنوب العربي .. وتشويه صورته .. وجعلها على الغرار القائم المفجع .. الحزين ..



- 3 -

في 6 - 7 - 1967 م عقد إجتماع في مكتب المستر (( جانج )) المعتمد البريطاني في ندينة الإتحاد ( الشعب الان ) وشهد هذا المؤتمر أهم مظاهر التحول الفعلي في السياسة البريطانية إلى جانب الجبهة القومية ..

وقد حضر هذا الإجتماع من الجانب البريطاني :

المستر جانج المعتمد البريطاني . المستر ديلي .. ضابط سياسي وعضو المخابرات المركزية .
المستر سمرفيلد ضابط سياسي وعضو المخابرات المركزية .
المستر هبربرسي ضابط سياسي وعضو المخابرات المركزية .
والكولونيل شبلن الوكيل الدائم لوزارة الدفاع الإتحادية .

( ولا حاجة للقول بأن من يطلق عليهم ضباط سياسة ) في الجنوب العربي هم عمليا ونظريا العنصر التنفيذي للسياسة البريطانية في هذه البلاد .. وهم المتحكمون في كل ضئيل وجليل من أمورها .. )

ومن الضباط العرب حضر هذا الإجتماع ..

العقيد حسين عثمان عشال قائد الجيش الحالي ..
المقدم علي عبدالله ميسري المقدم أحمد محمد بلعيد .
المقدم مهدي عشيش .
والمقدم محمد أحمد ميسري .
والمقدم سالم قطيبي .. وهذا أغتيل من قبل الحكومة في ظروف غامضة لأنه أصيب بصحوة ضمير متأخرة ..

وقد قصد من هذا الإجتماع تنوير هؤلاء الضباط العرب _ وهم زبدة من تركن إليهم المخابرات البريطانية .. لأنهم تربوا تحت إشرافها منذ أن كانوا جنودا .. قصد تنويرهم بالتحول الجديد في السياسة البريطانية .. وأبلغهم ( جانج ) أن بريطانيا بذلت كل ما في وسعها لحمل الإتحاد على التماسك .. وفشلت .. وحاولت أن تقيم حكومة إنتقالية على قاعدة عريضة .. أي تشمل كل الأطراف .. ولكن
( الإرهاب ) أحبط هذا المجهود وقال لهم جانج أن الحكومة البريطانية لا تستطيع أن تضمن مستقبلهم .. هم وكل الجيش .. والشرطة .. والجهاز المدني .. لأن السلطة التي قد تخلف البريطانيين ( جاهزة بكل مؤسساتها العسكرية والمدنية ) في تعز .. وقد أعدت كل شيء إعدادا متقنا على أيدي المخابرات المصرية بحيث يكون من المشكوك فيه أن تتعامل مع جهاز لا تطمئن إلى نواياه .. ( يقصد الجيش .. والشرطة .. والعناصر البارزة في الإدارة المدنية .. ) .

ونزل هذا الحديث نزول الصاعقة على الضباط الذين أتضحت لهم نهاية مفجعة كانوا يجهلون أبعادها حتى ذلك الوقت ، وكانت الجرعة فعالة بحيث دعت الضباط إلى طرح السؤال التقليدي .. (( وما الذي يجب عمله ؟ )) .

وهنا كان الضباط البريطانيون يأخذون الأهبة للإنتقال إلى الموضوع الأكثر إمتاعا .. والأكثر أهمية .. إلى الخطوة الحاسمة في التحول ..

أما وقد أصبحنا الان في لب المسألة فإن موعدنا الأسبوع القادم .. وسنعثر بالتأكيد على بداية مناسبة لحشد من الوقائع المذهلة .





عبدالله الجابري



رد مع اقتباس
  #73  
قديم 12-07-2010, 10:27 AM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة



حديث عن المهام ، والضباط

- 4 -

( إن حكومة صاحبة الجلالة تدرك الآن أن آمالها في الخروج من الجنوب العربي .. وفيه حكومة مستقرة .. وحازة على رضى الشعب ، قد أوشكت على الضياع .. كما أن الجهود التي بذلتها لمقاومة الإرهاب طوال السنوات الماضية أثبتت أن لا طائل تحتها .. وعلى النقيض من ذلك فإن ( الأجهزة المحلية ) التي نفترض أننا سننال منها العون لمقاومة الإرهاب قدمت الدليل هي نفسها على وقوعها تحت تأثير المنظمات الإرهابية ) .

(( ورغم كل الظروف القائمة .. وهي ظروف تبعث على الأسف .. فإن حكومة صاحبة الجلالة محتفظة بتصميها على عدم ترك الجنوب العربي نهبا للفوضى .. وهي عازمة على ضمان مستقبل أصدقائها .. وتأمين القدر المستطاع من القوة لهم قبل مغادرة المنطقة .. ))

(( وشرطنا الوحيد هو أن يظهر هؤلاء الاصدقاء قدرة واضحة على العمل .. وقابلية محددة لسماع المشورة )) .

(( إن حكومة صاحبة الجلالة بعد أن لمست عجز العناصر العربية في الإتحاد .. وفي الأحزاب الرئيسية عن التعاون معها لإقامة حكومة تستند إلى قاعدة عريضة . وتمثل فيها كل الأطراف .. وذلك طبقا للمشورة الدستورية التي قدمها خبيران بريطانيان .. أضطرت إلى إحداث تبديل جذري في سياستها .. وهي ستلجأ على الغالب إلى تسليم السلطة في الجنوب العربي للفريق الذي يظهر مقدرته على تأمين الإستقرار في المنطقة .. وكف أيدي العناصر المخربة عن دفع عجلة الإنهيار والفوضى قدما )) .

(( ولا نملك إلا أن نلاحظ أن الجبهة القومية وهي خصم منافس لجبهة التحرير التي تعمل بوحي مباشر من المخابرات المصرية ، وتعوق الجهود التي تبذل للوصول إلى السلام .. نلاحظ أن الجبهة القومية أظهرت الكفاية واضحة في ردع جبهة التحرير ، وكشفت من خلال إتصالاتها خلال هذا العام ، بالبريطانيين عن ميل أقل للتطرف ، وميل أكثر نحو التفاهم والرغبة في العمل المشترك )) .

ومن خلال هذه الإتصالات بدأت حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف على آمال هذه الجبهة .. وتحاول إختبار السبل المؤدية إلى دعمها في الكفاح الذي تخوضه ضد الأحزاب الأخرى )) .

(( ودائرة المندوب السامي البريطاني في عدن تميل إلى الإعتقاد بأنه قد يكون في مقدور الجبهة القومية أن تصبح في وضع يمكنها من الدخول في مفاوضات مع الحكومة البريطانية لإستلام الحكم في أو قبل الموعد المحدد لجلاء بريطانيا عن الجنوب العربي .. أي الأول من يناير عام 1968 م )) .



- 5 -

وقد عقدت بعد هذا التاريخ بالتتابع سلسلة من المؤتمرات بين رجال الحكم البريطاني في عدن .. وعملائهم في الجيش والأمن العام والإدارة المدنية .. وتطورت هذه المؤتمرات بعد قليل .. ودخل القوميون الماركسيون طرفا ثالثا فيها وفي هذه المؤتمرات جميعا كما في هذا المؤتمر درست بعناية كل السبل .. وأعتمدت الأموال .. وأختير الأشخاص الذين سيبدأون التحرك لإحداث الإنقلاب في الجيش والإدارة لمصلحة الجبهة القومية ..

وفي هذا المؤتمر الي لازلنا بصدد الحديث عنه .. وزعت المخابرات البريطانية .. مليون وثمانمائة ألف شلن على الضباط العرب لغرض إتفاقها في تعزيز نفوذهم ضمن قطعات الجيش التي يسيطرون عليها .. والمناطق التي تتمركز قواتهم فيها ..

وهــــا هــــي الكيفية التي وزعت بها هذه الأموال
وأشخاص الذين سلمت لهم .. والأغراض التي رصدت لتحقيقها ..

*
( 000ر200 ) مائتي ألف شلن سلمت للعقيد حسين عثمان عشال ليصرفها في منطقة بيحان حيث تتمركز كتيبة من جيش الجنوب العربي تحت قيادته .. وعينت له أوجه صرف هذا المبلغ في محيط القبائل والجيش وبعض عناصر الإدارة المحلية المرتبطة بالشريف حسين الهبيلي .
*
000ر200 مائتي ألف شلن دفعت للمقدم ســالم القطيبي لحساب منطقتي الضالع وردفان .. لتحقيق نفس الأغراض التي عينت للعشال .
*
000ر200 مائتي ألف شلن دفعت للمقدم علي عبدالله ميسري لحساب منطقة دثينة .
*
000ر200 مائتي ألف شلن سلمت لجعبل أم شعوى لحساب منطقة العواذل ... والشعوى مدنيا وليس من الضباط ولكنه على صلة متينة بالمخابرات البريطانية .. وهو يعمل لحسابها ضمن تنظيم الجبهة القومية ..
*
000ر200 مائتي ألف شلن سلمت للمقدم مـهــــــدي عشيش لحساب منطقة عتق ونصاب والصعيد .
*
000ر200 مائتي ألف شلن سلمت للمقدم محمــــد أحمد بلعيد لحساب منطقة لحج والفضلي .

وفي نفس اليوم سلمت ستمائة ألف شلن لثلاثة من كبار ضباط الأمن هم عبدالهادي شهاب وصالح سبعة وصديق .. لكسب ولاء بوليس ولاية عدن .. وشرطة الإتحاد لحساب الجبهة القومية ..

وإثنان من هؤلاء الضباط هم _ شهاب وسبعة _ قد تمت تصفيتهم في نطاق سعى الماركسيين الحثيث لتحطيم كل مؤسسات الدولة القديمة .. وتصفية أصحاب العلاقة بهذه المؤسسة ..



- 6 -

والآن لنسأل أنفسنا من هم هؤلاء الضباط .. وما نوع الإتجاهات السياسية التي ينتسبون إليها .. ولنأخذ حالة بعضهم على الأقل كـنموذج ومثال ..


حسين عثمان عشال قائد الجيش الحالي

بدأ حياته موظف إستخبارات صغير في عدن .. وقد تدرب تحت إشراف المستر ديلي الضابط السياسي البريطاني وعضو المخابرات المركزية في عدن ..

وفي عام 1955 أدخلته المخابرات البريطانية في الحرس الإتحادي كضابط في الظاهر وليتولى _ سرا _ مراقبة نمو الإتجاهات التحررية في صفوف الجيش الناشيء .. وفي عام 1959 رقي إلى رتبة قائد .. وقد بعث إلى بريطانيا بعد هذا التاريخ ليأخذ دورة في الرشاشات المتوسطة .

ليس له إتجاه سياسي حتى عام 1967 م .. ومن المشكوك فيه أن يكون له مثل هذا الإتجاه الآن .. أبرز سماته أنه شخصية غير مؤثرة ..



محمد أحمد السياري ميسري

يحمل الآن رتبة ( قائد ) وهو ابن أحمد الخضر ميسري أقدم ضابط في الجنوب العربي ... والأب والإبن معا من أبرز عملاء المخابرات البريطانية في الجيش .. وقد تألق إسم الإبن كثيرا بعد الإستقلال وأتاح له مركزه كـضابط تموين في الجيش أن يرافق بعض وفود الجبهة القومية التي زارت روسيا والجزائر والعراق ..

ويعد الآن من الركائز البريطانية المهمة في الجيش .. وكانت صلته بالمخابرات البريطانية قد بدأت عن طريق والده .. وعمل جاسوسا على زملائه لحساب الكلولونيل ( فينر ) القائد البريطاني الأسبق لجيش الجنوب العربي ..

وقد أرسل إلى بريطانيا ثلاث مرات .. وأخذ دورة في عمل المخابرات .. ودورة في الرشاشات المتوسطة .. وثالثه في ( التخطيط والإستراتيجية ) ..

ليس له حتى عام 1967 إتجاه سياسي .. ولكنه نزولا على توصية المخابرات البريطانية تحول إلى العمل لفائدة الجبهة القومية في النصف الأخير من ذلك العام .. وللحق فقد عمل بحماس .. ولكن تنظيم الجبهة القومية .. يخضعه لمراقبة دقيقة حتى يحين دوره في التصفية ..



أحمد محمد بلعيد

خاله العميل المعروف أحمد الخضر ميسري .. وعن طريقه تم إلحاقه بالمخابرات البريطانية .. بدأ حياته كـجندي لاسلكي قبل 28 سنة .. وأصبح وهو لايزال يحمل رتبة ( عريف ) من أصحاب (( المخصصات السرية )) يحمل الآن رتبة قائد .. وهو من العناصر القومية في الجيش بعد أن سيطر عليه أهل دثينة .. وهو كذلك على رأس القائمة التي تثير القلق في صفوف الماركسيين .. وذلك فإنه يخضع كـباقي زملائه للمراقبة .



- 7 -

وفي القول سعة عن التفاصيل الشخصية لحياة وماضي الضباط الذين تحولوا بأمر من المخابرات البريطانية إلى جانب الجبهة القومية .. ولكن مثل هذه التفاصيل ليست ذات غنى ..

فالأكيد .. الأكيد ان ليس في هؤلاء الضباط رجلا يتميز بالنباهة والمقدرة على الإنتفاع من مركزه في الجيش للحصول على مكاسب سياسية .. كما أن التصدي لأقلية حاكمة حسنة التنظيم يدعمها وجود دولي ضخم كـدول المعسكر الشيوعي هو فوق الطاقة العادية لضابط جريء طموح .. لا بل إنه فوق طاقة جماعة من الضباط تنقصهم الثقافة .. وينقصهم الطموح والقدرة على مواجهة الجماهير .

وسنؤجل الوصول إلى أية إستنتاجات مبكرة قبل أن نعرض المزيد من الأساليب التي لجأت إليها المخابرات البريطانية في تحقيق (( تحالفها التعيد )) مع الجبهة القومية .. بمعنى آخر سنعرض السبل التي تحقق عبرها هذا التحالف قبل أن نقرر في النهاية من هو المستفيد الحقيقي منه .




عبدالله الجابري



رد مع اقتباس
  #74  
قديم 12-09-2010, 09:07 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة


الخطة المشتركة


هل جاء التحول البريطاني ، إلى جانب الجبهة القومية ، بدون نذر موحية بإحتمال وقوعه ؟ .
وهل أخذت حكومة الإتحاد على غرة ، ولم تعط الوقت الكافي للدفاع عن نفسها ؟
إن هذين السؤالين طرحا في الوقت المناسب .
لأن الإجابة عليهما تكشف لنا بعض الجوانب الخفية في تركيب إتحاد الجنوب العربي الذي أنشأته بريطانيا عام 1959 ، وظلت حتى أوائل عام 1967 المدافع الوحيد عنه .

حسنا الجواب على هذين السؤالين هو كلا .. لم تؤخذ حكومة الإتحاد على غرة .. ولو كانت تحدوها أي رغبة في الدفاع عن نفسها لظهرت .. ولكن مثل هذه الرغبة لم تراودها على الإطلاق .. ولم يكن الإفتقار إلى الرغبة هو السبب الوحيد .. بل يمكن إضافة الإفتقار إلى القدر كسبب آخر ..

في أول زيارة قام بها المندوب السامي الجديد ( هنري تريفليان ) لحكومة الإتحاد أعلن في المجلس الأعلى بحضور جميع السلاطين والوزراء (( أنه رجل ثوري . ويحب الثوار )) !!
وقال أنه كان في العراق أثناء الإنقلابات المتعاقبة هناك ضد الحكومة .. ومع ذلك فلم يحاول إستخدام نفوذ بريطانيا للوقوف ضد هذه الإنقلابات ..
وأخيرا أبلغهم أن وصوله إلى عدن له هدف هو التعجيل بالإنسحاب البريطاني من المنطقة .. وبريطانيا لم تعد تهتم بنوع الحكومة التي ستخلفها .. كما أنها ستتخلى عن إرتباطاتها القديمة مع أصدقائها التقليدين لأن مثل هذه الإرتباطات ستفقد مدلولها بعد الإنسحاب التام من البلاد .

كان ذلك على التحديد بتاريخ 2/6/1967 م . وعلى الرغم من صراحة
(( الإنذار )) البريطاني فإنه ليس بين الوقائع التي توفرت لي مايشير إلى أية خطوات أتخذها حكام الإتحاد كـمجموع للحد من هرولة العربة التي يمتطونها نحو الهاوية .

وأغلب الظن أنهم وقد أحسوا بأن الحامي الأول للإتحاد قد تخلى عنه شرعوا كل على إنفراد وعلى مسؤوليته يبحثون عن حلفاء جدد في صفوف الحركة الوطنية ..
وتمكن بعضهم وإلى حد كبير من (( قلب سترته )) كما يقول المثل الفرنسي ..

وكان البعض من الغفلة بحيث سارع إلى فتح خزائنه ومستودعات أسلحته لرجال الجبهة القومية .. عندما أكتشف الإتجاه البريطاني المتحول إلى جانب هذه الجبهة ..
وبالطبع فإن هذه المبادرات لم تغن عنهم شيئا .. فالجبهة القومية لا تريد أن تضع صورة عهدها الجديد في نفس الإطار القديم فهذا يفقدها الكثير من العطف الشيوعي الذي بنت كل حساباتها على إكتسابه ..

هل يظهر من هذا السياق أي ميل مقصود للوم السلاطين أو تضخيم شعورهم بالذنب . ؟
إذا كانت الوقائع نفسها قد أوحت بشيء من هذا . فهو لم يكن هدفي .



- 9 -

بعد الخطوات التمهيدية .. بدأت العلاقة بين الجبهة القومية . وجهاز الإستعمار البريطاني في عدن تسير نحو التخطيط المشترك .. وبالفعل فقد عقد يوم 15/7/1967 م إجتماع موسع كبير بين معاوني المندوب السامي البريطاني . ورجال الجبهة القومية .. بقصد إعداد خطة مشتركة لمتابعة تفتيت الحكومة الإتحادية .. والقضاء على العناصر الوطنية ..

وقد حضر هذا الإجتماع عن الجانب البريطاني :

المستر ديلي : الوكيل الدائم لوزارة الأمن الداخلي الإتحادية .. وعضو المخابرات المركزية .
المستر شبلن : الوكيل الدائم لوزارة الدفاع الإتحادية وعضو المخابرات .
المستر اشورت : ضابط الإعلام المسؤول في مكتب المندوب السامي ..
المستر سمرفليد : المسؤول السياسي عن المنطقة الغربية .
المستر هبربرسي : المسؤول عن المنطقة الشرقية .
المستر برجس : رئيس المخابرات والمسؤول عن ولاية عدن .

وعن الجبهة القومية . حضر :

سيف الضالعي : وزير الخارجية الحالي .
فيصل عبداللطيف الشعبي : سكرتير القيادة العامة للجبهة القومية .
محمد علي هيثم : وزير الداخلية ..
وجعبل ام شعوى : عضو القيادة العامة .

وثلاثة أعضاء آخرين بأسماء مستعارة .

وعن الجيش حضر :

العقيد حسين عثمان عشال ، العقيد محمد سعيد يافعي ، المقدم علي عبدالله ميسري ، المقدم أحمد بلعيد ، والمقدم مهدي عشيش ، الرائد أحمد محمد السياري ، المقدم عبدالله على مجور ، العقيد أحمد بن عرب ، وعن الأمن العام . حضر
العقيد عبدالهادي شهاب ، الرائد أحمد الخضر السياري ، وهما من شرطة عدن ، العقيد عبدالله صالح سبعة .

وأسفر هذا الإجتماع عن وضع خطة مشتركة تمثلت في النقاط الآتية :

*
أولا - تزود الجبهة القومية أعضاءها العاملين ببطاقات سرية توضح إنتمائهم الحزبي .. وذلك ليسهل لهم الجيش البريطاني حركة التنقل والمرور من مراكز التفتيش بأسلحتهم ..
*
ثانيا - تتعهد الجبهة القومية بعدم إستخدام السلاح ضد الجنود البريطانيين .. وبتغطية إنسحابهم في الأسابيع الأخيرة من عدن .
*
ثالثا - تتعهد الجبهة القومية بتقديم معلومات إلى القوات البريطانية عن أسماء وأماكن أعضاء رابطة الجنوب العربي . وجبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل .. وتتعهد كذلك بالمساعدة في إعتقالهم ..
*
رابعا - وافقت بريطانيا على تزويد الجبهة القومية بأجهزة لاسلكي لتأمين الإتصال بين أعضائها في الداخل . والخارج .
*
خامسا - وافقت بريطانيا على تزويد الجبهة القومية بكمية أولية من السلاح تمكنها من العمل السريع .. على أن يتم توريد حاجاتها الرئيسية من السلاح عن طريق وكلاء التاج في لندن . وهم جماعة تبيع السلاح بالإتفاق مع وزارة الخارجية البريطانية ..
*
سادسا - أتفق الطرفان على الإسهام في ترتيب مظاهرات في جميع الولايات ضد الحكام . والسلاطين بقصد مضايقتهم وإرهابهم على أن يقود هذه المظاهرات رجال ينتسبون إلى الجبهة القومية .. وأتفق كذلك على أنه ستصدر الأوامر للجيش في هذه الولايات بعدم التعرض للمتظاهرين .. كما أتفق على أن يسافر الضباط السياسيين البريطانيين المقيمين في الولايات إلى عدن قبل حدوث هذه المظاهرات حتى لا يتمهوا بأنها عملت بوحي منهم ..
*
سابعا - كلف المستر آشورت ضابط الإعلام البريطاني في مكتب المندوب السامي بتوجيه سياسة الإعلام لصالح الجبهة القومية .. ونسب أعمال العنف إلى رجالها ..
*
ثامنا - أتفق على أنه عندما تنتهي حكومة الإتحاد فإن جميع الإلتزامات التي كانت قائمة بينها . وبين بريطانيا تعد لاغية .. ولا تعتبر الحكومة البريطانية ملزمة بأي شيء للحكومة الجديدة إلى أن يصار إلى وضع إتفاق جديد .
*
تاسعا - ستتولى الحكومة البريطانية إشعار حكام الولايات بأنها لن تكون في وضع يمكنها من نجدتهم فيما لو تعرضوا للمتاعب .. وستحثهم على الإنتقال إلى عدن حيث ستكون شروط السلامة المتاحة لهم أفضل منها في مناطقهم .. وعندما يحين موعد تسليم السلطة ستتولى ترحيلهم إلى خارج البلاد ..
*
عاشرا - تقرر أن تعقد إجتماعات دورية ( كل عشرة أيام ) بين المندوب السامي . ومعاونيه وأعضاء الجبهة القومية لقياس حجم التقدم الذي أحرز في تنفيذ هذا المخطط .. ويحتفظ المندوب السامي البريطاني بالحق في إدخال أية تعديلات أفضل في تحقيق أغراضها ..

وبدون حاجة للتحديات .. فإني على ثقة تامة بأن الحكم العميل في عدن لن يجسر قط على الإدعاء بأن هذه الوقائع غير صحيح . أو حتى غير دقيقة .. لأنه يعرف أكثر مما أعرف أن هناك من هو على إستعداد لأن يضع أصبعه في أعين المكذبين .



عبدالله الجابري




رد مع اقتباس
  #75  
قديم 12-12-2010, 09:08 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي



منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة





تجهزيات عسكرية

- 10 -

ونحن نتابع هنا سرد الظروف المؤلمة التي أدت إلى وصول الجبهة القومية إلى الحكم .. لا نملك إلا أن نسجل إعترافنا بان ( الإرهاب والتآمر ) قد أفلحا في إنتزاع التفاحة من أيدينا .. وهذا يعود إلى أن المتعصب يكون عادة أكثرار حرارة في الدفاع عن أهدافه من المثالي .. ولكن هذا المتعصب أقل أخلاقية .. وأقل ميلا إلى التدقيق في الوسائل التي يستخدمها للوصول إلى أهدافه .. إنه لا يحرص على نظافة الأسلوب .. وفيما هو يفعل ذلك يقوم بتلويث الغاية ذاتها :

ومن حسن الطالع أن الحكومة القائمة في الجنوب العربي لم تحاول أن تنفي عن نفسها صفة الإجرام التي ندمغها بها .. لا بل إنها تعزز الأدلة الموجودة في ماضيها بأدلة جديدة يخلقها تعاملها مع الشعب داخل المنطقة ..

وكما يقول افلاطون (( عندما يغتصب الجندي مكان الفيلسوف يفسد التنسيق بين الأجزاء في الحياة العامة .. ويفسد المجتمع وينحل .. فالعدالة توافق فعال بين مختلف القوى التي يتركب منها المجتمع .. إن جميع الشرور ناجمة عن عدم الإنسجام بين الإنسان والطبيعة .. وبين الإنسان والناس .. أو بين الإنسان ونفسه .. حقا ان المجموعة عندما تخرج عن المكان الذي عدته لها الطبيعة قد تجني بعض الفوائد حينها .. ولكن الإنتقام الإلهي يتبعها .. ويقتص منها .. والسقوط المبكر هو العقوبة الحتمية لكل إنسان يخرج عن ترتيبه في صف الجماعة الإنسانية .. ))

هذا التناول قد لا يقع ضمن النطاق الذي تختص به الفلسفة .. غير أن الحقيقة هي أن كل سلوك يستند في جذوره إلى فلسفة خاصة نابعة من ضمير صاحبه .. ومن مجموع نوازعه ورغباته .. والظروف السابقة التي كونت عقليته .



- 11 -

إن النظر إلى الخلف قد يكون باعثه رغبة الإنسان في تقدير المسافة التي قطعها .. وتقويم العوائق التي تغلب عليها .. ولكن عنوان هذه (( الدراسة )) التي نكتبها لا يرمي إلى هذا المعنى .. أو بعبارة أدق ليس هذا هو كل ما نرمي إليه . نريد عمليا رواية التفاصيل والعوامل الصغيرة التي أدت إلى ركوب الجبهة القومية لسفينة الحكم في الجنوب العربي .. ونحن نركز الأن على الجهد الذي بذلته المخابرات البريطانية .. لأن هذا الجانب بالذات لم يوف حقه .. وإن كانت الكتابات السابقة قد أشارات إليه بين الحين والآخر .. ولكنها مجرد إشارات لم يتوفر لها عنصر الإقناع والإشباع الضروريين .

رواية التفاصيل بقصد الوصول إلى العبرة .. والإستدلال عليها من صلب الوقائع التي نقدمها .. بمعنى آخر إن النظر (( إلى الخلف )) هو محاولة التعرف على الأسلوب أو مجموعة الأساليب التي لجأت إليها الجبهة القومية للصعود إلى سفينة الحكم .. والنظر (( إلى الأمام )) هو تقدير النتائج التي وصلت إليها بعد أن أضحى الحكم في أيدي رجالها ..

ولا شك أن بعض هذه النتائج ظاهرة لأعيننا بحيث لن نكد كثيرا في العثور عليها غير أننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة من الدراسة .. فلا زلنا نتابع كشف الترتيبات السرية التي أعدت ونفذت بالتخطيط المشترك بين الجبهة القومية والمخابرات البريطانية في عدن ..



- 12 -

توجد بعض مناطق حصية ، لا يستطيع الإرهابيون الوصول إليها مهما كانت سعة تنظيمهم .. ومهما كان مستوى جرأتهم .. كما ان وصولهم إليها لن يجعلهم بمأمن من التعرض للأذى .. ونيل حصتهم من الخسائر .. ونحن الأن نعلم علم اليقين أن (( رسالة التحرير )) لم تكلف الجبهة القومية أية خسائر في الأرواح بإستثناء تلك التي كانت تنزلها بهم الأحزاب السياسية المنافسة عندما تقتص لقتلاها الذين يتم إغتيالهم على أيدي رجال الجبهة القومية .

أما خسائرهم على أيدي البريطانيين فلا شيء إطلاقا .. ففي المراحل الأولى من تاريخ عمل الجبهة القومية تحت إشراف المخابرات المصرية كانت السلطات البريطانية تكتفي بالقبض على كل مشتبه فيه وإيداعه السجن بدون محاكمة .. وعندما بدأ التعاون بين البريطانيين والجبهة القومية في منتصف شهر يونيو 1967 م كان أي رجل يبرز بطاقة إنتسابه إلى الجبهة القومية يطلق سراحه على الفور حتى ولو كان يخوض في الدماء إلى ركبتيه ..

من هذه المناطق الحصينة مثلا بيوت الوزارء .. والسلاطين .. هذه الأماكن في ظروف الإرهاب .
والإضطرابات تشدد الحراسة عليها كـجزء من إجرائات الأمن .. ولما كانت خطة المخابرات البريطانية .. والجبهة القومية هي الإسراع بإنهيار حكومة الإتحاد .. وإضعاف ثقة رجالها بأنفسهم .. وزرع القلق في أفئدتهم .. فقد تطوع رجال المخابرات البريطانية بضربها بالبازوكا .. وزرع المتفجرات في حناياها وثناياها . ووصولهم إليها طبعا سهل وميسور .. وخروجهم منها غير منكور .

ومن ذلك أن المستر ديلي وكيل وزارة الأمن الإتحادية قام يوم 1/7/1967 م مع حظيرة من الشرطة العسكرية البريطانية بضرب منزل السيد عبدالرحمن جرجرة وزير الإعلام الإتحادي في مدينة الإتحاد . وقد قام رجال الأمن العرب بتطويق المكان فورا .. ولكنهم وجدوا سيارتي جيب إحداهما فيها المستر ديلي .. وقد ركب عليها مدفع بازوكا لا زال الدخان يتصاعد من ماسورته .. وقد ذهبت الحيرة في بداية الأمر بلب ضابط الأمن حضر للتحقيق في الحادث .. وهو يتصفح ملامح المستر ديلي .. ولكن الحيرة ما لبثت أن تبددت وحل محلها يقين ثابت بأن المستر ديلي ورجال الشرطة العسكرية هم الفاعلون .

قال ضابط الأمن العربي :

- هل أنت من أطلق قذائف البازوكا على منزل وزير الإعلام ياسيدي .. ؟

أجاب المستر ديلي بسؤال آخر :

- ما الذي يحملك على الإعتقاد بأننا سنفعل ذلك ؟

- إن الحرس الخاص بالمنزل لم يشاهدوا سيارة أخرى أو إنسانا آخر يقترب من المكان .. كما أن عسكري المرور أبلغنا أنه لم يسجل مرور أي سيارة إلى المدينة خلال الدقائق الخمس عشرة الماضية ..

ثم إني عندما وقفت هنيهة كان الدخان لا زال يتصاعد من ماسورة البازوكا المحمولة فوق سيارتكم .. وعلى هذا فليس من الصعب معرفة الحقيقة .. !

وهنا قال المستر ديلي ساخرا أنه يعترف بموهبة ضابط الأمن في الإستنتاج وقدرته على الإستقراء ولكنه هو المستر ديلي واثق من أنه لا ينتسب إلى أي من المنظمات العربية التي تشتغل بالإرهاب وأنه - المستر ديلي - إذا لم على ضلال فهو موظف في خدمة صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا .. وكان يظن بأن السيد المحترم ضابط الأمن يعرف هذه الحقيقة . ويعرف كذلك أنه يتحدث الأن إلى الوكيل الدائم للوزارة التي يتسلم الضابط مرتبه من خزينتها .. !

وحادث صغير آخر له دلالته العميقة .. فقد سلمت المخابرات البريطانية ( 11 ) جهازا للاسلكي للجبهة القومية .. وذلك لتوضع في مقر قياداتها . الموزعة في زنجبار .. ومنزل علي عبدالعليم بلحج .. ومنزل علي عنتر بالضالع .. ومنزل جعبل الشعوى في لودر ومنزل ابن الفقير في مودية .. ومنزل حسين جعيلي في المحفد .. وعمارة سعيد العريقي شارع الهاشمي بالشيخ عثمان ... وأخر جهاز أرسل لقيادة الجبهة في المكلا لعمر سعيد العكبري .. أقول عندما سلمت المخابرات البريطانية هذه الأجهزة للقوميين ضبط بعضها في نقطة التفتيش بالشيخ عثمان .. وأعتقل الرجال الذين معها .. وأكتشف الضباط العرب أن بعض هذه الأجهزة تابعة لجيش الجنوب العربي .. ولكن المخابرات البريطانية تدخلت على الفور وأمرت بإطلاق سراح الرجال مع أجهزتهم وتركهم يتابعون سفرهم إلى الجهات التي يريدونها غير أن الضباط العرب أتصلوا بالزعيم داي قائد جيش الجنوب العربي .. وأبلغوه أنهم ضبطوا أجهزة لاسلكي تابعة للجيش بأيدي رجال ينتسبون للجبهة القومية .. فأمر بإطلاق سراح الرجال والأجهزة .. ووعد بالتحقيق في الحادث .. بعد الإتصال بضباط أركان الإدارة والتموين في الجيش .. وقد أتصل الزعيم داي بالضابط المسؤول عن مستودع أجهزة اللاسلكي ( صالح قاسم عقربي ) وهدده بالطرد إن هو تحدث عن الأجهزة التي أمره بصرفها .. وطويت القضية .. وأخذت المؤامرة مجراها ..

وهناك العديد من هذه الحوادث الصغيرة في مظهرها .. الكبيرة في مدلولها .. وقد سجلتها هنا كـإيداع جديد ضمن الرصيد الضخم للمخابرات البريطانية في الجنوب العربي ..

إني أشعر بالتقزز عندما أكون منهمكا في فحص هذه الوقائع ويأتيني صوت المذيع من عدن .. وهو يقرأ علينا صفحة زائفة من نضال الجبهة القومية .. التي قذفت بالحكم البريطاني في البحر العربي .. وتركته يغرق هناك بعد أن عجز عن السباحة إلى الجزر البريطانية .




عبدالله الجابري





رد مع اقتباس
  #76  
قديم 12-15-2010, 12:30 PM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة



اللحم المصبوغ بالعسل ، والمؤامرة


- 13 -

في 9/7/1967 م طلب المندوب السامي البريطاني من المقدم علي عبدالله ميسري . أن يذهب إلى دثينة في إجازة .. وصرف له مبلغ سبعة ألاف دينار من الأموال الخاصة بتطوير الولايات .. وأسند إليه القيام بتنظيم مسيرة ضخمة تقودها الجبهة القومية من مودية إلى لودر في بلاد العواذل .. وتهدف هذه المسيرة حسب ( الخطة المشتركة ) إلى زعزعة السلطة المحلية في الولايات .. وإرهاب الحكام وإقسارهم على اللجوء إلى عدن .

وقد نظمت هذه المسيرة المسلحة بالفعل بعد يومين .. وكانت تتقدم الركب سيارة ( لاندروفر ) تحمل مدفعا ثقيلا ( 106 ) ، وكان قد سحب من مستودعات الجيش مع عشرة مدافع أخرى من نفس النوع والعيار .. وسلمت للقيادات الرئيسية التابعة للجبهة القومية ..

وكان التحول البريطاني إلى جانب الجبهة القومية . قد لوحظ على نطاق واسع في هذه المناطق التي نظمت فيها المسيرة المسلحة .. بحيث أن الإدارة المحلية التابعة للسلطنة العوذلية عجزت عن تنظيم أي مجابهة ذات وزن لقادة المسيرة .

ومن الواضح ، أن بعض رجال الإدارة المحلية - وقد لاحضوا التحول الفجائي - أخذوا يفكرون في إحتلال مواقع مناسبة في النظام الجديد .. وهذا يتطلب من كل منهم أن يسجل سابقة واضحة . تثبت على الأقل أن لم يبذل أي جهد للدفاع عن النظام القديم ..

وكان رد الفعل الوحيد الصادر عن السلطنة جوابا على هذا التحدي الضخم الذي واجهته . هو شكوى متواضعة تقدمت بها ضد المقدم علي عبدالله ميسري لرئيس المجلس الأعلى ووزير الدفاع الإتحادي .. وفي ذلك الوقت لم يكن وزير ورئيس المجلس الأعلى في وضع يمكنه من إنزال العقوبة المناسبة بضابط صغير تحت إمرته كـعلي ميسري .. ومن ثم فقد تأبط الشكوى ذاتها إلى دار المندوب السامي ولسان حاله يرد قول الشاعر العربي (( فيك الخصام .. وأنت الخصم . والحكم )) .

ولأن أقوال الإنجليز لا تعبر دائما عن حقيقة نواياهم .. وملامحهم لا تعكس عادة ما يجول في نفوسهم . ولأن (( الكلمة الطيبة لا تكلف مالا )) كما يقول المثل الإمريكي .. فقد أستطاع المندوب السامي أن (( يكلفت )) المسألة ..

ويقنع وزير الدفاع الإتحادي بتفويضه في حل المشكل ..
.. وبدلا من توقيف الميسري بجوار الحائط .. وإطلاق الرصاص عليه كـخائن للنظام الذي أقسم بربه . وشرفه أن يذود عنه .. أرسل المندوب السامي المستر هبربرسي ضابط المخابرات البريطاني .. لإقناع نائب السلطان العوذلي بسحب الشكوى . المقدمة ضد الميسري .
وقطعا . لم يكن نائب السلطنة العوذلية في حالة نفسية تمكنه من الصمود أما رجل يعرف أنه يطلب شيئا . فذلك يعني أنه يأمر به .. كما يقول الجنرال ديجول ..

وسحبت الشكوى .. وعندما سقطت السلطنة العوذلية بعد لم يحتل حادث سقوطها في الوجدان العام أكثر من الحيز الذي يشغله حادث إنفجار قنبلة في الشارع العام !

وكان هبربرسي الذي يصبغ له العوذلي (( اللحم بالعسل )) هو من سدد الضربة الميتة للسلطنة . والسلطان .. لا جعبل أم شعوي أو علي ميسري هما من أنجزا هذا .



- 14 -

بالإتفاق مع المندوب .. وفي نطاق التطبيق الفعلي ( للخطة المشترطة ) الوارد ذكرها في الحلقة الثالثة من هذه الدراسة .. وبتاريخ 25/7/1967 م أرسل المستر هبري برسي ( إياه ) ضابط المخابرات . والمسئول عن المنطقة الشرقية ( حضرموت والمهرة ) وسمرفليد ضابط المخابرات والمسئول عن المنطقة الغربية .. أرسلا ثلاثة آلاف بندقية صنع بليجيكي وهو النوع المرغوب والمحبوب عند قبائل الجنوب .. وكذلك ( 200 ) صندوق ذخيرة لهذه البنادق .. أرسلوها إلى عتق حيث يوجد العقيد حسين عثمان عشال .. والمقدم مهدي عشيش اللذين كانا مسئولين عسكريين فيما يدعي الآن بالمحافظة الرابعة ..

وفي 27/7/67 قام المستر هبربرسي بنفسه برحلة إلى هذه المناطق حيث أشرف على توزيع هذا السلاح على القبايل بالإضافة إلى بعض الأموال المسحوبة من صندوق تطوير الولايات .. وقد بقي في هذه المنطقة أكثر من ثلاثة أسابيع يتجول بين القبائل بصحبة العقيد عشال قائد الجيش الحالي والمقدم عشيش رئيس هيئة الأركان .. ولم يعد هبربرسي إلى عدن إلا بعد أن أنشأ منظمة محلية تعمل بإسم الجبهة القومية في هذه المنطقة .. وأما قبل هذا التاريخ فلم يكن إسم الجبهة القومية يعرف في هذه البلاد بإسثناء بعض معلمي المدارس الإبتدائية الذين يتثقفون بواسطة نشرات مكتب الإعلام في السفارة الصينية بصنعاء .


- 15 -

وفي نفس التاريخ تقريبا . أرسل المندوب السامي المستر سمرفيلد إلى الضالع للإجتماع بالأمير شعفل بن علي .. وهذا الأمير رغم بداوته .. إلا أنه يتميز بالصلابة .. وقد تمرس بالمشكلات من جراء المقارعة المستمرة بينه وبين قبائل ردفان الشديدة التلهف للعنف . والمتطلعة دوما للإستقلال بأمورها عن الضالع .. كما أنه - أعني الأمير - كان عرضة خلال السنوات الأربع الماضية للحملات الدعائية من راديو صنعاء والقاهرة . بإعتباره العميل البريطاني الذي تضرب قبائل ردفان بالصواريخ تحت رايته ..

وهكذا فعندما نصحه المستر سمرفيلد عن لسان المندوب السامي أن ينتقل بعائلته إلى عدن رفض تماما الإمتثال هذه النصيحة ..

وهنا لم يجد الرسول البريطاني بدا من إطلاق كل ما لديه من الذخيرة على الأمير .. فأبلغه أن بريطانيا لن تكون مسئولة عن حمايته إذا ما تعرض للأذى .. على أيدي من دعاهم بالثوار ..

وربما لأول مرة يفتقد مسئول بريطاني قدرته على التحدث بلغة كـمبردج الرفيعة المهذبة .. فكان التبليغ جافا كـورقة العشر المشموسة .. والعادة أن تكون أحدايث أي مسئول بريطاني كـقمة ( كلمنجارو ) .. رقيقة .. وكأنها تدور في صالون (( مدام بوفاري ))

ولو لم يكن سمرفيلد في عجلة من أمره .. ولو كان يؤمل المثول مرة اخرى على مائدة الأمير التي يصبغ فيها (( اللحم المشوي بالعسل )) . لتصورته يقول ..

(( إذا فشلتم سموكم في الإقتناع بنصيحة المندوب السامي لصاحبة الجلالة .. فإن بريطانيا لسوء الحظ .. لن تكون في وضع يمكنها من تقديم العون لكم فيما لو تعرضتم للمتاعب .. . ورغم إني شخصيا أعطف تماما وكليا على موقفكم إلا أنكم لا بد وأن ترون أن مركزي الضعيف .. لايسمح لي بالتأثير في الأحداث لمصلحتكم )) ..

وفي نهاية اللقاء العاصف مع الأمير .. كان سمرفليد ينحني بإحترام للضحية التي جاء إلى الضالع لإطلاق النار عليها .. ولا مكان للغرابة هنا .. فالبريطاني .. أي بريطاني .. حتى عندما يريد قتلك .. يقول (( سأكون شاكرا .. وممتنا من السيد فلان ابن فلان الفلاني .. لو تفضل بالوقوف ووجه للحائط )) .

.. لا مكان عندهم للإنفعالات .. ولا مكان للوساوس الخلقية .. وهم يمضون لتحقيق مصالحهم بلطف .. ولكن بثبات .. ولا يهم أن يصبح صديق الأمس عدو اليوم .. فالأمور لا تؤخذ عندهم بحساب العواطف .. ولكن بحساب المصالح .. ولا يهم كذلك أن يضعوك في مأزق .. أو حتى في مصيبة المهم فقط أن يتخلصوا هم من المأزق .. وأن ينالوا أفضل النتائج بأقل التكاليف .. وللعمال سوابق في الهند .. وفلسطين .. وبلدان أخرى .. لا حاجة لمتابعتها . لأن هذا يقع خارج نطاق السياق ..

وبتاريخ 2/8/67 .. أرسل المستر سمرفيلد شحنة من السلاح والذخيرة على طائرة ( بفرلي ) إلى الضالع حيث سلمت لـعلي عنتر بواسطة الرائد أحمد مسعود حسني الذي كان في مركز الضالع .. وأرسل كذلك تعليمات محددة للعقيد أحمد محمد بن عرب قائد منطقة الضالع المتمركز في الحبيلين يأمره فيها بعدم التعرض لأية ثورة قد تنشب ضد الأمير بقيادة الجبهة القومية ..



عبدالله الجابري




رد مع اقتباس
  #77  
قديم 12-18-2010, 06:00 AM
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 56
افتراضي




منقول من كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة



الرفض الجماعي للحكم


لا مجال هنا للاجتهاد فنحن فقط نقدم الوقائع مجردة .. وسيأتي قطعا دور التعقيب عليها ومراجعة مدلولها وتقديم النتائج التي ترتبت عليها .. ومن الحقيقي أن بعض أوراق التاريخ غير ممتعة .. فنحن لا نؤلف رواية من الخيال لنحرص فيها على اكتمال الشروط الفنية .. وتوزيع الأضواء . والظلال بين مواقف الحق . وصور الجمال .. إننا نكتب عن فترة غير مشرقة من حياة شعبنا .. ودورنا اليومي للأحداث دون التدخل في مجراها ..

في 9/8/1967.. أرسل المستر ديلي سياراتي شحن بالأسلحة والذخيرة من معسكر ( ردفان كمب ) في خور مكسر .. وأرسلهما إلى قيادة الجبهة القومية في زنجبار لتسليمهما لسالمين ربيع .. وقد قبض على هذه الأسلحة والذخيرة في نقطة العلم الساحلية . الواقعة بين إمارة الفضلي . وعدن .. ولم يظهر الرجال الذين احتجزوا مع الأسلحة في نقطة التفتيش أي درجة من القلق .. فقالوا ان هذه الأسلحة سلمت لهم من ( فلان ) المستر ديلي .. وطلبوا الاتصال به للتوثق من صدق روايتهم وعندما أحيط المستر ديلي علما بما حدث . هرع على الفور إلى نقطة العلم .. وأمر بترك الرجال والأسلحة يتابعون طريقهم .. ولم تغب شمس ذلك اليوم . إلا والأسلحة في حوزة سالمين ربيع ..

وفي 22/8/1967أستدعى نائب المندوب . المقدم سالم عبدا لله قطيبي الذي كان مسولا في لحج . وطلب منه بحضور الزعيم داي قائد جيش الجنوب العربي . طلب منه أن يتصل بالأمير عبدا لله بن علي نائب سلطنة لحج ، ويخبره أنه لا ستطيع حمايتهم .. وأن عليهم مغادرة لحج مع أسرهم إلى مدينة الإتحاد في منزل فضل بن علي .
وليس بمقدوري الجزم بنوع المقاومة التي أبداها نائب السلطان .. ولا رد الفعل الصادر عنه .. غير أن الأكيد .. الأكيد أن عبدا لله بن علي أمتثل لهذا الأمر .. وليس في طاقته أن يفعل غير ذلك .. ليس في طاقته الشيء الذي لم يكن في طاقة غليوم عام 1918 .. عندما تبلغ من لودندروف أن الجيش الإمبراطوري خسر الحرب .. فكان لا بد من توقيع وثيقة التنازل .. أو بلغة التشبيه . تناول العلاج الأشد مرارة .

وبعد أربعة أيام من هذا التاريخ .. 26/8/1967 ذهب الكولونيل شبلين الوكيل الدائم لوزارة الدفاع الاتحادية .. ذهب إلى مكتب السلطان فضل بن علي وزير الدفاع .. وأبلغه أن لديه من الأسباب ما يدعوه إلى الاعتقاد بقيام مظاهرات ضخمة في مدينتي الشيخ عثمان والإتحاد .. وأن هذه المظاهرات قد تتطور إلى اشتباكات مسلحة .. وعلى هذا فإن شروط السلامة في عاصمة الإتحاد . قد تدنت إلى الحد الذي لا يمكن معه تأمين الحماية الضرورية لوزير الدفاع .

ولست أعرف ماذا قال وزير الدفاع الاتحادي .. ولكن ما أعرفه أن الهزيمة النفسية كانت قد حلت بوجدان المسئولين في الإتحاد . بحيث لم يعد في ميسروهم اختيار مصير آخر غير الذي يرسمه لهم البريطانيون .. وقد نقل السلطان فضل في نفس اليوم مع عائلته إلى منزل آخر بخور مكسر .. ولكن المندوب السامي لم يرضى عن هذه النتيجة .. فنظم ملاحقة جديدة في الليل لوزير الدفاع .. وأرسل له وكيل وزارته الكولونيل شبلين ليطلب منه - بقصد تأمين حمايته طبعا - الانتقال إلى المطار الحربي في خور مكسر حتى يرحل في الصباح مع عائلته .. المنزل لم عد مأمونا رغم أنه محاط بشبكة هائلة من معسكرات الجيش البريطاني .

وقد أنجز شبلين المهمة الموكلة إليه . ونقل وزير الدفاع إلى المطار الحربي .. وفي الصباح الباكر من يوم 27/8/1967 .. كنت طائرة بريطانية تقله مع عائلته إلى خارج البلاد .

شخصيا عندما تمر بي هذه الوقائع .. وعندما أعود لتسجيلها ألان فإني أنفق نصف المجهود على الكتابة .. والنصف الآخر على مقاومة ميلي الشديد إلى (( القهقهة )) ..
لأن الضحك الشديد يؤذي عضلات الصدر .. وصحتي عموما لا تحتمل هذه الدرجة من الأذى .. والذين يحبونني - وهم قليل - يشعرون بالهلع وهم يرون الموت يقوم ببعض الحفريات في عضلات وجهي .. وسلخ اللحم من عظام جسمي بالتدريج .. كما يفعل بائع (( الشاورمة )) .

وإذا كنتم ألان تقهقهون .. أو حتى تبتسمون .. فحذار أن تنسوا الابتسامة مرسومة على شفاهكم . كما يفعل المداهن عندما يلتقي بإنسان مرموق يرجو منه فضلة خير .. امسحوا هذه الابتسامات .. وتذكروا أن ما حدث في الجنوب العربي .. هو شيء نادر الحدوث في أي مكان آخر من العالم .. انه لا يخضع لقانون ( تكرر الحدوث والوقوع في التاريخ ) كما يقول نورث هوايتهد ..

حوادث فريدة سنتعلم منها _ إذا كانت لدينا قابلية للتعليم _ ما لم نتعلمه من تجارب الأجيال السابقة .. على عمقها .. وضخامتها ..


- 17 -



بدأت سلطة إتحاد الجنوب العربي في الانهيار تماما مع مطلع شهر أكتوبر عام 1967 وكانت المخابرات البريطانية بالتعاون مع دائرة المندوب السامي تلاحق بشكل متواصل بعض الجيوب في الإدارة الاتحادية والولايات التي لا تزال تحدوها بعض الآمال في الصمود .. وكانت هذه الجيوب لا تعرف طابع المخطط البريطاني ... ولكنها تحس به في النهاية عندما يلقي بثقله ضدها .

وقد اتضحت مسألة انهيار السلطة الاتحادية للشيخ على مسعد البابكري رئيس المجلس الأعلى لشهر ( 9 ) .. ومن ثم فقد هرع إلى مكتب الزعيم داي القائد البريطاني لجيش الجنوب العربي بتاريخ 1/9/1967 وأبلغه أن حكومة الإتحاد لم تعد قادرة على الاضطلاع بالحكم .. نتيجة للتصدع الواضح فيها .. وانهيار بعض الأجهزة . وانقسام الرأي العام وتكاثف الأسباب الموحية باندلاع حرب أهلية .

وبالاستناد إلى هذه الأسباب جميعا فقد عرض الشيخ علي مسعد بصفته رئيس المجلس الأعلى أن يسلم السلطة لجيش الجنوب العربي .. وربما لم يجل بخلد هذا الشيخ الذي أنغمس كـغيره في التعاون مع الحكم البريطاني .. لم يجل بخلده أن بريطانيا تبيت لهم وللجنوب نهاية مفجعة .. تفوق في تعاستها ما يجول عادة في وجدان الحاقد الموتور .

وقبل إعطاء الشيخ علي مسعد جواب محدد .. طلب الزعيم داي مهلة إلى اليوم الثاني حتى يناقش هذا ( العرض ) مع الضباط العرب .. في الجيش .. والتمس من رئيس المجلس الأعلى .. عدم الخوض في هذا الشأن مع شخص آخر قبل أن يتصل به ثانية خلال ( 24 ) ساعة .

وفي الحال توجه الزعيم داى إلى دار المندوب السامي .. وأبلغه بعرض الشيخ علي مسعد بحضور ضابطين عربيين كانا موضع ثقة داى . ولأن مثل هذا العرض لا يتفق وأغراض الخطة المشتركة التي أتفق عليها مع قحطان والضالعي وهيثم وفيصل وعبدا للطيف وبقية الضباط الذين ذكرناهم في الحلقات السابقة .. فقد طلب المندوب السامي ( تري فيليان ) من الزعيم داى ترتيب ( عملية رفض جماعية ) من الضباط العرب لمثل هذا العرض ... وعلى الضباط الأكثر تفهما ( لأهداف خطتنا ! ) تزعم عملية الرفض .. ومعارضة من يشعر بالرغبة في قبول استلام السلطة .. وقال المندوب السامي ( محللا النتائج ) .. وإذا تحقق الرفض فإن السلطة ستسلم لنا - للمندوب السامي - وهذا يسهل أمامنا خطة تسليمها للجبهة القومية حسب الاتفاق ..

وبدون أية صعوبات تستحق الذكر .. ففي اليوم التالي رفض جيش الجنوب العربي استلام الحكم في الجنوب وقد قدم إليه على طبق من ذهب .. ليس لأنه لا يوجد ضمن هذا الجيش الطموح الراغب الأبهة والسلطان .. ولكن لأن ( الأسياد ) لقنوه من خلف كواليس المسرح ما ينبغي عليه أن يقول .. وقد فعل ..

والآن وأنا أحاول تعليل بواعث هذا الرفض من بعيد .. فإنه لا يخالجني أدنى مقدار من الشك أن الغالبية العظمى من الضباط رفضوا .. لسبب أوحد وحيد وهو أن بريطانيا أمرتهم بالرفض .. ففعلوا ما أمروا به .. وقد نمت قابلية الطاعة لما يصدر عن المستعمرين البريطانيين عبر أجيال من الإخضاع الجسمي .. والنفسي .. وليس هناك ما هو أسوأ من استعباد المرء نفسيا .. وإدامة هذا الاستعباد وتثبيته بمختلف الوسائل .. والأساليب . بحيث يستعصى على الشخص الخاضع للاستعباد مقاومة الإيحاءات الصادرة إليه .. أو حتى أن يكلف نفسه مشقة النظر فيها .. ومراجعتها .. و تمحيصها ..

وفي 1967/9/24 عقد مؤتمر موسع برئاسة المندوب السامي .. وحضور بعض رجال الجبهة القومية وبعض ضباط الجيش والأمن العام . وضباط المخابرات البريطانيون ... لدراسة السبل المؤدية إلى التغلب على العناصر العسكرية من جبهة التحرير ورابطة الجنوب العربي .. المتمركزة بقوة في مناطق دار سعد . والشيخ عثمان .. والقاهرة والمنصورة . وكان رجال التحرير أكثر عددا وعدة في هذه المناطق من رجال الرابطة .. لأن المخابرات المصرية ألقت بكل ثقلها هناك بقصد تركيز التحرير بالقرب من عدن .. وكان الرابطيون .. قد تعرضوا لسلسلة طويلة من

التصفيات في عدن .. على أيدي البريطانيين .. ورجال جبهة التحرير .. والجبهة القومية . وكانت هذه الأطراف تعاديهم ولكل أسبابه الخاصة .. وكان الرابطيون يفتقرون إلى السلاح . وكان مصدر تمويلهم هو ما يحصلون عليه عن طريق الشراء من اليمن ..

وكان نفوذهم الشعبي في عدن قد تقلص إلى حد كبير بسبب الحملات الدعائية التي تشن عليهم منذ عدة أعوام بواسطة المخابرات المصرية .. وقد صمدوا للعديد من الضربات .. وكانت أبرزها .. هجوم القوات البريطانية على مقرهم في عدن .. والاستيلاء علبه بعد قتال مرير دام يوما واحدا .. وإحراق هذا المؤتمر تماما واعتقال أكثر من مائة رجل كانوا يدافعون عنه ..

وبالإضافة إلى ذلك كانت القيادة الرابطية في المنفى تؤمل أن يصغى الجميع السمع إلى دعوتها بالوحدة الوطنية .. وتكوين حكومة انتقالية تتولى استلام سلطة السيادة والحكم من بريطانيا .. وإعداد دستور للجنوب في مرحلة
الانتقال وإجراء انتخابات عامة خلال مدة لا تزيد عن عامين .

كذلك كانت القيادة الرابطية تراهن على ورقة معينة ... وهي ألا تلوث يدها بالدماء في سبيل الحكم .. طالما أن الاستقلال أضحى مسألة مقررة .. وفي اعتقادها أن الجامعة العربية ستفرض ائتلافا بين كل الأحزاب .. ولن تعترف بأية جماعة تحاول اغتصاب الحكم بقوة السلاح . واضطهاد الجماعات الأخرى ..

أما بالنسبة للتحرير فقد كان الأمر مختلفا أشد الإختلاف .. فقد كانت تصر على أنها الممثل الوحيد للشعب . وكانت المخابرات المصرية تدعم وجهة النظر هذه . وتحشد المزيد من الرجال والسلاح في الشيخ عثمان والمنصورة والقاهرة ودار سعد .. استعدادا لجولة حاسمة مع الأحزاب المنافسة المتطلعة إلى المشاركة أو الإنفراد بالحكم ..

وكانت المشكلة التي واجهت المؤتمر الذي ترأسه المندوب السامي هو تصفية هذه المناطق من الأحزاب المضادة للجبهة القومية .. وكـخطوة أولى أتفق على أن تزيد الجبهة القومية من تركيز رجالها في حي الشيخ عثمان .. وستتولى المخابرات البريطانية تسليحهم ودفع المكافآت المناسبة لهم .. كما أتفق كذلك على أن يقوم الجيش البريطاني في اليوم التالي بحملة واسعة في مدينة الشيخ عثمان والأحياء المجاورة بقصد إضعاف شوكة ما أطلق عليه الأحزاب المضادة للجبهة القومية .. وقد نفذت هذه الحملة العمل بتاريخ 67/9/5 ولكنها لم تسفر عن نتائج مرضية .. فقد دمرت الدبابات خمسة عشر عمارة .. وسقطت أعداد من القتلى في الشوارع . ولكن الضربة لم تكن مميتة إطلاقا .. لا بل إنها ظهرت في اليوم التالي كما لو أنها عجزت عن أن تكون مؤذية .. مع ضخامة الفارق بين حالة الموت وحالة التعرض للأذى ..




عبدالله الجابري





( انتهى )
رد مع اقتباس
  #78  
قديم 12-21-2010, 11:27 AM
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
المشاركات: 627
افتراضي

لنبذل جهودنا في التنوير لتمكين الوعي الجنوبي في سبيل استعادة الهوية كونها المقدمة الأولى للوصول الى أهدافنا في الاستقلال وبناء الدولة الحديثة.

من قبل توجد ما أطلق عليها ثورة 14 أكتوبر وقبل أن توجد الجبهة القومية ومن ثم جبهة التحرير ، كان هناك جهد وطني جبار بقيادة رابطة أبناء الجنوب العربي ورجالها الذين عملوا بدون ضجيج في داخل الوطن وفي المحافل الدولية من اجل استقلال الجنوب العربي ومقاومة مشروع اليمننة ، فقد توجت جهودهم بصدور قرار أممي( لجنة تصفية الاستعمار ) في 1963 بمنح الجنوب العربي الاستقلال التام ، ومن ثم إعلان الحكومة البريطانية بأنهم سوف ترحل من الجنوب بتاريخ 8 فبراير 1968 م في سياق جدول زمني للانسحاب من مستعمراتها شرقي السويس (الجنوب العربي عمان الأمارات العربية قطر البحرين )

فهل حقا كنا بحاجة الى ثورة مسلحة لطرد المستعمر البريطاني ؟
أليس حقا كنا في غنى عن تلك الفوضى وآثارها الكارثية المدمرة ؟

يطيب لي انقل الى كل جنوبي وجنوبية ما جاء في كتاب ( الجنوب العربي في هيئة الأمم المتحدة 1963 )

أسد الشرق الخليفي



هذه هي القصة
نقطة الانطلاق

ان الحركة الوطنية في الجنوب العربي نشأت متأخرة نتيجة لعوامل وظروف عديدة .
انبثقت هذه الحركة عام 1948 بولادة ( رابطة الجنوب العربي ) واستمرت الرابطة
في إرساء قواعد النضال في الجنوب منذ ذلك التاريخ حتى عام 1956 , مبشرة بالفكرة
منظمة للمؤمنين بها , ولم تكن ظروف الجنوب والمد الاستعماري حينذاك يسمح للرابطة
بالاقتصار في نشاطها على ذلك بل اضطرت في كثير من الأحيان لخوض معارك محلية
في عدد من المناطق تستهدف عرقلة هذا المد الاستعماري الذي كان يتوغل في الجنوب
في نفس الوقت الذي ينحسر فيه هذا المد في كثير من بقاع العالم .
وكانت الرابطة حتى عام 1956 مشغولة بالعمل في الداخل عن خطة تستهدف ربط هذا
النضال بكفاح شعوب العالم ضد الاستعمار وخاصة كفاح الشعب العربي في الأجزاء الأخرى من الوطن العربي الكبير .
في منتصف هذا العام بلغ النضال في الجنوب العربي من ناحية , وتخطيطات المستعمر
ومشاريعه وعدوانه على قطاعات الشعب العديدة من ناحية أخرى مستوى يحتم الانتقال
به إلى مرحلة جديدة .ان الرابطة وهي تؤمن بوحدة النضال العربي وترابطه , وتؤمن بالأثر الكبير للنضال العالمي ضد الاستعمار قررت عام 1956 ضرورة ربط نضالنا في الجنوب بالنضال العربي العام في سبيل التحرر والوحدة العربية وتطوير المجتمع العربي الى مستوى افضل , كما قررت الرابطة اختيار الزمن المناسب لنقل القضية بعد ذلك الى المجالات الدولية رسمية وشعبية .

ماذا حدث عام 1956 ؟

تبلورت في عام 1955 اتجاهات الحركة الوطنية في الجنوب , وتجمع الوطنيون في تيار ذي اهداف محددة , وتكون المؤتمر الوطني بقيادة رابطة الجنوب العربي ووقف الوطنيون في الجنوب العربي صفا واحدا برأي موحد ضد المشاريع الاستعمارية ورسموا الخط الذي يجبان تسير عليه بلادهم .

ولهذا لم يسعف البريطانيين صبرهم ولا برودهم التقليدي فقاموا بعدد من الاجراءات العنيفة عام 1956 شملت المحاكمات والغرامات والاعتقال والتفتيش , ثم ختمت ذلك في نفس العام بنفي كل من رئيس وامين عام حزب رابطة الجنوب العربي من عدن حيث حظرت عليهما العودة اليها , واتخذ رئيس الرابطة وامينها العام القاهرة مقرا لهما واسسا فيها مكتب الجنوب العربي حيث افتتح رسميا اواخر عام 1956 , وكان تأسيس مكتب الجنوب العربي بالقاهرة نقطة انطلاق للمرحلة النضالية الجديدة .

ولم تكن تلك الاجراءات التعسفية التي ارتكبتها بريطانيا ضد حقوق الانسان وكرامته بمثبطة للهمم او عائقة لانطلاق الحركة الى اهدافها بل كان الامر على العكس من ذلك اذ لم يلبث الموقف بين الشعب المناضل ومستعمريه أن عاد الى التأزم العنيف اواخر عام 1957 واوائل عام 1958 وفقدت بريطانيا اعصابها وارتكبت سلسلة من اعنف واقسى الاجراءات العسكريةالبوليسية اهمها :

1- احتلال سلطنة لحج بقوات كبيرة من الجيش البريطاني والقوات الاخرى التابعة له وكذلك احتلال يافع الساحل والعوالق العليا .
- محاولة القبض على رئيس الرابطة واخويه وهما من قادة الرابطة ومطاردته حتى حدود
اليمن .
3- عزل سلطان لحج ( السلطان علي عبدالكريم العبدلي ) ونفيه عن بلاده وعن سائر الجنوب
4- عملت على ابعاد نائب سلطان يافع ونائب شيخ العوالق العليا من بلادهما .
5- اعلان حالة الطوارئ في عدن وايقاف صدور صحيفة الجنوب العربي لسان حال الرابطة واصدار الامر باعتقال صاحبها ورئيس تحريرها الذي هو في الوقت احد اقطاب الرابطة .
6- اغلاق فروع حزب الرابطة في لحج ويافع والفضلي والعوالق واغلاق عدد كبير من
الاندية وفي مقدمتها نادي الشباب الثقافي بالمكلا ( حضرموت ) .
7- اعتقال عدد كبير من رجالات الجنوب العربي وفي مقدمتهم مدير المعارف والاشغال
والمالية بالسلطنة الفضلية , مدير المعارف والصحة بسلطنة لحج حيث اعتقلته في
جزيرة سقطرى ستة اشهر اطلقت سراحه بعدها ونغته من الجنوب العربي وحرمت عليه العودة اليه .

وقد صاحب هذه الاجراءات ضغط وارهاب عام في سائر مدن المنطقة وفي مقدمتها عدن كما صاحبتها عمايات قمع مسلحة للقبائل الموالية للرابطة استخدم فيها سلاح الطيران البريطاني بشكل لايشرف دولة تدعي التمدن والحفاظ على حقوق الانسان وكرامته .
وفي هذه الظروف المحتدمة بالنضال والصراع المليئة بالغدر الاستعماري والعدوان على الحقوق والكرامة الانسانية , كان مكتب الجنوب العربي بالقاهرة يقوم بمهمته في المجال العربي وينهض بدوره في النضال , كما انه يتلمس السبيل الى المجال الدولي لشرح هذه القضية واستصراخ ضمير الانسانية المتحررة , وكان المؤتمر الاسيوي الافريقي الباب العريض الذي ولجته قضية الجنوب العربي فاحتلت مكانها وسط قضايا الشعوب الافريقيةالاسيوية المناضلة وذلك في شهر ديسمبر 1957 , وفي منتصف عام 1958 كان العدوان البريطاني والغطرسة الاستعمارية قد بلغا اوجهما واوغلت الحكومة البريطانية في تجاهل حقوق الشعب العربي في الجنوب تلك الحقوق التي اقرتها المواثيق الدولية ووقعتها بريطانيا ضمن الدول التي وقعتها واعلنتها .

وعندئذ قررت الرابطة انه لم يعد هناك مناص من الانتقال بقضية الجنوب العربي الى مرحلة جديدة اخرى , وهي عرض القضية على هيئة الامم المتحدة .
وكانت كل الظروف الداخلية والخارجية مهيأة تماما لعرض هذه القضية ... النضال في الداخل محتدم بين قوى الشعب العاملة وبين المستعمر والقوى المتحالفة معه , نضال في كافة المستويات وبكل الوسائل , نضال سياسي تقوده الطليعة في المدن بشكل منظم وشامل نضال مسلح تقوده القبائل المتجاوبه مع الحركة الوطنية حيث خاضت سلسلة من المعارك القوية وتعرضت بفداء وتضحية لعمليات قاسية من القصف الجوي والارضي .نضال عمالي يخوضه العمال الوطنيون في عدن في تجاوب مخلص مع الحركة السياسية ( الرابطة ) ولم تكن القيادة العمالية الانتهازية قد اطلت برأسها بعد – نضال سياسي في الخارج يقوده مكتب الجنوب العربي بالقاهرة ورجاله الذين زاروا العواصم العربية تهيئة للمرحلة الجديدة . والجو العربي حينذاك كان جوا مهيئا تماما لاتخاذ الخطوة !! الجمهورية العربية بأقليميها الشمالي والجنوبي في وحدة رائعة رائدة قائدة للنضال العربي في كل مكان .
الشعب العراقي في نشوة النصر بثورة 14 تموز وفي طريقه لتحقيق الوحدة العربية الشاملة !الخلافات بين الدول العربية لايكاد يحس بها
اليمن دخلت عضوا في اتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة !!
والجو العالمي كان ايضا مهيئا تماما لعرض هذه القضية !!
كانت بريطانيا قد خرجت من عدوانها الفاشل في السويس ملطخة بالهزيمة والعار ! مدموغة في هيئة الامم المتحدة وفي انظار سائر دول العالم بالعدوان وفرض استعمارها على المنطقة العربية وتحالفها مع اسرائيل كانت بريطانيا نتيجة لعدوانها هذا تتقهقر عن المنطقة العربيةوتنحسر بغير انتظام .
ومن ناحية اخرى فان الدول المناهضة للاستعمار كانت تتضافر جهودها في هيئة الامم للقضاء عليه وتتلقف اية قضية ترفع الى الامم المتحدة لتدين الدول الاستعمارية وتفضح اساليبها .
وهكذا فان كل الظروف الداخلية والخارجية حينذاك كانت مهيأة تماما لعرض هذه القضية في هيئة الامم المتحدة .
ولهذا قررت الرابطة ابراز قضية الجنوب العربي في المجال الدولي والعمل على عرضها في هيئة الامم المتحدة .


منقول من كتاب ( الجنوب العربي في هيئة الأمم المتحدة ) 1963
رد مع اقتباس
  #79  
قديم 12-24-2010, 07:54 AM
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
المشاركات: 627
افتراضي





لنبذل جهودنا في التنوير لتمكين الوعي الجنوبي في سبيل استعادة الهوية كونها المقدمة الأولى للوصول الى أهدافنا في الاستقلال وبناء الدولة الحديثة.

من قبل توجد ما أطلق عليها ثورة 14 أكتوبر وقبل أن توجد الجبهة القومية ومن ثم جبهة التحرير ، كان هناك جهد وطني جبار بقيادة رابطة أبناء الجنوب العربي ورجالها الذين عملوا بدون ضجيج في داخل الوطن وفي المحافل الدولية من اجل استقلال الجنوب العربي ومقاومة مشروع اليمننة ، فقد توجت جهودهم بصدور قرار أممي( لجنة تصفية الاستعمار ) في 1963 بمنح الجنوب العربي الاستقلال التام ، ومن ثم إعلان الحكومة البريطانية بأنهم سوف ترحل من الجنوب بتاريخ 8 فبراير 1968 م في سياق جدول زمني للانسحاب من مستعمراتها شرقي السويس (الجنوب العربي عمان الأمارات العربية قطر البحرين )

فهل حقا كنا بحاجة الى ثورة مسلحة لطرد المستعمر البريطاني ؟
أليس حقا كنا في غنى عن تلك الفوضى وآثارها الكارثية المدمرة ؟

يطيب لي انقل الى كل جنوبي وجنوبية ما جاء في كتاب ( الجنوب العربي في هيئة الأمم المتحدة 1963 )

أسد الشرق الخليفي


------------------------------------------------------





هذه هي القصة


قضايا في قضية واحدة


ان اول مشكلة كان يمكن أن تقف أمام عرض قضية الجنوب العربي ككل , كما تتبناها الرابطة
وتقود عملية الكفاح من اجلها , ناشئة عن واقع التجزئة التي يعيشها الجنوب العربي حيث ينقسم الجنوب نفسه الى نحو من ثلاث وعشرين سلطنة وامارة ومشيخة ومنطقة اذ أن لكل
ولاية من هذه الولايات مشكلة خاصة بها ومعركة تخوضها مع المستعمر .
وقد ساعدت بريطانيا على تعدد هذه المشاكل ليتعثر علاج القضية الكبرى , قضية الوجود
الاستعماري في المنطقة بكاملها .

ولكن الرابطة في عام 1958 وبعد نضال سنوات مريرة استطاعت أن تدمج هذه القضايا
المحلية العديدة في قضية واحدة .
ان عدن مثلا لها قضية متميزة مع بريطانيا حيث تحكمها حكما مباشرا كمستعمرة وكجزء
من ارض التاج , وما يتبع هذا الوضع من قضايا فرعية كفتح باب الهجرة , وكاعتبار العرب
اصحاب الارض الشرعيين مجرد جالية كغيرها من الجاليات الاجنبية التي وفدت الى عدن
في ركاب المسنعمر البريطاني وتشجيعه .
والامارات العربية العديدة الممتدة من لحج حتى سلطنة المهرة لها قضايا يختلف بعضها عن
بعض من حيث الشكل , فبعضها فرضت عليها بريطانيا معاهدات حماية , والبعض الآخر
معاهدات الاستشارة بجانب معاهدات الحماية وبعضها تحكم برئيس , واحداها تحكم بلجنة
صورية كمنطقة دثينة .
البعض منها تحكم فعلا من قبل المستشار البريطاني المفروض او مساعده والبعض الآخر
تحكم من قبل السلطان او الامير والمستشار من ورائه .
البعض منها يحكم بواسطة السلطان المؤيد من قبل المستشار والبعض الآخر جمد سلطانه
وعين الانجليز نائبا عنه من اقاربه يحكم باسمه على الرغم منه .
البعض منها تميز بنوع من الحكم الداخلي المتحرر كلحج والبقية لاحول لهم ولا طول الا
بالمستشار , وهكذا كان لكل منطقة في الجنوب – كنتجة حتمية للتجزئة التي يعيشها – قضية
مع الاستعمار البريطاني .
فكفاح الرابطة كفاحا شاقا اذ عملت على دمج هذه القضايا المحلية كلها في قضية واحدة
وسارت عملية التوعية على هذا الاساس .
فلم يقبل عام 1958 حتى تمكنت الرابطة من تحويل هذه القضايا كلها الى قضية واحدة هي
القضية الرئيسية التي بحلها تحل سائر هذه القضايا !!
ولقد كانت الرابطة منطقية في ذلك بكل معنى المنطق ورغم الصعوبات والعراقيل ومشاكل
المجتمع ودسائس المستعمر فان توفيق الرابطة في خطها المرسوم كان بعيد المدى .

ان قضية لحج مثلا عام 1958 كانت ابرز هذه القضايا المحلية حيث احتلت بريطانيا سلطنة
لحج بالقوة ونهبت المنازل وعزلت سلطانها الوطني المتحرر وعينت مكانه من يسهل عليها
قيادته وتوجيهه وانتهكت بذلك ابسط قواعد العرف والعدالة بل انها بذلك قد نقضت معاهدة
الحماية والاستشارة التي فرضتها على لحج لصالح بريطانيا .
وكان سلطان لحج الشرعي قد استطاع الخلاص من خطة الاعتقال التي كانت بريطانيا قد
اعدتها له ولم يشأ السلطان علي عبدالكريم العبدلي – عن فهم وايمان ان يقع في اخطبوط
التجزئة المفروض على الجنوب ولهذا لم يرى ان تعرض قضية كقضية قائمة بذاتها بل اعلن
أن قضية لحج هي جزء من قضية الجنوب العربي , وأن قضية الجنوب العربي يجب أن
تعرض في هيئة الامم المتحدة ككل وأن يتخذ ماحدث في لحج كدليل دامغ ملموس ضد
المستعمر البريطاني وسياسته القائمة في الجنوب .
ولقد كان هذا الموقف الذي وقفه سلطان لحج حاسما ومثمرا اعان به الحركة الوطنية في الجنوب العربي على التخلص من هذه المشكلة مشكلة تعدد القضايا في الجنوب مع المسنعمر
البريطاني , هذا النفوذ الذي لو لم تتمكن الرابطة من القضاء عليه لنال الجنوب العربي من
ورائة شر مستطير ولتمكن المستعمر من تثبيت قواعده في الجنوب تثبيتا بعيد المدى .


موقف اليمن والجامعة العربية من قضية الجنوب العربي


وليس هذا الكتاب او هذه المقدمة قد وضع او وضعت وتحليل علاقة قضية الجنوب العربي باليمن او بالجامعة العربية , ولايستهدف هذا الكتاب او هذه المقدمة توضيح الموقف المخزي
الذي وقفته الحكومة اليمنية السابقة من قضية الجنوب ولا التلكؤ والاهمال والتستر الذي نهجت
عليه الجامعة العربية ازاء هذه القضية , فان لذلك مجالا آخر او كتابا آخر يشرح الخفايا ويبين
المآسي التي عاشتها ولاتزال تعيشها قضية الجنوب في المجال العربي الغارق في الاوهام والتشاحن والمجاملات ولو كان ذلك على حساب قضية الانسان العربي وهدرا لنضاله وتمكينا
لاعدائه . ان لذلك مجالا آخر غير هذا الكتاب وهذه المقدمة .

بيد اننا ونحن نسجل خطوات الطريق الذي سار عليه رجال الحركة الوطنية في الجنوب بقضيتهم الى هيئة الامم المتحدة فانه يتحتم علينا أن نتعرض لموقف الحكومة اليمنية السابقة
والجامعة العربية من محاولاتنا للولوج بالقضية الى هذا المعترك الدولي , وبقدر محدود نفرض على انفسنا وعلى مشاعرنا وعلى اقلامنا ان نقف عنده لانتخطاه .

لم نكن نحن رجال الحركة الوطنية في الجنوب على خبرة كبيرة بدخائل المسئولين في اليمن
او الاوضاع فيها , سوى الشعور المتزايد في الوطن العربي سيما المناطق المجاورة لليمن
بسوء الاوضاع الداخلية , والآلآم التي يعيشها اليمن العربي من جراء الطريقة التي يحكم بها
على الرغم من النصائح التي كان يقدمها بعض الجنوبيين الخبراء بشئون اليمن , هذه النصائح
التي تكشف سوء نوايا القائمين بالحكم فيها وقدرتهم الكبيرة على الدسائس .

وعندما انفجر البركان الشعبي في الجنوب عام 1956 كنا نأمل ان تقف اليمن وقفة هادفة بجانب هذا النضال ولكن تجربتنا خلال عامين اقنعتنا انه لاأمل في هذا السند المعنوي المطلوب وأن المسئولين في اليمن يعيشون في اوهامهم من ناحية , وأنهم غارقون حتى الاذقان في مآسيهم من ناحية اخرى , ثم هم بالاضافة الى ذلك يعيشون في حذر بالغ من
الانتفاضة الشعبية في الجنوب العربي .


وبصراحة المناضلين يهمنا ان نسجل هنا أننا حتى منتصف 1958 لم نكن نعتقد أن موقف اليمن سيتجاوز السلبية الى الايجابية المدمرة ضد الحركة الوطنية في الجنوب .

ولكن هذا – مع الاسف الشديد – هو الذي حدث بالفعل , ولم يكن موقف اليمن سلبيا من البداية
بل ايجابيا ضد حركتنا الوطنية في الجنوب منذ بروزها على مسرح الاحداث غير أننا في غمرة النضال ضد الاستعمار , ولضعف خبرتنا وتجاربنا خيل الينا حينذاك أن الامر لايعدو
مجرد السلبية والعجز .

وفي الاشهر المتتابعة من ابريل حتى اكتوبر سنة 1958 ظهر لنا بوضوح كيف يعمل المسئولين اليمنيون على تخريب حركتنا الوطنية وهدم الجسور أمامنا وتلغيم الطريق في المجال العربي وعلى كافة المستويات الشعبية والرسمية والصحفية والجامعة العربية وفي سنة 1954 بدأ أول احتكاك سياسي على مستوى يشمل الجنوب كله بين ( الرابطة ) وحكومة
عدن الانجليزية وذلك عندما تقدم حاكم عدن الاسبق ( توم هيكم بوتام ) بمشروعه الاول
للاتحاد الفيدرالي للمحميات الغربية وبمشروع مماثل له للمحميات الشرقية , وباقتراحات
دستورية خاصة بمستعمرة عدن .

وثارت في ذلك العام قبيلتا الدماني ( في السلطنة العوذلية ) والربيزي في ( سلطنة العوالق العليا ) كما ثار المشائخ آل ابوبكر بن فريد ثورتهم الاولى معلنين المقاومة للمشاريع البريطانية
وللاوضاع الداخلية التي فرضها الانجليز في منطقتهم .

وقبل هذه الاحداث واثناؤها زرارت بعثة من الجامعة العربية اليمن حيث استمعت الى وجهة
نظر الامام في التطورات الجديدة كما زارت البيضا واتصلت ببعض الجنوبيين ثم غادرت اليمن الى القاهرة مارة بعدن .
وكان في البعثة عدد من رجالات العرب من مصر والعراق وغيرهما وعلى رأسهم السيد الامين العام للجامعة .
وعلمت الرابطة بنبأ وصولهم فرتبت لهم استقبالا على عجل ونجح الاستقبال في نقل مشاعر
الشعب في الجنوب نحو اخوانهم , وآراؤهم في التطورات الجديدة , وفي 27 يناير 1954
أصدرت الجامعة العربية بيانا موجها الى الشعب العربي في الجنوب جاء فيه مايلي :

"" وقد كانت الجامعة العربية وماتزال تراقب بقلق بالغ سير هذه المحاولة وماتتذرع به
السلطات البريطانية في تحقيقها من وسائل الضغط والعنف مشاركة أخوانها اهل تلك
المناطق العربية العزيزة ما يكابد به من ألم وضيق , وقد تلقت الجامعة بارتياح أن اخواننا سكان تلك المناطق يرفضون جريا على تقاليدهم العربية النبيلة الاستسلام لما يقع عليهم من ضغط , ويتشبثون بحقوقهم وحقوق بلادهم , مستنكرين في اباء وشمم هذه المحاولة المنافية لقواعد الدين والحق والعدل ومبادئ ميثاق الامم المتحدة وأنهم مصممون على رفض كل مشروع يسلبهم حريتهم ويربطهم بعجلة السياسة البريطانية ،
وأن الجامعة لتحي اولئك الاحرار من السلاطين والامراء والمشائخ الذين رفضوا ذلك المشروع وعلى مابدا منهم من التصميم على المضي فيه معتمدين على الله عزوجل وعلى
الحق الذي لابد ان ينتصر , والجامعة العربية مدفوعة بروابط الاخوة العربية ستبذل قصاري
جهدها لمقاومة السياسة التي بنيت لتلك الاقاليم العزيزة وهي تحرص على تحريرها من كل
نفوذ اجنبي والاحتفاظ بها لاهلها ، لهذا نناشد اخواننا الثبات في موقفهم الوطني وأن الجامعة
لن تتوانى في شد ازرهم ومناصرتهم بكل ما تستطيع من جهد حتى تنتهي جهودنا جميعا الى
الظفر بالغاية التي نصبو اليها فتنجوا البلاد من كل شر ويعيش اهلها سادة احرارا ""

ولم يكن الشعب في الجنوب منتظرا اشارة البدء من ايه جهة ليشرع في نضاله في سبيل اهدافه المثلى , بل انه قد قال كلمته ولكن الشعب العربي في الجنوب كان منتظرا من اخوانه
العرب في الجامعة أن يسندوه في نضاله وان يدعموا كفاحه ولو بجهد متواضع .
ولذلك فأن هذا البيان الذي قرأه وسمعه المناضلون حينذاك بفرحة غامرة يمسك به المناضلون
اليوم كوثيقة ومستند تاريخي يضعونه امام الجامعة لترى مدى ماقدمت لهم من سند وعون في نضالهم المرير .
كان هذا اول اتصال من الحركة الوطنية في الجنوب بالجامعة اذا اغفلنا الاتصالات العابرة
والمجاملات المعتادة كالاحتفال بيوم الجامعة والعمل على أن يكون عطلة رسمية في الجنوب
بل وتنفيذ ذلك عمليا في بعض الاحيان .
وفي الستة الاشهر الاخيرة من عام 1956 كان رئيس الرابطة وأمينها العام على اتصال مستمر بالامانة العامة بالجامعة لشرح القضية وتوضيحها وتقدما بعدة طلبات تستهدف اسناد
هذه القضية .
وفي فبراير سنة 1957 تمكن رئيس الرابطة بعد جهد من التحادث أمام حضرات اعضاء
اللجنة السياسية المنعقدة حينذاك بالقاهرة , وناشدهم بالعروبة والاخوة الوقوف الى جانب
شعب الجنوب في نضاله بعد ان شرح لهم حقائق الوضع هناك , واستمر الامين العام في
اتصالاته ومحاولاته مع الجامعة العربية دون جدوى حتى منتصف سنة 1958 .

واشتدت الازمة في الجنوب العربي ووصلت الى مرحلة تستدعي التحرك العاجل وكما ذكرنا
آنفا كانت كل الظروف مهيأة لرفع القضية الى هيئة الامم المتحدة وعاودنا الاتصال بالجامعة
العربية .... رئيس الرابطة وأمينها العام من ناحية وسلطان لحج الذي نفاه الانجليز وعزلوه
( السلطان علي عبدالكريم العبدلي ) من ناحية اخرى وعشرات من البرقيات والمذكرات
من رجالات الجنوب الاخرين من ناحية ثالثة , ولكن الجامعة لم تحرك ساكنا !!!! وكانت الحجة أن حكومة اليمن ترفض عرض القضية في هيئة الامم !!!!! لابل أن حكومة اليمن ترفض أن تبحث الجامعة العربية هذه القضية او تسمح لرجال الجنوب بالتشرف بالمثول امامها لشرح حقائق قضيتهم !! وكان يكتفى في اكثر الاجتماعات باصدار قرار بتأييد اليمن
في مطالبتها بالجنوب وانه جزء من المملكة اليمنية المتوكلية لا يتجزأ .

وسار الامر على هذا المنوال !!!!!!!

اصبحت قضية الجنوب وماتثيره حكومة اليمن باستمرار عند أي تعرض من قبل احد الاعضاء
لهذه القضية مثار تندر السياسين والصحفيين العرب !
لقد هانت علينا أنفسنا ونحن نرى ونلمس مدى الاهانات التي تتعرض لها قضيتنا ... قضية شعب عربي يناضل في سبيل حريته وكرامته واستقلاله وينفرد به المستعمر بقضه وقضيضه
وقواته الساحقة ومع ذلك فهو يرى أن قضيته اصبحت مثار تندر في المجالس , وأن القضية لم
تعد قضية تحرر من الاستعمار ووحدة عربية وعدالة اجتماعية , قضية الانسان العربي المستعبد المتخلف بل قضية تسمية , قضية جنوب عربي ام جنوب يمني ؟ !!!
واستمر نضالنا دون يأس لاقناع اخواننا في الجامعة العربية وفي مقدمتهم حكومة اليمن طيلة
عام 1958 وحتى منتصف سنة 1959 دون فائدة او جدوى بل أن القضية استمرت في تلك
الحلقة المفرغة .
وفي منتصف عام 1959 قررت قيادة الرابطة امرا !!
لابد من ذهاب وفد الى هيئة الامم المتحدة وتلمس السبل لادراج قضيتنا في جدول اعمالها , وتقرر ان يذهب وفد من ثلاثة اعضاء لهذه المهمة ، غير أن الرابطة لم تتمكن من تدبير المبلغ
اللازم لذلك ، واستطاعت اخيرا من تدبير مبلغا يكفي لسفر وفد مكون من شخص واحد فقط
وهكذا تقرر ان يتوجه الى هيئة الامم الاخ الزميل شيخان عبدالله الحبشي .




منقول من كتاب ( الجنوب العربي في هيئة الأمم المتحدة ) 1963

التعديل الأخير تم بواسطة asdashrqalkhalifi ; 12-26-2010 الساعة 04:51 AM
رد مع اقتباس
  #80  
قديم 12-26-2010, 05:04 AM
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
المشاركات: 627
افتراضي



لنبذل جهودنا في التنوير لتمكين الوعي الجنوبي في سبيل استعادة الهوية كونها المقدمة الأولى

للوصول الى أهدافنا في الاستقلال وبناء الدولة الحديثة


من قبل توجد ما أطلق عليها ثورة 14 أكتوبر وقبل أن توجد الجبهة القومية ومن ثم جبهة التحرير ، كان هناك جهد وطني جبار بقيادة رابطة أبناء الجنوب العربي ورجالها الذين عملوا بدون ضجيج في داخل الوطن وفي المحافل الدولية من اجل استقلال الجنوب العربي ومقاومة مشروع اليمننة ، فقد توجت جهودهم بصدور قرار أممي( لجنة تصفية الاستعمار ) في 1963 بمنح الجنوب العربي الاستقلال التام ، ومن ثم إعلان الحكومة البريطانية بأنهم سوف ترحل من الجنوب بتاريخ 8 فبراير 1968 م في سياق جدول زمني للانسحاب
من مستعمراتها شرقي السويس (الجنوب العربي عمان الأمارات العربية قطر البحرين )

فهل حقا كنا بحاجة الى ثورة مسلحة لطرد المستعمر البريطاني ؟

أليس حقا كنا في غنى عن تلك الفوضى وآثارها الكارثية المدمرة ؟

يطيب لي انقل الى كل جنوبي وجنوبية ما جاء في كتاب ( الجنوب العربي في هيئة الأمم المتحدة 1963 )

أسد الشرق الخليفي

------------------------------------------------------------


هذه هي القصة


مفاجأة للعرقلة


وقبل سفر الاخ شيخان الحبشي بيوم واحد حدثت مفجأة استهدفت عرقلة سفره , وتبين ان احد
اللصقاء بالحركة الوطنية في الجنوب وهو المدعو قحطان محمد الشعبي قد اجرى اتصالات
سرية واسعة النطاق لتشويه الهدف من ارسال الامين العام وشملت اتصالاته عددا من رجال
الحكومة اليمنية السابقة ( حكومة المتوكلية اليمنية ) وعددا من المسئولين العرب استهدفت
التأثير على الرابطة حتى لا تتخذ هذه الخطوة , والسر الخفي او الدافع الرئيسي الذي لم يكن
هؤلاء يعرفونه هو ان نية الرابطة كانت متجهة الى ارسال وفد مؤلف من عدة اعضاء برئاسة
الاخ الامين العام وكان من ضمن افرادة المدعو قحطان الشعبي ولم تكن قد تكشفت حينذاك
خيانته للحركة الوطنية وعمالته لصالح اعداؤها ، غير ان القرار الاخير اقتصر على ارسال
الامين العام وحده لسببين :

السبب الاول :
ان الغرض من ذهاب مندوب عن الحركة الى هذا المحفل الدولي في ذلك الحين لايستوجب
ارسال اكثر من شخص واحد .

والسبب الثاني :
هو عجز الحركة ماديا عن تمويل سفر ونشاط اكثر من شخص واحد ولكن قحطان هذا الذي
ثبت أنه كان يعمل لذاته ولصالح جهات معينة قد ساءه صدور القرار الاخير الذي فوت عليه
تحقيق نوازعه الشخصية واوحت له عمالته لتلك الجهات ان يعمل على عرقلة جهود رجال
الحركة للخروج بالقضية الى المجال الدولي الجديد , غير أن عزائم الرجال لايمكن ان توقفها
محاولات الانتهازيين العملاء .




أهداف الرحلة

ولكن ماهي النتائج التي استهدفتها رحلة الامين العام الى هيئة الامم المتحدة في نوفمبر 1959
لقد شعرت الرابطة أن الجامعة العربية في وضع لايمكنها من بحث قضية الجنوب العربي في
اجتماعاتها وفي نطاقها العربي وهي ابعد ماتكون تفكيرا في عرض هذه القضية في مجال الامم المتحدة , ومادامت اليمن حينذاك ترفض بحث القضية جديا في أي من المجالين العربي
او الدولي , بل واوغلت في عدائها لقضية الحرية والوحدة ولرجال الحركة الوطنية في الجنوب .
ومادامت حكومة اليمن ترى أن تطور هذه القضية سوف يحقق آمال شعب الجنوب حيث يسترد سيادته ويحقق اهدافه في الحرية والوحدة والكرامة .

ومادام هذا يعد امرا خطيرا افضل منه في نظر الحكومة اليمنية السابقة أن يبقى الجنوب العربي جنوبا بريطانيا سلاطينيا مجزأ .
مادام هذا هو خط الحكومة اليمنية حينذاك فان الجامعة العربية لايمكنها ان تدخل معها في خلاف ومشاكل قد ينتج عنها انسحاب اليمن من الجامعة العربية !!!!!
وماعلى الجنوب العربي ارضاء لخاطر اليمن الا ان يبقى جنوبا بريطانيا سلاطينيا ممزقا
وما على رجاله المناضلين في سبيل حرية العرب ووحدتهم وكرامتهم الا ان يلعقوا جراحهم
ويأووا الى جحورهم , وماعلى الشعب العربي في الجنوب الا أن يستكين للمستعمر وعملائه
وأن يرضى بحكم الواقع فان اية محاولة لتغيير هذا الواقع المهين سوف تغضب الاسياد الرابضين في تعز وصنعاء وخلف مكاتب سفارة المملكة اليمنية في الدقي بالقاهرة .

بيد أن الشعب العربي في الجنوب ممثلا في رجال حركته الوطنية لم يرض لنفسه هذه السياسة
ولم يستجب لهذه النصيحة غير الغالية وصمم على أن يشق لنفسه طريق النضال رغم كافة
العراقيل والصعاب .

1- فكان اهم اهداف رحلة الامين العام الى هيئة الامم المتحدة هو تلمس الطريق لادراج
القضية في جدول اعمال هذه الهيئة .
2- دراسة الارض التي سوف تشهد الصراع الجديد مع القوى الاستعمارية ممثلة في بريطانيا
3- الاتصال بالدول والخبراء في هيئة الامم .
4- مشاهدة صور من الصراع بين ممثلي الشعوب المناضلة وبين ممثلي مستعمريهم .
وعاد الاخ الامين العام بمحصول وفير من المعلومات والصداقات وعكف رجال الرابطة
على دراستها وتمحيصها .



وضع في منتهى الغرابة


الحقيقة الاولى انني استخلصت من نتائج االرحلة او بالأصح تأكدت بهذه النتائج أن اية قضية
من القضايا لايمكن أن يبحث أمر ادراجها في جدول اعمال الهيئة الا اذا تقدمت بها دولة عضو
في هذه الهيئة .
ويعني هذا أن قضية الجنوب لايمكن أن تجد طريقها رسميا في هذا المجال الدولي دون ان تحتضنها دول اعضاء في الهيئة .

ونحن اذا قسمنا مجموعة اعضاء الهيئة لوجدناهم ثلاقة اقسام :

الكتلة الغربية الكتلة الشرقية الكتلة المحايدة

وطبيعي أن اية دولة من دول الكتلة الغربية لايمكن أن تعمل على ادراج قضية من قضايا التحرر ضد الاستعمار الغربي في هيئة الامم , وان تعمل على التشهير باحدى زميلاتها
اما بالنسبة لكتلة الحياد او الكتلة الشرقية فان أي حديث مع ممثل أي دولة من هاتين الكتلتين
في اية قضية من قضايا التحرر العربي يثير سؤالا وجيها هو لماذا لاتتقدم الدول العربية بهذا
الطلب الى ممثلي الدول الاسيوية الافريقية .
وفي حالة ادراكهم أن الدول العربية ممثلة في جامعتها لاترغب في ذلك فان الامر يكون محل لكثير من علامات الاستفهام والاستغراب !!!

ثم اننا نحن العرب نحرص جاهدين على عدم نشر غسيلنا امام الاجانب وأية محاولة منا للاقناع سوف نستدعي شرح الحقائق وشرح هذه الحقائق يستتبع الدخول في معركة دعاية
وتشهير بين العرب انفسهم , معركة تضيع بها معالم القضية ويستفيد منها اعداء العرب ,
هذا هو الوضع الغريب الذي كانت عليه قضية الجنوب .


جهود جديدة في المجال العربي

وعادت الرابطة مرة اخرى خلال عامي 60 – 1961 تبذل جهودا مضنية في المجال العربي
اتصلت مباشرة بالمسئولين اليمنيين , سلكت معهم سبلا شتى للاقناع بل الارضاء واتصلت
بعدد من الدول العربية والشخصيات العربية لايجاد حل لهذه العقدة وايجاد تفاهم مع اليمن .

كل ذلك ذهب ادراج الرياح .
ومن ابرز هذه المحاولات , المحاولة التي بذلها السيد فائق السمرائي سفي الجمهورية العراقية
ثم السيد عبدالخالق الطريسي سفير المغرب , حيث حاول كل منهما وفي اوقات متباعدة اثارة
الموضوع في الجامعة العربية فحدث بينهما وبين ممثل اليمن تبادل كلمات قاسية توقف بحث
الموضوع على اثره .

ولم تقف اليمن عند هذا الحد بل كانت تعترض حتى على عرض أي مذكرة او برقية تتقدم بها
الحركة الوطنية في الجنوب ولاداعي للاستطراد في هذا الامر , فكما قلنا ان مجال ذلك بحث خاص عن موقف الحكومة اليمنية من قضية الجنوب العربي .

تكوين لجنة تصفية الاستعمار

وفي الدورة (16) لهيئة الامم المتحدة آخر سنة 1961 صدر قرار الهيئة بتكوين لجنة تصفية
الاستعمار وحددت مهمتها واختصاصاتها .

وانفتح باب جديد امام الحركة الوطنية في الجنوب , ولم يعد القيد يطوق رقابنا , لم نعد في حاجة الى ان تتفضل علينا دولة من الدول وتقبل ادراج قضيتنا في هذا المحفل الدولي , كما لم
نعد في حاجة الى ضرورة أن تزج الجامعة بالقضية في هذا المجال .
ان لجنة تصفية الاستعمار سوف تصغي الى ممثلي الشعوب أنفسهم لتسمع ظلاماتهم ولتقدم
تقريرها وتوصياتها الى الهيئة بخصوص اية قضية من قضايا الشعوب التي تناضل في سبيل
تحررها من الاستعمار .
اجرت الرابطة اتصالاتها ببعض الخبراء بمجريات الامور في هيئة الامم , وكان أن كتبت مذكرتها الشهيرة الى لجنة تصفية الاستعمار في مايو 1962 وبعثت بها الى سكرتارية اللجنة

حوت المذكرة خلاصة عن الجنوب العربي ( عدن والمحميات ) من الناحية الجغرافية والتاريخية وعن علاقة بريطانيا المستعمرة بهذه المنطقة , وصورا من نضال الشعب العربي
في الجنوب ومن العدوان البريطاني على حرية وكرامة وحقوق المواطنين ، وشرحت الوضع
الذي يعيشه الجنوب العربي اليوم .
وطالبت بعدة مطالب تحقق الاهداف الوطنية والقومية مناشدة اللجنة الوقوف بجانب هذا الشعب المناضل في سبيل حريته ووحدته وسيادته ( نص المذكرة في فصل قادم ) .


دعوة القوى الشعبية في الجنوب لاتخاذ موقف موحد في المجال الدولي


وفي نفس الوقت وجهت الرابطة دعوة هادفة الى كافة القوى الشعبية في الجنوب العربي لتوحيد المطالب السياسية في هذه المرحلة من النضال والتقدم بوجهة نظر موحدة امام الهيئة
الدولية ( وذلك في مايو سنة 1962 ) وشرحت في دعوتها هذه الاهداف او المطالب التي يجب ان تلتقي عليها كل الجماعات وحتى الشخصيات المستقلة , وذكرت أن اختلاف وجهات
النظر في كثير من الامور لاينبغي أن يصرفنا عن الوحدة الوطنية ضد المستعمر وضد العملاء
الذين نصبهم ووضع في أيديهم مقدرات البلاد .

ولقد حددت تلك المطالب أهداف هذه المرحلة الحالية من النضال كما يأتي :

1- التحرر من الاستعمار البريطاني .
2- وحدة الجنوب العربي ( عدن والمحميات )
3- انتقال السيادة وسلطات الحكم الى الشعب

وذكرت أن الاجراء الذي يجب اتخاذه تمهيدا لذلك هو :

1- اطلاق الحريات العامة في كافة انحاء الجنوب العربي وضمان هذه الحريات .
2- الغاء قرارات النفي والابعاد التي ارتكبها المستعمر , واطلاق سراح السجناء السياسيين .
3- اجراء انتخابات عامة مباشرة لتكوين مجلس تأسيسي تحت اشراف دولي محايد .

ولقد صادفت هذه الدعوة نجاحا كبيرا حيث التقت عليها كل القوى الشعبية ماعدا تلك القوى التي لاتدين بالولاء لشعب الجنوب العربي والتي تسعى لشل ارادته , وحتى تلك الصحف التي
تعبر عن رأي احزاب تميل الى التعاون مع الانجليز او رأي اشخاص يختلفون معنا في امور
كثيرة , حتى تلك الصحف ( ونسجل هذا اقرارا للواقع والحقيقة ) قد نشرت خلاصة هذه الدعوة ورحبت وأشادت بها وهي صحف الكفاح واليقظة والايام العدنية والطليعة والرائد
الحضرميتين , وان كانت اكثر هذه الصحف قد اكتفت بمجرد النشر والترحيب بالفكرة دون ان
تسهم عمليا في تحقيق هذه الدعوة .
ودعت قيادة الرابطة في عدن الى مؤتمر عام 1962 للقوى الشعبية في عدن وافقت فيه هذه القوى على تركيز النشاط دوليا وامام المستعمر حول هذه المطالب المحددة



منقول من كتاب ( الجنوب العربي في هيئة الأمم المتحدة ) 1963
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:15 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
الحقوق محفوظة لدى منتديات مركز صوت الجنوب العربي (صبر) للحوار 2004-2012م

ما ينشر يعبر عن وجهة نظر الكاتب أو المصدر و لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة