حكاية مشقاصي نبيل من زمن جميل

[العبد لله بو صالح]

حكاية مشقاصي نبيل من زمن جميل

كالعادة أتى من قريته المشقاصية الرابضة فوق التلة المطلة على الوادي..لشراء بعض حاجات اسرته من المدينة المشقاصية الساحلية..وبعد صلاة عشاء احد ليالي الشتاء وأثناء عودته الى بيته الطيني القديم في تلك المدينة..رأى عامل حضرمي غريب في المدينة..يضم ركبتيه الى بطنه من شدة البرد وهو يحاول النوم على كرتون بالقرب من بيته..رق قلبه لحال ذلك المسكين..ولم يطق تركه على هذه الحالة..فماكان منه الا ان احضر له فراش وغطاء بعدما دعاه للمبيت في احد غرف بيته المتواضع..صباح اليوم التالي شكر العامل صاحب البيت وحدثه عن ظروفة وظروف اهله الصعبة وقلة الشغل في تلك الايام..فرثى لحاله وترك له مفتاح البيت للسكن دون اي مقابل..وصل الامر الى درجة ان صاحب البيت عندما يأتي الى المدينة لايدخل بيته قبل ان يطرق الباب ويستأذن العامل كأنه ضيف وليس صاحب البيت..وهكذا استمر الحال لفترة من الزمن حتى ذلك اليوم الذي استلم فيه رسالة من الشرطة تبلغه فيها بالحضور الى مركز الشرطة..بدت علامة التعجب واضحة على وجه صاحب البيت وهو الرجل الذي رغم كبر سنه لم يدخل يوما مركز شرطة..وما كان منه الا ان لبّى الدعوة وحضر الى المركز ..وهناك كانت المفاجأة الأولى عندما أتوا له باغراض صندوقه المعدني الكبير الموجود في احد غرف بيته في المدينة والذي مفتاحه الوحيد في جيبه..بدأ الضابط بالسوال هل هذه أغراضك؟ قال: وملامح التعجب على وجهه نعم انها اغراضي واغراض قريب لي وضعها امانة عندي..نادى الضابط على جنوده ليحضروا الشخص الذي وجدوها معه..وماهي الا لحظات حتى أحضروه..وهنا كانت المفاجأة الثانية التي أظهرت علامات الاندهاش الشديد على وجه صاحب البيت لقد كان هذا الشخص هو العامل نفسه الذي عمل معه معروف واسكنه بيته..قال الضابط: هل تعرف هذا الرجل؟ قال: نعم..قال له هذا هو الشخص الذي قبضنا عليه وهو يحمّل هذه الأغراض على احدى سيارات الاجرة المتجهه الى الشحر..نظر اليه فرأى دموع الندم محبوسة في عينيه..أدرك صاحب البيت انها ربما تكون المرة الأولى التي اقدم فيها هذا الشخص على هذا الفعل الشائن..فماكان منه الا ان تصرف وعمل بأصله وفق قواعد القوم التي شكلتها القيم المشقاصية الأصيلة وقال للضابط: هذا الشخص اعرفه منذ فترة..وقد أمنته على بيتي وقلت له اذا احتجت الى اي غرض في البيت استعمله ورجعه في مكانه..وعندما احتاج هذه الاغراض اخذها وانا واثق انه سيرجعها..ولذلك أرجو ان تطلقوا سراحه ليذهب الى اهله وجزاكم الله خير على اهتمامكم وقيامكم بالأجراءات الاحترازية.. اطلق سراح العامل وسلموا صاحب البيت الغراض..وذهبا الأثنين معا وفي الطريق تعمد العامل ان يتمتم بكلمات توحي لصاحب البيت انه جائع لم يفطر بعد..فناوله صاحب البيت ثمن الفطور..وبقى العامل مسمر في مكانه ومطأطأ رأسه كأنه يريد ان يتكلم ولكنه خجول فقال له الشايب صاحب البيت: وراك يابني تكلم بغيت شي قال له: ياعم بغيت باروح عند اهلي وماشي معي كراء حق السيارة الى المكلا..فما كان من صاحب البيت الا ان اخرج كل النقود التي يحتفظ بها في ثبانه وناوله مايعادل أجرة السيارة ويزيد شوي..كانت تلك هي المرة الأخيرة التي رأى فيها أحدهما الآخر وبعدها ذهب كل منهما في حال سبيله.
.................................................. .........................................
تعليق :
قد يقول قائل منا ان هذا العامل يستحق السجن على فعلته..وان احسان وتسامح صاحب البيت معه وعفوه عنه ربما قد يشجعه على السرقة وعلى خيانة الامانة.. لكن الذي حصل العكس تماما لأنه حسب ماعلمنا فيما بعد ان ذلك العامل قد اهتدى وتاب الى ربه منذ ذلك اليوم الذي غادر فيه تلك المدينة..ومن يومها لم يأتي الى المشقاص..وهو مايثبت ويؤكد صواب ورجاحة عقل الشايب المشقاصي النبيل وحكمته و تصرفه السليم في الوقت المناسب..وخصوصا بعدما رأى انها ربما تكون المرة الأولى التي سلك فيهاهذا العامل هذا السلوك الشائن..لعله تعمد ان يتستر على هذا الفقير الذي اذا انقطع يومين عن العمل لايجد قوته..ليحسسه انه ليس سارق كي يخرج بماء وجهه امام الجميع..وتبقى الخيانة والسرقة عيب في نظرة..جتى لايكررها مرة أخرى..وقد كان محق في ذلك التصرف..على عكس لو تصرف معه على اساس انه سارق..ربما سيسجن فترة من الزمن ولكنه في الأخير سيغادر السجن وبعد مغادرته السجن سيظل سارق في نظر المجتمع و عند حدوث اي سرقة في المدينة سيكون هو المتهم الأول من قبل الجميع..هذا غير انه سيكون من اصحاب السوابق و سيتم استدعاه من قبل الشرطة عند حدوث اي سرقة في المدينة..الأمر الذي سيؤدي في الأخير الى انحرافه ويجعله يعود للسرقة مرة أخرى فيكون عبء ثقيل على أهله وعلى أهل المشقاص واهل حضرموت عامة .

[روابي عدن]

نستوحي الحكمة و الحنكة لدى الأولين الذين بداو يتناقصون وهذا مانلاحظه مع تعاطي الجميع مع مجمل القضايا الحياتية .
شكراًً الاخ ابو صالح على القصة الجميلة التي لا يستبعد ان تكون حقيقة وان سردها المؤلف واصاغها بطريقة منمقة جميلة
دمت بود

[العبد لله بو صالح]

اقتباس   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روابي عدن نستوحي الحكمة و الحنكة لدى الأولين الذين بداو يتناقصون وهذا مانلاحظه مع تعاطي الجميع مع مجمل القضايا الحياتية . شكراًً الاخ ابو صالح على القصة الجميلة التي لا يستبعد ان تكون حقيقة وان سردها المؤلف واصاغها بطريقة منمقة جميلة دمت بود

مرورك يسرني كثير يااختي الكريمة ربي يبارك فيك ويحفظ لك رجاحة عقلك وفصاحة لسانك .
لك كل التقدير والاحترام