غليان الجنوب يضع اليمن عند مفترق طرق (جريدة النهار البنانيه)

[saad76]

من بين أعلام ورايات خضر ولافتات حملها أمس مئات المتظاهرين المحتجين من أنصار "الحراك الجنوبي" في محافظة الضالع الجنوبية، برزت لافتات جديدة رفعت للمرة الاولى تتهم صنعاء بشن حملات إرهاب على الصحافيين ووسائل الإعلام المحلية والدولية لحجب ما يجري في المحافظات الجنوبية التي تشهد اضطرابات لا سابق لها نتيجة الإجراءات العسكرية التي اتخذتها صنعاء لمواجهة الإنفصالييين المطالبين بفك الارتباط.
وانعكست تفاعلات الأزمة الجنوبية وتداعياتها التي امتدت إلى الصحافيين، على الوضع الداخلي اذ برز إلى الواجهة تدهور قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار بسبب المخاوف من تداعيات عسكرية في المحافظات الجنوبية بعدما أقفل بعضها كليا تحت ضغط الاحتجاجات اليومية والمواجهات المسلحة بين الجيش وناشطي "الحراك"، فضلا عن اغلاق عشرات المدارس وبعض المرافق نتيجة حال الطوارئ والانتشار الكبير للجيش.
وتفاقمت الأوضاع في تلك المحافظات مع إعلان أحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك (ستة أحزاب سياسية من اليسار والإسلاميين) تضامنها مع مطالب أبناء المحافظات الجنوبية وتنظيمها حركة احتجاجات على "عسكرة المحافظات الجنوبية" ولدعم مطالبها في "وقف المظاهر العسكرية والملاحقات الأمنية التي تنتهك الدستور والإفراج عن المعتقلين والشروع في الحوار الوطني الشامل والإصلاح السياسي".

احتقان داخلي
ويكاد كثير من السياسيين في المعارضة يتفقون على أن الأزمة المتفاقمة في المحافظات الجنوبية وضعت البلاد عند مفترق طرق، فيما السياسات التي تتبعها السلطة اليمنية على الأرض لم تقدم حلولا بمقدار ما ساهمت في تجذر الأزمة خصوصا مع اتجاه صنعاء نحو التصعيد العسكري لمواجهة ما تسميه " أعمالاً تخريبية تقودها عناصر انفصالية" من قوى "الحراك الجنوبي" الذي يرفع شعار "تقرير المصير" و"فك الارتباط" مع الشمال.
وعلى رغم تأكيد المسؤولين اليمنيين ان الاوضاع في المحافظات الجنوبية تحت السيطرة واعلانهم مبادرة للحوار مع قوى "الحراك" لحل الأزمة، إلا أن الخطاب الرسمي المتسم بالعنف وما يقابله من شعارات لدى أنصار "الحراك الجنوبي" عن "استعادة دولة الجنوب" و"مقاومة الاحتلال" و"استفتاء تقرير المصير" في إشراف الأمم المتحدة، لا تدع مجالاً للشك في ان انفجار الأوضاع في هذه المحافظات التي يشكو سكانها من التمييز والإقصاء وغياب الشراكة ليس سوى مسألة وقت.
ويذهب ناشطون جنوبيون إلى الجزم بأن "المواجهات المسلحة بين المحتجين وقوات الجيش تشير الى ان الأوضاع في الجنوب وصلت إلى نقطة اللاعودة".
ويرى مراقبون أن الأوضاع في جنوب اليمن ازدادت تعقيداً بسبب "غياب الحلول المقبولة من الشارع ونزوع السلطة الحاكمة إلى الخطاب التحريضي والتخويني الذي يبتعد دائما عن المشكلات الحقيقية ويركز على وصف "الحراك" بأنه "مجموعة من الانفصاليين الخونة والعملاء للخارج" و"الحالمين بالسلطة والذين فقدوا مصالحهم"، الامر الذي اثار رد فعل أكثر عنفا وتشددا زاد شعبية الصوت الجنوبي الذي يدير معركته من الخارج.
ويقول قياديون في "الحراك الجنوبي" إن المحافظات الجنوبية باتت اليوم على وشك الانفجار، في اشارة إلى المواجهات بين الشرطة وأنصار الحراك السلمي والتحركات العسكرية التي باشرتها صنعاء من طريق تحريك قواتها المسلحة في المدن ونشر اسلحة ثقيلة في الأحياء والشوارع وتوسيع حملات الدهم والاعتقال ضد المعارضين.
الى ذلك، فان الزيارات الميدانية التي قام بها اخيراً مسؤولون عسكريون لمعسكرات الجيش في المحافظات الجنوبية والتصريحات النارية لوزير الدفاع التي أعطت الجيش الضوء الأخضر لقمع حركة الاحتجاجات السلمية بالسلاح، تشير الى مدى التدهور.

أزمة مركبة
ويصف الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني المعارض الدكتور ياسين سعيد نعمان الأزمة اليمنية بأنها "مركبة تتغلغل في مفاصل دولة هشة... ففشل المشروع السياسي والاقتصادي للدولة أدى إلى إنتاج ثقافة التفكك، كما أن ما جرى في الشمال وما يجري اليوم في الجنوب وحال الانسداد السياسي وتوجه السلطة لفرض نظام بوليسي، أنتج أزمة عميقة لها مظاهرها السياسية والوطنية وأضحى فيها البلد مهددا بالتفكك وخصوصا أن ما يطرحه النظام أن حل الأزمة لن يأتي إلا بالقوة، وهذا التشخيص لم يترك أي فرصة للبحث الجاد عن حل للأزمة".
ويلفت إلى أن "ما أعاد إنتاج ثقافة التفكيك هو الفشل في المشروع السياسي والإقتصادي والاجتماعي والأمني، في حين أن خطاب السلطة يدفع الناس إلى المجهول، فهي لم تعترف بالأزمة ولا تراها سوى مجرد مناوشات وأناس فقدوا مصالحهم وتاليا تغلق بشكل مطلق باب الحديث أو التفكير في طبيعة الأزمة التي يمر بها البلد ولا تريد أن تكون طرفا في المشكلة إن لم تكن هي المشكلة ولا جزءاً من الحل إن لم تكن هي الحل كله".
ويرى أن المبادرات التي أعلنتها صنعاء لحل الأزمة الجنوبية "ليست سوى مسكنات" كما أن الهروب إلى الخارج هو تسكين أيضا، في حين أن غياب شروط الإصلاح السياسي من الناحية العملية ومصادرة حق الشعب في انتخابات حرة ونزيهة لن يقدما سوى مزيد من تعقيد الأزمة".
وفي رأي مراقبين كثر أن "المخرج الوحيد من الأزمة اليمنية لا يمكن أن يتحقق إلا بالحوار المفضي إلى توسيع دائرة الشركة الوطنية في السلطة والثروة والشروع في اصلاحات حقيقية تعيد الاعتبار الى المحافظات الجنوبية بصفتها شريكا أساسيا في دولة الوحدة، ثم الاحتكام إلى انتخابات حرة ونزيهة وعادلة تجسد الإرادة الشعبية في التغيير.



عن جريدة النهار اللبنانيه

الأحد 14 آذار 2010 - السنة 77 - العدد 23986

بشائر

[أبو محمد]

شكرا لك على النقل

الأبواب تنفتح شيئا فشيئا ولله الحمد .