الوحدة اليمنية تواجه عاصفة الجنوب(1)

[النمر اليافعي]

اقتباس الوحدة اليمنية تواجه عاصفة الجنوب (1)

اقتباس عبدالله خليفة استمر حزب المؤتمر في الهيمنة على السلطة الكلية خلال سنوات الوحدة، وأخرج حليفه الحزب الاشتراكي من السلطة بالتآمر حيناً ثم بالقوة حيناً آخر، كذلك استبعد حزب الإصلاح الديني الذي كان الحليف الآخر للمؤتمر. يعبر صراع الأحزاب اليمنية عن انفراد حزب المؤتمر خاصة العسكريين الكبار فيه بالسلطة، وإبعادهم مختلف الفرقاء الآخرين، وهذا يعبر عن أن ايديولوجية الوحدة اليمنية والشعب اليمني الواحد تعرضت لأعصار المصالح الضيقة في بؤرة السلطة. كانت الشرارة الأولى للأحداث قيام ضباط كبار من جنوب اليمن بالاحتجاج نظراً لإبعادهم عن أعمالهم، وهو حدثٌ تلاهُ الكثيرُ من المظاهراتِ السلمية الكبيرة، لكن في الآونة الأخيرة صارت المظاهرات دموية، فمن قلبها وحولها إلى معارك عصابات مسلحة وتهديدات بالانشقاق الوطني الكامل؟ وتقول الحكومة إنها قامت بمشروع كبير لتعويض المتقاعدين من الضباط خاصة، فيما يرى الحزب الاشتراكي بأن الترقيعات ليست هي الحل الأمثل في اجتماع لجنته المركزية سنة 2008، مما يعني ضرورة العودة لمشاركة حزب المؤتمر الحكم أو أن لديه خيارا آخر. وتنامت الأحداث في أشكال متعددة كلها تعبر عن عودة الصراع بين الشمال والجنوب وبين حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي. وقد تفجرت عدة حوادث خلال سنة 2007 وما بعدها، كانت تتالى بشكل يعبر عن انتقال الأزمة السياسية من الشمال إلى الجنوب، ومنها: "لإحياء ذكرى شهداء الثورة المسلحة الاولى ضد الاستعمار البريطاني الذي غادر آخر جنوده مدينة عدن في 30/11/1967م وايضاً لإحياء ذكرى من استشهد في ثورته السلمية بعد الاحتلال الثاني من قبل الاخوة اليمنيين الشماليين منذ 7/7/1994م وكان ذلك بمهرجان وتظاهرة سلمية في مدينة الصبيحة بمحافظة لحج الجنوبية"، (موقع يمني). "مناسبة ذكرى انطلاق الثورة المسلحة الاولى في 14/10/ 1963م، حيث اقيمت فعالية هذه الذكرى في 14/10/2008م بتظاهرة سلمية في ردفان مقر انطلاق الثورة الاولى التي جرى تفريقها بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، وخرجت ببيان تاكيد مواصلة النضال بشكل سلمي". كانت الايديولوجية الوحدوية تتشكلُ من خلال الصفقات السياسية بين قيادات الأحزاب، ولم تكن سوى مشاعر طيبة فياضة تعوزها علاقات الديمقراطية على الأرض. فكل حزب كان دكتاتوريا كبنى الأحزاب العربية عامة، فجاءت الوحدة صفقة سياسية، حين عجز الحزبُ الاشتراكي عن تطوير جنوب اليمن، بانقطاع المساعدات السوفيتية وجمود تجربة القطاع العام المسيطر كليا على الاقتصاد، وهو أمرٌ من دون ديمقراطية شعبية عمالية قاعدية واسعة لا يعني سوى هيمنة القيادات البيروقراطية والعسكرية، فرأت في الوحدة قارب النجاة من أسئلة المرحلة الديمقراطية. وتلقف الشمالُ المحافظ سواء أكان في حزب المؤتمر أم الإصلاح ذلك كهزيمة للنهج الاشتراكي المفترض وتطوراته المحتملة، الذي فقد حلفاءه الكبار، لحظة القضاء عليه. ومثلما أن الحزب الاشتراكي لم يتحول إلى تنظيم ديمقراطي وطني يمني، وظل بيروقراطيا جنوبيا، قبليا، كذلك فإن حزبي شيوخ القبائل وكبار العسكريين والمحافظين الشماليين ظلا في عالم الإقطاع الحكومي وعالم الإقطاع القبلي المذهبي، فأي وحدة وطنية تنتجُ من خلال التوحدِ مع هذه القوى الاجتماعية المحافظة؟ لم يستطع حزبا المؤتمر والاشتراكي تطوير (ايديولوجية) الوحدة الوطنية، لعوامل اجتماعيةٍ تعودُ للتخلف وغياب البرجوازية الوطنية التي تتشكلُ فوق قواعد التصنيع الواسع، لكن الفئات البيروقراطية والعسكرية التي نمت داخل الفساد لا تستطيع إنتاج مثل هذه الايديولوجيا، التي هي المشترك الثقافي الديمقراطي للنخب السياسية الوطنية المفترضة. استمر هذا الفراغ الفكري طويلاً رغم كثرة المؤسسات اليمنية الثقافية ومراكز الدراسات والابحاث، لسبب مهم يعود للفقر الواسع المؤدي إلى صعوبة إمكانية ظهور المثقفين المستقلين عن قوى الطوائف والقبائل، ثم هيمنة مركز السلطة الوحيدة وتناميه وإزالته للاختلافات الفكرية الصراعية الوطنية المفيدة، فقاد احتكارُ السلطة إلى عدم تعاضد حزبي المؤتمر والاشتراكي في إنتاجِ ذلك الوعي الوطني العريض القابل بالتعدديةِ والاختلافِ والمنفصل عن الدين والمذهب والقبيلة. ثم لم يؤدِ تعاونُ وتحالفُ المؤتمر والإصلاح إلى إنتاجِ وعي إسلامي وطني ديمقراطي كذلك، وكان التوجهُ لحزب محافظ هو الإصلاح وإدارة الظهر للحزب الاشتراكي بل ضرب مواقعه في الجنوب بالقوة المسلحة، على فرضية الانفصال الأولى، تعبيراً عن هلامية مصطلحات حزب المؤتمر وقيامه على الانتقائية وغياب الموقف السياسي العميق، فهو حزبٌ تحالفي حسب مصلحة بقائه في السلطة، لا حسب تطور اليمن الوطني. فإذا الحزب الحاكم لم ينتج فكرا وطنيا مع اليسار ولا مع اليمين الديني، فهذا يعني وجود ذلك الفراغ الفكري الكبير، الذي راحت الجماعاتُ الطائفية تسثمرهُ اسوأ استثمار، وظهر فوق الصراعات المسلحة والارهاب، وهو أولُ صراع أهلي داخلي شمالي، واسع النطاق، يؤكد الانفصال السياسي في الشمال نفسه. على قاعدة الفقر المتزايد والتحكم المركزي وغياب البدائل الاقتصادية تفككت العلاقاتُ السياسية الوطنية، ودخلت في طوفان الاستغلال من كل طرف، وأدت الأنانية الحكومية إلى أنانيات أحزاب المعارضة، فهي كذلك تتوحد بأشكال لا مبدئية، ويغدو المهم لديها زحزحة السلطة المتمركزة بأي شكل. لقد وافق الحزب الاشتراكي اليمني على الوحدة وانضم إليها ودمج قواته في قوات الشمال ثم جاء الانفصال، ولم يعترف الحزب الاشتراكي بمسئوليته عن هذا الانفصال، ومن هنا تأتي بياناته السياسية مغيبة هذه النقطة الجوهرية، فلو أن قيادة الحزب لم تؤيد الانفصال لما حدثت الحرب. ومن جانبه فإن حزب المؤتمر جعل جنوب اليمن وربما البلاد كلها غنيمة له، واستمر يحكم بالأغلبية نفسها التي تعرفها كل تجربة سياسية عربية تـُسمى ديمقراطية وهي ليست كذلك.

رابط المقال:-

[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]


أرجو من الأخوة القراء الكرام اثراءنا بتعليقاتهم الهادفة على هذا المقال الرائع من هذا الكاتب الرائع الذي عودنا بين الفينة والأخرى بالكتابة عن أحوال الجنوب ....فشكراً لقلمك الحر أيها الكاتب البحريني الشجاع....
أشد ما أثار انتباهي هو قوله " الاحتلال الثاني من قبل الاخوة اليمنيين الشماليين منذ 7/7/1994م"
.
.
..
أرجو التفاعل وكل أخ في أي دولة يجد مقال عن الجنوب ينزله على المواقع الجنوبية